النظام يحاصر شرق حلب والفصائل تطلب هدنة لإجلاء «الحالات الحرجة»

المتحدث باسم «الهيئة العليا»: خطة موسكو إنهاء المعارضة المعتدلة قبل وصول ترامب

عائلة سورية أجليت عن بيتها في أحد أحياء حلب الشرقية بفعل القصف الكثيف تمر عبر حي باب الحديد الذي تسيطر عليه الآن قوات النظام وحلفائه (أ.ف.ب)
عائلة سورية أجليت عن بيتها في أحد أحياء حلب الشرقية بفعل القصف الكثيف تمر عبر حي باب الحديد الذي تسيطر عليه الآن قوات النظام وحلفائه (أ.ف.ب)
TT

النظام يحاصر شرق حلب والفصائل تطلب هدنة لإجلاء «الحالات الحرجة»

عائلة سورية أجليت عن بيتها في أحد أحياء حلب الشرقية بفعل القصف الكثيف تمر عبر حي باب الحديد الذي تسيطر عليه الآن قوات النظام وحلفائه (أ.ف.ب)
عائلة سورية أجليت عن بيتها في أحد أحياء حلب الشرقية بفعل القصف الكثيف تمر عبر حي باب الحديد الذي تسيطر عليه الآن قوات النظام وحلفائه (أ.ف.ب)

مع استمرار تقدم قوات النظام السوري وحلفائها في مدينة حلب بسيطرتها على الأحياء القديمة، دعت الفصائل المعارضة إلى «هدنة إنسانية فورية» من خمسة أيام في شرق المدينة، على أن يجري خلالها إجلاء الحالات الطبية الحرجة إلى ريف محافظة حلب الشمالي، وفق ما أعلنت في بيان صادر عنها. ومن جانب آخر، ترى «الهيئة السورية العليا للمفاوضات» أن الخطة الروسية هي «إنهاء المعارضة العسكرية» قبل وصول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؛ وذلك لوضعه أمام أمر واقع هو أن النظام بات يسيطر على أهم مناطق سوريا، وبالتالي لن يجد أمامه إلا تنفيذ خطة محاربة الإرهاب المتمثلة بتنظيم داعش، مرجحة أنه بعد الانتهاء من حلب ستنتقل المعركة إلى محافظة إدلب.
تأتي تطورات الساعات الماضية ميدانيًا، مع تأكيد الكرملين أمس ما كانت قد أعلنته وسائل إعلام روسية عن مقتل مستشار بالجيش الروسي في حلب متأثرا بجراح أصيب بها في هجوم بقذيفة هاون شنه مقاتلو المعارضة السورية، ليكون بذلك الروسي الثالث الذي قتل هذا الأسبوع في سوريا.
وكالات أنباء روسية نقلت في وقت سابق أمس عن وزارة الدفاع قولها إن الكولونيل رسلان جاليتسكي توفي إثر إصابته في قصف على غرب حلب. وقالت وسائل إعلام محلية في شرق روسيا إن جاليتسكي خدم قائدا لفرقة دبابات في أولان أوده (شرق سيبيريا) قبل أن يتوجه إلى سوريا. وقالت إنه «أصيب في حلب يوم الاثنين عندما قصف المعارضون مستشفى ميداني روسي».
المعارضة تدعو إلى هدنة
وفي حين توالت أمس الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار في حلب، لم تعلن روسيا رسميا موقفها من دعوة المعارضة للهدنة، التي شكلت محور مباحثات بين قيادات الفصائل وقادة روس في أنقرة، بحسب ما يشير المتحدث باسم «الهيئة العليا» الدكتور رياض نعسان آغا، موضحا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «ما حال دون التوصل إلى الاتفاق هو تمسك موسكو بضرورة خروج كل المقاتلين من حلب»، معتبرة أن «أي هدنة ستستفيد منها المعارضة لإعادة ترتيب قواها العسكرية. بينما تبدي الفصائل خوفها على مصير الأهالي إذا دخلت قوات النظام والإيرانيون إلى أحياء المدينة، والانتقام منهم على اعتبار أنهم حاضنة شعبية للفصائل».
ونقل نعسان آغا عن مصادر من داخل حلب، أن قوات النظام والموالين لها عمدت إلى قتل المئات من الشباب ممن هم دون الأربعين سنة، على اعتبار أنهم قادرون على حمل السلاح، خلال محاولة خروجهم من حلب، بينما تعرض آخرون إلى الاعتقال، ومن هنا يضيف «تأتي مطالبة الفصائل بالحصول على ضمانات لسلامة خروج المدنيين والحالات الطبية الحرجة عبر ممرات آمنة».
ورأى نعسان آغا، وهو وزير سابق، أنه لو كانت روسيا تريد التجاوب مع الهدنة كانت وافقت على مشروع القرار في مجلس الأمن بداية الأسبوع، معتبرا أن موسكو تتصرف وكأنها حاكم بأمرها في سوريا في غياب أي قوة رادعة أمامها «وهو واقع يبدو أن كل الدول باتت خاضعة له». وأردف «هذا الأمر بدا واضحا خلال اجتماعنا الأخير مع ممثلي دول أصدقاء سوريا نهاية الأسبوع الماضي، بحيث لم نسمع منهم إلا كلمات الاستنكار والتعاطف، بحيث لم يكن بأيديهم إلا تعليق الآمال على مجلس الأمن الذي أتت نتائج اجتماعه مخيبة للآمال».
وبانتظار ردة فعل روسيا على اقتراح الهدنة، يرى المتحدث باسم «الهيئة العليا» أن إدلب ستكون معركة النظام وحلفائه المقبلة بعد حلب، قائلا: «إدلب ستكون الجحيم المقبل. إنهم يجبرون فصائل المعارضة والنازحين على الانتقال إليها لينفذوا فيها عملية دمار شامل، في وقت لم يعد أمام السوريين في المنطقة إلا تركيا التي تقفل بدورها حدودها أمام اللاجئين».
وكانت الفصائل قد اقترحت في بيانها مبادرة من أربعة بنود «لإنهاء معاناة» المدنيين، ينص أبرزها على «إعلان هدنة إنسانية فورية لمدة خمسة أيام» يجري خلالها «إخلاء الحالات الطبية الحرجة التي تحتاج إلى عناية مستعجلة، ويقدر عددها بـ500 حالة تحت رعاية الأمم المتحدة». وتنص المبادرة أيضا على «إخلاء المدنيين الراغبين في ترك حلب الشرقية المحاصرة إلى مناطق ريف محافظة حلب الشمالي في إشارة إلى منطقة أعزاز التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة ذلك أن محافظة إدلب (جنوب غربي محافظة حلب) لم تعد منطقة آمنة بسبب قصف الروس والنظام للمدن والقرى فيها، كما أنها لم تعد قادرة على احتواء المزيد من النازحين داخليا»، وفق البيان.
من جهة ثانية، قال ياسر اليوسف، عضو المكتب السياسي في «حركة نور الدين الزنكي»، أبرز الفصائل في حلب لوكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) إن «كل الفصائل المقاتلة في حلب موافقة على هذه المبادرة، التي لم تتطرق إلى مصير المقاتلين، لكنها نصت في بندها الرابع على أنه «عندما يتم تخفيف وطأة الحالة الإنسانية في مدينة حلب الشرقية، تقوم الأطراف المعنية بالتفاوض حول مستقبل المدينة».
ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن ممثلين عن فصائل المعارضة، قولهم إن «المباحثات مع القادة الروس وضباط من قوات النظام بإشراف الصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر لأجل التوصل إلى اتفاق لخروج المسلحين ومن يرغب من المدنيين من أحياء مدينة حلب إلى ريف حلب الشمالي وليس إلى محافظة إدلب».
وأكدت المصادر أن وفد الفصائل يرغب في هدنة إنسانية مدتها خمسة أيام تقضي بخروج الحالات الطبية الصعبة التي تحتاج إلى رعاية طبية، ويقدر عددها بأكثر من 700 شخص بينهم نساء وأطفال، إضافة إلى إجلاء من يرغب من المدنيين». ومن جانبها، قالت مصادر مقربة من قوات النظام للوكالة نفسها إن «بيانا سيصدر خلال الساعات المقبلة يحدد صيغة الاتفاق الذي يمكن أن يتم التوصل إليه مع ممثلي فصائل المعارضة».
هذا، ويأتي إعلان الفصائل عن هذه المبادرة بعد رفضها قبل يومين أي اقتراح لإخراج مقاتليها من شرقي حلب، بعد إعلان موسكو عن محادثات كان من المقرر أن تجري الثلاثاء أو الأربعاء مع واشنطن لبحث آليات خروج المقاتلين من شرق حلب.
انسحاب المقاتلين
في هذه الأثناء، استمرت يوم أمس المعارك في الأحياء الشرقية من حلب التي باتت قوات النظام تسيطر على الجزء الأكبر منها، بعدما كانت قد سيطرت على أحياء حلب القديمة التي انسحبت منها الفصائل المعارضة. ووفق شهود عيان، لا تزال عشرات الجثث والأشلاء ملقاة على الأراضي الممتدة من الشعار إلى القسم الجنوبي من حلب الشرقية مرورًا بمناطق في حلب القديمة، ممن قضوا نتيجة القصف المكثف لقوات النظام، وسط عجز فرق الإنقاذ والمقاتلين المنسحبين، عن سحب الجثث بسبب كثافة القصف، بحسب ما أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان».
وتابع «المرصد»: إن قوات النظام وحلفاءها «تقوم بعمليات تمشيط في أحياء حلب القديمة الواقعة في القسم الأوسط من أحياء حلب الشرقية»، مشيرا إلى انسحاب المقاتلين من هذه الأحياء بعد سيطرة قوات النظام ليلا على حيي باب الحديد واقيول الواقعين شمال شرقي قلعة حلب الأثرية. وكانت الأحياء القديمة تعد قلب حلب ومقصد السياح والتجار قبل تحول المدينة مسرحا للمعارك بين طرفي النزاع منذ عام 2012. ولقد انسحب مقاتلو الفصائل، وفق «المرصد»، تحت وابل من القصف المدفعي العنيف لقوات النظام، إضافة إلى الغارات الجوية. لافتا إلى أن «الكثير من العائلات تضطر إلى ترك جثث أبنائها تحت الأنقاض وتهرب من شدة القصف».
ووفقا لمصادر، تجاوز عدد النازحين من الأحياء الشرقية التي كانت تحت سيطرة مقاتلي المعارضة ثمانين ألفا منذ بدء الهجوم عليها في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، في حين لا يعرف عدد المقاتلين الموجودين حاليا في شرق حلب. وقبل بدء الهجوم الأخير لقوات النظام منتصف الشهر الماضي، كانت الأمم المتحدة تقدر وجود ثمانية آلاف مقاتل في شرق حلب. وتحدث «المرصد» عن 15 ألفا، بينهم نحو 900 مقاتل من «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقا).



انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
TT

انقلابيو اليمن ينزفون جراء تصعيدهم الميداني

سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)
سور مستشفى حكومي في صنعاء حوّله الحوثيون إلى معرض لصور قتلاهم (الشرق الأوسط)

شيّعت جماعة الحوثيين خلال الأسبوع الماضي 17 قتيلاً من عناصرها العسكريين، الذين سقطوا على خطوط التماس مع القوات الحكومية في جبهات الساحل الغربي ومأرب وتعز والضالع، منهم 8 عناصر سقطوا خلال 3 أيام، دون الكشف عن مكان وزمان مقتلهم.

وفقاً للنسخة الحوثية من وكالة «سبأ»، شيّعت الجماعة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء كلاً من: ملازم أول رشاد محمد الرشيدي، وملازم ثانٍ هاشم الهجوه، وملازم ثانٍ محمد الحاكم.

تشييع قتلى حوثيين في ضواحي صنعاء (إعلام حوثي)

وسبق ذلك تشييع الجماعة 5 من عناصرها، وهم العقيد صالح محمد مطر، والنقيب هيمان سعيد الدرين، والمساعد أحمد علي العدار، والرائد هلال الحداد، وملازم أول ناجي دورم.

تأتي هذه الخسائر متوازية مع إقرار الجماعة خلال الشهر الماضي بخسائر كبيرة في صفوف عناصرها، ينتحل أغلبهم رتباً عسكرية مختلفة، وذلك جراء خروقها الميدانية وهجماتها المتكررة ضد مواقع القوات الحكومية في عدة جبهات.

وطبقاً لإحصائية يمنية أعدّها ونشرها موقع «يمن فيوتشر»، فقد خسرت الجماعة خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، 31 من مقاتليها، أغلبهم ضباط، سقطوا في مواجهات مع القوات الحكومية.

وشيّع الانقلابيون الحوثيون جثامين هؤلاء المقاتلين في صنعاء ومحافظة حجة، دون تحديد مكان وزمان مصرعهم.

وأكدت الإحصائية أن قتلى الجماعة خلال نوفمبر يُمثل انخفاضاً بنسبة 6 في المائة، مقارنة بالشهر السابق الذي شهد سقوط 33 مقاتلاً، ولفتت إلى أن ما نسبته 94 في المائة من إجمالي قتلى الجماعة الذين سقطوا خلال الشهر ذاته هم من القيادات الميدانية، ويحملون رتباً رفيعة، بينهم ضابط برتبة عميد، وآخر برتبة مقدم، و6 برتبة رائد، و3 برتبة نقيب، و 13 برتبة ملازم، و5 مساعدين، واثنان بلا رتب.

وكشفت الإحصائية عن أن إجمالي عدد قتلى الجماعة في 11 شهراً ماضياً بلغ 539 مقاتلاً، بينهم 494 سقطوا في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية، بينما قضى 45 آخرون في غارات جوية غربية.

152 قتيلاً

وتقدر مصادر عسكرية يمنية أن أكثر من 152 مقاتلاً حوثياً لقوا مصرعهم على أيدي القوات الحكومية بمختلف الجبهات خلال سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منهم 85 قيادياً وعنصراً قُتلوا بضربات أميركية.

وشهد سبتمبر المنصرم تسجيل رابع أعلى معدل لقتلى الجماعة في الجبهات منذ بداية العام الحالي، إذ بلغ عددهم، وفق إحصائية محلية، نحو 46 عنصراً، معظمهم من حاملي الرتب العالية.

الحوثيون استغلوا الحرب في غزة لتجنيد عشرات الآلاف من المقاتلين (إكس)

وبحسب المصادر، تُحِيط الجماعة الحوثية خسائرها البشرية بمزيد من التكتم، خشية أن يؤدي إشاعة ذلك إلى إحجام المجندين الجدد عن الالتحاق بصفوفها.

ونتيجة سقوط مزيد من عناصر الجماعة، تشير المصادر إلى مواصلة الجماعة تعزيز جبهاتها بمقاتلين جُدد جرى استقطابهم عبر برامج التعبئة الأخيرة ذات المنحى الطائفي والدورات العسكرية، تحت مزاعم مناصرة «القضية الفلسطينية».

وكان زعيم الجماعة الحوثية أقرّ في وقت سابق بسقوط ما يزيد عن 73 قتيلاً، وإصابة 181 آخرين، بجروح منذ بدء الهجمات التي تزعم الجماعة أنها داعمة للشعب الفلسطيني.

وسبق أن رصدت تقارير يمنية مقتل نحو 917 عنصراً حوثياً في عدة جبهات خلال العام المنصرم، أغلبهم ينتحلون رتباً عسكرية متنوعة، في مواجهات مع القوات الحكومية.