الشعر ومخاوف التلقي

بعض النصوص تستثير إشكاليتي القراءة والكتابة

سعدي يوسف - أدونيس
سعدي يوسف - أدونيس
TT

الشعر ومخاوف التلقي

سعدي يوسف - أدونيس
سعدي يوسف - أدونيس

في لحظة بلغ بها الإحباط منتهاه، كما يبدو، كتب الشاعر العراقي سعدي يوسف، وهو في بداية منفاه بالجزائر أواسط الستينات من القرن الماضي، مفتتحًا قصيدة بعنوان «باب سليمان»:

فليسقط الشعراء،
ولتسقط قصيدتك الجديدة
ماذا ستكتب غير لغوك؟
أنجمًا وندى ونخلاً وحكايتين
عن الضياع، وتشتم العصر المملا
وتخط رمزًا
في السياسة ليس يفهمه سواك...

لكن تلك الفاتحة المثقلة بالإحباط لسيرة شعرية ثرية هي ما كان يمكن أن يكتبه غير شاعر عربي معاصر، ففي النص مكاشفة صادقة لأحد الهموم الكبرى في تاريخ الشعر العربي الحديث، الهموم التي هي في نهاية المطاف جزء من تاريخ الوطن العربي الحديث، تاريخه السياسي والاجتماعي والاقتصادي وبالطبع الثقافي، هموم الخوف من الاستبداد والقلق من نتائجه. شعراء كثر واجهوا ذلك الخوف واضطروا لألوان من السرية والإخفاء في الكتابة إزاء قوى متنوعة تمظهرت أول القرن العشرين في قوى المستعمر ثم كشرت عن أنيابها في هيئة أنظمة لم تقل عن المستعمر سطوة، إن لم تفقه. فمن وقفة خليل مطران حين صرخ «كسروا الأقلام هل تكسيرها- يمنع الأيدي أن تنقش صخرا» إلى حزن وغضب وإحباط أمل دنقل وهو يخاطب «أبانا الذي في المباحث» وامتدادًا إلى قاسم حداد وهو يقول: «تعلمت أن البلاد التي أعلنت صمتها في الميادين ليست بلادي»، تمتد خريطة من القلق والألم تكاد تشمل الشعر العربي كله إزاء ما يمكن أن يحدثه النص الشعري من أثر في نفوس المتلقين. والمتلقون ليسوا القراء أو المستمعين من عامة الناس فحسب، ليسوا المعنيين بالشعر من حيث هو أدب يمكن أن يبهجهم ويضيء لهم عتمات الحياة، وإنما هم أيضًا عيون بعض القوى السياسية وآذانها، القوى التي تقلق هي الأخرى مما قد يضيء عتمات تود لو لم تضأ، إلى جانب بعض قوى اجتماعية لها مصالحها وتوجهاتها الآيديولوجية التي ربما أفسد الشعراء شيئا منها.
الملاحظات التالية تتوجه إلى نماذج من الشعر العربي الحديث وهي تستبطن متلقين يسعى الشعراء إلى بعضهم ويخشون بعضهم الآخر، قصائد تحمل مخاوف الشعر وقلق الشعراء. ومع أن عددًا لا بأس به من الشعراء العرب المعروفين على مستوى الوطن العربي عاشوا شطرًا كبيرًا من حياتهم خارج الوطن العربي، في أوروبا وأميركا، أي حيث ينعمون بالحرية في التعبير والراحة النسبية في العيش، فإن أعمالهم ظلت إلى حد واضح متصلة بما تعاني منه البلاد العربية، على تفاوتها، من ظروف صعبة على مختلف المستويات. القارئ الضمني في تلك الأعمال، وكذلك ما يعرف بأفق التوقعات، هما مما نظّر له وحلله نقاد التلقي واستجابة القارئ، وهما عنصران تأثرًا كثيرًا، في بعض النصوص، بظروف الكبت السياسي والاجتماعي بشكل خاص وبالقدر الذي يستدعي إعادة النظر في مقولات نقد التلقي والاستجابة بحيث تستوعب المتغيرات الناشئة عن اختلاف ظروف مشهد شعري كالذي نعيش عن تلك التي تطورت مقولات نقد التلقي انطلاقًا منها واستكشافًا لها. ولا شك أن التفات الدراسات النقدية إلى هذا الجانب من شأنه أن يعمق الوعي ليس بدلالات تلك النصوص فحسب وإنما بجمالياتها أيضًا. ذلك أن بعض الأوجه الجمالية، كالصور المجازية والرموز، تأتي متأثرة بظروف إنتاج النصوص وأنماط التلقي المتوقعة لها. على أن الملاحظات التالية لا تطمح لتحقيق ذلك كله، وإنما هي خطوات مبدئية لتطوير قراءة تستوعب المتغيرات الشعرية التي ألمحت لها.
من النماذج البارزة للأعمال التي تتوخى تلقيًا من نوع خاص تلك التي توظف تقنيتي الصمت والبياض اللتين نجدهما لدى عدد من الشعراء العرب ولفتت نظر الدرس النقدي مؤخرًا، وكانت الأمثلة التي جرى تناولها في ذلك الدرس مستلة من قصائد لسعدي يوسف واللبنانيين محمد علي شمس الدين وشوقي بزيع. فالصمت، حسب تلك الدراسة، يتحول لدى أولئك إلى دلالة معلنة تستدعي استجابة القارئ للمسكوت عنه، وكذلك هي تقنية البياض، أي توزيع الأسطر والكلمات على الصفحات على نحو يستحث القارئ على ملء الفراغات. ذلك الملء وتلك التقنية عرفها الشعر الأوروبي، كما يذكرنا صاحب تلك الدراسة محيلاً إلى بعض النصوص الفرنسية، غير أن نوع التلقي الذي توخاه الشاعر الفرنسي يختلف في أحد وجوهه الأساسية عن ذلك الذي توخاه الشاعر العربي، أي على الرغم من التقاطعات بين دور تلك التقنية في معمار النص الشعري الفرنسي والعربي. سأتوقف عند نماذج من هذه التقنية بعد قليل، لكني هنا أود المضي إلى نصوص لا تتكئ على الصمت أو البياض فحسب وإنما تسعى إلى القارئ عبر تقنيات أو صيغ أخرى منها ما هو أكثر وضوحًا ومباشرة.
بعض النصوص الشعرية تستثير إشكاليتي القراءة والكتابة على نحو تعلن عنه مخاطبة القارئ أو الإشارة إلى عمليتي القراءة والكتابة بوصفهما عمليتين إشكاليتين. نص سعدي يوسف في بداية هذه الملاحظات أحد النماذج الواضحة لما أشير إليه، لكن ثمة نصوصًا أخرى أكثر رهافة وتواريًا في الدلالة وإن لم تخف ما تشير إليه تمامًا. من ذلك مطلع قصيدة «الوقت» للشاعر السوري أدونيس:

حاضنا سنبلة الوقت، ورأسي برج نار:
ما الدّمُ الضّاربُ في الرّملِ، وما هذا الأفولُ؟
قُلْ لَنا، يا لَهَبَ الحاضِرِ، ماذا سنقولُ؟
مِزَقُ التاريخِ في حُنجرتي
وعلى وجهي إمارات الضّحيّهْ
ما أَمَرَّ اللّغة الآنَ وما أضيقَ بابَ الأبجديّهْ
أمام هول المأساة تتراجع اللغة ويضيق باب الكلام. والقصيدة، التي تدور حول حصار بيروت أول ثمانينات القرن الماضي، ترسم في مجملها صورة لأرض عاث فيها الدمار وتناثرت أشلاء الجثث بالقدر الذي جعل الشعراء يجدون الصدق موتًا ولا شيء غير الموت خبزًا: «سيكون الصدق موتًا ويكون الموت خبز الشعراء».
ثمة مبرر إذًا لمرارة اللغة وضيق باب الأبجدية وحاجة من ثم لمن يدرك ذلك ويتلقى النص بما يتيح للكتابة أن تقول الغائب عن الكلام:

ومرارًا قلتُ للشعر الذي يرسب في ذاكرتي
أي منشار على عنقي يملي آية الصمت
لمن أروي رمادي وأنا أجهل أن أنتزع النبض وأرميه على طاولة
وأنا أرفض أن أجعل من حزني طبلاً للسماء
فلأقل كانت حياتي بيت أشباحٍ وطاحون هوى.

لا شك أن الشاعر قال الكثير رغم شكواه من منشار الصمت على عنقه، لكن إعلان الصمت مقولة بحد ذاته، إيماءة إلى ما لم يقل، ليس لإشراك القارئ في ملء فراغ جمالي، على الرغم من أهمية الجمالي في القصيدة، بقدر ما هو لتذكيره بأنه على الرغم من القول يظل هناك ما يتعذر قوله وأن على القارئ المهموم بالمآسي ذاتها أن يقوله بنفسه، ربما بينه وبين نفسه.
في نصوص أخرى ستتضح وجوه مختلفة لتلك الهموم والمآسي التي يواجهها الشعراء والمتلقون معًا، وما ذكرته هنا ليس إلا جزءا من تناول أوسع لا تحتمله مقالة واحدة.

* جزء من ورقة ألقيت في الملتقى الدولي للشعر العربي بالقاهرة نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.



شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد وشواهد القبور

شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد وشواهد القبور
TT

شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد وشواهد القبور

شعراء «الخيام» يقاتلون بالقصائد وشواهد القبور

لم تكن بلدة الخيام، الواقعة على التخوم الشرقية للجنوب اللبناني، مجرد تفصيل هامشي في خارطة جبل عامل، وتاريخه المحكوم بالقلق العاصف وصراعات الدول والمصالح، بل كانت ولا تزال واسطة عقد القرى المحيطة بها، بقدر ما كان لها النصيب الأوفر من كل حرب تقع، أو سلام يتحقق، أو ربيع ينشر ملاءات جماله على الملأ. والأرجح أن الأهمية التي اكتسبتها البلدة عبر الزمن، تتراوح أسبابها بين سحر موقعها الجغرافي، وعراقة تاريخها الحافل بالأحداث، وتعدد القامات الأدبية والشعرية التي أنجبتها البلدة عبر القرون.

ولعل في تسمية الخيام أيضاً، ما يعيد إلى الأذهان منازل العرب الأقدمين، والمساكن التي كانت تقيمها على عجل جيوش الفتوحات، والخيم المؤقتة التي كان الجنوبيون ينصبونها في مواسم الصيف، عند أطراف كروم التين، بهدف تجفيف ثمارها الشهية وادّخارها مؤونة للشتاء البخيل. وإذا كان الدليل على ذلك حاضراً في ذاكرة سهل الخيام المترعة بآلاف الأشجار والنصوب والكروم، فإن الشعر بدوره كان جاهزاً للتحول إلى مدونة كبرى لذلك العالم الزراعي، الذي كادت تطيح به عشوائيات عمرانية مرتجلة وبالغة الفظاظة.

ورغم أن جغرافيا البلدة التي تشبه ظهر الفرس، بهضبتها الطويلة المطلة على الجولان والجليل وجبل حرمون، هي التي أسهمت في تحولها إلى واحدة من أكبر بلدات جبل عامل، فإن هذه الجغرافيا بالذات قد شكلت نعمة الخيام ونقمتها في آن، وهي المتربعة عند المفترقات الأكثر خطورة لخرائط الدول والكيانات السياسية المتناحرة. وفي ظل التصحر المطرد الذي يضرب الكثير من الدول والكيانات المجاورة، تنعم البلدة ومحيطها بالكثير من الينابيع، ومجاري المياه المتحدرة من أحشاء حرمون لتوزع هباتها بالتساوي بين ربوع إبل السقي، التي أخذت اسمها من سقاية الماء، والخيام التي يتفجر عند سفحها الغربي نبع الدردارة، ومرجعيون، أو مرج العيون، التي ترفدها في أزمنة الجدب والقبح بئر من الجمال لا ينضب معينه.

وإذا كانت الشاعريات والسرديات والفنون العظيمة هي ابنة المياه العظيمة، كما يذهب بعض النقاد والباحثين، فإن هذه المقولة تجد مصداقيتها المؤكدة من خلال البلدات الثلاث المتجاورة. إذ ليس من قبيل الصدفة أن تنجب إبل السقي قاصاً متميزاً من طراز سلام الراسي، وتنجب مرجعيون قامات من وزن فؤاد وجورج جرداق وعصام محفوظ ومايكل دبغي ووليد غلمية وإلياس لحود، فيما أنجبت الخيام سلسلة الشعراء المتميزين الذين لم تبدأ حلقاتها الأولى بعبد الحسين صادق وعبد الحسين عبد الله وحبيب صادق وسكنة العبد الله، ولم تنته حلقاتها الأخيرة مع حسن ومحمد وعصام العبد الله وكثيرين غيرهم.

ومع أن شعراء الخيام قد تغذوا من منابت الجمال ذاتها، ولفحهم النسيم إياه بمهبه الرقراق، فإن الثمار التي جنتها مخيلاتهم من حقول المجاز لم تكن من صنف واحد، بل كانت لكل منهم طريقته الخاصة في مقاربة اللغة والشكل والرؤية إلى الأشياء. فحيث جهد عبد الحسين عبد الله، في النصف الأول من القرن المنصرم، في تطعيم القصيدة التقليدية بلمسة خاصة من الطرافة والسخرية المحببة، حرص حبيب صادق على المزاوجة بين المنجز الشعري الحداثي وبين النمط العمودي الخليلي، مع جنوح إلى المحافظة والالتزام بقضايا الإنسان، أملته شخصية الشاعر الرصينة من جهة، وانتماؤه الفكري والسياسي الذي دفعه من جهة أخرى إلى الانصراف عن الكتابة، وتأسيس «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» الذي شكل الحاضنة الأكثر حدباً لكوكبة الشعراء الذين عرفوا في وقت لاحق بشعراء الجنوب اللبناني.

حبيب صادق

لكن الكتابة عن الخيام وشعرائها ومبدعيها يصعب أن تستقيم، دون الوقوف ملياً عند المثلث الإبداعي الذي يتقاسم أطرافه كلُّ من عصام ومحمد وحسن العبد الله. اللافت أن هؤلاء الشعراء الثلاثة لم تجمعهم روابط القرابة والصداقة وحدها، بل جمعهم في الآن ذاته موهبتهم المتوقدة وذكاؤهم اللماح وتعلقهم المفرط بالحياة.

على أن ذلك لم يحل دون مقاربتهم للكتابة من زوايا متغايرة وواضحة التباين. فعصام الذي ولد وعاش في بيروت ودُفن في تربتها بعد رحيله، والذي نظم باللغة الفصحى العديد من قصائده الموزونة، سرعان ما وجد ضالته التعبيرية في القصيدة المحكية، بحيث بدت تجربته مزيجاً متفاوت المقادير من هذه وتلك.

إلا أن الهوى المديني لصاحب «سطر النمل» الذي حوّل مقاهي بيروت إلى مجالس يومية للفكاهة والمنادمة الأليفة، لم يمنعه من النظر إلى العاصمة اللبنانية بوصفها مجمعات ريفية متراصفة، ومدينة متعذرة التحقق. وهو ما يعكسه قوله باللهجة المحكية «ما في مْدينة اسمْها بيروت بيروتْ عنقود الضّيّع». كما أن حنينه الدفين إلى الريف الجنوبي، والخيام في صميمه، ما يلبث أن يظهر بجلاء في قصيدته «جبل عامل» ذات الطابع الحكائي والمشهدية اللافتة، التي يقول في مطلعها: «كان في جبلْ إسمو جبلْ عاملْ راجعْ عبَيتو مْنِ الشغلْ تعبانْ وْكانِ الوقتْ قبل العصرْ بِشْوَيْ بكّيرْ تيصلّي تْمدّدْ عَكرْسي إسمها الخيامْ كتْفو الشمال ارتاح عالجولانْ كتْفو اليمين ارتاحْ عا نيسانْ».

حسن عبد الله

ومع أن الخيام، كمكان بعينه، لا تظهر كثيراً في أعمال محمد العبد الله الشعرية، فهي تظهر بالمقابل خلفية طيفية للكثير من كتاباته، سواء تلك المترعة بعشق الطبيعة وأشجارها وكائناتها، كما في قصيدته «حال الحور»، أو التي تعكس افتتانه بوطن الأرز، الذي لا يكف عن اختراع قياماته كلما أنهكته الحروب المتعاقبة، كما في قصيدته «أغنية» التي يقول فيها:

من الموج للثلج نأتيك يا وطن الساعة الآتية

إننا ننهض الآن من موتك الأوّليّ

لنطلع في شمسك الرائعة

نعانق هذا التراب الذي يشتعلْ

ونسقيه بالدمع والدم يمشي بنسغ الشجرْ

أما حسن عبد الله، الذي آثر حذف أل التعريف من اسمه العائلي، فقد عمل جاهداً على أن يستعيد من خلال شعره، كل تلك الأماكن التي غذت ببريقها البرعمي حواسه الخمس، قبل أن تتضافر في إبعاده عنها إقامته الطويلة في بيروت، والحروب الضروس التي نشبت غير مرة فوق مسقط رأسه بالذات، وحولت عالمه الفردوسي إلى ركام. ورغم أن نتاجه الشعري اقتصر على مجموعات خمس، فقد تمكن حسن أن يجعل من البساطة طريقته الماكرة في الكتابة، وأن يحمل أكثر الصور غرابة وعمقاً، على الكشف عن كنوزها بسلاسة مدهشة أمام القارئ.

وإذ أفاد صاحب «أذكر أنني أحببت» و«راعي الضباب» من فن الرسم الذي امتلك ناصيته بالموهبة المجردة، فقد بدت قصائده بمعظمها أشبه بلوحات متفاوتة الأحجام منتزعة من تربة الخيام وأشجارها وعسل فاكهتها الأم، ومياهها الغائرة في الأعماق. وكما استطاع بدر شاكر السياب أن يحوّل جدول بويب النحيل إلى نهر أسطوري غزير التدفق، فقد نجح حسن عبد الله من جهته في تحويل نبع «الدردارة»، الواقع عند الخاصرة الغربية لبلدته الخيام، إلى بحيرة مترامية الأطراف ومترعة بسحر التخيلات.

وإذا كانت المشيئة الإلهية لم تقدّر لشعراء الخيام أن يعيشوا طويلاً، فإن في شعرهم المشبع بروائح الأرض ونسغها الفولاذي، ما لا يقوى عليه فولاذ المجنزرات الإسرائيلية المحيطة ببلدتهم من كل جانب. وكما يواجه الجنوبيون العدو بما يملكون من العتاد والأجساد، واجهه الشعراء بالقصائد وشواهد القبور ونظرات الغضب المدفونة في الأرض. ومن التخوم القصية لبراري الفقدان، راح حسن عبد الله يهتف ببلدته المثخنة بحراب الأعداء:

تأتي الطائرات وتقصف الصفصاف،

تأتي الطائراتُ ويثْبتُ الولد اليتيمُ

وطابتي في الجوّ والرمان في صُرَر الغيوم،

وتثبتينَ كراية التنّين،

إني مائلٌ شرقاً

وقد أخذ الجنوب يصير مقبرةً بعيدة.