أزمة السكن في ألمانيا تدفع إلى رواج «البيوت المتحركة»

الشباب والعاملون أكثر قاطني العائمات والحاويات

خلال السنوات العشر الأخيرة تمكن فقط واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت
خلال السنوات العشر الأخيرة تمكن فقط واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت
TT

أزمة السكن في ألمانيا تدفع إلى رواج «البيوت المتحركة»

خلال السنوات العشر الأخيرة تمكن فقط واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت
خلال السنوات العشر الأخيرة تمكن فقط واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت

على الرغم من إدراج ألمانيا على لائحة البلدان الأغنى في العالم، فإن نسبة مالكي البيوت من السكان قليلة مقارنة مع إيطاليا الأقل غنى على سبيل المثال أو بعض البلدان الاسكندنافية، وتحتل ألمانيا حاليا المرتبة الخامسة في ذلك الشأن على المستوى الأوروبي.
فخلال السنوات العشر الأخيرة، تمكن فقط كل واحد من بين كل ثلاثة أشخاص من تحقيق حلمه وامتلاك شقة أو بيت، وساعد في ذلك تدني الفائدة المصرفية على القروض؛ مع أن الشروط المرتبطة بعقد القرض صعبة.
والفئة الأكثر إقبالا على الاقتراض لبناء أو امتلاك منزل عائلة أو شقة هم موظفو المؤسسات الحكومية والشركات الكبيرة، إلا أن غالبية هذه البيوت أو الشقق تكون في الضواحي، لأن الأسعار في داخل المدينة باهظة جدا.
ولقد استفاد البعض من تدني الأسعار في مناطق شاسعة على محيط المدن الكبيرة مثل العاصمة برلين، أو اشترى بيوتا متداعية في الأقاليم الشرقية ورممها أو أعاد بناءها.
إلا أن شروط القروض الصعبة لم تنجح في فتح شهية كثير من الفئات، مثل أصحاب المهن الحرة والعاملين في الشركات والمصانع المتوسطة والصغيرة، فسياسة العمل حاليا في ألمانيا لا تطمئن، لأن رب العمل يمكنه صرف عماله، حيث إن مئات الآلاف منهم يعملون بعقود عمل قصيرة الأمد أو تتجدد سنويا. وعليه، فإذا ما لم يتمكن المقترض من تسديد أقساط قرض الشقة أو البيت لفترة معينة، فإن أول إجراء يتخذه المصرف أو المؤسسة المالية المقرضة هو مصادرة المنزل وعرضه في المزاد العلني بسعر يكون عادة أدنى مقارنة بالمبلغ الذي اقترضه، فيتعرض المقترض لخسارة كبيرة جدا.. فالمصرف يسترجع ما تبقى له من القرض، أما هو فقد يحصل على بعض المال حتى ولو كان قد سدد نسبة كبيرة من الدين.
وبعدها يتجه «المنكوب» في أمر بيته أو شقته إلى سوق العقارات للبحث عن مكان يؤويه وعائلته، وهنا يواجه مشكلة أخرى، فألمانيا لديها مشاريع لبناء مئات الآلاف من المساكن، لكنها مشاريع إما طويلة أو متوسطة المدى، والقليل منها سوف ينفذ على المدى القريب.
ولقد بلغ عدد الشقق السكنية في ألمانيا حتى عام 2015 نحو 42 مليون وحدة، وعدد المباني السكنية قرابة 80 ألفًا. لكن عدد المستأجرين أو الباحثين عن مسكن تعدى 40 مليون شخص، يضاف إليهم أكثر من 675 ألف لاجئ أتوا منذ عام 2011 وحتى اليوم إلى ألمانيا، وهم بحاجة إلى مساكن أيضًا عندما تقبل طلبات لجوئهم.
وتعتبر مدينة ميونيخ من المدن الأغلى ثمنا في القطاع العقاري، إن كان من حيث الإيجارات، أو أسعار الشقق أو المباني، أو أسعار الأراضي، فمتوسط ثمن المتر المربع في شقة بحي متوسط يتجاوز 7160 يورو (نحو 7600 دولار)، وبدل الإيجار لشقة لا تتعدى 42 مترا مربعا في الطابق الخامس ومن دون مصعد يصل إلى 750 يورو (ما يناهز 800 دولار) شهريا. كما يتجاوز سعر المتر المربع لشقة في ضواحي فرانكفورت مساحتها 50 مترا مربعا 6 آلاف يورو (نحو 6365 دولارًا)، وتكون مجهزة تجهيزا بسيطا وأحيانا من دون مصعد.
* النزوح سبب ارتفاع الإيجار
ولقد شهدت كل المدن الألمانية ما بين عام 1980 وعام 2015 ارتفاعا صاروخيا في بدل الإيجارات تجاوز 100 في المائة، وبعد الوحدة بين شطري ألمانيا تفاقم الوضع لنزوج مئات الآلاف من الأقاليم الشرقية إلى الغربية، فظهرت أزمة قلة المساكن.
وظلت العاصمة برلين تقاوم ارتفاع بدل الإيجارات وأسعار الأراضي إلى أن استسلمت لأصحاب العقارات والمباني، مما جعل الفترة الذهبية التي عاشتها بعد الوحدة في طي النسيان. واليوم فإن بدل إيجار شقة مساحتها 50 مترا مربعا قفز من 500 يورو (نحو 530 دولارًا) إلى 1000 يورو (1060 دولارًا) شهريا، وتوجد أحياء في برلين لا يمكن لموظف أو عامل عادي حتى التفكير في السكن فيها، مثل الحي الحكومي أو وسط برلين الذي يعرف باسم «برلين ميتي». والأمر ليس أفضل في مدن مثل دوسلدورف أو أسن أو كولونيا أو بون، فشقة لا تتعدى 40 مترا مربعا لا يقل بدل إيجارها عن 500 يورو شهريا، يضاف إليها الكهرباء ومصاريف جانبية أخرى.
هذا الوضع والتوقعات بمواصلة ارتفاع بدل الإيجار دفع بالكثيرين، وبالأخص الطلاب إلى التفكير أو اللجوء إلى المساكن المتنقلة، وهي فكرة بدأت قبل 15 سنة في مدن كبيرة مثل ميونيخ وفرانكفورت لكن القلة كانوا يخوضون هذه المغامرة، والفكرة توسعت اليوم وأصبح هناك شركات ومقاولون ومهندسون يقومون ببناء ما يسمى بـ«الميني» شقق، أو شقة صغيرة متنقلة مساحتها بضعة أمتار مربعة، تتوفر فيها كل وسائل الراحة والضروريات من المطبخ والسقيفة الصغيرة إلى المرحاض وحتى الحمام.
* السكن المتحرك
مع تزايد الإقبال على الشقق المتنقلة، أصبح التنافس كبيرًا بين الشركات والمقاولين لعرض الأفضل والأجمل والأحسن.. وبالطبع الأكثر تنافسية وجذبًا من حيث الأسعار. وهناك اليوم شقق بمساحة لا تقل عن العشرين مترا مربعا بسعر 15 إلى 30 ألف يورو (16 إلى 32 ألف دولار)، وتدخل ميدان المنافسة شركات نمساوية كثيرة، وهذا شجع سيدة الأعمال النمساوية تريزا شتاينغر وصديقها على «ركوب الموجة» وتأسيس مكتب عقارات في ألمانيا لبيع المنازل المتحركة، وساعدها في ذلك أنها مهندسة معمارية وصديقها خبير عقاري، وهي تختار للزبائن الأماكن المفضلة لتركيز البيت مع توفير كل مستلزماته كالكهرباء والتدفئة بواسطة الطاقة المتجددة التي تحتاج فقط إلى صفائح شمسية. كما تتوفر إمكانية الاتصالات عن طريق الهواتف النقالة، التي يمكن ربط عقدها بتوفير قنوات تلفزة.
وأغلب زبائن تريزا شتاينغر من الشباب الذين يرغبون في العيش وسط الطبيعة، أو ممن لا يمتلكون أموالا طائلة للإيجار، فيلجأون إلى القروض الصغيرة أو مساعدة من العائلة.
ولدى هذه الشركة اليوم منازل لها شرفة ونوافذ نصف حجرية مساحتها 2.5 متر X 6 أمتار، وحتى العشرة أمتار، لكنها ثابتة من دون أساسات، مع ارتفاع نحو النصف متر عن الأرض. ويترك الخيار للزبون لإدخال تعديلات على التقسيمات الداخلية أو فرش الشقة.
ولا يخشى ساكن مثل هذه البيوت أي نقص، فأعمدة الخطوط الكهربائية متوفرة في ألمانيا حتى بالقرب من الغابات، ومن يُرِد الاستقلال عن شركات الطاقة يمكنه استخدام لوحات ضوئية ووضع البطارية في أحد زوايا المنزل، فتطور هذه التقنية في ألمانيا جعل استخدامها سهلا للغاية.
إلا أن لارا مولر، الطالبة في جامعة كولونيا، لجأت إلى «حاوية» للسكن فيها حولتها إلى شقة صغيرة فيها كل لوازم العيش من الحمام وحتى زاوية النوم، وفي الصيف تستقبل أصحابها أمام باب الحاوية.
وكل ما يلزم لارا متوفر: فرن وتدفئة ومياه ساخنة تعمل بالبطارية، وماء للاستحمام يأتيها من خزان يحتوي على 650 لترا، كما أضافت إليه فلتر لماء الشرب، لكن عليها أن توجد في مكان فيه «وصلة» مع أحد المجاري الصحية من أجل التخلص من مياه الصرف، وتسكن اليوم بالقرب من تجمع سكني مما يجعلها غير معزولة.
وتبرر لورا هذه الخطوة بأن هناك أكثر من 80 ألف شخص في المدينة، والشقق المعروضة للإيجار بأسعار معقولة لا تتجاوز نحو 5 آلاف شقة. وهي من جانبها لا تستطيع دفع بدل إيجار مرتفع لأنها تحصل من والديها على 670 يورو شهريا (نحو 710 دولارات) فقط، وأجرة أصغر شقة تبلغ نحو 650 يورو.. لذا قررت العمل خلال الصيف وشراء حاوية حولتها إلى شقة مريحة، ووضعتها في مكان لا يبعد عن الجامعة سوى 40 دقيقة بالدراجة.
* السكن في العائمات
كما دفع ارتفاع أسعار الشقق البعض إلى السكن فوق الماء - أو بالقرب منها - في عوامات، مما جعل هذا القطاع في رواج متواصل. ففي برلين على سبيل المثال شركة «فاسر فيرك» المتخصصة ببناء عائمات لتكون إما مكاتب أو شقق عائمة، فالأسعار كما تقول مديرة التسويق أقل بكثير مما يدفعه الناس لشراء مساكن. فشقة عائمة مساحتها حتى الـ70 مترا مربعا من طابقين لا يتعدى سعرها 80 ألف يورو (نحو 85 ألف دولار).
والعائمات هي بيوت متينة تبنى من الخشب والحديد كما البيوت العادية، ويدخل الحجر في أماكن معينة. وهي مسطحة كي لا تتعرض لفقدان التوازن، رغم أن هذا نادر لأنها تكون على ضفاف البحيرات حيث المياه غير متحركة. وتطلي جدران العائمة من الداخل والخارج بطلاء السفن. ويعتمد في الإنارة والتدفئة والكهرباء والغاز على طريقتين: إما عبر مولد كهرباء أو عن طريق الطاقة الشمسية التي أصبحت منتشرة في ألمانيا.
والهندسة التي بينت بها المساكن العائمة تسمح بتمديد أنابيب ماء مع تنظيم ماء الصرف فيها بشكل لا يختلف عن البيوت العادية، وبواسطة مضخة يتم الاستفادة من مياه البحيرات، ولكل عائمة جسر قصير يتصل بالرصيف حيث تربط به.
* منازل عمودية
وضع المهندس المعماري كارل فولف في مدينة فريدريش هافن تصاميم منزله العمودي كي يبنى في فراغ بين عمارتين في شارع جانبي، سعيًا منه للاستفادة من كل سنتيمتر مربع. فارتفاع البيت سوف يكون 240 سنتيمترا، وعرضه 130 سنتيمترا. ورغم صغر مساحته، تتوفر فيه كل شروط الإقامة المريحة، فهو مؤلف من ثلاثة طوابق مفتوحة عموديا على بعضها البعض؛ الطابق الأرضي غرفة مطالعة ومطبخ، ثم سلم قصير إلى الطابق العلوي حيث غرفة النوم والحمام، وفوقه غرفة جلوس، ولا تغيب النوافذ عن التصميم.
وبهذا يريد المهندس الألماني مواكبة التطور الهندسي في اليابان لمواجهة قلة المساكن وارتفاع أسعارها. فأحد المهندسين اليابانيين بنى في ضاحية بطوكيو بيتا عموديا من الزجاج من طابقين بهدف دخول أكبر كمية من الضوء الطبيعي.
* من بيوت إجازة إلى مساكن ثابتة
ومع أن القانون الألماني لا يسمح بالسكن التام في بيوت متنقلة أو بيوت غير حجرية، لكن يوجد حاليا في ضاحية برلين وعلى ضفاف الأنهار أو بالقرب من الغابات تجمع لما يسمى بمساكن «الإجازة» أو نهاية الأسبوع، وهي بيوت صغيرة مبينة من الخشب وفيها كل الضروريات الحياتية.
ولقد تحولت هذه المساكن منذ سنوات إلى مساكن عادية، فالساكنة الألمانية بيتر لوب، وهي مدرسة متقاعدة، تسكن منذ أكثر من عشر سنوات في منزل كهذا مؤلف من طابقين، الأرضي فيه غرفة الطعام والمطبخ وغرفة الجلوس، وفي الطابق العلوي غرفة نوم جدرانها من زجاج وأيضًا الحمام.
كما حولت لوب الجداران إلى خزائن داخلية، وأمام البيت حديقة صغيرة تطل على منزل آخر تسكنه امرأة مسنة، وله نفس المواصفات تقريبا، وتبلغ مساحة المسكن نحو 54 مترا مربعا.
وتدفع لوب شهريا 150 يورو للكهرباء والماء والتدفئة التي تشغلها طوال الشتاء. ووصلت تكاليف تحويل السكن وشرائه من مالكه السابق إلى 30 ألف يورو، ويحتاج الخشب إلى صيانة مرة كل خمسة أعوام.
وفي هذا التجمع السكني يوجد أكثر من مائة منزل من نفس النموذج تقريبا، معظم ساكنيهم لا تتوفر لديهم الإمكانية لاستئجار شقة، ويشعرون بالراحة في وسط الطبيعة طالما أن خطوط الهاتف والكهرباء والغاز متوفرة.



«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
TT

«المنازل الذكية»... طريق الحياة الجديدة باستخدام التقنية

المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)
المنازل الذكية تستعد للانضمام إلى القطاعات التي يمكن التحكم بها عن طريق الأجهزة الذكية (الشرق الأوسط)

تبرز المنازل الذكية خياراً جديداً في أسلوب الحياة مع التسارع الذي تشهده التقنيات المنزلية؛ مما يعتقد أنها تجعل الحياة أسهل من خلال التحكم في مرافق المنازل عبر الهاتف المحمول، الأمر الذي يضم هذا الاستخدام ضمن استخدامات كثيرة عبر تلك الأجهزة المحمولة.
ويمكن الآن التحكم بكل شيء في المنزل وفق طرق سهلة، سواء كان ذلك تشغيل الإضاءة أو فتح الستائر، أو تشغيل الواي فاي، أو تعديل درجة الحرارة، وفتح وإغلاق قفل الباب الأمامي، وحتى إشعال وإطفاء الموقد، حيث يقضي معظم الأفراد أغلب أوقاته في المنزل أكثر من أي مكان آخر، ومع ذلك التفكير بالتكنولوجيا عندما التواجد في المنزل يكون أقل مقارنة بالخارج فيما عدا تقنية الواي فاي.
غدت الصورة عن المنزل التي تتمثل بأنه مكان خالٍ من التكنولوجيا على وشك التغيير، فحان وقت النظر إلى الأجهزة الكثيرة المتناثرة في أنحاء المنزل، سواء كان التلفزيون في غرفة المعيشة، أو الثلاجة في المطبخ، أو المكيّف في غرف النوم، أو حتى جهاز تسخين المياه في الحمامات. وأصبح الأفراد محاطين بالإلكترونيات التي يتم وصفها بالأجهزة الذكية بشكل متزايد كل يوم، فهي تملك أجهزة استشعار تمكّنها من تسجيل البيانات ومشاركتها عبر الإنترنت. ويوجد اليوم نحو 31 مليار جهاز متصل بالإنترنت، ومن المفترض أن يرتفع هذا العدد إلى 75.4 مليار بحلول عام 2025، وفقاً لتقديرات وكالة الأبحاث «ستسيتا».
ولا شك بأن السؤال الذي يسيطر في الوقت الحالي هو، متى ستصبح المنازل أكثر ذكاءً عبر وصل جميع هذه الأجهزة بمركز واحد، ليتم التمكن من القياس والتحكم بكل شيء داخل المنازل. وتتجاوز رؤية المنزل الذكي مفهوم الراحة، حيث ستكون التقنيات الجديدة ذات تأثير عميق وإيجابي على الصحة من خلال مراقبة النظام الغذائي وظروف البيئة المحيطة في الأشخاص ورفاهيتهم بشكل عام. وسيتمكن الأطباء بفضل التكنولوجيا من معرفة حالة الأشخاص بالوقت الفعلي كما سيكون تاريخهم الطبي في متناول اليد قبل حتى إخبار الأطباء به. وعلاوة على ذلك، ستمكن المنازل الذكية العاملين في الرعاية الصحية من علاج الأمراض بشكل استباقي.
وسيمتد تأثير التكنولوجيا أيضاً إلى طريقة التعليم والتعلُّم عند وصل أجهزة التعلم الخاصة بالأطفال بأجهزة معلميهم، لتعزيز التفاعل والتعليم المخصص، وسيزداد التركيز على التدريس عبر الوسائط المتعددة، حيث سنتمكن من تحقيق فكرة غرف الدراسة الافتراضية على أرض الواقع، وسيتمكن البالغون أيضاً من إكمال دراستهم من النقطة التي توقفوا عندها، وذلك عبر الدورات التي تم تطويرها للتعلّم المنزلي والتي يمكن بثها على شاشات الأجهزة.
وتعد البيئة المحرك الأهم لتقنيات المنزل الذكي، وخاصة بما يتعلق بتأثير الأشخاص عليها، حيث تستطيع الأتمتة المنزلية الذكية أن تخفّض استهلاك الطاقة والمياه في المباني إلى حد كبير. وصحيح بأن المستهلك سيستخدم المزيد من الأجهزة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، إلا أن حلول المنزل الذكي المدعمة بالذكاء الصناعي تستطيع أن تتعرف على سلوك من يعيشون في المنزل وتشغيل الأجهزة أو إيقافها استناداً إلى الروتين اليومي للمستخدم. وسنتمكن مع هذه الحلول الذكية عبر نظرة واحدة على الهواتف المحمولة من معرفة مقدار الطاقة والمياه المستهلكة وتكلفتها. وبالنظر إلى ارتفاع تكلفتهما بشكل مستمر، سيضطر أصحاب المنازل والمرافق والحكومات إلى البحث عن طرق أفضل وأكثر فاعلية للحد من التلوث البيئي، وجعل الحياة أكثر استدامة.
وقد تبدو هذه الأفكار التقنية بعيدة التحقيق، إلا أنها حالياً في مراحل التصميم في مشاريع مثل «نيوم»، المبادرة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار، والتي تعد حجر الأساس في «رؤية السعودية 2030»، كما أنها وصفت كأضخم مشروع حضري في العالم اليوم. وستعيد هذه المبادرة تعريف طريقة العيش وستركز في جزء كبير منها على المنازل.
وقال نجيب النعيم، رئيس مجلس إدارة العمليات في «شنايدر إلكتريك» السعودية: «سيكون لمبادرة (نيوم) تأثير غير مباشر على المنطقة بشكل عام، وينبغي أن تصبح المنازل الذكية القاعدة السائدة في الشرق الأوسط بحلول عام 2030. ويبدو لنا أن المنازل الذكية ستستمر في النمو مستقبلاً؛ مما يعني أن طريقة عيشنا اليومية ستتغير بشكل كبير». وبدأت الشركة الاستثمار في أتمتة المنزل الذكي منذ عقود من الزمن، ويعتقد النعيم بأن طريقة عيشنا «ستكون مختلفة بشكل جذري في المستقبل».

التطورات في تقنيات المنزل الذكي
تتطور التكنولوجيا اليوم بوتيرة متسارعة وتقنيات المنزل الذكي ليست استثناءً، والتساؤل يتمحور في معنى هذا التطور من حيث الأداء العملي، وكيف يمكن أن تؤثر البيوت الذكية على الحياة.
الذكاء الصناعي: سيكون الذكاء الصناعي في صميم التقنيات في المنازل المستقبلية، وستتمكن المنازل الذكية من تتبع موقع الأشخاص داخل المنزل، إما عن طريق جهاز استشعار إلكتروني يتم تركيبه على الملابس أو أجهزة استشعار إلكترونية داخل المنزل. وسيمتلك المنزل القدرة على تحديد هوية الأشخاص وأماكنهم، وسيستخدم هذه المعلومات لتلبية الاحتياجات وتوقعها أيضاً. وسيكون المنزل قادراً على ضبط كل شيء بدءاً من التدفئة والتبريد إلى الموسيقى والإضاءة، وكل ذلك حسب احتياجات الشخص الذي سيدخل من باب المنزل.
الإضاءة الذكية: ستُحدث الإضاءة الذكية ثورة في طريقة إضاءة المنازل، فهي تعمل على ضبط نفسها تلقائياً من خلال الكشف عن وجود الأشخاص في الغرفة، وحال خروجهم من هناك، تصبح الأنوار خافتة أو يتم إطفاؤها تماماً. كما يمكن أن تطبق الإضاءة الذكية على نشاطات الأشخاص؛ فعلى سبيل المثال، يمكن لأجهزة استشعار الضغط إطفاء الأنوار عند الاستلقاء في السرير بعد وقت معين، وستكتشف المستشعرات استيقاظ الأفراد لاستخدام الحمام وتقوم بتشغيل الإنارة. وتضبط الإضاءة درجة سطوعها تلقائياً وفقاً لفترات اليوم، وسيتذكر المنزل الذكي الروتين الخاص بالمستخدم ليتمكن من تخصيص كل جهاز في منزلك حسب الرغبة.
الأقفال الذكية: يمكن أيضاً برمجة الأقفال الذكية وفقاً لاحتياجات الأفراد، فيمكن السماح للزوار بالدخول أو منعهم بناءً على سمات تعريفية محددة. كما يمكنك السماح بالدخول لشخص ما، مثل حامل البريد عن بُعد. ويمكن إرسال رموز فتح الأقفال الافتراضية عبر تطبيق إلكتروني وفتح الباب عبر استخدام الهاتف المحمول.
مراقبة المنزل: تستطيع الأنظمة الأمنية الذكية مراقبة المنزل بشكل مستقل، والإبلاغ عن أي حوادث غير مسبوقة لمالك المنزل، وإبلاغ خدمات الطوارئ إذا لزم الأمر. وتستطيع المنازل الذكية أيضاً مراقبة كبار السن الذين يعيشون بمفردهم، فتقدم لهم يد المساعدة كتذكيرهم بتناول أدويتهم وضمان إتمامهم للمهام اليومية بنجاح وأمان. وفي حالات الطوارئ كالسقوط أو الحوادث، سيتمكن نظام المنزل الذكي من إخطار خدمات الطوارئ والسماح لهم بالدخول تلقائياً.
نظام التكييف: يعد التكييف من الضروريات الأساسية في دول الخليج، وعلى الرغم من ذلك لن يتغير قريباً، فإن الحلول المنزلية الذكية يمكن أن تقلل استهلاك الطاقة التي نستخدمها لتشغيل أنظمة التبريد لدينا في الصيف وأنظمة التدفئة في الشتاء بشكل كبير. فمن خلال التعلم الذاتي لسلوك واحتياجات الأسرة بالنسبة لتدفئة وتبريد المنزل مع مرور الوقت وإقران تلك المعلومات مع درجة الحرارة داخل المنزل وخارجه، يستطيع منظم الحرارة الذكي تقليص قيمة فواتير استهلاك الطاقة بنسبة 15 في المائة أو أكثر؛ مما سيختصر على الوالدين تأنيب الأطفال للتوقف عن العبث بمفتاح الطاقة.
طريقة دمج الأجهزة الذكية بنظام المنزل الذكي: يملك كل واحد منا الكثير من الأجهزة الذكية في المنزل والتي يمكن وصلها بشبكة الإنترنت. وما يحتاج إليه معظم الأشخاص هو وسيلة بسيطة بأسعار معقولة لإيصال جميع هذه الأجهزة بنظام واحد. ويؤمن نجيب النعيم من شركة «شنايدر إلكتريك» بأن تطبيق ويزر الذي أطلقته الشركة ومفهوم المنزل المتصل المتطور (سكوير دي) ربما يكون الحل المثالي لمن يبحثون عن تقنية المنزل الذكي الرائدة اليوم.
وقال النعيم «سيتطلب تحقيق ذلك شركة ذات خبرة بالطاقة والكهرباء والخدمات الرقمية والأجهزة والبرامج لتنشئ جهاز تحكم المنزل الذكي الذي نحتاج إليه جميعاً. ويعمل تطبيق (ويزر) من جهاز واحد نحمله بيدنا دائماً هو الهاتف المتحرك. ومن خلال وصل كل جهاز لدينا في المنزل بالإنترنت والتحكم به عبر (ويزر) سنتمكن من مراقبة كافة أجهزتنا والتحكم بها بطريقة آمنة ومن جهاز واحد».
وتهدف «شنايدر» على المدى الطويل إلى إضافة مستشعرات في جميع المعدات الكهربائية في المنزل لتتيح قياس استهلاك الطاقة والتحكم بالأجهزة، إما مباشرة أو من خلال الذكاء الصناعي، ومساعدة أصحاب المنازل والمباني على إنشاء «شبكات كهربائية صغيرة» من خلال دمج البطاريات وأجهزة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية. وبهذا قد تصبح الأسلاك الكهربائية والمقابس والقواطع الخاصة بك العمود الفقري الذكي لمنزلك المستقبلي.
«شنايدر» هي من المشاركين في مبادرة «موطن الابتكار» التابعة لشركة «سابك»، وهي مشروع يهدف إلى إنشاء منزل تجريبي متكامل بأثاثه لتوفير تجربة عيش حديثة ومريحة ومستدامة، وإلى رفد السعودية بالمشاريع المستدامة. ويعرض مشروع «موطن الابتكار» ما يمكن تحقيقه عندما تتعاون الشركات العالمية مع رواد الأبحاث مثل «سابك» لابتكار أفكار جديدة من شأنها أن تثير اهتمام السعوديين وتُطلعهم على ما ستبدو عليه منازلهم في المستقبل.
وقال النعيم: «لم تتغير منازلنا كثيراً على الرغم من كمية التقنيات المحيطة بنا. وأصبح ذلك على وشك التغيير، فسنستذكر مستقبلاً الماضي بعد عقد من الزمن، ونتساءل لماذا لم نختر مفهوم المنزل الذكي في وقت أبكر. وسيحدث ذلك ثورة في طريقة راحتنا وعملنا ولعبنا. وأعتقد أن السعودية ستقود مسيرة التطور التقني في المنازل الذكية بفضل مشاريعها الرائدة مثل (نيوم)».