«اتفاق فيينا» يصعد بالنفط إلى أعلى مستوى في 18 شهرًا

المنتجون يؤكدون التزامهم... ونوفاك: 50 إلى 60 دولارًا سعر مريح للجميع

خام برنت يسجل أعلى مستوى منذ يوليو 2015 بعد اتفاق المنتجين على خفض الإنتاج ({الشرق الأوسط})
خام برنت يسجل أعلى مستوى منذ يوليو 2015 بعد اتفاق المنتجين على خفض الإنتاج ({الشرق الأوسط})
TT

«اتفاق فيينا» يصعد بالنفط إلى أعلى مستوى في 18 شهرًا

خام برنت يسجل أعلى مستوى منذ يوليو 2015 بعد اتفاق المنتجين على خفض الإنتاج ({الشرق الأوسط})
خام برنت يسجل أعلى مستوى منذ يوليو 2015 بعد اتفاق المنتجين على خفض الإنتاج ({الشرق الأوسط})

ارتفعت أسعار النفط أمس بما يصل إلى 6.5 في المائة، لتسجل أعلى مستوياتها منذ عام ونصف العام، وذلك في انعكاس مباشر لاتفاق منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» ومنتجين آخرين إلى أول اتفاق منذ عام 2001 لخفض مشترك للإنتاج بهدف كبح تخمة المعروض في الأسواق العالمية ودعم الأسعار.
وبحلول الساعة العاشرة من صباح أمس بتوقيت غرينيتش، ارتفع خام القياس العالمي مزيج برنت بواقع 2.38 دولار إلى 56.72 دولار للبرميل، وذلك بعد أن سجل أعلى مستوى خلال الجلسة عند 57.89 دولار للبرميل، وهو أعلى مستوى منذ يوليو (تموز) 2015. ويزيد السعر 50 في المائة عنه قبل عام، ليسجل أعلى زيادة سنوية منذ سبتمبر (أيلول) 2011. بينما زاد خام غرب تكساس الأميركي الوسيط 2.46 دولار، ليسجل 53.96 دولار للبرميل.
وكانت «أوبك» قد اتفقت على خفض الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يوميا، ويوم السبت اتفق 11 منتجا من خارج المنظمة على الانضمام إلى هذه الجهود وخفض الإنتاج بواقع 558 ألف برميل يوميا.
ويقل الخفض عن هدف أولي يبلغ 600 ألف برميل يوميا، لكنه ما زال أول اتفاق بين أوبك والمنتجين المستقلين منذ عام 2001، وأكبر مساهمة من قبل المنتجين من خارج المنظمة على الإطلاق.
وقال بنك «غولدمان ساكس» في بيان له أمس: «نعتقد أن التزام 11 عضوا في أوبك و11 منتجا من خارج المنظمة بخفض الإنتاج أمر ضروري للاستمرار في دعم أسعار النفط، وصولا إلى مستوى توقعاتنا لسعر خام غرب تكساس الأميركي الوسيط في النصف الأول 2017 عند 55 دولارا للبرميل»، موضحا أن «هذا التوقع يعكس خفضا فعليا بقيمة مليون برميل يوميا، مقابل الخفض المعلن بقيمة 1.6 مليون برميل يوميا، لذا فالالتزام الأكبر بالتخفيضات المعلنة يمثل مخاطرة على الجانب الصعودي لتوقعاتنا».
وأضاف البنك: «رغم محدودية الخفض عن المعلن سابقا، فإن الاتفاق مع ذلك يظل جديرا بالاهتمام، لأنه يبدد الشكوك بشأن احتمال مشاركة المنتجين المستقلين في خفض أوبك».
وعقب «الاتفاق التاريخي»، أدلى وزير الطاقة السعودي خالد الفالح بتصريحات قال فيها إن المملكة ربما تكون مستعدة لخفض الإنتاج إلى أقل من عشرة ملايين برميل يوميا.
وقال مصدر في أوبك إن المملكة - أكبر مصدر للنفط في العالم - أبلغت المنظمة أنها ضخت رقما قياسيا للإنتاج يبلغ 10.72 مليون برميل يوميا الشهر الماضي، ارتفاعا من 10.625 مليون برميل يوميا في أكتوبر (تشرين الأول).
وقال غولدمان ساكس إنه من المرجح أن يظل الخفض المعلن من قبل روسيا أقل من الرقم الذي تعهدت به وهو 300 ألف برميل يوميا، لافتا إلى أن مساهمة روسيا مهمة. وأضاف أن «الالتزام الأفضل من المتوقع ربما يقود في البداية إلى ارتفاع الأسعار، فيما يعادل الالتزام الكامل إضافة ستة دولارات للبرميل لتوقعاتنا للأسعار».
وبالأمس، أكدت السعودية أنها ملتزمة بالقرار الذي اتخذه اجتماع فيينا. وقال وزير الثقافة والإعلام الدكتور عادل الطريفي، في بيانه لوكالة الأنباء السعودية عقب الجلسة الأسبوعية التي عقدها مجلس الوزراء السعودي برئاسة خادم الحرمين الشريفين إن المجلس «أبدى ارتياحه لقرار تخفيض الإنتاج من الدول المنتجة خارج أوبك للمساهمة في استقرار الأسواق لصالح الدول المنتجة والصناعة البترولية والاقتصاد العالمي بشكل عام». مشيرا إلى أن المجلس «أكد التزام المملكة التام بهذا الاتفاق، وتطلعها إلى أن تقوم الدول الموقعة الأخرى بالالتزام به».
وكان الفالح قد قال عشية اجتماع فيينا إن دولا خارج منظمة أوبك أصبحت شريكا أساسيا لمنظمة «أوبك» في كل قضايا الإنتاج والاستثمار ودعم استقرار السوق، مشيرا إلى أن التقارب السعودي - الروسي أعاد التوازن للسوق.
من جهته، قال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك في تغريدة على حسابه على «تويتر» أمس إن سعرا بين 50 و60 دولارا لبرميل النفط يعتبر «مريحا بشكل أكبر» لميزانية روسيا، ويرضي كل من المنتجين والمستهلكين.
بينما أكدت مصادر نفطية روسية لـ«رويترز» أن اجتماع لجنة الطاقة وكبار منتجي النفط في روسيا برئاسة الرئيس فلاديمير بوتين، المقرر عقده في 19 ديسمبر (كانون الأول) الحالي تأجل مجددا، دون أن يتضح السبب وراء التأجيل.
وكان من المتوقع أن تناقش لجنة الطاقة - وأمينها إيجور ستشين وهو حليف لبوتين منذ فترة طويلة ويرأس أيضا شركة روسنفت أكبر منتج للنفط في روسيا - تنفيذ خفض إنتاج روسيا من الخام بواقع 300 ألف برميل يوميا، بحسب اتفاق روسيا مع المنتجين في فيينا. بينما قالت «لوك أويل» ثاني أكبر منتج للنفط في روسيا إنها مستعدة لخفض إنتاجها بموجب الاتفاق العالمي، وقالت «تاتنفت» وهي منتج كبير آخر في البلاد إنها ستخفض إنتاجها من الخام بواقع 20 ألف برميل يوميا في 2017.
وفي سياق متصل، أكد وزير النفط العراقي جبار اللعيبي أن بلاده ملتزمة بخفض إنتاجها النفطي امتثالا للاتفاق، مضيفا أنه رغم ذلك واثق في أن العراق ثاني أكبر منتج في أوبك لديه القدرة على زيادة إنتاجه في السنوات المقبلة.
وأضاف الوزير في مقابلة نقلتها «رويترز» أن العراق يدرس عدة خيارات لتطبيق الخفض؛ بما في ذلك تقليص الإنتاج من حقول نفط كركوك وحقول الجنوب التي تطورها شركات نفط كبري أو الإنتاج في مناطق أخرى تديرها الحكومة.
ويأتي ذلك في وقت ذكرت فيه مصادر تجارية أمس أن العراق يعتزم تصدير نحو 3.5 مليون برميل يوميا من النفط من خام البصرة من الموانئ الجنوبية في يناير (كانون الثاني)، وهو أعلى مستوى منذ يونيو (حزيران)، رغم الموافقة على خفض الإنتاج في إطار اتفاق فيينا.
لكن اللعيبي قال لـ«رويترز» في وقت سابق إن التخفيضات ستهدف إلى الوصول للأرقام التي جري الاتفاق عليها مع أوبك، لكن فيما يخص مناطق الخفض فإن هناك خيارات عدة على الطاولة. وقال اللعيبي إن وزارته تخوض مناقشات مع الشركات الأجنبية التي تشغل الحقول العملاقة في جنوب العراق لتنفيذ بعض التخفيضات خلال فترات الصيانة المجدولة.
وقالت مصادر إنه مع ارتفاع الصادرات من الجنوب قد يتعين على العراق تقليص الإنتاج في الشمال للالتزام باتفاق أوبك.
كما أوضح اللعيبي أن إنتاج العراق النفطي في ديسمبر (كانون الأول) سيرتفع قليلا عن مستوى نوفمبر (تشرين الثاني). وأضاف أن بإمكانه تأكيد بلوغ إنتاج البلاد مستوى 4.8 مليون برميل يوميا.
وقبل العراق مستوى مرجعيا أقل للإنتاج في إطار اتفاق أوبك الذي قدر الإنتاج عند 4.561 مليون برميل يوميا. وقال اللعيبي إن بغداد وافقت على تقدير أقل لمستوى الإنتاج لأنها ترغب في وحدة الصف داخل أوبك حتى تستعيد أسعار النفط والسوق العالمية توازنهما. لكنه أضاف أنه على ثقة من أن هذا ليس المستوى الحقيقي للإنتاج، غير أنه من المأمول تعويض هذا مع تحسن الأسعار.
من جانبه، قال وزير الطاقة الكازاخستاني كانات بوزومباييف أمس إن خفض إنتاج بلاده النفطي بواقع 20 ألف برميل يوميا في إطار الاتفاق العالمي سيكون «رمزيا»، مقارنة مع إنتاج نوفمبر القياسي البالغ 1.7 مليون برميل يوميا.
وأبلغ الوزير الصحافيين أن كازاخستان لن تضع قيودا على إنتاج أكبر حقولها النفطية كاشاجان وكاراشجاناك وتنجيز، وأنها بدلا من ذلك ستؤجل التوسع في حقلين صغيرين، وتعتمد على الانخفاض الطبيعي في إنتاج حقول أخرى. وامتنع الوزير عن ذكر أسماء الحقول التي ستسهم في خفض الإنتاج.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».