بروكسل: قمة أوروبية اليوم لمناقشة خروج بريطانيا

تقييم اتفاق «مينسك» بين روسيا وأوكرانيا.. وقضايا الهجرة والأمن أبرز الملفات

بروكسل: قمة أوروبية اليوم لمناقشة خروج بريطانيا
TT

بروكسل: قمة أوروبية اليوم لمناقشة خروج بريطانيا

بروكسل: قمة أوروبية اليوم لمناقشة خروج بريطانيا

دعا دونالد تاسك، رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، قادة دول الاتحاد إلى حضور قمة أوروبية مقررة اليوم الخميس في بروكسل، ستقتصر على يوم واحد فقط، خلافا للعادة المتبعة بأن تعقد القمم على مدى يومين كاملين.
وقال تاسك إن بداية النقاش سيخصص لتقييم ما جرى تنفيذه من مقررات القمة الماضية، قبل الانتقال بعد ذلك إلى ملف الهجرة خلال غذاء عمل، وأوضح تاسك أن الاتحاد «حقق خطوات هامة إلى الأمام، على الأقل فيما يتعلق بالحدود الخارجية للاتحاد، ولكن لا يزال هناك عمل ينبغي القيام به، وسوف يتم استعراض مسارات داخلية وخارجية، بما في ذلك تنفيذ الإعلان المشترك بين تركيا والاتحاد الأوروبي وإطار الشراكة بينهما، فضلا عن تحديد آليات مالية لدعم دول المنشأ والعبور والدول المضيفة للمهاجرين».
كما سيتم خلال قمة اليوم مناقشة الشؤون الخارجية، وأبرزها الشراكة مع أوكرانيا، وعرض تقرير مشترك من الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بشأن تنفيذ اتفاقيات «مينسك» بين روسيا وأوكرانيا، علاوة على مناقشة ملف الأزمة في سوريا، وملف مفاوضات التسوية في قبرص.
ومن المحاور الأخرى التي ستناقشها قمة اليوم ملف السياسة الدفاعية «التي تستدعي أن يقوم الأوروبيون بجهد أكبر لتحقيق الهدف الأكبر، المتمثل في تعزيز الأمن داخل أوروبا، في ظل بيئة جغرافية وسياسية صعبة، وتوفير حماية أفضل للمواطنين الأوروبيين»، حسب ما جاء في بيان أوروبي في بروكسل.
وأضاف البيان ذاته أن «الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ سوف يشارك في جانب من النقاشات لتبادل وجهات النظر حول التعاون بين الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو». كما ستتم مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية بحضور ماريو دراغي، رئيس البنك المركزي الأوروبي.
ومن المنتظر أن يشهد انتهاء فعاليات القمة عشاء عمل غير رسمي، يحضر قادة 27 دولة فقط لمناقشة ملف خروج بريطانيا، ودراسة الاتفاق على تنظيم الإجراءات الداخلية الأوروبية وضمان الاستعداد للمفاوضات حول خروج بريطانيا من عضوية الاتحاد، بعد التصويت في الاستفتاء الذي جرى منتصف العام الجاري لصالح الخروج، حيث تنص المادة 50 من الدستور الأوروبي على ضرورة تقديم لندن طلبا رسميا للخروج من الاتحاد، وقد وعدت الحكومة البريطانية الجديدة برئاسة تيريزا ماي بتقديم الطلب في مارس (آذار) المقبل.
وتأتي هذه القمة بعد يومين فقط من اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، الذين أوضحوا أن الاتحاد لن يمضي قدما في محادثات العضوية مع تركيا، لكنه رفض دعوات من النمسا ومشرعين أوروبيين بتجميد العملية برمتها بسبب الحملة الأمنية التي تنفذها أنقرة، حيث انتقد الاتحاد عمليات العزل والاحتجاز واسعة النطاق في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو (تموز) الماضي، لكنه لا يريد في نفس الوقت إثارة غضب تركيا كثيرا، لأنه يحتاج إلى تعاونها في وقف الهجرة إلى الاتحاد، والتعامل مع النزاع في سوريا.
من جهة أخرى ستكون قمة اليوم هي أول ظهور لرئيس الوزراء الإيطالي باولو جنتيلوني بعد أن حصل على الثقة في مجلس النواب أول من أمس، وبعدما طرح برنامجا محدودا لحكومته الجديدة، التي ربما تصمد لبضعة شهور فقط، علما بأن جنتيلوني تولى السلطة خلفا لماتيو رينتسي الذي استقال الأسبوع الماضي، بعد رفض الناخبين مقترحاته لتعديل الدستور في استفتاء. وفي كلمته الأولى بالبرلمان قال جنتيلوني إنه يجهز لدعم البنوك الإيطالية المتعثرة، وطالب بالمزيد من المساعدة من الاتحاد الأوروبي للتعامل مع تدفق المهاجرين.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟