4 أيام وثقت «نهاية» حلب المحاصرة... العائلات أحرقت مقتنياتها وودّعت أحباءها «تحت الأنقاض»

عنصر من «الخوذ البيضاء» يستوصي من تبقى من سكان حلب خيرًا بجثث أهلها

طفل جريح داخل سيارة إسعاف في حي العامرية في القسم الشرقي من حلب قبل أن يتم إجلاؤه ضمن مصابين آخرين (أ.ف.ب)
طفل جريح داخل سيارة إسعاف في حي العامرية في القسم الشرقي من حلب قبل أن يتم إجلاؤه ضمن مصابين آخرين (أ.ف.ب)
TT

4 أيام وثقت «نهاية» حلب المحاصرة... العائلات أحرقت مقتنياتها وودّعت أحباءها «تحت الأنقاض»

طفل جريح داخل سيارة إسعاف في حي العامرية في القسم الشرقي من حلب قبل أن يتم إجلاؤه ضمن مصابين آخرين (أ.ف.ب)
طفل جريح داخل سيارة إسعاف في حي العامرية في القسم الشرقي من حلب قبل أن يتم إجلاؤه ضمن مصابين آخرين (أ.ف.ب)

رسائل أخيرة حرّكت الرأي العام، ووضعته أمام مسؤوليته أمام ما يجري في حلب، وصولا إلى مغادرة المقاتلين والمدنيين أرضهم وما تبقى من أسقف منازلهم يوم أمس. ساعات بمنزلة سنوات عاشها هؤلاء، خبروا خلالها لحظات الموت مرات عدّة، وثقتها وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مشاهد الجثث المنتشرة على الأرض ولا تجد من ينتشلها نتيجة القصف الجنوني.
لحظة المغادرة من تحت جحيم القصف التي ربما كانت حلما بالنسبة إليهم في الأيام الماضية تحوّلت إلى كابوس عند تحقيقها يوم أمس. دموع الأمهات والأهالي الذين أجبروا على ترك منازلهم والعبارات التي ملأت الجدران آملة بالعودة القريبة تعكس هذا الصراع الذي عاشه الحلبيون في أيامهم الأخيرة داخل مدينتهم المدمرة، لكنّهم رغم ذلك فضلوا إحراق مقتنياتهم ومنازلهم قبل الرحيل حتى لا تقع في أيدي «الغريب»، حسب ما يقول أحد الناشطين: «بعدما اعتدنا أن تدخل الميليشيات إلى المنازل وتعبث بها»، إنما حرصوا على أن يذكّروا من سيدخل مدينتهم بأنهم عائدون قريبا، عبر العبارات التي ملأت جدران الشوارع، مثل «راجعين يا حلب»، و«نحن الكرارون... نحن الثوار»، وعبر «المواويل» التي تناقلها الناشطون على وسائل التواصل، مؤكدة أن «الخروج عزّة وليس ذلا... والعودة قريبة».
منذ ساعات الصباح الأولى، تحت المطر والبرد القارس تجمّع الآلاف من حلب يوم أمس، بانتظار انطلاق «الباصات الخضراء» التي باتت تشكّل «الخيار الأصعب» بالنسبة إليهم، لارتباطها بمشاهد عمليات التهجير القسري التي فرضها النظام على مناطق عدّة بريف دمشق. يقول أحد الناشطين: «بين الموت أو الوقوع في أيدي الميليشيات الطائفية أو التهجير القسري، اخترنا الثاني رغم قساوته». مضيفا: «العائلات اختارت إنقاذ من بقي من أبنائها على قيد الحياة ووداع من لا تزال جثثهم تحت الأنقاض»، بعدما عجز الدفاع المدني عن انتشالها لعدم توفّر الآليات اللازمة لذلك.
جثث الأحباء هذه أوصى بها نجيب الأنصاري، أحد المتطوعين في الدفاع المدني، مواطنيه الذين قد يدخلون إلى هذه الأحياء، قائلا في رسالة وجّهها إلى من سماهم «أهلنا المغتربين والقاطنين في أحياء حلب الغربية الشرفاء منهم»، قائلا: «عندما ستدخلون أرضنا المحررة سترون أبنية وشوارع مدمرة، وقد يلوث غبارها المعطر برائحة أجساد أبنائها ثيابكم النظيفة... رجاء ادخلوها بصمت وهدوء، لا داعي للصخب كي لا تزعجوا أرواحا ما زالت تحوم فوق ركام منازلها... عشرات الأرواح المبعثرة هنا وهناك كل منها له حكاية وألف ألف حكاية».
وكما رسائل الاستغاثة التي انتشرت مساء الاثنين الماضي وشكّلت صوت حلب الصارخ، محركة على لسان الناشطين المحاصرين الضمير العالمي، ملأت يوم أمس «رسائل الوداع» ومشاهد التهجير عن حلب وسائل التواصل الاجتماعي، تحت عبارة «حلب التهجير والمصير»، فيما اختار الناشط صلاح الأشقر، كما عدد كبير من الناشطين، التقاط الصورة الأخيرة في مدينته التي ولد فيها ومن خلفه الجموع المهاجرة والدمعة في عينيه، قائلا: «سأخرج من حلب التي ولدت فيها، ليس بإرادتي... 6 سنوات طالبنا بالحرية وببلد ديمقراطي لا يمجّد الأشخاص، إنما لم يقف أحد إلى جانبنا، وها نحن اليوم نهجّر من أرضنا».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.