قوات النظام تنسحب من تدمر... وهجوم روسي بغاز السارين

خبراء: الملف أبعاده سياسية ومرتبط بالتباين الدولي حول خريطة النفوذ الجغرافي

صورة تعود للثامن من أبريل الماضي وفيها يقوم جندي روسي بفحص حقل ألغام قرب آثار تدمر بعد طرد داعش منها (أ.ب)
صورة تعود للثامن من أبريل الماضي وفيها يقوم جندي روسي بفحص حقل ألغام قرب آثار تدمر بعد طرد داعش منها (أ.ب)
TT

قوات النظام تنسحب من تدمر... وهجوم روسي بغاز السارين

صورة تعود للثامن من أبريل الماضي وفيها يقوم جندي روسي بفحص حقل ألغام قرب آثار تدمر بعد طرد داعش منها (أ.ب)
صورة تعود للثامن من أبريل الماضي وفيها يقوم جندي روسي بفحص حقل ألغام قرب آثار تدمر بعد طرد داعش منها (أ.ب)

قالت الإذاعة السورية الرسمية، أمس، إن الجيش أخلى مواقعه داخل مدينة تدمر الأثرية التي أصبحت إحدى ساحات القتال في الحرب الأهلية السورية بعد هجوم لمتشددي «داعش»، بينما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن هجوما يشتبه أنه بالغاز وقع في منطقة يسيطر عليها تنظيم داعش قرب تدمر، أمس، وسط قصف جوي كثيف للمنطقة نفسها، مما أسفر عن سقوط 34 قتيلا على الأقل.
وقال المرصد، نقلا عن مصادر محلية قرب موقع الهجوم في محافظة حماه في شرق البلاد وإلى الشمال الغربي من مدينة تدمر القديمة، إن هناك حالات اختناق، وإن عشرات أصيبوا أثناء قصف صاروخي مكثف على المنطقة. ونقلت «رويترز» عن المرصد، الذي اعتمد على مصادر محلية، قولها إنها رأت جثثا دون جروح ظاهرة.
وقالت وكالة أعماق للأنباء التابعة لتنظيم داعش، في بيان على الإنترنت، إن 20 شخصا قتلوا ونحو مائتين أصيبوا بصعوبات في التنفس «في قصف جوي روسي بغاز السارين».
وأظهر مقطع فيديو نشرته «أعماق» عددا من الدبابات والسيارات المدرعة المتروكة قيل إن مقاتلي التنظيم استولوا عليها.
وتمثل سيطرة «داعش» على تدمر مرة جديدة، رسالة سلبية إلى «الهدف الروسي» بمحاربة الإرهاب في سوريا، كون المدينة التي استعادتها قوات النظام السوري بدعم عسكري روسي في الصيف الماضي، سقطت مجددًا بيد التنظيم المتشدد، رغم أن المنطقة الواقعة في وسط سوريا تعتبر منطقة عمليات جوية روسية، وتنفذ فيها تلك القوات ضربات ضد التنظيم، وصولاً إلى مدينة دير الزور في شرق البلاد.
الرسالة السلبية، تكمن في كون روسيا لم تستطع الاحتفاظ بمناطق سيطرت عليها من يد «داعش»، إذا ما قورنت بمناطق أخرى استطاعت فيها القوات الموالية للتحالف الدولي لمحاربة الإرهاب الاحتفاظ بها وحمايتها بغطاء جوي أميركي بعد أن طردت منها «داعش». ولم يستطع التنظيم التقدم مرة أخرى إلى أي من مناطق الحسكة وريف الرقة وريف حلب، حيث خاضت «قوات سوريا الديمقراطية» حربها ضد التنظيم، كذلك إلى مناطق ريف حلب الشمالي، حيث طردت قوات «درع الفرات» التنظيم منها. ورغم تقديرات عسكرية ربطت الموضوع بانشغال روسيا والنظام السوري بمعارك حلب، فإن الوقائع تشير إلى أن قضية سيطرة «داعش» على تدمر لها أبعاد سياسية مرتبطة بتوازنات دولية، أبرزها عدم توصل الأطراف الدولية إلى اتفاق نهائي بشأن القوى التي يجب أن تسيطر على الجغرافيا التي يخليها «داعش»، كما أنها مرتبطة بالمفاوضات الأميركية - الروسية المرتقبة مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، وقواعد بقاء روسيا في سوريا وتحت أي عنوان.
ويرى الباحث السياسي والخبير الاستراتيجي، ماريو أبو زيد، أن المشكلة ليست في إمكانية موسكو للدفاع عن تدمر، ذلك أنه في البعد الاستراتيجي «هي خطوة مقصودة، لأن السيطرة على حلب التي شهدت حجما كبيرا من القتل وتشريدا للمدنيين، بالتزامن مع تقدم القوات الكردية المدعومة من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في الرقة، بموازاة التقدم في الموصل، ستنتفي معها ذريعة محاربة الإرهاب بالنسبة للروس، بالتالي، فإن إعادة تقدم (داعش) في تدمر «تمنحه الفرصة للاستمرار كتنظيم إرهابي يهدد سوريا».
ويقول أبو زيد لـ«الشرق الأوسط»: «من دون ذلك، لا نافذة للنظام وروسيا للقول: إن الإرهاب يتمدد، وسيفقد الكرملين الحجة لمحاربة الإرهاب ووضعه بندًا على جدول أعمال المفاوضات مع الإدارة الأميركية الجديدة، ذلك أن الإرهاب سيتفكك إذا انتهى في الرقة الآن».
وتابع أبو زيد: «بإعادة التقدم في تدمر، يفتح (داعش) مجالاً لجبهات جديدة»، من غير أن يستبعد غض نظر عن هذا التقدم، قائلاً: «جرى سقوط تدمر للمرة الثانية في وظل وجود قوات روسية في سوريا، وحصلت انسحابات بعد تدمير منشآت روسية قبل الخروج من المدينة، وذلك لتسهيل دخول (داعش) إلى تدمر، وبالتالي يحافظ الروس على وجوده وتبقى حجة مكافحة الإرهاب إلى حين تسلم ترامب السلطة في الولايات المتحدة».
إلا أنه ثمة قراءة مغايرة، تربط بين دخول «داعش» إلى تدمر، مع قرب انتهاء معركة حلب، على قاعدة أن النظام وحلفاءه سيضعون 20 ألف جندي يشاركون في معركة السيطرة على حلب حاليًا، في تصرف جبهات أخرى، أبرزها مدينة الباب التي بدأت قوات «درع الفرات» المدعومة من تركيا بمعركة استعادة السيطرة عليها، ومعركة الرقة التي بدأتها قوات سوريا الديمقراطية. وبالتالي، يقول أنصار هذا الرأي، إن دخول «داعش» إلى تدمر «يمثل رسالة للنظام بعدم تجاوز الخطوط الحمراء الدولية»، وإن فتح جبهة من هذا الوزن في تدمر «سيجبر النظام على توزيع قواه على جبهات أخرى، تمنعه من التقدم إلى الباب، أو فرض نفسه مشاركا في معركة الرقة، كما يطمح». ويستبعد أبو زيد هذا السيناريو، قائلا إن الاحتمالات مفتوحة، والمعارك لن تكون سهلة بعد معركة حلب، إذ «لن يوقف النظام تمدده، وهو الهدف المعلن له، لكن التوازنات الدولية تفرض عليه عدم تخطي الخطوط الحمراء التركية من دون موافقة روسية على تمدد النظام وإعادة استخدام القوات المقاتلة في جبهات أخرى»، وهو الأمر غير المتاح في الوقت الحالي «كون المفاوضات بين موسكو وواشنطن واستطرادًا أنقرة، عند وصول ترامب للرئاسة، تحتاج إلى وقت إضافي». ويتفق الخبراء على أن سياق تقدم «داعش» في تدمر، مرتبط بالتوازنات الدولية السياسية بما يتخطى القدرات العسكرية، ذلك أن سلاح الجو الروسي موجود في الأجواء السورية، واستطاع في وقت سابق، حين سيطر «داعش» على جبل مشرف على مدينة دير الزور، أن ينفذ ضربات جوية عنيفة أفقدت التنظيم مناطق سيطرته خلال 24 ساعة، فيما تقدم التنظيم أمس إلى نقطة تهدد مطار «تي فور» العسكري بريف حمص، ما يطرح أسئلة عن القدرات الجوية الروسية لمنعه من التقدم.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية والباحث الاستراتيجي، الدكتور سامي نادر، إن قضية السيطرة على تدمر «سياسية وليست عسكرية، مرتبطة بالتوازنات الدولية، ومن سيشغل الجغرافيا التي يسيطر عليها (داعش)»، مشيرًا إلى أن هذه الأسئلة «بدأت مع التنظيم منذ ظهوره»، مضيفًا: «وجود التنظيم، يطرح علامات استفهام منذ البداية، في وقت لم يستطع العالم مجتمعًا بترسانته العسكرية القضاء عليه».
ويقول نادر لـ«الشرق الأوسط»، إن مسألة ملء الفراغ الذي سينتج بعد رحيل «داعش» عن بقعة جغرافية معينة، «هي محل تجاذب ومرتبطة بأزمة حقيقية متعلقة بتقاسم النفوذ بعد رحيله عن الجغرافيا الخاضعة له»، موضحًا: «إذا ملأته القوات المدعومة إيرانيًا فهذا يعني عمليا أنه تم ربط الحدود السورية بالعراقية ووصول التمدد الإيراني إلى حلب»، في إشارة إلى أن قوات الحشد الشعبي العراقية الموالية لإيران تسيطر على تلعفر الحدودية مع سوريا، بينما تسيطر قوات «بي كي كي» الكردية على سنجار الحدودية مع سوريا أيضا، وهي قوات مدعومة من إيران. وقال نادر: «في حال تنفيذ هذا السيناريو، تكون إيران عمليا ربطت المناطق الشيعية والموالية لها بعضها ببعض، وصولاً إلى المتوسط، أما إذا كانت التوازنات الدولية أقوى من مخططات إيران، فإن المحتمل أن تكون تدمر جزءًا من مناطق نفوذ السنة، وهي تحتاج إلى تكوين كيان سني متواز مع الكيان الشيعي».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.