«سبيريت» تعلن ترشيحاتها للأفلام والمواهب المستقلة

التدافع على أشده بين أفلام قُصد بها أن تتنافس على الجوائز الأولى هذا العام ومطلع العام المقبل. هذا يتكرر كل سنة وليس فيه من جديد. لكن نظرة وافية، ولو سريعة، على الأفلام المتنافسة يفيد بغياب أعمال من تلك الكبيرة التي عادة ما تستحوذ على الاهتمام وتقود القوائم في أكثر من مسابقة ومناسبة.
ليس هناك من «أفاتار»، ولا من «سيكون هناك دم» أو «شيكاغو» أو «عصابات نيويورك» أو «بيردمان» أو «المنبعث» أو أي فيلم من تلك التي تواكب كلفته العالية طموحاته الصناعية وتؤهله للتنافس، إن لم يكن للفوز.
لجانب تلك الأفلام وسواها من الأعمال المؤسسة على تقاليد هوليوود الإنتاجية الكبيرة، كان السمك الصغير يدخل الشبكة مختلطًا ومطالبًا بحقه من فرص النجاح. أفلام مثل «فندق غراند بودابست» و«سلما» و«بويهود» و«الفتيان على خير ما يرام» و«عظمة شتاء».. إلخ.
كل واحد من هذه الأفلام كان يُطلق عليه اسم «الحصان الأسود». ذلك الذي قد يفوز على حين غرّة عنوة عن كل الأفلام التي تدور حولها أكثر التوقعات.

أكثر من حصان

«الحصان الأسود» هو أيضًا ذلك الإنتاج الذي يتحلى بعناصر الجودة في معظم عناصره الجيدة، مما يحمله على جناحين كبيرين فينتقل من جائزة نقدية إلى جائزة نقدية أخرى. يفاجئ دومًا بأنه الرقم المفضل لدى الجمعيات التي عادة ما تبحث عن الجديد والمختلف لرعايته.
عادة ما يكون «الحصان الأسود» حصانًا واحدًا بين كل الجياد المتسابقة الذي يصلح لحمل هذا الوصف. لكننا هذا العام نجد أن هناك أكثر من حصان أسود وذلك بغياب، شبه كامل، للفيلم المنتج حسب «الفورميلا» التقليدية.
الأفلام الأكثر طرحًا حتى الآن لاحتمال دخول ميادين السباق الكبرى («الأوسكار» و«الغولدن غلوبس» و«البافتا» والجمعيات المهنية كالإخراج والتمثيل والكتابة.. إلخ) هي من ذلك النوع على نحو أو آخر: فيلم خيالي - علمي مع رسالة ضد ما ورد منه في أفلام سبيلبرغ مثلاً. فيلم موسيقي يعيد البهجة إلى النوع لكنه يتحدث عن إخفاق هوليوود في الكشف عن مواهبها. فيلم «غير شكل» حول شخصية السيدة الأولى السابقة جاكلين كينيدي. وسترن حديث تقع أحداثه في الغرب المعاصر الذي لم تتغير مواصفاته عن الغرب الأميركي السابق، ثم فيلم عاطفي تقع أحداثه في الجنوب الأميركي حيث كان للعنصرية (وما زال) حضور يعبث بالمكوّنات العاطفية للإنسان.
الواقع أن الأفلام الخمسة الأولى التي فازت حتى الآن بأكثر قدر من الترشيحات والجوائز الممكن اعتبارها تمهيدية كلها من هذا النوع المختلف، بشكل جزئي أو كامل، عن المعتاد من أفلام هوليوود التقليدية وهي:

1 - «لا لا لاند» La La Land:
هذا الفيلم الموسيقي العاطفي نال حتى الآن جائزتين و3 ترشيحات رسمية.
2- «ضوء قمر» Moonlight:
دراما عاطفية، بيئية نالت جائزتين و5 ترشيحات رسمية حتى الآن.
3- «مانشستر على البحر» Manchester By the Sea:
دراما عاطفية اجتماعية نالت جائزة واحدة و5 ترشيحات رسمية.
4 «جحيم أو فيضان» Hell or High Water:
وسترن حديث أنجز 4 ترشيحات رسمية
5- «وصول» Arrival:
خيال علمي أنجز 3 ترشيحات رسمية حتى الآن.

هذه خريطة تتوزّع عليها الأفلام الأكثر تبوؤًا، حتى الآن، لدخول المعتركات الرسمية، وهناك خمس أخرى هي «هاكسو ريدج» (سادسًا) و«حواجز» (سابعًا) و«أرقام مخبأة» (ثامنًا) و«جاكي» (تاسعًا) و«ليون» (عاشرًا).
ما يعنيه كل ذلك هو أبعد من مجرد أن الأفلام ذات الكلفة الصغيرة والنحو الإخراجي المختلف والمضامين المناوئة لما سبق بالنسبة لمعظمها، هي التي تتولى الصدارة بين أفلام هذا العام. إنه يعني ذلك الاختلاف الشاسع الذي تحوّل، عبر السنوات الأخيرة، من استثناءات إلى قاعدة أولى هذا العام. الاختلاف المنوط بنوعية الأعمال التي تتنافس وتعدد مستويات علاقتها بما كانت هوليوود تفضله في مثل هذه الأزمنة.
هذه الأفلام المستقلة والصغيرة لها جوائزها الخاصة من جمعيات ترعاها وتتبناها دون سواها، مثل جوائز «سبيريت» التي ستقوم بتوزيع جوائزها (للسنة 32) في الخامس والعشرين من الشهر الثاني من العام المقبل.
وجوائز «سبيريت» تحديدًا كانت أعلنت، قبل أيام، ترشيحاتها لهذه السنة وجاءت مسابقاتها الأساسية على النحو التالي:
الأفلام الخمسة المرشحة لجائزة أفضل فيلم:
«عسل أميركي»
«مزمن»
«جاكي»
«مانشستر على البحر»
«مونلايت»
المخرجون الخمسة المرشحون لجائزة أفضل فيلم:
أندريا أرنولد عن «عسل أميركي»
باري جنكينز عن «ضوء القمر»
بابلو لورين عن «جاكي»
جف نيكولز عن «حب»
كيلي رايهارت عن «نساء معينات»
الممثلون المرشحون لجائزة أفضل تمثيل:
كايسي أفلك عن «مانشستر على البحر»
ديفيد هيروود عن «حر فعلاً»
فيغو مورتنسن عن «كابتن فانتاستك»
جسي بليمونس عن «أناس آخرون»
تيم روث عن «مزمن»
الممثلات المرشحات لجائزة أفضل تمثيل:
أنيت بانينغ عن «نساء القرن العشرين»
إيزابل أوبير عن «هي»
ساشا لين عن «عسل أميركي»
روث نيغا عن «حب»
نتالي بورتمن عن «جاكي»
محاصرة ومحصورة
مثل «غولدن غلوبس» و«أوسكار» تمتد مسابقات جائزة «سبيريت» لتشمل السيناريو والتصوير والتمثيل المساند والمونتاج وأفضل فيلم أجنبي وأفضل فيلم تسجيلي.
وكما هو ملاحظ، فإن خمسة أفلام منها هي المذكورة في مطلع هذا التقرير ضمن ما ستستقبله المؤسسات الكبرى القائمة على معاينة كل الأفلام، صغيرة وكبيرة، مستقلة أو تابعة للنظام المؤسس، من أعمال. هذه هي، بكلمات أخرى، الجياد السوداء التي حيث باتت تتقاسم الإنتاجات الرئيسية ذاتها (من أقواها هذا العام «صولي» لكلينت إيستوود) لم تعد كناية عن حصان واحد جانح قد يخترق الحواجز ويصل إلى الخط النهائي قبل سواه، أصبحت تشكل جبهة قوية بين الأعمال المستحقة للترشيح.
جوائز الأوسكار، التي هي بمثابة الرأس بين كل جوائز الموسم، ستشهد هذا الحضور عندما تعلن ترشيحاتها في النصف الثاني من شهر يناير (كانون الثاني) المقبل. ومع ازدياد التنوّع بين الأعراق وتزايد عدد المنتمين إلى «أكاديمية العلم والفنون السينمائية» موزعة الأوسكار تنوعًا ما بين الرجال والنساء وما بين الأجيال (شباب ومتوسطي عمر وبقايا مخضرمين) فإن احتمال دخول عدد من هذه الأفلام الصغيرة الترشيحات الأخيرة كما احتمال فوز أحدها بالأوسكار أصبح واردًا بقوّة.

موقع وسطي

ما ينتج عن ذلك هو أن الإنتاجات الكبرى تجد نفسها أكثر وأكثر غير قادرة على الفوز بأصوات كافية لدخول حلبة السباق. أكثر من أي وقت مضى باتت محصورة في نطاق ما يُعرض بين شهر مايو (أيار) ونهاية شهر أغسطس (آب).
هناك من يهلل لذلك على أساس إعجابه بالسينما المستقلة والصغيرة، لكن هذا التهليل ظاهري لسبب لا يهتز تبعًا لأي تغيير: الجودة لا تعرف فيلمًا مستقلاً أو فيلمًا من إنتاج تقليدي لأحد الاستوديوهات الكبيرة. ولا الرداءة أيضًا. ونجاح الفيلم المستقل بالتالي لا يعني أنه نجاح معفيٌّ من التقييم النقدي. طبعًا معظم ما يتم ترشيحه في هذا المجال جيد، لكن لا يجب أن يكون حجم الإنتاج الحكم على صلاحيته أو عدمه.
إلى جانب كل ذلك، فإن الأفلام التي تجسد موقعًا متوسطًا بين ما هو تقليدي وما هو مغاير للتقليد موجودة بفعل أعمال نراها متوجهة إلى الجمهور الواسع من دون أن تأتي مباركة من قِبل المؤسسة الهوليوودية الكلاسيكية ذاتها. إنها أفلام الحل الوسط إذ تبتعد أميالاً عن إنتاجات هوليوود الرسمية وتكمن على مسافة بعيدة أيضًا عن كونها مجرد أفلام مستقلة.
يوم أمس (الخميس)، أعلن مثلاً عن اكتساح فيلم «هاكسو ريدج» لجوائز الأكاديمية الأسترالية الموازية للأوسكار الأميركي. فهو فاز بإحدى عشرة جائزة، بينها جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج (مل غيبسون) وأفضل ممثل (أندرو غارفيلد) وأفضل ممثل مساند (أوغو ويفينغ)، أي أنه عمليًا نال كل الجوائز باستثناء أفضل ممثلة أولى وممثلة مساندة، لأنه خلا، تبعًا لقصّته، من وجود نسائي على نحو شبه مطلق.
هذا يعزز حضور الفيلم أميركيًا علما بأنه يستفيد من كونه فيلمًا حربيًا كالكثير سواه مع اختلاف أنه غير مدعوم من المؤسسة الهوليوودية. شأنه في ذلك شأن «لا لا لاند» و«وصول» اللذين هما من تمويل شركتين مستقلتين، وإن عمدا إلى «الفورميلا» التقليدية على نحو أو آخر.

{طلقات}
«ما يعنيه كل ذلك الاختلاف الشاسع الذي تحوّل، عبر السنوات الأخيرة، من استثناءات إلى قاعدة أولى هذا العام»
«الجودة لا تعرف فيلمًا مستقلاً أو فيلمًا من إنتاج تقليدي لأحد الاستوديوهات الكبيرة. ولا الرداءة أيضًا».