انتظر العالم مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) عاما كاملا لرفع الفائدة، وعند اتخاذ القرار تباينت ردود أفعال المستثمرين بين الصدمة والراحة، ما يدعو للتساؤل: ماذا علينا أن نتوقع بعد قرار رفع الفائدة الأميركية بنحو ربع نقطة مئوية أول من أمس الأربعاء في آخر اجتماعات الفيدرالي العام الحالي؟
أصرت رئيسة مجلس «الاتحادي»، جانيت يلين، على أن الاقتصاد الأميركي في حالة صحية مناسبة للقرار مقارنة بالرفع الأول للفائدة في ديسمبر (كانون الأول) 2015، وقالت: «يجب تأكيد أن قرارنا لرفع أسعار الفائدة بمثابة انعكاس للثقة في التقدم الذي أحرزه الاقتصاد وحكمنا في استمرار هذا التقدم»، مضيفة أنه «تصويت على الثقة في الاقتصاد الأميركي».
ولكن هذه الرؤية المتفائلة لم تدم طويلا، فاعترفت يلين خلال المؤتمر الصحافي أن بنك الاحتياطي كان يعمل تحت ظروف شابها حالة من عدم اليقين، مع محاولات استكشاف مزيد من خطة الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
وأشارت رئيسة الاحتياطي إلى أن سوق العمل على ما ترام، دون الإشارة إلى خطة ترامب المقدرة بنحو تريليون دولار لمشروعات البنية التحتية، وقالت إن هناك بعض الركود في أسواق العمل، ولكن «أود تأكيد أن الركود تضاءل»، ونصحت يلين بأنه لا توجد حاجة ماسة لسياسة مالية لتوفير الحوافز للمساعدة في العودة لمعدل التشغيل الكامل.
ونأت بنفسها أن يُفسر حديثها على أنه تقديم مشورة إلى الإدارة الجديدة أو الكونغرس الأميركي، قائلة إن «هناك كثيرا من الاعتبارات والقواعد التي يضعها الكونغرس في الاعتبار لتبرير تغير السياسة المالية».
وفي الوقت الذي وجدت يلين نفسها في مرمى نيران ترامب خلال حملته الانتخابية، وردا على سؤال حول مستقبلها داخل الفيدرالي، أكدت أنها لا تفكر في المستقبل في الوقت الراهن مع إدراكها احتمالات عدم إعادة تعيينها.
ورغم كلمات تهدئة يلين للأسواق وتأكيدها أن سياسة الفيدرالي لم تتغير «جذريا»، وتوقعاتها بمعدلات ارتفاع إضافية في العام المقبل إلى ثلاث مرات بدلا من مرتين، فإنه مع انخفاض أسعار الأسهم وقوة الدولار يخلص المستثمرون إلى أن فوز ترامب في الانتخابات قد غير مشهد السياسة النقدية للفيدرالي الأميركي.
وأكد المحلل الاقتصادي، إيان تيرنر، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن رفع الفائدة الأميركية يؤكد تنامي الثقة في نمو الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل، «وهذا يرجع جزئيا إلى خطط دونالد ترامب لحزم التحفيز المالي».
وتوقع تيرنر أن يلجأ «الاحتياطي» إلى تسريع وتيرة التشديد في السياسة العام المقبل مع ارتفاع معدل واحد في النصف الأول تليها ثلاثة في النصف الثاني.
الأسواق الأميركية
وفي وقت سابق، أمس الخميس، شهدت المؤشرات الأميركية بعض الإيجابية في أعقاب رفع الفائدة، فارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنحو 0.2 في المائة خلال الشهر الحالي، وانخفضت مطالبات إعانات البطالة للأسبوع الثاني على التوالي بانخفاض 4000 شخص، ليكون الأسبوع الـ93 على التوالي في سلسلة انخفاضات معدل البطالة.
في حين تحسنت مؤشرات وول ستريت في منتصف جلسة أمس ليكتسب مؤشر داو جونز الصناعي نحو 120 نقطة أي بما يوازي 0.6 في المائة، بعدما أغلقت الأسواق الأميركية في المنطقة الحمراء عقب الإعلان عن قرار الفيدرالي مساء الأربعاء، ليخسر مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 0.6 في المائة أي ما يوازي 118 نقطة، وفقد ستاندرد آند بورز 0.8 في المائة وناسداك 0.5 في المائة، الأمر الذي أظهر رؤية المستثمرين بأن قرار الاحتياطي الفيدرالي كان أكثر تشددا مما كان متوقعا أو مرغوبا في وول ستريت.
سيناريوهات تأثر القطاعات
وأصبح من المؤكد أنه إذا تحرك الفيدرالي ببطء في رفع أسعار الفائدة كما حدث العام الحالي منذ الرفع الأول فسيتطلب الأمر بعض الوقت لتُرى تغيرات في الرهون العقارية وحسابات التوفير والعائدات على السندات وغيرها، أما إذا رفع مسؤولو الاتحادي الفائدة على المدى القصير والمتوسط بشكل أكثر انتظاما، فالآثار يمكن أن تكون أكثر دارماتيكية مما هي عليه الآن.
ويتوقع البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 3 مرات العام المقبل، لتصل الفائدة قرب مستوى 1.4 في المائة بحلول نهاية 2017، ما يؤثر هذا الرفع على المحافظ الاستثمارية ومعدلات الاقتراض.
ورغم أن هناك ارتباطا ضئيلا بين سعر الفائدة والرهونات العقارية ذات السعر الثابت لمدة 30 عاما، فإن القلق يفرض ذاته على راغبي شراء أو إعادة تمويل المنازل، وبخاصة لهولاء المرتبطة رهونهم العقارية بشكل وثيق بأسعار الفائدة على السندات الطويلة الأجل مثل سندات الخزانة التي يمكن أن تتحرك صعودا أو هبوطا مع أسعار الفائدة.
فعندما رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي الفائدة العام الماضي لأول مرة، ارتفعت الرهون العقارية ثم سقطت لمدة ستة أسابيع متتالية بعد أحداث الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي. وينصح محللو «الشرق الأوسط» بعدم التسرع في شراء المنازل حتى مع ارتفاع أسعار الفائدة، فمن المتوقع أن يكون التغير «تدريجيا» على مدار العامين المقبلين. وشهدت سندات الخزانة إقبالا كبيرا نظرا لاعتبارها الملاذ الآمن في أوقات عدم اليقين منذ بداية العام، ومن المتوقع أن تشهد السندات الأميركية في الفترة المقبلة ارتفاعات كبيرة في العوائد مع ارتفاع تكلفة الدين الأميركي.
انخفاض العملات والذهب
والنفط أمام قوة الدولار
وهبطت أسعار الذهب أثناء التعاملات، أمس الخميس، إلى أدنى مستوياتها منذ أوائل فبراير (شباط) الماضي، بعد أن رفع البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، ما سبب قفزة لعوائد سندات الخزانة وأرسل الدولار إلى أعلى مستوى في 14 عاما.
وهبط سعر الذهب للبيع الفوري بنسبة 1.57 في المائة إلى 1126.2 دولار للأوقية، وهو أدنى مستوى في عشرة أشهر ونصف الشهر، وانخفضت العقود الأميركية للذهب تسليم فبراير بنحو 3.15 في المائة إلى 1127.1 دولار للأوقية.
وهبطت أسعار النفط بأكثر من ثلاثة في المائة أول من أمس الأربعاء مع صعود الدولار بعد قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي وقفزة في مخزونات الخام في أكبر مركز لتخزين النفط في الولايات المتحدة، وهو ما جدد المخاوف من تخمة في المعروض، وانخفض النفط لأدنى مستوياته أثناء الجلسة، ويجعل ارتفاع الدولار النفط أكثر تكلفة على المشترين الذين يستخدمون عملات أخرى.
وتراجعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت بنحو 1.82 دولار أو 3.27 في المائة لتبلغ عند التسوية 53.9 دولار للبرميل بعدما هبطت عند أدنى مستوى لها في الجلسة إلى 53.8 دولار.
وانخفض الخام الأميركي بمقدار 1.94 دولار أو 3.66 في المائة ليبلغ عند التسوية 51.04 دولار للبرميل بعدما سجل أثناء الجلسة مستوى أكثر انخفاضا عند 50.92 دولار.
فيما هبط الجنيه الإسترليني إلى أدنى مستوى في أسبوعين أمام الدولار أثناء تعاملات الخميس متضررا من موجة مشتريات قوية أخرى للعملة الأميركية. وانخفض الإسترليني بنحو 0.9 في المائة إلى 1.2445 دولار، بينما تراجع 0.5 في المائة أمام اليورو إلى 83.4 بنس مع هبوط العملة الأوروبية إلى أدنى مستوى في 14 عاما مقابل الدولار، ومن المتوقع أن يواصل الدولار الصعود أمام العملات الرئيسية.