الفصائل السورية المسلحة تبحث اقتراحًا روسيًا ـ أميركيًا لخروجها من حلب

آلاف النازحين يخرجون من الأحياء الشرقية... والمعارضة: العودة للمفاوضات قبل وقف القصف «استسلام»

مواطنون ينتظرون خارج نقطة عسكرية تابعة للنظام السماح لهم بالالتقاء بأقاربهم الذين أُجْلوا من أحياء شرق حلب المحاصرة (رويترز)
مواطنون ينتظرون خارج نقطة عسكرية تابعة للنظام السماح لهم بالالتقاء بأقاربهم الذين أُجْلوا من أحياء شرق حلب المحاصرة (رويترز)
TT

الفصائل السورية المسلحة تبحث اقتراحًا روسيًا ـ أميركيًا لخروجها من حلب

مواطنون ينتظرون خارج نقطة عسكرية تابعة للنظام السماح لهم بالالتقاء بأقاربهم الذين أُجْلوا من أحياء شرق حلب المحاصرة (رويترز)
مواطنون ينتظرون خارج نقطة عسكرية تابعة للنظام السماح لهم بالالتقاء بأقاربهم الذين أُجْلوا من أحياء شرق حلب المحاصرة (رويترز)

أعلنت الفصائل السورية المعارضة المسلحة أنها تبحث مقترحًا روسيًا – أميركيًا يقضي بتوفير ممر آمن للمقاتلين وعائلاتهم والمدنيين للخروج من مدينة حلب، عاصمة الشمال السوري. ونقلت وكالة «رويترز» عن 3 مسؤولين ينتمون لجماعات معارضة في مدينة حلب قولهم: «الجماعات المعارضة في حلب لم ترد على المقترح بعد».
وفي حين واصلت قوات النظام أمس تقدمها في الأحياء المحاصرة شرق المدينة بالتزامن مع فرار آلاف المدنيين من مناطق سيطرة الفصائل، عادت المعارضة لتؤكد رفضها العودة إلى طاولة المفاوضات قبل تهيئة المناخات اللازمة لذلك، أقلّها وقف القصف على حلب، بحسب ما أكد هشام مروة، النائب السابق لـ«الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية».
من جهة ثانية، توقع وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، أمس، أن تسيطر قوات النظام على مدينة حلب بكاملها؛ إذ قال: «يبدو الآن للأسف أن حلب ستسقط»، وهذا بعدما كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري قد عدّ أن «العودة إلى طاولة المفاوضات هو أفضل ما يمكن للمعارضة القيام به». ثم أضاف: «الأرجح أنهم بصدد خسارة حلب. ما زالوا قادرين على الحصول على تسوية سياسية تشرف معركتهم وكل ما استثمروا من أجله».
وفي ظل الحديث عن ضغوط تتعرض لها المعارضة لاستئناف المفاوضات، قال مروة لـ«الشرق الأوسط» في لقاء معه: «على العكس من ذلك، فالنظام هو من يتعرض لضغوط في هذا الإطار. نحن كنا ولا نزال نبدي استعدادنا للعودة للمفاوضات إنما بعد توفّر الأرضية المناسبة التي يمكن أن تهيئ لنتائج إيجابية، أقلها وقف القصف على حلب». وأوضح مروة: «لا شروط مسبقة لدينا، إنما مطالب بتطبيق القرارات الدولية؛ إذ لا يمكن أن نذهب إلى المفاوضات والقصف على حلب مستمر، لأن ذلك يعني استسلاما». ومعلوم أن نظام دمشق يسعى إلى استعادة السيطرة على حلب، ثانية مدن البلاد، في خطوة من شأنها أن توجه ضربة موجعة للفصائل المعارضة. وفي حال استعاد النظام كامل حلب، فسيكون أمسك بمفاتيح مفاوضات السلام المحتملة بعد فشل 3 جولات محادثات غير مباشرة هذه السنة بإشراف الأمم المتحدة.
وأمس أيضا أعلن «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أن شرق حلب تحول إلى قسمين؛ أحدهما تحت سيطرة الفصائل، والبقية تحت سيطرة النظام، لافتا إلى أن الأوضاع الإنسانية كارثية ومأساوية وفظيعة في القسم المتبقي تحت سيطرة الفصائل، حيث يتجمع عشرات آلاف المواطنين في القسم الجنوبي الغربي من أحياء حلب الشرقية.
ولفت «المرصد» إلى تواصل عمليات نزوح آلاف المواطنين من الأحياء الشرقية للمدينة، مع استمرار العمليات العسكرية لقوات النظام والمسلحين الموالين لها داخلها، وتجدد محاولات قوات النظام قضم مزيد من المناطق والأحياء والحارات في محاولة لتقليص مساحة سيطرة الفصائل، تمهيدًا لاستعادة السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من المدينة وما تبقى منها، وذلك في موازاة تصاعد وتيرة القصف على الأحياء التي اكتظت بعشرات آلاف النازحين، ما أدى إلى وقوع مزيد من القتلى والجرحى بين المدنيين.
وأفاد «المرصد» أيضًا بنزوح أكثر من 10 آلاف مدني في فترة ما بعد منتصف ليل السبت - الأحد، من مناطق سيطرة الفصائل في أحياء الأنصاري والزبدية وبستان القصر ومناطق أخرى في شرق حلب، نحو مناطق سيطرت عليها قوات النظام والمسلحين الموالين لها في أحياء المدينة الشرقية، ومناطق سيطرة النظام بالقسم الغربي من المدينة.
هذا الاستمرار في عملية النزوح رفع من أعداد النازحين من حلب الشرقية إلى أكثر من 120 ألف نسمة، بينهم نحو 90 ألفا نزحوا إلى المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام أخيرا في القسم الشرقي من المدينة، فيما نزح البقية، وهم أكثر من 30 ألف مدني، إلى مناطق سيطرة ميليشيا «قوات سوريا الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية في حي الشيخ مقصود والمناطق التي سيطرت عليها أخيرا هذه القوات في بستان الباشا والهلّك والأطراف الشمالية من حلب.
أما عشرات آلاف المدنيين الذين لم يتمكنوا من الخروج فباتوا يعيشون بحالة إنسانية كارثية، في ظل الخطر الكبير الذي يشكله القصف والنقص الحاد في وسائل المعيشة وسوء الأوضاع الصحية والإنسانية. وفي حين أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أمس بـ«خروج 4 آلاف مدني من القسم الجنوبي من أحياء مدينة حلب الشرقية»، مشيرة إلى أن حركة النزوح مستمرة حيث يتم نقل المدنيين الفارين بواسطة حافلات إلى «مراكز إقامة مزودة بجميع المواد والاحتياجات الأساسية اللازمة»، أبلغ أحد السكان في الأحياء الجنوبية الشرقية وكالة الصحافة الفرنسية مشاهدته بعد منتصف الليل حشودًا من السكان يفرون باتجاه الأحياء الغربية. ووصف ما يحصل بـ«النزوح الهائل».
في هذه الأثناء، ميدانيا، سيطرت قوات النظام وحلفائه على حارة الأصيلة قرب «المدينة القديمة» بحلب، فضلا عن أجزاء واسعة من حي المعادي، وردت الفصائل المعارضة بإطلاق القذائف الصاروخية طوال الليل وحتى الصباح على الأحياء الغربية، الواقعة تحت سيطرة قوات النظام.
يذكر أنه منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، تمكنت قوات النظام - المدعومة من ميليشيات تدعمها إيران والطيران الحربي الروسي - إثر هجوم لها، من إحراز تقدم سريع داخل الأحياء الشرقية في حلب، وباتت تسيطر على أكثر من 85 في المائة من مساحة هذه الأحياء التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ عام 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين.
ويتركز وجود الفصائل المعارضة حاليا في الأحياء الجنوبية الشرقية من المدينة، حيث تتواصل الاشتباكات العنيفة على محاور عدة، وسط قصف متجدد لقوات النظام على آخر الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة المعارضة، وفق «المرصد».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.