أوبك تعيد العمل بسياسة «إدارة السوق» عبر تخفيض إنتاجها 1.2 مليون برميل

السعودية تتحمل «العبء الثقيل» من أجل إنجاح الاتفاق

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح وإلى جانبه الأمير عبد العزيز بن سلمان نائب وزير الطاقة السعودي قبيل بدء اجتماع {أوبك} في فيينا أمس (أ.ف.ب)
وزير الطاقة السعودي خالد الفالح وإلى جانبه الأمير عبد العزيز بن سلمان نائب وزير الطاقة السعودي قبيل بدء اجتماع {أوبك} في فيينا أمس (أ.ف.ب)
TT

أوبك تعيد العمل بسياسة «إدارة السوق» عبر تخفيض إنتاجها 1.2 مليون برميل

وزير الطاقة السعودي خالد الفالح وإلى جانبه الأمير عبد العزيز بن سلمان نائب وزير الطاقة السعودي قبيل بدء اجتماع {أوبك} في فيينا أمس (أ.ف.ب)
وزير الطاقة السعودي خالد الفالح وإلى جانبه الأمير عبد العزيز بن سلمان نائب وزير الطاقة السعودي قبيل بدء اجتماع {أوبك} في فيينا أمس (أ.ف.ب)

عادت منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» إلى سياسة «إدارة سوق النفط» مرة أخرى، وذلك بعد أن انتهت المدة التي حددتها المنظمة لإبقاء الإنتاج دون تغيير على مدار عامين، منذ نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2014، وحتى اتخاذ «القرار التاريخي» في اجتماع المنظمة أمس بتخفيض إنتاج أعضائها 1.2 مليون برميل يوميًا، ليصل إلى 32.5 مليون برميل يوميًا.
وتفاعلت أسعار النفط مع القرار الذي وصفه رئيس أوبك محمد السادة بـ«لحظة تاريخية تساعد على عودة التوازن للسوق وتخفيض المخزون»، وارتفعت أكثر من 8 في المائة، إلى أكثر من 51 دولارًا للبرميل متخطيًا حاجز 50 دولارًا، والذي يمثل «مقاومة مهمة»، قد يدفعه للاستمرار إلى مستويات 55 دولارًا قبل نهاية العام الجاري. وتراجعت أسعار النفط من مستوى 115 دولارًا للبرميل منذ يونيو (حزيران) عام 2014، حتى بلغت نحو 26 دولارًا في يناير (كانون الثاني) الماضي.
ورغم أن اجتماع المنظمة عام 2014، الذي رسخ لاستراتيجية جديدة تتمثل في عدم تغيير مستويات الإنتاج رغم التراجع الكبير في الأسعار، مما زاد من المعروض الذي وصل إلى حد التخمة بزيادة عن الطلب نحو 1.5 مليون برميل، مثّل صدمة للكثير من المتعاملين في السوق، فإن اتفاق أمس أو بالأحرى تفعيل «اتفاق الجزائر»، كان متوقعًا بنسبة كبيرة كنتيجة لقرارات أوبك في عام 2014، والتي حددت وقتها ترك السوق عامين من دون تحديد أو تثبيت الإنتاج، وذلك للضغط على المنافس القوي النفط الأميركي الصخري.
وعلق رئيس أوبك محمد صالح السادة وزير الطاقة القطري على استراتيجية المنظمة العامين الماضيين خلال مؤتمر صحافي بعد الاجتماع قائلاً: «لقد كان رد فعل على ظروف السوق.. وبناء على مصلحة وحكمة أوبك اتخذنا القرار.. وكان له منافع بالنسبة لإنتاج النفط والغاز، ولن نندم على ذلك إطلاقًا».
ويصبح اتفاق أوبك ساريًا في الأول من يناير المقبل، على أن يستمر 6 أشهر، تحدد بعدها المنظمة مستويات جديدة للدول، من خلال إنشاء «لجنة مراقبة وزارية من ثلاثة أعضاء هم: الكويت الرئيس وفنزويلا والجزائر.. لمراقبة تطبيق التزام الدول بهذا الاتفاق»، بحسب السادة. ويعني اتفاق أوبك تحمل السعودية العبء الأكبر بين الأعضاء في المنظمة، وذلك من خلال تخفيض إنتاجها بنسبة كبيرة تصل - وفقًا لـ«رويترز» - إلى 500 ألف برميل يوميًا، لتهبط إلى مستوى إنتاج 10 ملايين برميل يوميًا، من نحو 10.5 مليون برميل يوميًا إنتاج المملكة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. على أن يتجمد إنتاج إيران عند مستوى 3.975 مليون برميل يوميًا.
وقال السادة إن «أوبك ستخفض 1.2 مليون برميل يوميًا ليصل السقف إلى 32.5 مليون برميل يوميًا بداية من يناير 2017، وبعد هذه المفاوضات اتفقنا أيضًا أن نتقاسم هذا التخفيض بين دول أوبك، مع الآخذ في عين الاعتبار بأن بعض الدول تحتاج لمساعدة».
وكانت أوبك قالت إنها ستعفي إيران وليبيا ونيجيريا من الخفض نظرًا لتضرر إنتاج تلك الدول جراء الاضطرابات أو العقوبات. وتنتج إيران والعراق معًا ما يربو على ثمانية ملايين برميل يوميًا.
وأضاف السادة: «الدول الأعضاء توصلوا لتفعيل اتفاق الجزائر بتخفيض إنتاج النفط عند مستويات 32.5 مليون برميل»، وذلك لتأمين الإمدادات على المدى المتوسط والطويل لهذه السلعة المهمة.
وكانت أوبك، التي تضم 14 دولة وتساهم بثلث إنتاج النفط العالمي، توصلت لاتفاق مبدئي في سبتمبر (أيلول) في الجزائر على كبح الإنتاج عند ما بين 32.5 و33 مليون برميل يوميًا، مقارنة مع مستواه الحالي البالغ 33.64 مليون برميل يوميًا.
وتطرق السادة إلى الدول غير الأعضاء، وعلى رأسهم روسيا، التي قال عنها إنها «ستلتزم بتخفيض الإنتاج 300 ألف برميل يوميًا»، وباقي الدول 300 ألف برميل يوميًا ليصل الإجمالي من خارج أوبك إلى 600 ألف برميل يوميًا، وبإضافة 1.2 مليون برميل المزمع تخفيضها من أوبك يصل إجمالي الخفض العام إلى 1.8 مليون برميل يوميًا. وأشار إلى «طلب إندونيسيا لتجميد عضويتها - وليس انسحابها - من منظمة أوبك»، لكنه قال إنها شاركت في التخفيض.
وأبدت السعودية مرونة كبيرة في اجتماع أمس أطلق عليها البعض «التنازل الكبير» من أجل مصلحة الدول الأعضاء في المنظمة، وهو ما أكده وزير الطاقة السعودي خالد الفالح قبل بدء الاجتماع بقوله إن الرياض مستعدة لتحمل «عبء ثقيل» في إنتاجها والقبول بتثبيت الإنتاج الإيراني عند مستويات ما قبل العقوبات؛ رغم إصرار المملكة السابق على مشاركة إيران في أي خفض للإنتاج.
وأوضح الفالح أن تنازل السعودية في الاجتماع «يعني أننا سنتحمل عبئا ثقيلاً وخفضًا كبيرًا من مستوى إنتاجنا الحالي ومن توقعاتنا لعام 2017».
وبعد أن أدت أوبك دورها في تخفيض إنتاجها الأول منذ عام 2008، تتجه أنظار السوق حاليًا إلى موسكو التي رحبت بالاتفاق، وأبدت مرارًا وتكرارًا رغبتها في مشاركة أوبك تخفيض الإنتاج من أجل مصلحة السوق. وعبر الفالح عن أمله بأن يساهم المنتجون غير الأعضاء في أوبك ومن بينهم روسيا، في خفض 600 ألف برميل يوميًا.
ويمثل مستوى أسعار 50 دولارًا للبرميل، عودة مربحة للنفط الصخري، الذي بدأ يتأقلم مع تراجع الأسعار نتيجة استحداث تكنولوجيا للتكسير الصخري الهيدروليكي، إذ كان يتراوح إنتاج برميل النفط ما بين 70 إلى 85 دولارًا. لكن وصول الإمدادات الجديدة إلى السوق سيستغرق نحو عام تقريبًا.
ومنذ أن تعافت أسعار الخام من أدنى مستوياتها في 13 عامًا إلى نحو 50 دولارًا للبرميل، أضافت الشركات الأميركية 158 منصة حفر نفطية في 23 أسبوعًا من الأسابيع الستة والعشرين الأخيرة.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.