نيكي هايلي.. ثالث امرأة على التوالي تسمّى سفيرة لأميركا لدى الأمم المتحدة

سيدة أعمال وسياسية هندية سيخية الأصل لمخاطبة العالم

نيكي هايلي.. ثالث امرأة على التوالي تسمّى سفيرة لأميركا لدى الأمم المتحدة
TT

نيكي هايلي.. ثالث امرأة على التوالي تسمّى سفيرة لأميركا لدى الأمم المتحدة

نيكي هايلي.. ثالث امرأة على التوالي تسمّى سفيرة لأميركا لدى الأمم المتحدة

كان اسمها الأصلي نيمراتا رانداوا.. وهو الآن نيكي هايلي. وكانت من أتباع الديانة السيخية.. وهي اليوم مسيحية تتبع المذهب البروتستانتي (الكنيسة النظامية). وكانت مُحاسِبة قانونية، وتحوّلت بعد ذلك إلى قطاع الأعمال والتجارة، ثم صارت سياسية. وكانت تصف نفسها بأنها «سوداء».. ثم أخذت تعتبر نفسها «سمراء»، وهي تصر اليوم على أنها «بيضاء».
وفي مضمار السياسة، انتمت هايلي في شبابها إلى الحزب الديمقراطي، قبل أن تنقل ولاءها إلى الحزب الجمهوري. وكانت من كبار المعجبين بهيلاري كلينتون، لتصفها لاحقًا بأنها «كارثة». وأخيرًا، وليس آخرًا عندما رشّح دونالد ترامب نفسه لرئاسة الجمهورية كانت بين الشخصيات الجمهورية التي وقفت ضده، لكنها قبلت فيما بعد أن تكون سفيرته لدى الأمم المتحدة، أي المدافع عن مواقفه وسياساته أمام العالم بأسره.
في عام 1966، تسلم آجيت سينغ رانداوا، المدرّس في جامعة البنجاب الزراعية في الهند ردًا بالقبول من جامعة بريتش كولومبيا، في مدينة فانكوفر بكندا، فسافر إلى كندا واستقر هناك. ولاحقًا تزوّج آجيت المحامية الشابة راج كاوور رانداوا، وعاش الزوجان في فانكوفر حتى حصول آجيت على الدكتوراه عام 1969.
وفي العام التالي (1970) انتقلت العائلة إلى ولاية ساوث كارولينا على الساحل الجنوبي الشرقي للولايات المتحدة، إذ انضم آجيت إلى جهاز التدريس في كلية فورهيس، وهي كلية جامعية ذات خلفية سوداء. وسكنت العائلة في مدينة بامبرغ الصغيرة التي لا تبعد سوى 5 أميال عن حرم الكلية. وتقاعد بعد 29 عامًا من التدريس، وكانت زوجته قد أنجبت ولدين وبنتين، بينهم نيمراتا التي كانوا ينادونها دائمًا «نيكي» أي «الصغيرة».
ولدت نيمراتا (نيكي) يوم 20 يناير (كانون الثاني) 1972. وفي سن الثانية عشرة بدأت العمل حيث كانت تساعد أمها في متجر «إكزوتيكا إنترناشونال» للملابس، الذي كانت تملكه الأم. وفي الوقت ذاته كانت طالبة مجتهدة، أنهت دراستها الثانوية في مدينة أورانجبرغ، ثم تخرّجت بدرجة بكالوريوس في المحاسبة في جامعة كليمسون، إحدى أكبر جامعات الولاية وأكثرها احترامًا ومكانة. ويقال إنها حتى في تلك المرحلة المبكرة من حياتها كانت متحمسة للمبادرات الفردية والحرية الاقتصادية، وتنظر بعين الشك لما تراه تدخّل الحكومة والترهل الوظيفي.
وحين تتذكر أمها طفولتها تقول: «كانت نيكي وهي صغيرة تختلف عن أختها، وحتى عن أخويها. كانت فصيحة وكثيرة الكلام، كما كانت كثيرة النظريات والتفسيرات والتحليلات، بجانب تحليها بالشجاعة والجرأة». وذات يوم وكانت في سن خمس سنوات، بروضة الأطفال، قالت لأمها إنها تود المشاركة في مسابقة ملكة جمال بامبرغ للصغيرات، لكن في تلك الفترة من تاريخ الولاية الجنوبية المحافظة واجهت العائلة مشكلة لونها.
فهل هي سوداء أو بيضاء؟ إذ كانت المدينة، كعشرات غيرها في الجنوب الأميركي، منقسمة إلى قسمين: واحد يسكنه البيض والثاني السود.
وكانت كل جماعة تجري مسابقة ملكة جمال منفصلة عن الأخرى.. إذ ذهبت العائلة إلى المسؤولين عن مسابقة ملكة الجمال البيضاء، فردوا عليهم بأنها ليست بيضاء. ثم ذهبوا إلى المسؤولين عن مسابقة ملكة الجمال السوداء، فقالوا لهم إنها ليست سوداء. وكانت هذه التجربة شديدة الوقع على الصغيرة وأثَّرت عليها في مستقبل حياتها. إذ صارت بعد ذلك تصف نفسها بأنها «سمراء»، ولم يتغير الحال إلا بعد زواجها من مايكل هايلي، وهو شاب أبيض، وهكذا صارت تقول إنها «بيضاء».
سيدة أعمال ناجحة

نجحت هايلي (وهي أم لولد وبنت) في مجالي المحاسبة والتجارة، وبفضل شخصيتها القوية ومزاياها القيادية وطموحها الشديد اشتهرت بوصفها إحدى ألمع سيدات الأعمال في بامبرغ، ثم على مستوى الولاية. وهو ما شجعها على اقتحام مضمار العمل السياسي.
وفعلاً، عام 2004، ترشحت لعضوية كونغرس ولاية ساوث كارولينا وفازت لتصبح أول أميركية آسيوية تحقق هذا الإنجاز. ومن منبرها السياسي، ومن خلفيتها التجارية، صارت من الأصوات المرتفعة والفعالة في الدفاع عن حرية الاستثمار وتخفيض الضرائب على الشركات. وتحولت تدريجيًا من الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري الأكثر ميلاً للنهج الاقتصادي اليميني المحافظ. وفي عام 2006، ترشحت وفازت مرة ثانية بالتزكية هذه المرة. وفازت للمرة الثالثة على منافسها من الحزب الديمقراطي بغالبية 88 في المائة مقابل 17 في المائة.

حاكمة الولاية
واستمرت مسيرة الطموح والتقدم، إذ ترشحت هايلي في عام 2009 لمنصب حاكم ولاية ساوث كارولينا ولم تجد صعوبة بالفوز لتغدو أول امرأة تفوز بالمنصب وأول سياسي غير أبيض يحكم هذه الولاية الجنوبية البيضاء المحافظة خلال 300 سنة. ويُذكر أنه في ذلك الوقت، شهدت ولايات جنوبية أخرى مماثلة تغييرات مشابهة، إذ فاز الهندي الأصل بوب جيندال بمنصب حاكم ولاية لويزيانا، والأسود دوغلاس وايلدر بمنصب حاكم ولاية فيرجينيا. والواقع أن صعود الثلاثة إلى القمة في بيئاتهم الجنوبية المحافظة، الحساسة في مسائل العرق واللون وكذلك الجنس، لم يكن سهلاً.. وبالأخص، وفي حالة هايلي، المرأة، غير البيضاء، الهندية - السيخية الأصل.
وحقًا، في أول خطاب لها كحاكمة للولاية، قالت: «أعتز بأنني بنت مهاجرين من الهند»، وبسرعة البرق فتحت على نفسها أبواب الجحيم من عنصريين من كل المشارب. ومن التغريدات العنصرية التي نالت من هايلي تساؤل أحدهم في موقع «تويتر»: «لماذا غيرّتِ اسمك الهندي إلى اسم أميركي؟»، وقول ثانٍ: «حتى بيضاوات ساوث كارولينا عندي فيهم رأي سلبي»، وثالث: «لست مسيحية. ففي أعماقك أنت من السيخ. مثل أوباما المسلم».
ولم يسلم من التهكم العنصري زوجها (المسيحي البروتستانتي الأبيض) مايكل هايلي، وهذا مع أنه يعمل في الحرس الوطني بالولاية، وسبق له أن حارب مع القوات الأميركية في أفغانستان. وخلال آخر حملة انتخابية لهايلي لمنصب حاكمة الولاية، واجهت الزوجة والزوج اتهامات الخيانة الزوجية. وانتقد آخرون سجل الزوج في أفغانستان، وتصريحاته عن «الحرب ضد الإرهاب»، وكذلك لحضوره حفلاً للسيخ مع زوجته إبان زيارتهما إلى الهند، ويومذاك (كما يقال) أعطاه مستضيفوه من السيخ سيفًا رمزيًا لوّح به وأرعب الحاضرين الهنود.

هويتها السياسية
قبل أسبوعين نشرت صحيفة «واشنطن بوست» عن هايلي أنها «تتأرجح في آرائها العنصرية والعرقية، فهي في مرات انتقدت سود الولاية وحمّلتهم مسؤولية كثرة الجرائم، وفي مرات انتقدت المهاجرين من المكسيك ودعت إلى إبعاد «المهاجرين غير القانونيين منهم»، ومرات انتقدت الرئيس باراك أوباما (في موضوع مواجهة الإرهاب) ملمحة بأن «تساهله» المزعوم ناجم عن كونه «مسلمًا متخفيًا»، وأنه «يجامل (إخوانه الإرهابيين)». كذلك قالت الصحيفة إن هايلي «تستغل خلفيتها لتحسين صورتها ونقد معارضيها. لكن، بمقدور معارضيها استغلال خلفيتها للإساءة إلى صورتها».
وبالفعل، خلال السنوات القليلة الماضية، انضم إلى ناقدي هايلي ساسة من أصول أجنبية، وبعضهم من أصل هندي، بل وبعضهم في ساوث كارولينا ذاتها. ومن بين اتهاماتهم أنها في سبيل تحقيق طموحاتها نسيت خلفيتها الهندية، وانحازت إلى الأغلبية البيضاء، وتركت دين عائلتها، واعتنقت المسيحية. وكما غمزت هي من قناة أوباما مشككة بمسيحيته، قال هؤلاء إنها «سيخية متخفية». ووصلت ردود مناوئيها إلى الذروة في عام 2014، عندما ترشحت وفازت للمرة الثانية، بمنصب الحاكمية، إذ انتقدها قادة في الحزب الديمقراطي بأنها تنكر خلفيتها الهندية ولونها وتتبنى سياسات ظالمة ضد الأقليات والسود. وقال أحدهم: «نيكي ليست من الأقليات والملونين. إنها مع البيض رغم سحنتها».

هايلي وترامب
على صعيد آخر، فيما يتعلق بعلاقة نيكي هايلي بالرئيس المنتخب دونالد ترامب، كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» أخيرًا أن هايلي دخلت في مشادات مع ترامب خلال الحملة الانتخابية الأخيرة. وبدأت بتأييدها مرشحًا جمهوريًا آخر هو السيناتور ماركو روبيو (من ولاية فلوريدا). ولهذا، استبعدها ترامب من قائمة المرشحين ليختار واحدا منهم نائبا له (في النهاية اختار مايك بينس، حاكم ولاية إنديانا). أما أبرز مآخذ هايلي على ترامب فهي أنه: أولا: لم يعلن بوضوح أنه يدين منظمة «كو كلوكس كلان» البيضاء العنصرية. وثانيا: يتحدث بصوت عال وهو هائج، لكن، «ليس من يصرخ داخل غرفة هو الأصلح». وثالثا: يحيط نفسه بمستشارين من «نوع واحد» (رجال بيض). ورابعًا: يشتم النساء، ولا يحترمهن.
وفي المقابل، اتهمها ترامب في تغريداته: أولاً «نسيت نيكي أنها طلبت منى التبرع لصالح حملتها الانتخابية في عام 2009». وثانيا: «نيكي امرأة ضعيفة». وثالثا: «تتسامح مع المهاجرين غير القانونيين، بسبب خلفيتها».
ولكن، مع نهاية الحملة الانتخابية، وخلال مقابلة مع تلفزيون «سي إن إن»، تراجعت هايلي قليلاً عن انتقاداتها، ربما بعدما شعرت أن ترامب قد يختارها لمنصب مهم في إدارته، فقالت: «لم أنتقد ترامب شخصيا، بل أعتبره صديقًا». ثم، بعدما اختارها سفيرة لدى الأمم المتحدة، أصدرت بيانًا قالت فيه: «لقد قبلت العمل في إدارة ترامب لأنني أحس بأنني قدمت أشياء كثيرة لرفع مستوى المواطنين في ولاية ساوث كارولينا، وفي تقديم خدمات كثيرة كنت وعدتهم بتقديمها، وستكون هذه سنوات تغيير مثيرة في تاريخ الولايات المتحدة..»، وأردفت: «.. وعندما يطلب رئيس الولايات المتحدة من شخص تولي منصب وطني يجب تلبية الطلب».

في السياسة الخارجية
بعد اختيار هايلي لمنصب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، فإنها ستصبح وجه أميركا أمام العالم، والمدافع عن سياساتها في أرفع منبر دولي، فما أبرز مواقفها في الشؤون الدولية؟
صحيفتا «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» نشرتا معلومات لا بأس بها عن آرائها في مواضيع مهمة. منها في موضوع إسرائيل وفلسطين أنها في عام 2015، منعت ولاية ساوث كارولينا من المشاركة في حملة شعبية أميركية ضد الاستثمارات الأميركية في إسرائيل (اسم الحملة: «بي دي إس»: مقاطعة، ومعاقبة، ومعارضة الاستثمار)، وكانت إسرائيل، يوم أعلن ترامب اختيارها سفيرة لدى الأمم المتحدة، أول دولة ترحب بذلك. في المقابل، في موضوع اللاجئين السوريين، لم تنضم هايلي إلى قادة الحزب الجمهوري الذي عارضوا دخولهم الولايات المتحدة، مع أنها لم ترحب بهم بصورة واضحة في ساوث كارولينا. وقالت كلامًا يوحي بترددها.



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.