السعودية توفر 30 % من الإنفاق الحكومي على الصيانة خلال 5 أعوام

غياب المتابعة الوقائية حوّل مفهوم الصيانة إلى «استبدال القطع» و«إعادة البناء»

المؤتمر الدولي الرابع عشر للتشغيل والصيانة في البلدان العربية يسعى لتخفيض الإنفاق الحكومي على صيانة المشاريع بنسبة 30 في المائة («الشرق الأوسط»)
المؤتمر الدولي الرابع عشر للتشغيل والصيانة في البلدان العربية يسعى لتخفيض الإنفاق الحكومي على صيانة المشاريع بنسبة 30 في المائة («الشرق الأوسط»)
TT

السعودية توفر 30 % من الإنفاق الحكومي على الصيانة خلال 5 أعوام

المؤتمر الدولي الرابع عشر للتشغيل والصيانة في البلدان العربية يسعى لتخفيض الإنفاق الحكومي على صيانة المشاريع بنسبة 30 في المائة («الشرق الأوسط»)
المؤتمر الدولي الرابع عشر للتشغيل والصيانة في البلدان العربية يسعى لتخفيض الإنفاق الحكومي على صيانة المشاريع بنسبة 30 في المائة («الشرق الأوسط»)

توقع خبراء ومسؤولون شاركوا في المؤتمر الدولي الرابع عشر للتشغيل والصيانة في البلدان العربية، الذي بدأ أعماله بمدينة جدة أمس، توفير نحو 30 في المائة من التكاليف السنوية للتشغيل والصيانة خلال خمسة أعوام في السعودية، داعين إلى توطين صناعة الصيانة والتشغيل، إضافة إلى إيجاد معيارية موحدة داخل المنظومات الكبرى للمشاريع.
وأكدوا أن غياب المتابعة الوقائية والالتفات للمشاريع بعد تفاقم الأضرار فيها بعد إغلاقها فترات وإعادة بنائها، حوّل مفهوم الصيانة إلى منحى يختص بإعادة البناء والترميم واستبدال القطع بدلاً من إصلاحها.
وذكر الدكتور محمد الفوزان، رئيس مجلس المعهد العربي للتشغيل والصيانة في البلدان العربية، خلال المؤتمر الذي ينظمه المعهد تحت شعار «تفعيل دور إدارة الأصول والمرافق في رفع كفاءة الإنفاق الحكومي»، أن «رؤية السعودية 2030» مهتمة بتقنين الإنفاق الحكومي ورفع الجودة، حيث إن قطاع التشغيل والصيانة يأخذ نسبة كبيرة من حجم الإنفاق في ميزانيات الدول، ففي حين أن خصخصة القطاعات ستخفف العبء على الدول وتُقنن الإنفاق على الصيانة وترفع الجودة، إلا أن الحكومات تدير شؤونها وفق سياساتها الخاصة من ناحية نسبة الإنفاق على التشغيل والصيانة وذلك بحسب آلية خصخصتها للقطاعات.
وأضاف الفوزان لـ«الشرق الأوسط» أن «20 إلى 25 في المائة من ميزانيات الحكومات يذهب إلى بند التشغيل والصيانة»، مبينا أن السعودية أنشأت لجنة وطنية لقياس أداء التشغيل والصيانة تتبع لوزارة المالية، حيث إن كفاءة الخدمات وصلت إلى 58 في المائة مقارنة بالدول، فيما فرق السعر يصل إلى 20 في المائة لصالح الدول الأخرى، وقال: «نحن في السعودية ننفق أكثر من الكفاءة المعمول بها».
وتطرق إلى أن هذه المرة الثالثة التي يعقد المؤتمر في السعودية، حيث أقيم في الرياض 2008 ثم في عام 2011 في محافظة جدة، وقال: «في المعهد العربي، نمثل 22 دولة عربية ونعمل كمظلة لأعمال التشغيل والصيانة.. وحتى الوقت الراهن هوية المعهد ضائعة بين الكثير من الجهات ولا توجد جهة مسؤولة لهذا القطاع الحيوي لاقتصاد الدول العربية».
إلى ذلك، أكد الدكتور زهير السراج الأمين العام للمؤتمر رئيس المنظمة الدولية للصيانة IMA لـ«الشرق الأوسط»، أن الارتفاع الكبير في نفقات التشغيل والصيانة في الدولة العربية جاء نتيجة لغياب سياسات الصيانة الاقتصادية الفعّالة. وتابع: «في خضم ما يعيشه العالم من تحديات اقتصادية كبيرة وضمن خطوات إعادة هيكلة اقتصادات دول المنطقة، أتى شعار هذه الدورة للملتقى (تفعيل دور إدارة الأصول الشاملة في رفع كفاءة الإنفاق الحكومي)».
وأضاف السراج أن رؤية السعودية 2030 تضمنت عدة بنود تتعلق بإدارة المرافق وبالبنية التحتية، مبينًا أن الأربعين سنة الماضية شهدت فيها المنطقة بكل عام - والسعودية تحديدا - نموا كبيرا للمنشآت والبنية التحتية، إلا أن هذه الأعمال لم تواكب التخطيط لأعمال الصيانة المناسبة لها بما يقنن الإنفاق، حيث كان التركيز على سرعة الإنجاز؛ فكان هذا على حساب الجودة والمحافظة على تلك المنشآت وصيانتها.
وأشار السراج إلى عدم وجود مواصفات جودة موحدة في المشاريع الحكومية، ولذلك تظهر مشاريع كبرى متوازية في ذات المدن الجامعية أو المجمعات الصحية يتم إنشاؤها وفق مواصفات غير منسجمة حتى وإن كانت جودتها عالية، لافتًا إلى أن مشاريع تتبع لذات القطاع وفي ذات المجمع أحيانًا، تتبع مواصفات متفاوتة في مرجعيتها الإنشائية بين مقاييس أميركية وأخرى ألمانية وكذلك بريطانية.
وأضاف السراج أن عدم اتباع أساليب صيانة سليمة أدى إلى تدهور عدد من المنشآت وتحميل الحكومات مبالغ كبرى لأجل ترميمها وإعادة بنائها، بخلاف ما يمكن إنفاقه حال كانت تعتمد ذات المواصفات، مشيرًا إلى تحول مفهوم الصيانة في عدد من المشاريع الحكومية على مستوى المنطقة العربية بشكل عام من إصلاح وتقويم المعدات والمنشآت إلى مفهوم استبدال القطع وإعادة ترميم وإنشاء المباني، ما يكبد الحكومات مبالغ طائلة.
وتوقع أمين عام المؤتمر أن يتم توفير ما لا يقل عن 30 في المائة من التكاليف السنوية للتشغيل والصيانة خلال خمسة أعوام بالسعودية، مشيرًا إلى أن دور الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس يتمحور حول التحكم في جودة المواد والمعدات التي تدخل في الإنشاء، إلا أنها لا تستطيع التحكم في أداء أفراد الجهات المختلفة في الصيانة الدورية، وقال: «لا نحمّل الهيئة مسؤولية عدم قيام جهة معينة بالصيانة الوقائية، فنحن لا نعاني من المواصفات القياسية للمواد والمنشآت حاليًا بقدر ما نعاني من إدارة التشغيل والصيانة في عدد من المنشآت».
ودعا إلى إعادة تكوين وزارة للأشغال العامة بحيث تكون مظلة ومرجعية فنية موحدة لكل ما يتعلق بمجالها، خصوصًا مع وجود «اللجنة الوطنية للتشغيل والصيانة» و«كود البناء السعودي» و«المركز الوطني لدعم إدارة المشروعات» وهي ثلاث جهات تعمل لبلوغ الهدف ذاته المتعلق بمواصفات المنشأة والأداء، بمعايير تلتقي فيها تلك الجهات ولكن كل على حدة، مبينًا أنها تجربة قامت بها عدد من كبريات الدول، وقال: «يجب ألا يدفع إنشاء الوزارة أو المظلة التي تجمع تلك الجهات للعمل بمركزية قد تعطل الإنتاجية».
وكانت الجلسة الافتتاحية للمؤتمر أمس، استعرضت مسيرة المعهد العربي للتشغيل والصيانة، وأكد الدكتور محمد الفوزان رئيس المعهد العربي للتشغيل والصيانة أن المعهد حقق الكثير من الإنجازات وعلى رأسها كرسي الملك سلمان للتشغيل والصيانة في الدول العربية وإقامة 14 ملتقى دوليا للتشغيل والصيانة.
يشار إلى أن المؤتمر الذي بدأ أعماله في جدة أمس بمشاركة أكثر من 70 خبيرا ومختصا يناقش في 8 جلسات علمية و11 ورشة عددًا من المواضيع المتعلقة بالتشغيل والصيانة في البلدان العربية.



هل انهيار الحكومة الألمانية فرصة لإنعاش اقتصاد منطقة اليورو؟

المستشار الألماني أولاف شولتس يشارك في إحاطة إعلامية بمقر المستشارية بعد إقالته وزير المالية كريستيان ليندنر (رويترز)
المستشار الألماني أولاف شولتس يشارك في إحاطة إعلامية بمقر المستشارية بعد إقالته وزير المالية كريستيان ليندنر (رويترز)
TT

هل انهيار الحكومة الألمانية فرصة لإنعاش اقتصاد منطقة اليورو؟

المستشار الألماني أولاف شولتس يشارك في إحاطة إعلامية بمقر المستشارية بعد إقالته وزير المالية كريستيان ليندنر (رويترز)
المستشار الألماني أولاف شولتس يشارك في إحاطة إعلامية بمقر المستشارية بعد إقالته وزير المالية كريستيان ليندنر (رويترز)

قد يكون لانهيار الحكومة الألمانية جانب إيجابي للاقتصاد المتعثر في منطقة اليورو، حيث من المحتمل أن تؤدي زيادة الإنفاق الحكومي إلى دعم عملتها وأسواق الأسهم، حتى وإن كان الطريق نحو ذلك غير واضح.

وتشير الأسواق بالفعل إلى توقعات بمزيد من الاقتراض الحكومي الذي قد يساعد على تحفيز الاقتصاد، مما دفع مقياساً مهماً لسوق السندات، الذي يقيس إصدار الديون، إلى تسجيل رقم قياسي، وفق «رويترز».

وكان سبب انهيار الائتلاف الحاكم في ألمانيا هو الخلاف حول ما إذا كان يجب تعليق «فرامل الديون» في ألمانيا، التي تحد من الاقتراض. وتشير القراءة الأولية للأسواق إلى أن الانتخابات المبكرة في فبراير (شباط) قد تجلب مزيداً من اليقين لاقتصاد بالكاد تجنَّب الركود.

وتفوَّق أداء الأسهم الألمانية على نظيراتها الأوروبية عقب أنباء انهيار الحكومة، يوم الأربعاء الماضي، وهو ما يُعدّ مؤشراً على تحول المزاج العام نحو التفاؤل، وذلك بعد ساعات من فوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية، الذي رفع تهديد فرض التعريفات الجمركية في ضربة جديدة لأكبر اقتصاد في أوروبا.

وقال كبير الاستراتيجيين في مجموعة «زوريخ» للتأمين، جاي ميلر: «كانت ديناميكية النمو في ألمانيا ضعيفة إلى حد كبير، وكان جزء كبير من ذلك نتيجة لأخطاء داخلية، حيث تمسَّكت ألمانيا بفرامل الديون في وقت كان الاقتصاد يحتاج فيه إلى دعم».

وأضاف: «إن انهيار الائتلاف أمر إيجابي، ونحن نأمل في أن يتم منح مزيد من المجال المالي في موازنة 2025».

مأزق فرامل الديون

لطالما انتقد الاقتصاديون «فرامل الديون» التي تم تبنيها في عام 2009 لعرقلة نمو الاقتصاد الألماني، الذي يُتوقع أن يتقلص هذا العام.

ويُقدِّر رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في بنك «آي إن جي»، كارستن بريزسكي، أنَّ زيادة الإنفاق الحكومي بنسبة 1 في المائة إلى 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لمدة 10 سنوات يمكن أن تعزز النمو المحتمل إلى 1 في المائة على الأقل مقارنة بنحو 0.5 في المائة حالياً.

وأضاف بريزسكي: «ألمانيا ليست في مشكلة مالية عامة، حيث إن ديونها تمثل فقط 63 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعني أن لديها مجالاً أكبر للإنفاق مقارنةً بدول مثل فرنسا وإيطاليا».

وأوضح قائلاً: «إذا أمكن الجمع بين الإصلاحات وتخفيف السياسة المالية، فليكن».

وكان صندوق النقد الدولي قد أشار أيضاً إلى ضرورة أن تنظر ألمانيا في تخفيف «فرامل الديون»، وأي إشارات على زيادة الإنفاق قد تعزز الأسهم الأوروبية.

وارتفع مؤشر «ستوكس 600» الأوروبي بنسبة 6 في المائة فقط هذا العام، وهو أقل من رُبع الزيادة التي حققها مؤشر «ستاندرد آند بورز 500» الأميركي بنسبة 26 في المائة.

ويتوقع بنك «باركليز» أن التحول نحو سياسات داعمة للنمو سيكون ضرورياً لتعديل تقييمات الأسهم الألمانية.

وتتوقع «سيتي غروب» أن تخفض المعارضة المحافظة، التي تتصدر استطلاعات الرأي، الضرائب، مما سيدعم الأسهم.

كما يمكن أن يستفيد اليورو، الذي انخفض إلى أدنى مستوى له منذ أبريل (نيسان) الماضي عند نحو 1.06 دولار، مع إعادة ظهور الحديث عن انخفاضه إلى مستوى التعادل؛ بسبب مخاوف بشأن الرسوم الجمركية.

وأشار كبير استراتيجيي الفوركس في «سوسيتيه جنرال»، كيت جاكيس، إلى أن ألمانيا تجاوزت اليابان هذا العام بوصفها الدولة التي تملك أكبر كمية من الأصول الأجنبية، مما يعني أن لديها رأس مال كبيراً يمكن استخدامه للاستثمار في اقتصادها.

وقال جاكيس: «يمكن استخدام هذا المال لشراء سندات الحكومة الألمانية عالية العائد لتحفيز الاقتصاد». وأضاف أن هذا قد يكون له «تأثير كبير» على اليورو إذا أشارت الحكومة إلى تغيير ملموس في سياستها.

آمال في سياسة مالية أوروبية مشتركة

تأمل الأسواق في أن يؤدي التحول في السياسة الألمانية إلى فتح الباب أمام مزيد من الإنفاق المشترك على مستوى أوروبا. وقد يتطلب فوز ترمب في الانتخابات - في ظل دعوات ضخمة للاستثمار من أجل تعزيز القدرة التنافسية - من الاتحاد الأوروبي زيادةَ الإنفاق على الدفاع.

وقال رئيس استراتيجيات الأسهم الأوروبية في «أكسا لإدارة الاستثمارات»، غيليس غيبوي: «إن تغيير النغمة في ألمانيا أمر بالغ الأهمية للانتقال نحو مزيد من التكامل الأوروبي».

ووصف إقالة وزير المالية كريستيان ليندنر، وهو من المؤيدين للسياسات المالية الصارمة، بأنها «أخبار رائعة» لأوروبا، لكنه أضاف أن ما إذا كان ذلك سيكون كافياً يبقى موضع تساؤل.

التحديات السياسية على المدى القصير

بالطبع، يعني عدم الاستقرار السياسي مزيداً من الألم على المدى القصير للصناعة وقد يؤثر في المعنويات العامة.

وقد يحد المحافظون، الذين يُتوقع أن يقودوا الحكومة المقبلة، من زيادة الإنفاق. فزعيمهم فريدريش ميرز يريد التمسك بفرامل الديون.

وقال ميرز إن الإصلاحات تحتاج إلى الظروف المناسبة للاستثمار في البرامج الداعمة للنمو، لكنه أيضاً يريد السيطرة على الإنفاق الاجتماعي. كما عارض مزيداً من الديون المشتركة في الاتحاد الأوروبي.

ويتوقع «غولدمان ساكس» أن يدعم المحافظون تعديل فرامل الديون بزيادة متواضعة في الإنفاق، بنحو 0.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ما سيبقي السياسة المالية «عبئاً» على النمو.

وفي الوقت نفسه، يوصي الاستراتيجي في «ماكواري»، تييري وزمان، بالرهان ضد اليورو في ظل عدم وجود ضمانات بحكومة إصلاحية.

المستقبل: هل سيكون التغيير في الأفق؟

يتوقع دافيد أونيغليا من شركة الاستشارات «تي إس لومبارد» أن الانتخابات المبكرة ستعيد إلى الواجهة النقاش حول نموذج النمو في ألمانيا، والمخاطر الأمنية للاتحاد الأوروبي «بكل إلحاح».

وقال: «أكبر خطر على رؤيتنا هو أنهم قد يفشلون في إدراك الحاجة إلى تغيير جذري، ويعودون إلى وصفات اقتصادية قديمة أصبحت الآن غير قابلة للتطبيق». وأضاف: «إذا حدث ذلك، فسيواجه الاقتصاد الألماني، والاقتصاد الأوروبي، بشكل عام أزمة أكثر شدة».