أوباما وترامب يحاسبان وسائل الإعلام

الصحف الأوروبية: ما بعد حلب... تضارب بين المصالح الروسية والإيرانية

أوباما وترامب يحاسبان وسائل الإعلام
TT

أوباما وترامب يحاسبان وسائل الإعلام

أوباما وترامب يحاسبان وسائل الإعلام

في الأسبوع الماضي، قيم كل من الرئيس باراك أوباما، والرئيس القادم دونالد ترامب، التغطية الإعلامية الأميركية للتطورات الأخيرة.
انتقد أوباما، في مؤتمر صحافي وفي مقابلات تلفزيونية (أكثر منها مع نهاية 8 أعوام في البيت الأبيض) التغطية الإعلامية:
أولاً: انتقد تغطية فضيحة اختفاء أكثر من 30000 وثيقة من وثائق وزارة الخارجية الأميركية عندما كانت هيلاري كلينتون وزيرتها. قال: «لشهور، أدمن الصحافيون الأميركيون تغطية» الموضوع.
ثانيًا: انتقد تغطية وثائق رئاسة الحزب الديمقراطي التي سربها موقع «ويكيليكس». وقال: «ناقشتم (خاطب الصحافيين خلال مؤتمر صحافي في البيت الأبيض) كل كبيرة وصغيرة في هذه المراسلات التي سربت. ناقشتم حتى ما جاء في بريد جون بوديستا (رئيس حملة كلينتون الانتخابية) عن طبخ (روزيتو) (طبخ الرز بالطريقة الإيطالية)».
ثالثًا: انتقد التغطية العامة للانتخابات. وقال: «أعتقد أنكم لم تكونوا نزيهين خلال الانتخابات. أعتقد أن تغطيتكم تدعو للقلق (حول نزاهة الصحافيين)».
في الجانب الآخر، انتقد ترامب الإعلام الأميركي، أيضًا. ليس فقط في تغريداته في موقع «تويتر»، ولكن، أيضًا، في خطبه خلال جولة في بعض الولايات في حملة سماها: «أشكركم على فوزي»:
أولاً: انتقد، بصورة خاصة، مذيعي الأخبار في القنوات التلفزيونية الرئيسية. وقال، يوم السبت في موبيل (ولاية ألاباما): «ليس هؤلاء صحافيين. هؤلاء أثرياء يكسبون ملايين الدولارات. لهذا، لا يعرفون ما يحدث للمواطن العادي مثلكم».
ثانيًا: انتقد مجلة «فانتى فير» في تغريدة. وكتب: «انخفض توزيع مجلة (فانتى فير). ويعود السبب إلى غريدون كارتر (كاتب فيها، انتقد ترامب). إذا كنت رئيس التحرير، كنت سأفصله في الحال».
ثالثًا: انتقد تغطية الإعلام، بصورة عامة، لفوزه. وغرد: «يتنافس الصحافيون في انتقاد ما يسمونها عراقيل أمام انتقالي إلى البيت الأبيض. لكن، لا توجد عراقيل. كل شيء يسير سيرًا طيبًا».
من جهة أخرى, اهتمت الصحف الأوروبية بآخر التطورات في سوريا والعراق، وكذلك بالقمة الأوروبية الأخيرة التي انعقدت في بروكسل، إلى جانب خطط الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، إلى جانب ملفات أخرى دولية وإقليمية.
ونبدأ من باريس التي اهتمت بسقوط حلب، وأفردت «لوموند» صدر صفحتها الأولى لإجلاء حلب. وقال أحد المغادرين لصحيفة «لوموند» التي عنونت «وداعا حلب»: «ناضلنا من أجل أن نجعل من سوريا الأسد، سوريا الحرة ولكن لم يساعدنا أحد» وأشارت إلى أن الإجلاء «اختتم أربعة أعوام من النضال والآمال ومن الخيبات أيضا، ومن ثم النزاع البطيء تحت وطأة القنابل والحرمان».
«لوموند» خصصت أيضا مقالا عن احتفاء الرئيس السوري بـ«تحرير» المدينة، كما قال في شريط فيديو بث على «يوتيوب. «من الذي أوحى له بهذه الفكرة التافهة؟» تساءل كاتب المقال: «بانجامان بارت» وقد رأى «أنه من الأرجح أن الفكرة فكرة الأسد المفتون بالتكنولوجيا إلى حد جعله يخلط ما بين الحداثة والحضارة». وكتبت «لوموند» التي رأت أن هذا «النصر سيجعل من الرئيس الأسد رهينة إيران وروسيا».
ولكن ماذا بعد حلب؟ «لوفيغارو» طرحت السؤال.
«بعد حلب، سلام سوري على طريقة بوتين» كتبت «لوفيغارو» في معرض حديثها عن إعلان الرئيس الروسي عن سعيه لـ«بدء سلسلة مفاوضات بناءة جدا» كما قال، مع «ممثلين للمعارضة المسلحة بوساطة تركيا، وسط تضارب في المصالح الإيرانية والروسية».
«في هذه المرحلة الجديدة من النزاع السوري قد لا تتشاطر روسيا وإيران بالضرورة الأهداف والمصالح نفسها» تضيف «لوفيغارو» التي شككت أيضا بدوام «شهر العسل ما بين بوتين وإردوغان» واستبعدت على الأرجح نجاح الكرملين بفرض إعادة بناء سوريا سياسيا وماليا على غرار ما فعل في الشيشان؛ وذلك بسبب ضعف الاقتصاد الروسي والتعقيدات البالغة على الساحة السورية.
وبصحيفة «لوفيغارو» التي كتبت عن القمة الأوروبية مُعنونة «بوتين الحاضر الغائب في قمة بروكسل»، وتُتابع: «لوفيغارو» إن الوضع في سوريا وحصار حلب شكل فرصة لقادة دول الاتحاد لإطلاق سخطهم ضد روسيا، حيث اتهم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند موسكو بعدم الالتزام بتعهداتها، مؤكدا أن «فرض عقوبات أوروبية ضد موسكو على خلفية الأزمة السورية جزء من الخيارات المطروحة، وأن المجلس الأوروبي قد يتخذ قرارا خلال الأسابيع المقبلة في حال حصول انتهاكات جديدة للحقوق الإنسانية الأساسية»
وننتقل إلى لندن والصحف البريطانية ونشرت صحيفة «الأوبزرفر» مقالا تحليليا عن المصالح التي حققتها إيران وروسيا في السيطرة على حلب، وبيان نقاط التقاطع والتنافر بينهما مستقبلا في سوريا ويقول مارتن تشولوف في مقاله إن «وقف إطلاق النار يعد تتويجا لتدخل موسكو في حلب، أما طهران فترى أن السماح للمدنيين والمسلحين بالخروج من حلب يفقدها بعض القوة، خصوصا أن نفوذ إيران أصبح يحجب دور روسيا». ويضيف أن إيران رفضت خروج المدنيين المحاصرين في حلب، رغم اتفاق تركيا وروسيا على ذلك، وطالبت في المقابل برفع الحصار عن بلدتين تسكنهما أغلبية شيعية شمالي حلب، هما الفوعة وكفريا. وسعت إيران أيضا، حسب الكاتب، إلى «مبادلة الأسرى وجثث عناصر «حزب الله» والميليشيا العراقية التي تحت إمرته». ويقول إن «حلب مهمة في استراتيجية إيران بالمنطقة؛ إذ تسعى طهران إلى إنشاء خط بري مفتوح للشيعة باتجاه البحر المتوسط، واقترحت إرسال السوريين السنة إلى محافظة إدلب وجلب الشيعة من الفوعة وكفريا إلى الزبداني».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.