قول الأشياء كما هي بصراحة صادمة

«أغنية ناعمة» لليلى سليماني مفاجأة جائزة «غونكور 2016»

الكاتبة المغربية ـ الفرنسية ليلى سليماني وغلاف روايتها الفائزة بجائزة غونكور
الكاتبة المغربية ـ الفرنسية ليلى سليماني وغلاف روايتها الفائزة بجائزة غونكور
TT

قول الأشياء كما هي بصراحة صادمة

الكاتبة المغربية ـ الفرنسية ليلى سليماني وغلاف روايتها الفائزة بجائزة غونكور
الكاتبة المغربية ـ الفرنسية ليلى سليماني وغلاف روايتها الفائزة بجائزة غونكور

مثَّلت الكاتبة المغربية ليلى سليماني مفاجأة الموسم الأدبي في فرنسا بعد نيلها جائزة «غونكور»، أرفع جائزة أدبية في فرنسا، في بداية هذا الشهر. ورغم أن وسائل الإعلام الفرنسية قد مهَّدَت بمجموعة لقاءات مع الكاتبة الشابة، فإنه لم يكن من المتوقع أن يتم اختيار روايتها الثانية «أغنية ناعمة» لتنال هذه الجائزة أمام منافسين كثيرين. الكاتبة المغربية من أم فرنسية وأب مغربي هاجرت إلى فرنسا في سن الثامنة عشرة، تنقلت في أكثر من عمل، وأكثر من دراسة، لتستقر في النهاية في مجلة «جون أفريك» محررة، ثم تستقيل للتفرغ لكتابة روايتها، تمامًا كما فعل قبلها الكاتب اللبناني أمين معلوف الذي كان يعمل في المجلة نفسها، ثم استقال ليعتكف ويتفرغ لكتابة روايته الشهيرة «ليون الأفريقي». لكن ما يميز هذه الكاتبة هي جرأتها في قول الأشياء كما هي دون تلميح، ولكن بتصريح وصراحة صادمة. في روايتها الأولى «في حديقة الغول» (التي نالت جائزة المأمونية المغربية للأدب الفرانكوفوني) هزت مشاعر كثير من المغاربة الذين صدمتهم جرأتها كامرأة بالكتابة عن الجنس دون حواجز، مما يذكرنا برواية «برهان العسل» للكاتبة السورية سلوى النعيمي.
روايتها الثانية الفائزة بـ«غونكور» استوحِيَت من قصة حقيقية حصلت في نيويورك في عام 2012، حين قامت مربية لطفلين بقتلهما انتقامًا من الوالدين.
في «أغنية ناعمة» وعلى عكس العنوان الجميل، فإن أحداث الرواية هي درامية وسوداوية وإجرامية. الكلمات المنتقاة تحز كالشفرة في الجلد. فالرواية تبدأ بجملة قاسية «مات الطفل» تذكِّر بجملة ألبير كامو في روايته الغريب «ماتت أمي»، وتستمر في سرد النهاية منذ البداية: «أم تقف في حالة صدمة مروعة أمام طفليها القتيلين، تطلق صرخة تشق الهدوء الذي يلف المكان في ذاك اليوم من شهر مايو (أيار)، وكل من يسمع مثل هكذا صرخة حيوانية يفهم بأن مأساة ما حصلت.. في الغرفة المقابلة جثة ثالثة مسجاة هي جثة المربية المنتحرة».
تعود المؤلفة بعدها إلى البدايات لتشرح النهايات: «الوالدان بول ومريم زوجان يعملان في باريس، مع ولادة ابنتهما مريم، الثانية بعد آدم، وجدت الأم عملًا تساعد فيه زوجها في المصروف على العائلة، ولكن كان لا بد من البحث عن مربية للاعتناء بالطفلين، بعد طول عناء يجد الوالدان لويزا، وهي امرأة في عقدها الخامس التي أظهرت جدية وصرامة في العمل ليس فقط كمربية، ولكن أيضًا كانت تقوم بأعمال أخرى بها ليست مطلوبة منها كترتيب البيت والتنظيف وحتى الطبخ، إلى درجة أن الوالدين وجدا فيها شخصًا لا يمكن الاستغناء عنه. لكن الأمور بدأت تسوء بعد أن اكتشف الزوجان أن لويزا باتت تتصرف بمفردها ودون استشارتهما في كثير من الأمور، مما جعلهما يضعان حدا للتجاوزات ويعاملانها كعاملة لا أكثر دون أن يحسبا حسابًا للعواقب النفسية التي ترتبت على هذا السلوك. وتزداد حدة التوتر بين الطرفين إلى اتخاذ قرار بطرد المربية، لتعود الأم ذاك النهار لتشهد الدراما السوداء في منزلها ولتنتهي سعادة هذه العائلة إلى الأبد».
هناك إجماع من النقاد على أن رواية «أغنية ناعمة» هي من أفضل الأعمال الروائية لهذا العام، من حيث النص الأدبي، وبناء القصة، خصوصًا الحبكة التي تبقي القارئ على أعصابه يتابع الأحداث لاهثًا حتى آخر سطر من النص. أما الأسلوب فقد أجمع روائيون معروفون على أن أسلوب الكاتبة تنفرد به، وأنها موهبة أدبية شابة تعد بمستقبل باهر.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.