مبدأ الذاتية.. من الحداثة إلى التواصل

عُدّ مؤسس الأزمنة الحديثة الذي فُسر تفوق العالم على أساسه

مبدأ الذاتية.. من الحداثة إلى التواصل
TT

مبدأ الذاتية.. من الحداثة إلى التواصل

مبدأ الذاتية.. من الحداثة إلى التواصل

اعتبر مبدأ الذاتية، مؤسس الأزمنة الحديثة، وعلى أساسه، فسر تفوق العالم الحديث، باعتباره أيضًا، عالم الهشاشة والضعف. ويتجلى ذلك في الأزمات التي تعرض لها العالم ولا يزال يتعرض. لذلك وجدنا بلاندييه يقول: «إن الحداثة تقلق وتغري»، ولهذا السبب، جعل هيغل من تحديد مفهوم الحداثة، نقدًا لها ومنذ النشأة.

إن ما يميز الأزمنة الحديثة، هو الارتداد إلى الذات أو الذاتية، ويتضمن هذا، في نظر هابرماس، أربعة مدلولات، وهي كالتالي:
1 - الفردانية: في العالم المعاصر، يحق للفردانية المسرفة في خصوصيتها، أن تبرز طموحاتها.
2 - الحق في الانتقاد: يتطلب مبدأ العالم الحديث، أن يبدو ما يتوجب على كل فرد تقبله، في نظره هو، شيئًا له ما يبرره.
3 - استقلالية الفعل: يعود للأزمنة الحديثة الفضل في إرادتنا أن نكون مسؤولين عما نفعل.
4 - وأخيرًا الفلسفة المثالية ذاتها: يرى هيغل أن من منجزات الأزمنة الحديثة، أن تدرك الفلسفة الحديثة الفكرة التي تعي ذاتها.
لقد فرضت الذاتية في نظر هابرماس، الأحداث التاريخية الكبرى. فقد عملت على إماطة اللثام عن كل الأشكال السحرية والأسطورية التي كانت الطبيعة تتخذها في القرون الوسطى، بحيث بلورت الثقافة في كل أشكالها، وخلصتها من الشوائب القروسطية، واتجهت إلى اختزال الطبيعة في مجموعة قوانين ومعادلات رياضية. أما فيما يخص المفاهيم الأخلاقية، فقد عملت على التركيز على حرية الفرد واستقلاليته ومسؤوليته في اتخاذ قراراته. وجرى ذلك في إطار قانوني ينظم علاقته بالآخرين، أي توافق استقلالية الإرادة الذاتية مع القوانين العامة. وأخيرًا، نجد الفن الحديث، يكشف عن جوهره في الرومانسية على مستوى الشكل والمضمون، اللذين يتحددان بالاستبطان المطلق.
أمام هذا الواقع الثقافي ذي البعد الفلسفي، استطاع هابرماس أن يغير بنيته، «بالانتقال من النشاط الإنتاجي إلى النشاط التواصلي، إذ حصلت إعادة صياغة مفهوم العالم المعيش اعتمادًا على نظرية التواصل»، على اعتبار أن هابرماس، قام بتركيب جديد لنظرية الحداثة، استنادًا إلى نظرية للتواصل. فنظرية «النشاط التواصلي تقيم بالفعل، علاقة داخلية بين الممارسة الإبداعية والعقلنة، وتدرس المضمرات العقلانية التي تفترضها الممارسة التواصلية، وتسعف المضمون المعياري الملازم للنشاط الموجه نحو التفاهم، ليتوصل إلى مفهوم العقلانية التواصلية»، التي تذهب بعيدًا عن التناول النقدي الجمالي للحداثة، ويعتبر الانخراط الوجودي فيها، موحدًا ومسجونًا وموضوعًا تحت تصرف التقنية بشكل كلياني خاضع للسلطة. وبناء على ذلك، تستمد مضامين الحداثة من عقل مجسد في العملية التواصلية للممارسة الاجتماعية، التي تنطلق من مقولة النشاط التواصلي في علاقتها بمكونات العالم المعيش المحدد في نظر هابرماس: في الثقافة، والمجتمع، والشخص البشري. ويعتبر «الثقافة، تلك المعرفة المهيأة والجاهزة التي تستمد منها الذوات الفاعلة في النشاط التواصلي، التأويلات ذات الطابع الإجمالي فرضيًا، وذلك بالبحث عن التفاهم حول شيء معين موجود في العالم والمجتمع. تلك الأنظمة المشروعة التي تستمد منها ذوات النشاط التواصلي، التضامن المؤسس على الانتماءات الجماعية المنتجة للعلاقات بين الناس. في حين أن الشخصية، وهو هنا لفظ تقني، يعني الإمكانات التي بفضلها تكتسبُ ذاتٌ ما قدراتها على الكلام والفعل، وبالتالي على المشاركة في عمليات التفاهم بين الذوات داخل سياق يختلف في كل مرة». لذلك، فإنه في الوقت الذي يتعقلن فيه العالم المعيش، فإن الذوات الفاعلة في النشاط التواصلي مضطرة لبذل جهود إضافية لضمان الاتفاق والتفاهم. وإذا تأملنا عن كثب، الشروط الضرورية التي ينبغي أن تتوافر من أجل أن نتفاهم، فيما بيننا، على شيء من الأشياء، فإننا «نكتشف وجود مسلمات ضمنية عملية محتومة، ذات مضمون معياري ضابط». هذا يعني أنه قبل أن ندخل في أي نوع من أنواع المناقشة أو المحاججة، بما فيها الكلام اليومي العادي الحالي بين طرفين، فإننا نفترض مسبقًا، وباتفاق الطرفين، أننا مسؤولون. أي أن أفراد العالم المعيش، ينطلقون من تقاليد ثقافية مشتركة، مصاغة في نسيج الأفعال التواصلية، التي تنجز اعتمادًا على التأويل المشكل من طرفهم، والمبني على أخلاق تواصلية، للاتفاق على الحقيقة المبرهن عليها داخل تنظيم مؤسسي للمناقشة العمومية. لذلك، فهابرماس، «يرفض كل إجماع معطى سلفًا، أو مؤسسًا على سلطة تحيل دومًا إلى التراث، ويفترض تدخلات برهانية عقلانية، في سياق تواصلي ينبذ المسبقات، ويشجع على إبراز تشكيلات خطابية للإرادة». إن وسيلة اللغة وغاية الفهم، مرتبطتان، داخليًا، ولا يمكننا أن نفصلهما عن بعضهما، كما نفصل، عادة، بين الوسائل والغايات. ولا يمكننا أن نفسر ما هي اللغة من دون اللجوء إلى فكرة الفهم والإدراك.
وعمومًا، إذا كانت الحداثة في جوهرها، تعني الابتعاد عن التقليد وإعادة إنتاج الماضي، وتتضمن في عملياتها وحركاتها، الأزمة وإمكانات تخطيها في الآن نفسه، فإن مشروع هابرماس الفلسفي، ارتبط، منذ عصر الأنوار إلى الآن، بالتنظيم المؤسسي للمجتمع، المرتبط بتوجهات الدولة السياسية، في عمليات التنظيم والعقلنة والتحديث، وما تطرحه من قضايا فكرية واجتماعية على العالم المعيش وعلى مستوى مختلف القيم، تستدعي النقد وإعادة النقد. وهذا ما يجعلها في نظر هابرماس، مشروعًا غير مكتمل، يحتاج إلى عقل تواصلي لممارسة هذا النقد. وبالتالي، تجاوز النزعات التي تريد أن تنفيها. لذلك يُطرح علينا سؤال أخير: ماذا نعني بنظرية التواصل عند هابرماس؟
التواصل في نظر هابرماس، هو علاقة حوارية بين فئات المجتمع المتعددة والمتباينة آيديولوجيًا وطبقيًا، وذلك عن طريق استخدام القوة المفرضة عقلانيًا، هذه القوة المتضمنة بالضرورة في أفعال النطق اللغوية. يضاف إلى ذلك، أن الفعل التواصلي، لا يمكن أن نستبدل به ممارسات من نوع آخر، أيًا كان السياق والظروف. فعملية التفاهم اللغوي، لا يمكن أن تحل محلها كيفما شئنا، آليات أخرى لتنسيق الأعمال. ولتوضيح هذا الكلام، يقول هابرماس: «إذا ما أردنا أن نربي أطفالنا أو نعلم طلابنا أو نحاول إنعاش الروابط الاجتماعية بطريقة مشتركة، فإننا لا نستطيع أن نرفض الدخول في هذه الممارسة ذاتها (أي الممارسة التواصلية اللغوية). وهذا يدل على أنه خلال الفعل التواصلي، ومن خلاله وحده، تجري عملية الانصهار الاجتماعي، وانتقال الإرث الثقافي من جيل إلى جيل، ودمج الفرد في المجتمع أو جعله حيوانًا اجتماعيًا».
والواقع في نظر هابرماس، أن الفعل التواصلي لا يمكن أن يتحرك كما يحلو له هكذا في الفراغ، وإنما هو بحاجة إلى عالم معيش يقدم له الخلفية والقاعدة الارتكازية. إذ لو كانت هذه المسلمات الضمنية المشتركة، محدودة كليًا، لما التقينا في العالم المعيش إلا بالأفعال الاستراتيجية لا التواصلية. لكنه يلاحظ في المجتمعات الحديثة، وجود كثير من العوالم المعيشة المختلفة، وكل وجود فردي هو بحد ذاته عالم ومشروع فريد من نوعه. فالنزعة الفردية والنزعة الشمولية، وجهان لعملة واحدة منذ هيغل. فلا يمكن وجود فردانية من دون شمولية معيارية ضابطة. لذلك، فإن مفهوم التفاهم، يحيل عند هابرماس إلى اتفاق مبرر عقليًا، تتوصل إليه مجموعة من المشاركين في التفاعل، المبني على ادعاءات الصلاحية القابلة للنقد والمشاركة، اعتمادًا على معايير أخلاقية، يسميها هابرماس «أخلاقيات التواصل»، أي أن للتواصل معايير أخلاقية تنظم الأفكار والادعاءات، من خلال المناقشة، عن طريق تقديم مجموعة من البراهين والحجج المرتبطة منهجيًا. يقول هابرماس إن «قوة برهان ما تقاس، داخل سياق معين، بصحة الحجج. وهذه الصحة تظهر من بين ما تظهر فيه، في قدرة تعبير معين على إقناع المشاركين في المناقشة، وعلى تبرير قبول ادعاء ما للصلاحية».
إن الحداثة الغربية، على الرغم من نزوعها المعلن نحو الكونية، وجعلها العالم عبارة عن «قرية» صغيرة تتفاعل فيها كل الثقافات والحضارات والأجناس واللغات، فإنها اصطدمت بأشكال حضارية وثقافية لدى شعوب لم تستسغ الحداثة بعد. هذا التفاعل أو التنابذ بين المرجعيات الإنسانية، جعل التفكير في التواصل، هو أصلاً تفكيرا في الحداثة، باعتباره تتويجًا للعقلانية. وهذه الأخيرة، تقتضي عمليات تحديث العقلنة وعقلنة التحديث، وإلى وضع شروط مجتمع ممكن «ما دام التفكير في التواصل، في شكله البرهاني، هو في العمق، تفكير فيما هو مجتمعي». وبالتالي تجاوز هابرماس النقد الجذري للعقل الذي دشنه نيتشه وهايدغر والفلاسفة الفرنسيون.
وعمومًا، فإن فلسفة هابرماس، تسهم في تغيير منطلقات الفكر الفلسفي، وأسلوب النظر إلى اللغة، والزمن، والمجتمع، والانتقال من التفكير الموجه نحو الغاية، الذي تؤطره العقلانية الأداتية، إلى التفكير الموجه نحو التفاهم، الذي تحدده العقلانية التواصلية. لذلك فإن الاتفاق اللغوي التواصلي، يتعين أن يحل محل السلطة المسنودة من طرف التصورات التقليدية نتيجة المناقشة المستمرة، التي تعبر عن التحرر والنضج والاستقلال، بحيث تبعد النظرية التواصلية العقلانية عند هابرماس، من كل يوتوبيا، وتجعلها أكثر ارتباطًا بالواقع.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.