إقبال على الطباعة من الخارج وضعف شراء في الداخل

حركة النشر في الأردن

الدورة السابقة من معرض عمان  للكتاب (أرشيف {الشرق الأوسط})
الدورة السابقة من معرض عمان للكتاب (أرشيف {الشرق الأوسط})
TT

إقبال على الطباعة من الخارج وضعف شراء في الداخل

الدورة السابقة من معرض عمان  للكتاب (أرشيف {الشرق الأوسط})
الدورة السابقة من معرض عمان للكتاب (أرشيف {الشرق الأوسط})

تمر حركة النشر والإقبال على الكتاب في الأردن بظروف صعبة نتيجة الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تعيشها المنطقة العربية والدول المجاورة للأردن.
ويرى رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين فتحي البس أن حركة النشر في الأردن مرت بعدة مراحل وصلت فيها إلى مرحلة قوية ونشطة، نافست فيها الدول التي سبقت الأردن، في صناعة النشر، ولكن حال صناعة النشر في الأردن كما هو الحال في الوطن العربي الآن تعيش حالة الهبوط بسبب الظروف السياسية والاقتصادية التي تعيشها المنطقة العربية.
ويضيف: «إن صناعة النشر في الأردن تمر حاليًا بظروف صعبة حيث أصبح الناشر يختار بدقة متناهية ما يطبعه والكميات تكون قليلة كي يستطيع توفير تكلفة الإنتاج والطباعة والتخزين والتسويق بسبب أن الحركة بطيئة في الوقت الحاضر في ظل غياب الدعم الحكومي لهذه الصناعة (النشر)، التي هي في قلب الصناعات الثقافية في الأردن.
إن صناعة النشر، كما يقول، هي صناعة الثقافة ومنتجاتها «ويجب أن لا تترك لاقتصادات السوق كما هو واقع الحال في الأردن، خصوصا أن المؤسسات أول ما يشطب من قائمة المشتريات هي الكتب وآخر ما يضاف إلى قائمة المشتريات في حالة الرخاء هي الكتب، وهذا هو الواقع الذي يعيشه الناشر في الأردن بسبب صغر حجم السوق. المسألة ليست بعدد العناوين وإنما تحسب بنوعية العناوين والكميات التي تطبع من هذه العناوين».
أما عن آلية نشر الكتب، فيقول: «تتم دراسة كل عنوان بشكل منفصل عن الآخر من حيث الجدوى الاقتصادية للتوزيع وشهرة الكاتب والجدة في الموضوع وقيمة المحتوى ويتخذ القرار إما بالنشر أو الاعتذار. ويتم الاتفاق حول حق الاستغلال المادي للكتاب وليس حق المؤلف الأدبي لأن حق المؤلف لا يباع ولا يشترى ولا يتم التنازل عنه بأي ثمن، وتنظم العقود بالاتفاق حسب العنوان وشهرة الكاتب وغير ذلك من أهمية الكتاب حيث لا يوجد شروط واحدة موحدة لجميع العناوين بل إن كل عنوان له شروطه الخاصة به».
وحول الرقابة على الكتب، يقول رئيس اتحاد الناشرين: «إن قانون المطبوعات والنشر الأردني يفرض رقابة لاحقة على المنتج في الأردن بمعنى أن كل كتاب مطبوع في الأردن يجب تزويد هيئة الإعلام والمكتبة الوطنية بثلاث نسخ وعليه فإن الهيئة الإعلام تجيز توزيع الكتاب في الأردن أو ترفض وفي حالة الرفض يتوجه الكاتب أو الناشر إلى القضاء للاعتراض على القرار».
وأشار إلى أن القرار الصادر عن هيئة الإعلام هو قرار أولي ولا يوجد في القانون «مصادرة» وإنما القرار يكون «منع التداول» ويمكن الذهاب إلى المحكمة، والاعتراض على القرار، خصوصًا أن هناك قضاة متخصصين في قضايا النشر وقد كانت لي تجربة عندما منع توزيع كتابي «انثيال الذاكرة هذا ما حصل» وقد لجأت إلى القضاء الذي أنصفني ورد قرار الهيئة. وللأسف ليس كل الناشرين أو المؤلفين يذهبون إلى القضاء وعادة يختصروا المسألة والقبول بالأمر الواقع وهذا شأنهم ولكن القانون أعطاهم الحق باللجوء إلى القضاء».
وذكر البس أن أحوال المؤلف الأردني سيئة مثل أحوال الناشرين ولكن المؤلف العربي يحصل على حقوقه التي تنظمها المبيعات وإذا كان حجم المبيعات جيدا فإنه ينعكس على المؤلف وخصوصا إذا كان المؤلف مشهورًا، حيث إن هناك بعض المؤلفين يتقاضون آلاف الدولارات والبعض منهم لا يصل تقاضيه مائة دولار. وقال إن حقوق المؤلف تنظمها العقود وتحدد بنسب ما بين 10 في المائة إلى 25 في المائة حسب الكتاب والمؤلف وشهرته وحسب فهم الناشر لطبيعة الكتاب وقدرته على التسويق.
وبالنسبة لعدد النسخ التي تطبع من الكتاب، قال إن الأرقام السابقة التي كانت تقدر بالآلاف لم نعد نسمع بها منذ زمن بعيد وهناك دور عربية تستخدم الطباعة الرقمية حسب الطلب وبالنسبة لنا في «دار الشروق» نطبع ألف نسخة من كل عنوان بعد أن كنا في السابق نطبع ثلاثة آلاف نسخة كحد أدنى. وحول عدم إقبال الناس على القراءة، يرى رئيس اتحاد الناشرين الأردنيين أن العزوف عن القراءة مشكلة قديمة منذ صناعة النشر في المنطقة والمسألة لها علاقة بالتربية وأساليب التعليم والمناهج والأوضاع الاقتصادية والحياة السياسية حيث كانت عملية النشر في أوجها عندما تطورت الحياة السياسية في العالم العربي، وكان هناك إقبال لمعرفة فكر الآخر.
من جانبه قال مدير المكتبة الوطنية في الأردن محمد يونس العبادي إن «حركة النشر في الأردن خلال الأربع سنوات الماضية نشطت حيث سجلنا خلال العام الماضي 6098 رقما إداريا (عنوان) للمصنفات وهي تشمل الكتاب الورقي و(سي دي)و(دي في دي) أو وعاء معلوماتي».
حركة النشر في الأردن في تطور نتيجة التسهيلات التي منحتها الدولة من خلال إلغاء الرقابة المسبقة على المطبوعات.. الأمر الذي شجع الأشقاء من الدول العربية للقدوم إلى الأردن ونشر إنتاجاتهم الثقافية وكتبهم في الأردن. أما بالنسبة للرقابة، فهي رقابة لاحقة وليست مسبقة وهذا شجع كثيرين من الأشقاء العرب على النشر في الأردن».
وفيما يخص صناعة الكتاب، يرى العبادي أنها تطورت «وبدأنا ننافس الدول التي سبقتنا حتى أصبحت صناعة الكتاب جزءًا من الصناعة الثقافية وبات الكتاب الأردني مطلوبا في المعارض العربية الدولية وكل عام تزداد أرقام المصنفات الممنوحة من 100 مصنف إلى 150 مصنفا».
وأشار إلى أن نسبة المطبوعات الورقية الممنوحة تصل إلى 80 في المائة من المصنفات وقد تصل في المستقبل القريب إلى 6200 مصنف وهي نسبة عالية بين الدولة العربية بالنسبة إلى عدد السكان.
ويضيف العبادي أن «الدولة الأردنية تدعم الناشر والمؤلف بمحنة الرقم (المعيار الدولي) أي (سي بي إن) للمصنفات دون مقابل، خصوصا أن معظم الدول تتقاضى مقابل هذا الرقم إلا أن الحكومة الأردنية لا تتقاضى هذا المبلغ الذي يصل إلى 50 دولارا للشركة المسؤولة عن منح هذه الأرقام».
وذكر أن هناك 120 دار نشر منها 80 دار نشر وتوزيع فاعلة ولا يوجد رقابة إطلاقًا على المطبوعات، كما ذكرت، وشعارنا على المتضرر أن يلجا إلى القضاء. فإذا نشرت معلومة مغلوطة عن أحد فعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء والذي هو صاحب القرار إما بوقف التوزيع وتغريم المؤلف أو مصادرة المنشور وجمعه من الأسواق ولكن هذا القرار هو بيد القضاء الأردني وهو الفيصل في كل قضية. وبالنسبة للمكتبة الوطنية قال: «إن المكتبة الوطنية تمنح رقم المصنف خلال خمس دقائق ولا نشترط أية موافقة من أية جهة على المؤلف وإذا كان هناك اعتراض من أية جهة عليها اللجوء إلى القضاء وهو الفيصل في هذه القضايا».
وأشار العبادي إلى أن الحصول على رقم المصنف سيكون جزءا من الحكومة الإلكترونية خلال السنة القادمة بحيث تحصل على رقم المصنف مباشرة عبر الإنترنت دون الحضور إلى المكتبة الوطنية.
من جانبه، قال حسن أبو علي صاحب كشك «الثقافة العربية» في وسط عمان إن الإقبال على شراء الكتب والصحف والمجلات تراجع بنسبة 40 في المائة عن السنوات الماضية، فتراجع دخل المواطن أثر بشكل كبير على الإقبال على الكتاب والصحف حيث كنت أبيع 250 صحيفة يوميا في السابق وفي هذه الأيام أبيع 120 جريدة وكذلك الكتب كنت في السابق أبيع عشر نسخ من الكتاب وفي هذه الأيام نحضر أربعة نسخ وأحيانًا لا نستطيع تسويقها، خصوصًا أن أسعار هذه الكتب تضاعفت عموما بنسبة 300 في المائة»، موضحا أن الكتاب الذي كان سعره دينارين بات سعره سبعة دنانير (الدينار يعادل 1.41 دولار)، وهذا يشكل عبئا حتى على المواطن المتوسط الدخل.



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.