آلاف المدنيين انتظروا إجلاءهم من حلب... والمعارضة السورية تتهم إيران وميليشياتها بالعرقلة

إدخال بند بإخلاء جرحى الفوعة وكفريا ومضايا والزبداني... واختفاء العشرات خلال الساعات الأخيرة

عائلة في حلب الشرقية تنتظر الإجلاء أمس (رويترز)
عائلة في حلب الشرقية تنتظر الإجلاء أمس (رويترز)
TT

آلاف المدنيين انتظروا إجلاءهم من حلب... والمعارضة السورية تتهم إيران وميليشياتها بالعرقلة

عائلة في حلب الشرقية تنتظر الإجلاء أمس (رويترز)
عائلة في حلب الشرقية تنتظر الإجلاء أمس (رويترز)

لليوم الثاني انتظر أمس الآلاف من المدنيين والمقاتلين، في شمال سوريا، وسط برد قارس وظروف إنسانية مأساوية استئناف عملية إجلائهم من مدينة حلب بعد تعليقها يوم الجمعة، في حين حثت اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأطراف المعنية على التوصل إلى اتفاق لـ«إنقاذ آلاف الأرواح».
الفاروق أبو بكر، المسؤول عن ملف التفاوض من جانب الفصائل المعارضة، أعلن صباح أمس التوصل إلى اتفاق لاستئناف عمليات الإجلاء من حلب، أمس، يشمل إخلاء الجرحى مع عائلاتهم من بلدة كفريا ومدينة الفوعة في محافظة إدلب ومدينتي مضايا والزبداني بمحافظة ريف دمشق، بينما قال عضو مجلس حلب المحلي، بشر حاوي لـ«الشرق الأوسط»، إن المفاوض باسم المعارضة أكد لهم أن «اللمسات الأخيرة توضع على الاتفاق لكن استئناف عمليات الإجلاء قد يبدأ خلال ساعات أو الأحد صباحا».
في المقابل، قال مسؤول عسكري تابع للنظام إن الاتفاق «لم يتبلور بعد»، وكتب المفاوض باسم النظام، عمر رحمون، على حسابه على موقع «تويتر» للتواصل الاجتماعي: «سنعقد اجتماعا للبحث في آلية تنفيذ الاتفاق ونعمل على موضوع الزبداني ومضايا وكفريا والفوعة، وأغلب الظن أن ملف هذه البلدات سيكون منفصلا عن حلب».
من جهته، اتهم منير السيال، رئيس الجناح السياسي في حركة «أحرار الشام» السورية المعارضة، إيران ومسلحين تابعين لها بتعطيل اتفاق إجلاء مدنيين محاصرين في حلب، وقال لـ«رويترز» إن إيران تصر على السماح بخروج أناس من الفوعة وكفريا المحاصرتين قبل السماح باستئناف عمليات إجلاء سكان حلب. وتابع السيال أن تأكيد موسكو أن معظم المدنيين غادروا بالفعل حلب «يظهر أنها تحاول التملص من مسؤولياتها في الاتفاق». قبل أن يضيف قوله: «روسيا فشلت في ضبط الميليشيات الطائفية في حلب لإتمام الاتفاق وعليها الالتزام بتعهداتها».
جدير بالذكر أن اتفاق حلب كان قد تعثّر للمرة الأولى يوم الأربعاء نتيجة ربط إيران عمليات الإجلاء بفك الحصار عن الفوعة وكفريا الشيعيتين المحاصرتين في إدلب، ليعود المفاوضون ويتفقوا على حل بإخلاء الجرحى من البلدتين مقابل خروج المحاصرين من حلب. غير أن هذا الاتفاق لم يصمد إلا ليوم الخميس ليعود ويتوقف الجمعة لعدم تنفيذ البند المتعلق بالمدينة والبلدة الشيعيتين، ما أعاد المفاوضات إلى نقطة الصفر، وأدخلت عندها المعارضة شرط إخلاء الجرحى من مدينتي الزبداني ومضايا المحاصرتين أيضا في ريف دمشق، وهو الاتفاق الذي ينتظر البدء في تنفيذه. وتأتي المفاوضات الأخيرة لاستئناف عملية الإجلاء بعدما أجبر مقاتلون موالون للنظام قافلة تضم 800 شخص صباح الجمعة على العودة أدراجها بعد انطلاقها من نقطة التجمع في حي العامرية الحلبي. كذلك اتهمت المعارضة مقاتلين موالين لما يسمى «حزب الله» اللبناني بالاعتداء على عدد من ركابها، مشددة على أنه سقط قتلى وجرحى نتيجة إطلاق النار قبل أن تعود القافلة أدراجها.
وفي حين أمضى الآلاف من السكان وبينهم عدد كبير من الأطفال ليلتهم في الشوارع أو داخل المنازل المهجورة الفارغة من أي أثاث، حيث افترشوا الأرض في ظل تدني الحرارة إلى ست درجات تحت الصفر، أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، بأن 29 حافلة انطلقت ظهرا إلى الفوعة وكفريا من حلب لكنها لم تصل إليهما. ولفت إلى معلومات بأن تنظيم «جيش الفتح» أوقفها في محيط بلدة تفتناز الواقعة إلى الشرق من كفريا والفوعة شمال شرقي مدينة إدلب، وذلك قبل أن يسمح لها بالانطلاق لتعود قافلة ثانية وتنطلق مساء، في حين ساد استياء داخل كفريا والفوعة نتيجة تقلص العدد المقرر إخراجه من 4 آلاف إلى ما يقارب 1500 شخص.
في هذه الأثناء، قال عمار سلمو، مدير الدفاع المدني في حلب لـ«الشرق الأوسط» إن «الناس الهاربين من حلب باتوا وكأنهم خارجون من القبور... فلا طعام ولا شراب لديهم منذ يومين ولا قدرة لديهم للعودة إلى منازلهم. وهم ينتظرون لحظة انطلاق الحافلات وكأنهم يسابقون الموت». وانتقد سلمو الطريقة التي تجري فيها عمليات الإجلاء، قائلا: «يتولى هذه المهمة كل من الهلال الأحمر والصليب الأحمر لكن المشكلة تكمن في عدم إعداد قوائم بأسماء النازحين من حلب ولا بأسماء الواصلين إلى الريف الغربي، بينما سجّل فيه اختفاء عشرات الأشخاص خلال الساعات الأخيرة، ولا سيما الأطفال... ونحن لا نعلم ما إذا كانوا قتلوا أو اختطفوا. إن مصيرهم لا يزال مجهولا». واعتبر سلمو الحافلات التي تخصّص لنقل العائلات والتي يبلغ عددها 20 حافلة غير كافية لنقل آلاف الأشخاص، مطالبا بزيادة العدد لتسريع عمليات الإجلاء عند استئنافها.
الأمم المتحدة تشير إلى أنه لا يزال نحو 40 ألف مدني عالقين في حلب وما بين 1500 إلى خمسة آلاف مقاتل مع عائلاتهم. وكان عدد كبير من السكان توجهوا الجمعة إلى حي العامرية للخروج ضمن الحافلات، وعمد كثيرون إلى إتلاف ما كان متوفرا في منازلهم باعتبارهم لن يعودوا، ليفاجأوا إثر ذلك بتعليق تنفيذ الاتفاق.
ولقد أفادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان، بأن الآلاف من الناس انتظروا «طوال الليل في البرد القارس بالقرب من خط المواجهة، وفي خوف دائم وجزع» في شرق حلب. وطالبت رئيسة بعثة اللجنة إلى حلب، ماريان غاسر «الأطراف على الأرض أن يبذلوا كل ما في وسعهم لإنهاء هذه الحالة من الترقب والقلق... ونرجو أن تتوصلوا إلى اتفاق وأن تساعدوا في إنقاذ آلاف الأرواح». ثم أضافت: «نحن على استعداد لاستئناف تيسير الإجلاء، لكننا نتوقع الآن من جميع الأطراف على الأرض أن تقدم لنا ضمانات قوية من أجل استمرار هذه العملية».
وفي السياق ذاته، منذ الخميس، ذكر «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أنه أجلي نحو 8500 شخص بينهم ثلاثة آلاف مقاتل من مناطق سيطرة الفصائل في حلب إلى ريف حلب الغربي، بينهم 500 حالة بين جريح ومريض على الأقل. ويذكر أن عملية الإجلاء تقررت بموجب اتفاق أمكن التوصل إليه برعاية روسية تركية، في أعقاب سيطرة قوات النظام خلال شهر على معظم الأحياء الشرقية لمدينة حلب التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ عام 2012، وهو تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين. وحسب كلام الفاروق أبو بكر، من حركة «أحرار الشام»، المكلف بالتفاوض عن الفصائل المعارضة لوكالة الصحافة الفرنسية: «تم التوصل لاتفاق بين الثوار وروسيا وإيران بشأن حلب، ونعمل على استئناف عملية الإجلاء اليوم إن شاء الله». وأضاف أنه بموجب الاتفاق «سيخرج كل أهل حلب والمسلحون» من المربع الأخير تحت سيطرة الفصائل، مقابل خروج عدد لم يحدده من الفوعة وكفريا ومضايا والزبداني في ريف دمشق.



اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
TT

اليمن يستبعد تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم

الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)
الحوثيون وجدوا في حرب غزة وسيلة للهروب من استحقاق السلام (أ.ف.ب)

استبعدت الحكومة اليمنية تحقيق السلام مع الحوثيين لعدم جديتهم، داعية إيران إلى رفع يدها عن البلاد ووقف تسليح الجماعة، كما حمّلت المجتمع الدولي مسؤولية التهاون مع الانقلابيين، وعدم تنفيذ اتفاق «استوكهولم» بما فيه اتفاق «الحديدة».

التصريحات اليمنية جاءت في بيان الحكومة خلال أحدث اجتماع لمجلس الأمن في شأن اليمن؛ إذ أكد المندوب الدائم لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أن السلام في بلاده «لا يمكن أن يتحقق دون وجود شريك حقيقي يتخلّى عن خيار الحرب، ويؤمن بالحقوق والمواطنة المتساوية، ويتخلّى عن العنف بوصفه وسيلة لفرض أجنداته السياسية، ويضع مصالح الشعب اليمني فوق كل اعتبار».

وحمّلت الحكومة اليمنية الحوثيين المسؤولية عن عدم تحقيق السلام، واتهمتهم برفض كل الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى إنهاء الأزمة اليمنية، وعدم رغبتهم في السلام وانخراطهم بجدية مع هذه الجهود، مع الاستمرار في تعنتهم وتصعيدهم العسكري في مختلف الجبهات وحربهم الاقتصادية الممنهجة ضد الشعب.

وأكد السعدي، في البيان اليمني، التزام الحكومة بمسار السلام الشامل والعادل والمستدام المبني على مرجعيات الحل السياسي المتفق عليها، وهي المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وفي مقدمتها القرار «2216».

عنصر حوثي يحمل صاروخاً وهمياً خلال حشد في صنعاء (رويترز)

وجدّد المندوب اليمني دعم الحكومة لجهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، وكل المبادرات والمقترحات الهادفة لتسوية الأزمة، وثمّن عالياً الجهود التي تبذلها السعودية وسلطنة عمان لإحياء العملية السياسية، بما يؤدي إلى تحقيق الحل السياسي، وإنهاء الصراع، واستعادة الأمن والاستقرار.

تهديد الملاحة

وفيما يتعلق بالهجمات الحوثية في البحر الأحمر وخليج عدن، أشار المندوب اليمني لدى الأمم المتحدة إلى أن ذلك لم يعدّ يشكّل تهديداً لليمن واستقراره فحسب، بل يُمثّل تهديداً خطراً على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين، وحرية الملاحة البحرية والتجارة الدولية، وهروباً من استحقاقات السلام.

وقال السعدي إن هذا التهديد ليس بالأمر الجديد، ولم يأتِ من فراغ، وإنما جاء نتيجة تجاهل المجتمع الدولي لتحذيرات الحكومة اليمنية منذ سنوات من خطر تقويض الميليشيات الحوثية لاتفاق «استوكهولم»، بما في ذلك اتفاق الحديدة، واستمرار سيطرتها على المدينة وموانيها، واستخدامها منصةً لاستهداف طرق الملاحة الدولية والسفن التجارية، وإطلاق الصواريخ والمسيرات والألغام البحرية، وتهريب الأسلحة في انتهاك لتدابير الجزاءات المنشأة بموجب قرار مجلس الأمن «2140»، والقرارات اللاحقة ذات الصلة.

حرائق على متن ناقلة النفط اليونانية «سونيون» جراء هجمات حوثية (رويترز)

واتهم البيان اليمني الجماعة الحوثية، ومن خلفها النظام الإيراني، بالسعي لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وتهديد خطوط الملاحة الدولية، وعصب الاقتصاد العالمي، وتقويض مبادرات وجهود التهدئة، وإفشال الحلول السلمية للأزمة اليمنية، وتدمير مقدرات الشعب اليمني، وإطالة أمد الحرب، ومفاقمة الأزمة الإنسانية، وعرقلة إحراز أي تقدم في عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

وقال السعدي: «على إيران رفع يدها عن اليمن، واحترام سيادته وهويته، وتمكين أبنائه من بناء دولتهم وصنع مستقبلهم الأفضل الذي يستحقونه جميعاً»، ووصف استمرار طهران في إمداد الميليشيات الحوثية بالخبراء والتدريب والأسلحة، بما في ذلك، الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، بأنه «يمثل انتهاكاً صريحاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لا سيما القرارين (2216) و(2140)، واستخفافاً بجهود المجتمع الدولي».