الشعر.. سؤال حول ضرورته

ملتقى القاهرة يعود ليؤكد قيمته حيثما ومتى كان

ملتقى القاهرة للشعر اختتم فعالياته بمنح جائزته للشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة
ملتقى القاهرة للشعر اختتم فعالياته بمنح جائزته للشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة
TT

الشعر.. سؤال حول ضرورته

ملتقى القاهرة للشعر اختتم فعالياته بمنح جائزته للشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة
ملتقى القاهرة للشعر اختتم فعالياته بمنح جائزته للشاعر المصري محمد إبراهيم أبو سنة

يقفز السؤال كلما ذكر الشعر هذه الأيام، بل منذ سنوات: وهل بقيت للشعر أهمية في حياتنا؟ كم عدد قراء الدواوين؟ من يحضر الأمسيات؟ ألم تحتل الرواية الواجهة الآن حتى إن كثيرًا من الشعراء بدأوا بكتابتها بدلاً من القصائد؟
أسئلة وجيهة بالطبع، فإطلالة سريعة على معرض كتاب عربي ستؤكد أن دور النشر لا تبحث عن شعر وشعراء، وإنما عن كتب أخرى، إن كانت أدبية فالرواية هي المقدمة على غيرها (وبغض النظر عن مستواها). بل إن الأمر يتعدى مبيعات الشعر في معارض الكتب العربية إلى المبيعات العالمية من كتب الأدب ليصل إلى الجمهور الذي يحضر الأمسيات الأدبية. الشعر، كما يبدو، هو الأقل اجتذابًا للمتلقين.
فعلى أي أساس إذن اتكأ المجلس الأعلى للثقافة بمصر حين دعا إلى الملتقى الدولي الرابع للشعر العربي، وحين قرر إحياء ذلك الملتقى بعد غياب طويل نسبيًا؟ لا شك لدي أنه لم يتكئ على جماهيرية متوقعة لقصائد الشعراء. فباستثناء أسماء وصلت إلى مرحلة النجومية، لن يهتم الكثيرون بالاستماع إلى كل تلك الأسماء المحتشدة في قائمة الشعراء، مثلما لن يهتموا بالأوراق النقدية التي أعدت للمناسبة. ستهتم فئة محدودة، قد نسميها النخبة، بمجريات الملتقى وأي ملتقى للشعر، وتلك الفئة هي التي ستحرص على الحضور والمشاركة في الاستماع والنقاش.
غير أن منظمي الملتقى، الذي تشرفت بالمشاركة فيه بدعوة كريمة من المجلس الأعلى للثقافة بمصر، قرروا ألا يتجنبوا المواجهة مع المقللين من أهمية الشعر وحضوره وتأثيره في حياتنا. اتضح ذلك من عنوان الملتقى الجانبي: ضرورة الشعر. فإلى جانب تكريم شاعرين مصريين كبيرين هما محمود حسن إسماعيل ومحمد عفيفي مطر، كان الملتقى يعلن أنه يعود ليؤكد قيمة الشعر حيثما ومتى كان. «الشعر ضرورة»؛ أكد ذلك غير متحدث في حفل الافتتاح، الذين كان من بينهم مقرر اللجنة العلمية للمؤتمر محمد عبد المطلب والشاعر المصري المعروف أحمد عبد المعطي حجازي والشاعر الناقد الفلسطيني عز الدين المناصرة. كان حجازي هو الأكثر حماسة وقوة بلاغية في كلمته التي جاءت باسم المشاركين. أكد الشاعر المصري الذي كان رائدًا من رواد الشعر العربي الحديث منذ خمسينات القرن الماضي أن الشعر ليس ضرورة فقط، وإنما هو، إلى جانب الحب، ملاذنا وأملنا في عالم يموج بالكراهية والقبح. كانت كلمة موجهة ضد الآيديولوجيات السياسية والدينية التي هيمنت على مصر وغيرها في السنوات التي أعقبت ثورة يناير (كانون الثاني). غير أن مؤشرًا آخر على أهمية الشعر المستمرة في حياتنا - والحديث بالطبع عن الشعر العربي الفصيح، الشعر المثقف والرفيع، في مقابل أشكال النظم المنتشرة في كل مكان - ذلك المؤشر تمثل في المدعوين ومستوياتهم، فقد جاءوا من مختلف أرجاء الوطن العربي، سواء بوصفهم شعراء أو نقادًا أو ضيوفًا مشاركين في الاستماع والنقاش. صحيح أن الوضع الاقتصادي في مصر فرض محدودية العدد، بعد أن كاد الملتقى برمته يتعثر أساسًا، لكن مصر تظل كعادتها البلد العربي المضياف والمعني بالثقافة على نحو تصعب مجاراته على كثيرين. ذلك أن الأمر يتجاوز الإمكانات المادية إلى البشرية، الإمكانات الثقافية والعلمية التي تستطيع خلق أطر علمية وحوارات رحبة تثريها القدرات المحلية قبل المدعوة من الخارج، الأمر الذي لا يتوفر لأي بلد عربي في تقديري على المستوى نفسه. يضاف إلى ذلك الانفتاح النسبي أو الهامش الأوسع لحرية التعبير قياسًا أيضًا لبعض أرجاء الوطن العربي. ولعل من أوضح الأمثلة على ذلك المعارضة المسموعة على ملتقى الشعر نفسه. فكما نشر في أماكن مختلفة (ربما كان من أبرزها ما نشر هنا في الشرق الأوسط)، عبّر بعض المدعوين من الشعراء المصريين والعرب عمومًا عن رفضهم الحضور والمشاركة لأسباب ذكروها ورد عليها منظمو الملتقى. فبغض النظر عن وجاهة أو عدم وجاهة الاعتراض، تشكل إمكانية حدوثه والتعبير عنه بوضوح مؤشرًا صحيًا على إمكانية اتخاذ المواقف المعارضة والإعلان عنها.
فيما يتصل بالمشاركين في الملتقى يسترعي الانتباه وصفه بالدولي. فالدولية توحي غالبًا بمشاركة أناس من خارج الوطن العربي وليس من داخله على أساس وحدة الثقافة العربية وتجاوزها للتقسيمات السياسية. لكن ربما كانت تلك التقسيمات هي المبرر فعلاً لوصف الملتقى بالدولي على الرغم من غياب، أو شبه غياب، مشاركين من دول غير عربية، كما حدث من قبل في ملتقيات مصرية وعربية شارك فيها باحثون أو كتاب وشعراء من أوروبا وأميركا وغيرهما، بمعنى أن المنظمين أرادوا الإشارة إلى مشاركة ضيوف غير مصريين.
إن من الطبيعي أن يلتفت الإعلام حول الملتقى وغيره ليس إلى مجريات المؤتمر قدر التفاته إلى الاعتراض على تلك المجريات، أي على المثير للجدل وجوانب الاختلاف والاعتراض، ولعل منظمي الملتقى نفسه كانوا أول من أحس بالجوانب الجدلية أو الخلافية حين وضعوا «ضرورة الشعر» شعارًا للملتقى الرابع للشعر العربي. هل أحسوا بأن الحضور سيكون محدودًا وأن غياب أسماء عربية مهمة إلى جانب غياب غير العرب يمثل مشكلة أولى تتصل بضعف الاهتمام بالشعر فعلاً؟ أليس التذكير بأهمية الشعر دليلاً بحد ذاته على تراجع تلك الأهمية؟ لقد ذكر غير متحدث في الملتقى أن نجيب محفوظ حين علم بإقامة ملتقى الرواية قبل سنوات طالب المجلس الأعلى بعقد ملتقى للشعر، كأن المجلس - برئاسة جابر عصفور عندئذٍ - كان متحيزًا مسبقًا للرواية التي عدها ديوان العرب الحقيقي، ليأتي الروائي الكبير ليذكر المجلس بأن الشعر ما زال ديوان العرب، وأنه لا يجوز تجاهله.
أعتقد أن مفهوم الديوان هو الذي ينبغي تجاوزه، فلا الشعر ولا الرواية ولا المسرح يقوم بما كان الشعر يقوم به في الثقافة العربية يوم كانت الشفاهية تنتشر والشعر سيد الساحة بلا منازع. ولا أظن الشعر سيستفيد من تكريسه ديوانًا لأحد. الشعر يظل فنًا عظيمًا وبالغ الأهمية في كل الثقافات والآداب ولا توجد ثقافة بلا شعر (بينما توجد ثقافات بلا رواية وهي غير الحكاية). لكن ينبغي الاعتراف بتراجع أهمية الشعر في حياة الناس، وما تأكيد تلك الأهمية بمؤدٍ إلى عودتها قريبًا. قد تعود فعلاً لكن ذلك يعتمد على متغيرات سوسيوثقافية، متغيرات في عادات الناس القرائية وطرق تفاعلهم وقد أصاب هذه تغير كبير. الناس يظلون مرتبطين بالشعر لكنه البسيط منه، الشعر السهل المتناول، شعر الأغنية العاطفي، وهذا ليس المقصود بالشعر العربي الذي انعقد ملتقى القاهرة لتكريسه والاحتفاء به.
إن غياب بعض أهم الأسماء الشعرية عن الملتقى مثل أدونيس وسعدي يوسف قد يكون مؤشرًا على تواضع التوقعات لدى أولئك قبل غيرهم إزاء أهمية ما يكتبون لدى جمهور المتلقين (مع أن تقدم الشاعرين في العمر، وقد تجاوزا الثمانين، قد يكون السبب الفعلي). لكن الملاحظ أيضًا هو أن معظم من اعتذروا من الشعراء كانوا من شعراء قصيدة النثر، القصيدة التي لا تتواءم كثيرًا مع منابر الإلقاء. قصيدة النثر قصيدة للقراءة أولاً لأسباب كثيرة ليس هذا مجال الحدث عنها. شعراء النثر لم يتخيلوا أنفسهم يصعدون المنبر ليلقوا قصائد سيصعب على الكثيرين التفاعل معها كما يتفاعلون مع حجازي أو الشهاوي أو روضة الحاج أو محمد علي شمس الدين، ممن حضروا وألقوا. بل إن كثيرًا من شعر التفعيلة يعتمد على تقنيات في الكتابة يصعب أن تتضح من الإلقاء، وقد أشرت في ورقتي في الملتقى إلى قصيدة للشاعر علي الدميني كان علي أن أصف شكلها على الصفحة لكي يستوعب الحضور ما أشير إليه. يضاف إلى ذلك أن تلك قصائد أكثر نخبوية في توقعاتها القرائية من أن تلقى على منبر يعتمد السماع أولاً.
لكن على الرغم من ذلك كله، يظل انعقاد الملتقى الرابع للشعر العربي في عاصمة عربية كبرى حدثًا مهمًا في الثقافة العربية، حدثًا في مصر تعود به إلى المشاركة الفاعلة والحية في الحراك الثقافي العربي الذي يشهد دخول قوى عربية أخرى من شمال أفريقيا والجزيرة العربية لم تعد أقل أهمية من غيرها، وإنما يضيف بعضها إلى بعض لدعم الإبداع والرؤية المستنيرة في زمن يكاد فيه الظلام والدمار يحيقان بأمتنا العربية ويطفآن جذوتها.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.