التطرّف والتراث... والمؤسسة الدينية

منهج وانفصال... أم معرفة واتصال؟!

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لم يكونا من الأزاهرة ولا من خريجي مدارسه رغم أن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا (غيتي)
أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لم يكونا من الأزاهرة ولا من خريجي مدارسه رغم أن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا (غيتي)
TT

التطرّف والتراث... والمؤسسة الدينية

أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لم يكونا من الأزاهرة ولا من خريجي مدارسه رغم أن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا (غيتي)
أسامة بن لادن وأيمن الظواهري زعيم «القاعدة» لم يكونا من الأزاهرة ولا من خريجي مدارسه رغم أن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا (غيتي)

بتوضيح أكثر، فإن الحسم بأن جريرة الإرهاب تقع على المؤسسة الدينية، سلفية كانت أم أزهرية، وقوع في خطأ فادح. أو الحكم بأنها مسؤولية النص خطأ فادح قد يقترب منه تحميل قراءاته في التراث وبعض أحكام فقهائه الماضين كذلك (التي تؤخذ أحيانا من كتاب تعليمي أو كتاب تجميعي أو فتاوى شاردة دون اعتناء بالنسق الكامل لمن أفتاها ومدرسته) خطأ أكبر. وهو يحول قضية تجفيف روافد الإرهاب لمعركة مع التراث منفصلة عن الاشتباك بنص الإرهاب نفسه. وهو ما يفتح المجال أمام محاور أربعة، تتمثل في في اتساع المؤسسة الدينية وقطع التطرف معها، والتراث المفتوح والنسبة المنغلقة، إلى جانب الاهتمام بالأخبار لا الأفكار، وأخيرا، انتقائية ومحدودية التراث عند الإرهاب.
كثيرون من منظّري ما يسميه البعض «الجهاد» المصري والمعولم لم يكونوا أزاهرة ولم يكونوا خريجي مدارسه. فعبد السلام فرج مهندس، والظواهري وعبد القادر بن عبد العزيز طبيبان، والزرقاوي لم يزُر مصر أو يعرفها ويعرف أزهرها وتراثه. وهذا مع أننا لا ننكر أن ثمة في الأزهر مَن مالوا للتعصّب والتطرّف واحتكار الحق والحقيقة منذ الشيخ المالكي محمد عليش (المتوفى عام 1882) أبرز مناهضي الشيخ محمد عبده (توفي عام 1905) - الأزهري أيضًا - وجمال الدين الأفغاني (توفي عام 1897)، مرورًا بالشيخ محمد شاكر (والد الشيخين المحقّقين والناقدين أبي فهر وأبي الِأشبال أحمد ومحمود محمد شاكر) وهو أبرز من واجه كلاً من علي عبد الرازق وكتابه «الإسلام وأصول الحكم» وطه حسين وكتابه «في الشعر الجاهلي» وغيرهم في عشرينات القرن الماضي، وصولا إلى بعض المعاصرين.
والحقيقة أن الأزهر لم يكن يضم هؤلاء فقط، بل اتسع أيضًا لكثير من أضدادهم ومَن ساندوا هؤلاء في كل اتجاه، ومَن مارسوا التجديد والترجمة والتطور كذلك. إن مدرسة دينية كالأزهر ليست صوتًا واحدًا، وكذلك المدرسة السلفية أو الزيتونية ليست صوتًا واحدًا، بل كان الكثير من المجدّدين ودعاة الإصلاح وحقوق المرأة والدعوة للتقدم أبناء هذه المدرسة كذلك. بل الغالب في كليهما ليس الغلو والتشدد قولاً واحدًا، وإن كان ثمة رأي وافق المتشددين في سياق معين، فيوجد ما يخالفه في منظومتها وربما في تراث الشخص نفسه.
ويظهر أن الحسم بمسؤولية قبلية في التاريخ لتطرّف معاصر يفصله عن سياقاته، ويعطيه شرعية وأصالة لا تشبهه. فضلاً عن أن نظامه المعرفي ليس إلا منهجًا عشوائيًا (اللامنهج) في انتقائيته وعشوائيته وذرائعيته في قراءة التراث والتاريخ معًا.
وإن عوَرًا عميقًا في كثير من عمل منظمات وأفراد في مجال مكافحة التطرف العنيف أنها تقف عند منتجاته وعملياته وأخباره دون أفكاره الراهنة، خصوصا في تجليها الأخير الأصولي الراديكالي والداعشي. وهي اعتبرته اتصالا بالتراث رغم أنه قطيعة معه بممارسته تأويلاً انتقائيا لتحقيق هدف يعتقده في الراهن فقط. بل يرى كل ما يقوم به ويقدمه نظرا وعملا «تجديدًا دينيًا»، ومن هنا لا غرابة لديه حين يصف «أبو جندل الأزدي» - أي فارس آل شويل، الذي أعدم في (2 يناير/ كانون الثاني 2015) - «شيخه» أسامة بن لادن في كتيب له بأنه «مجدّد الزمان وقاهر الأميركان» يحمل العنوان نفسه.
وإذا قبلنا أن المشكلة مشكلة منهج لا مشكلة قراءة، يمكننا تفسير جسارة وجرأة الأستاذ أبو الأعلى المودودي في «المصطلحات الأربعة» وحسمه بأنه يعيد فهم الدين من جديد! وأن كثيرا من القرون الأولى لم تستطع أو تنل فهما صحيحا لأركان معرفية أربعة في تصور الدين، وهي مفاهيم «الإله والدين والرب والعبادة»، وهو ما انتقده عليه الكثيرون فيما بعد. واعتبره أبو الحسن الندوي «تفسيرًا سياسيًا للإسلام» يطوعه مفاهيمه ومفرداته لغاية سياسية، وذكر الندوي في مقدمته أن المودودي قبل منه ذلك فيما بعد واطلع عليه، وطلب منه مواصلته على سائر مؤلفاته.
لذا نرى المشكلة مع ظاهرة التطرف العنيف والأصولية المنسوبة للإسلام سنية وشيعية، مشكلة منهج وليست مشكلة معرفة أو انتساب أو تأثير وتأثر يتحمل النص أو مدرسة ما جريرته. مع الظاهرة الأصولية والمتطرفة المنسوبة للإسلام، سنيا وشيعيا، ليست مشكلة إسناداته ومرتكزاته النصية والتراثية التي يستند إليها بالأساس، لكنها مشكلة المنهج والذرائعية وإرادة الآيديولوجيا لا إرادة المعرفة في فهم النص نفسه، مما يجعلها تمارس تطويعا للنص قبل أن تمارس قراءة أو اكتشافا له.
إن ثمة انتقاء واقتطافًا اختزاليًا النظام المعرفي لأفكار الإرهاب والتطرّف الديني العنيف المنسوب للإسلام. ويبدو أن البحث في معضلة الإرهاب بهدف مكافحته وعلاقته بالتراث الإسلامي أو منظومات المدارس الإسلامية بحث غير مجد، لأنها منفصل عن هذا التراث في تأويله الذي تبلور خاصًا مؤسسًا على أدبيات الإسلام السياسي القطبي وعلى الفتاوى مؤسسا منظومته وأدبياته الخاصة فيما بعد، بعدا وقطعا مع هذه المنظومات الأولى وصداما عليها ومعها. وسنعرض في ما يلي ملامح من إهمال الإرهاب لجوانب عريضة من التراث مثل مبحث الأدب والفقه السياسي الإسلامي الذي يفترض أن يكون أقرب لاهتماماتها، ولم تدخل عليه إلا برغبة وإرادة الأدلجة، أو القوة والتطويع توظيفًا لا الاكتشاف أو الاستلهام استئناسا.
مفردة «الحاكمية» التي صكها سيد قطب، تعريبا لما كتبه المودودي واتفاقًا معه، ليست أصيلة في النص والتراث الإسلامي ولم ترد قبلهما لفظا أو دلالة قبلهما عند أحد من علماء السلف عمومًا.
لكنها، استحالت وصارت مع الحركات الراديكالية الإسلامية المعاصرة كأنها ثابت لا مناص عنه، وأصل لا انفلات منه. واعتبرها منظر راديكالي معاصر «أخص خصائص عقيدة الألوهية ذاتها»، وهو (رغم نسبته للسلف) حشر في مجمل وتفاصيل اعتقاده ما ليس منه، ذرائعية تخدم واقعيته وهدفه المعاصر والآني في حرب وصراع الأنظمة «العدو القريب» أو العالم وقواه المتحالفة معه (العدو البعيد).
ولا يهتم المتطرفون في أدب الخلافة والإمامة المعاصر بتاريخ المفاهيم، بل يهتمون بتوظيفها وإسقاطها على الواقع المعاصر مرة واحدة، سواء في ذلك في مفهوم الخلافة نفسه، أو مفاهيم أخرى كمفهوم «الدار» و«الخروج» وما شابه. وهذا رغم أن الأخير نفسه أجمع علماء المسلمين السنّة على رفضه بعد فترة من الوقت، منذ القرن الأول، ولم يكن هدفا ولا غاية عندهم. بل وقدموا عليه مفهوم «درء الفتنة» بعد تألمهم من أحداث الفتن ومأساة الحسين ومأساة القراء وقبلوا بحكم التغلب لهذا السبب، نائين بالدين عن صدامه بالسلطة إلا أمرا بمعروف ونهيا عن المنكر لا عنفيًا. وهكذا كان إلحاح ابن خلدون على العصبية أو ابن تيمية على الشوكة كشرط لانعقاد أي إمامة، قبل غيرها من الصفات التي يرددها التطرف المعاصر والقديم.
كذلك، فإن تأملاً بسيطًا في تاريخ التأثير الفارسي في الأدب الإسلامي، مع نهايات الحكم الأموي - ولقد أعجب الكثير من حكامه بعهد أردشير بالخصوص - سيلحظ صداه الباطني في أدب الخلافة والإمامة على السواء. فالكلمة المشهورة لأردشير بن بابك أن «الدين أس الملك» هي من صنعت كثيرا متوالياتها الأخرى في تراث الخلافة بل مفهومها نفسه، فتم تصوير الحكم الإسلامي أو الخلافة والخليفة كحفظ للدين ومحفوظ به، وتم تعريف الخلافة عند مختلف الفرق ومؤرخيهم كـ«حراسة للدين وسياسة للدنيا كذلك». وهنا تمت بلورة التاريخ دينا، وآثرت فتنة البشر على وحدة الدين، وتفرّق الناس إلا عن كلمة التوحيد التي تجمعهم، كما ضبط الأشعري تصنيفه في «مقالات الإسلاميين».
وحتى لا ينتقد ناقد بأن الكتابات الإسلامية السياسية، إلى القرن الرابع والخامس الهجري، في إشارة لما بدأ على يد أمثال أبو الحسن الماوردي (450 هجرية) الذي مأسس لتصوراتها في عهد الخليفة القادر بالله عام 422 هجرية، وتبعه في ذلك معاصراه إمام الحرمين أبو المعالي الجويني (المتوفى 478 هجرية)، الذي تميز في طرحه عنه، والقاضي أبو يعلى الحنبلي (458 هجرية) الذي نقل عن الماوردي الكثير في كتابه، ولم يشر إليه، رغم تعاصرهما. لكنه نقد غير صحيح، فالاهتمام بما يسمى «السياسة وتصورات الدولة وأحكامها» مبكر يعود للقرن الثاني الهجري في مسائل جزئية كـ«الخراج» لأبي يوسف (توفي 182 هجرية) إلى كتاب «الأم» للشافعي (توفي 204 هجرية).
ولكن خلاف الإمامة وتصور الخلافة وتدييين الحكم وتسييسه، مع أجواء الفتنة وتأثير عهد أردشير والتأثيرات الفكرية الأخرى، إذ ولد معها مبكرا ولم تكن شرعية تتولد إلا من تصورات الدين وأحكامه، وصارت كل فكرة تصوغ اعتقادها وفق لخلافها في مسألة الإمامة والحكم نفسها.
ويبدو النظام المعرفي للتطرّف المعاصر، بأشكاله العنفية خصوصًا، منفصلاً عن كل هذه الآداب، مكتفيا بالانتقاء منها أحيانا أو التوظيف الآيديولوجي فقط. وأحيانا اختزالها ظنًا ورهانًا فقط على أن الآخرين سيصدقون أن مقولتهم أصيلة أو شرعية، كما كان في تدليسهم فتوى لابن تيمية نسبوا فيها له جواز التحريق، مع أن ابن تيمية قال في آخر نصه إنه يرفض ولا يفضل ذلك، حتى لو انتقامًا ممن صنع مثله بأسير مسلم. ولقد كشفنا هذا التدليس في مقال بـ«الشرق الأوسط» سابقًا بعد بيانهم بأيام.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».