التطرّف والتراث... والمؤسسة الدينية

منهج وانفصال... أم معرفة واتصال؟!

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لم يكونا من الأزاهرة ولا من خريجي مدارسه رغم أن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا (غيتي)
أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لم يكونا من الأزاهرة ولا من خريجي مدارسه رغم أن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا (غيتي)
TT

التطرّف والتراث... والمؤسسة الدينية

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لم يكونا من الأزاهرة ولا من خريجي مدارسه رغم أن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا (غيتي)
أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لم يكونا من الأزاهرة ولا من خريجي مدارسه رغم أن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا (غيتي)

بتوضيح أكثر، فإن الحسم بأن جريرة الإرهاب تقع على المؤسسة الدينية، سلفية كانت أم أزهرية، وقوع في خطأ فادح. أو الحكم بأنها مسؤولية النص خطأ فادح قد يقترب منه تحميل قراءاته في التراث وبعض أحكام فقهائه الماضين كذلك (التي تؤخذ أحيانا من كتاب تعليمي أو كتاب تجميعي أو فتاوى شاردة دون اعتناء بالنسق الكامل لمن أفتاها ومدرسته) خطأ أكبر. وهو يحول قضية تجفيف روافد الإرهاب لمعركة مع التراث منفصلة عن الاشتباك بنص الإرهاب نفسه. وهو ما يفتح المجال أمام محاور أربعة، تتمثل في في اتساع المؤسسة الدينية وقطع التطرف معها، والتراث المفتوح والنسبة المنغلقة، إلى جانب الاهتمام بالأخبار لا الأفكار، وأخيرا، انتقائية ومحدودية التراث عند الإرهاب.
كثيرون من منظّري ما يسميه البعض «الجهاد» المصري والمعولم لم يكونوا أزاهرة ولم يكونوا خريجي مدارسه. فعبد السلام فرج مهندس، والظواهري وعبد القادر بن عبد العزيز طبيبان، والزرقاوي لم يزُر مصر أو يعرفها ويعرف أزهرها وتراثه. وهذا مع أننا لا ننكر أن ثمة في الأزهر مَن مالوا للتعصّب والتطرّف واحتكار الحق والحقيقة منذ الشيخ المالكي محمد عليش (المتوفى عام 1882) أبرز مناهضي الشيخ محمد عبده (توفي عام 1905) - الأزهري أيضًا - وجمال الدين الأفغاني (توفي عام 1897)، مرورًا بالشيخ محمد شاكر (والد الشيخين المحقّقين والناقدين أبي فهر وأبي الِأشبال أحمد ومحمود محمد شاكر) وهو أبرز من واجه كلاً من علي عبد الرازق وكتابه «الإسلام وأصول الحكم» وطه حسين وكتابه «في الشعر الجاهلي» وغيرهم في عشرينات القرن الماضي، وصولا إلى بعض المعاصرين.
والحقيقة أن الأزهر لم يكن يضم هؤلاء فقط، بل اتسع أيضًا لكثير من أضدادهم ومَن ساندوا هؤلاء في كل اتجاه، ومَن مارسوا التجديد والترجمة والتطور كذلك. إن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا، وكذلك المدرسة السلفية أو الزيتونية ليست صوتًا واحدًا، بل كان الكثير من المجدّدين ودعاة الإصلاح وحقوق المرأة والدعوة للتقدم أبناء هذه المدرسة كذلك. بل الغالب في كليهما ليس الغلو والتشدد قولاً واحدًا، وإن كان ثمة رأي وافق المتشددين في سياق معين، فيوجد ما يخالفه في منظومتها وربما في تراث الشخص نفسه.
ويظهر أن الحسم بمسؤولية قبلية في التاريخ لتطرّف معاصر يفصله عن سياقاته، ويعطيه شرعية وأصالة لا تشبهه. فضلاً عن أن نظامه المعرفي ليس إلا منهجًا عشوائيًا (اللامنهج) في انتقائيته وعشوائيته وذرائعيته في قراءة التراث والتاريخ معًا.
وإن عوَرًا عميقًا في كثير من عمل منظمات وأفراد في مجال مكافحة التطرف العنيف أنها تقف عند منتجاته وعملياته وأخباره دون أفكاره الراهنة، خصوصا في تجليها الأخير الأصولي الراديكالي والداعشي. وهي اعتبرته اتصالا بالتراث رغم أنه قطيعة معه بممارسته تأويلاً انتقائيا لتحقيق هدف يعتقده في الراهن فقط. بل يرى كل ما يقوم به ويقدمه نظرا وعملا «تجديدًا دينيًا»، ومن هنا لا غرابة لديه حين يصف «أبو جندل الأزدي» - أي فارس آل شويل، الذي أعدم في (2 يناير/ كانون الثاني 2015) - «شيخه» أسامة بن لادن في كتيب له بأنه «مجدّد الزمان وقاهر الأميركان» يحمل العنوان نفسه.
وإذا قبلنا أن المشكلة مشكلة منهج لا مشكلة قراءة، يمكننا تفسير جسارة وجرأة الأستاذ أبو الأعلى المودودي في «المصطلحات الأربعة» وحسمه بأنه يعيد فهم الدين من جديد! وأن كثيرا من القرون الأولى لم تستطع أو تنل فهما صحيحا لأركان معرفية أربعة في تصور الدين، وهي مفاهيم «الإله والدين والرب والعبادة»، وهو ما انتقده عليه الكثيرون فيما بعد. واعتبره أبو الحسن الندوي «تفسيرًا سياسيًا للإسلام» يطوعه مفاهيمه ومفرداته لغاية سياسية، وذكر الندوي في مقدمته أن المودودي قبل منه ذلك فيما بعد واطلع عليه، وطلب منه مواصلته على سائر مؤلفاته.
لذا نرى المشكلة مع ظاهرة التطرف العنيف والأصولية المنسوبة للإسلام سنية وشيعية، مشكلة منهج وليست مشكلة معرفة أو انتساب أو تأثير وتأثر يتحمل النص أو مدرسة ما جريرته. مع الظاهرة الأصولية والمتطرفة المنسوبة للإسلام، سنيا وشيعيا، ليست مشكلة إسناداته ومرتكزاته النصية والتراثية التي يستند إليها بالأساس، لكنها مشكلة المنهج والذرائعية وإرادة الآيديولوجيا لا إرادة المعرفة في فهم النص نفسه، مما يجعلها تمارس تطويعا للنص قبل أن تمارس قراءة أو اكتشافا له.
إن ثمة انتقاء واقتطافًا اختزاليًا النظام المعرفي لأفكار الإرهاب والتطرّف الديني العنيف المنسوب للإسلام. ويبدو أن البحث في معضلة الإرهاب بهدف مكافحته وعلاقته بالتراث الإسلامي أو منظومات المدارس الإسلامية بحث غير مجد، لأنها منفصل عن هذا التراث في تأويله الذي تبلور خاصًا مؤسسًا على أدبيات الإسلام السياسي القطبي وعلى الفتاوى مؤسسا منظومته وأدبياته الخاصة فيما بعد، بعدا وقطعا مع هذه المنظومات الأولى وصداما عليها ومعها. وسنعرض في ما يلي ملامح من إهمال الإرهاب لجوانب عريضة من التراث مثل مبحث الأدب والفقه السياسي الإسلامي الذي يفترض أن يكون أقرب لاهتماماتها، ولم تدخل عليه إلا برغبة وإرادة الأدلجة، أو القوة والتطويع توظيفًا لا الاكتشاف أو الاستلهام استئناسا.
مفردة «الحاكمية» التي صكها سيد قطب، تعريبا لما كتبه المودودي واتفاقًا معه، ليست أصيلة في النص والتراث الإسلامي ولم ترد قبلهما لفظا أو دلالة قبلهما عند أحد من علماء السلف عمومًا.
لكنها، استحالت وصارت مع الحركات الراديكالية الإسلامية المعاصرة كأنها ثابت لا مناص عنه، وأصل لا انفلات منه. واعتبرها منظر راديكالي معاصر «أخص خصائص عقيدة الألوهية ذاتها»، وهو (رغم نسبته للسلف) حشر في مجمل وتفاصيل اعتقاده ما ليس منه، ذرائعية تخدم واقعيته وهدفه المعاصر والآني في حرب وصراع الأنظمة «العدو القريب» أو العالم وقواه المتحالفة معه (العدو البعيد).
ولا يهتم المتطرفون في أدب الخلافة والإمامة المعاصر بتاريخ المفاهيم، بل يهتمون بتوظيفها وإسقاطها على الواقع المعاصر مرة واحدة، سواء في ذلك في مفهوم الخلافة نفسه، أو مفاهيم أخرى كمفهوم «الدار» و«الخروج» وما شابه. وهذا رغم أن الأخير نفسه أجمع علماء المسلمين السنّة على رفضه بعد فترة من الوقت، منذ القرن الأول، ولم يكن هدفا ولا غاية عندهم. بل وقدموا عليه مفهوم «درء الفتنة» بعد تألمهم من أحداث الفتن ومأساة الحسين ومأساة القراء وقبلوا بحكم التغلب لهذا السبب، نائين بالدين عن صدامه بالسلطة إلا أمرا بمعروف ونهيا عن المنكر لا عنفيًا. وهكذا كان إلحاح ابن خلدون على العصبية أو ابن تيمية على الشوكة كشرط لانعقاد أي إمامة، قبل غيرها من الصفات التي يرددها التطرف المعاصر والقديم.
كذلك، فإن تأملاً بسيطًا في تاريخ التأثير الفارسي في الأدب الإسلامي، مع نهايات الحكم الأموي - ولقد أعجب الكثير من حكامه بعهد أردشير بالخصوص - سيلحظ صداه الباطني في أدب الخلافة والإمامة على السواء. فالكلمة المشهورة لأردشير بن بابك أن «الدين أس الملك» هي من صنعت كثيرا متوالياتها الأخرى في تراث الخلافة بل مفهومها نفسه، فتم تصوير الحكم الإسلامي أو الخلافة والخليفة كحفظ للدين ومحفوظ به، وتم تعريف الخلافة عند مختلف الفرق ومؤرخيهم كـ«حراسة للدين وسياسة للدنيا كذلك». وهنا تمت بلورة التاريخ دينا، وآثرت فتنة البشر على وحدة الدين، وتفرّق الناس إلا عن كلمة التوحيد التي تجمعهم، كما ضبط الأشعري تصنيفه في «مقالات الإسلاميين».
وحتى لا ينتقد ناقد بأن الكتابات الإسلامية السياسية، إلى القرن الرابع والخامس الهجري، في إشارة لما بدأ على يد أمثال أبو الحسن الماوردي (450 هجرية) الذي مأسس لتصوراتها في عهد الخليفة القادر بالله عام 422 هجرية، وتبعه في ذلك معاصراه إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (المتوفى 478 هجرية)، الذي تميز في طرحه عنه، والقاضي أبو يعلى الحنبلي (458 هجرية) الذي نقل عن الماوردي الكثير في كتابه، ولم يشر إليه، رغم تعاصرهما. لكنه نقد غير صحيح، فالاهتمام بما يسمى «السياسة وتصورات الدولة وأحكامها» مبكر يعود للقرن الثاني الهجري في مسائل جزئية كـ«الخراج» لأبي يوسف (توفي 182 هجرية) إلى كتاب «الأم» للشافعي (توفي 204 هجرية).
ولكن خلاف الإمامة وتصور الخلافة وتدييين الحكم وتسييسه، مع أجواء الفتنة وتأثير عهد أردشير والتأثيرات الفكرية الأخرى، إذ ولد معها مبكرا ولم تكن شرعية تتولد إلا من تصورات الدين وأحكامه، وصارت كل فكرة تصوغ اعتقادها وفق لخلافها في مسألة الإمامة والحكم نفسها.
ويبدو النظام المعرفي للتطرّف المعاصر، بأشكاله العنفية خصوصًا، منفصلاً عن كل هذه الآداب، مكتفيا بالانتقاء منها أحيانا أو التوظيف الآيديولوجي فقط. وأحيانا اختزالها ظنًا ورهانًا فقط على أن الآخرين سيصدقون أن مقولتهم أصيلة أو شرعية، كما كان في تدليسهم فتوى لابن تيمية نسبوا فيها له جواز التحريق، مع أن ابن تيمية قال في آخر نصه إنه يرفض ولا يفضل ذلك، حتى لو انتقامًا ممن صنع مثله بأسير مسلم. ولقد كشفنا هذا التدليس في مقال بـ«الشرق الأوسط» سابقًا بعد بيانهم بأيام.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».