ملتقى القاهرة للشعر العربي.. مقاطعات واحتجاجات على «الزج بأسماء»

شهد اعتذار عدد من الشعراء المصريين والعرب عن عدم الحضور

د. جابر عصفور يتوسط المتحدثين في الجلسة الأولى للملتقى
د. جابر عصفور يتوسط المتحدثين في الجلسة الأولى للملتقى
TT

ملتقى القاهرة للشعر العربي.. مقاطعات واحتجاجات على «الزج بأسماء»

د. جابر عصفور يتوسط المتحدثين في الجلسة الأولى للملتقى
د. جابر عصفور يتوسط المتحدثين في الجلسة الأولى للملتقى

لم تكد الدورة الرابعة لملتقى القاهرة الدولي للشعر، التي عقدت في السابع والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني) التي حملت اسمي الشاعرين محمود حسن إسماعيل ومحمد عفيفي مطر، تبدأ حتى دبت الخلافات وتعالت الاتهامات. في البداية، اعتذر عدد كبير من الشعراء من مصر وخارجها عن عدم حضور الملتقى لأسباب مختلفة، منها أن «الملتقى يكرس لحقبة الستينات وآيديولوجيتها ويبقى جامدا أمام الموجات الشعرية الجديدة».
بدأ طوفان الاعتذارات عن عدم حضور الملتقى باعتذار الشاعرين أدونيس، وسعدي يوسف، وأيضا الشاعر اللبناني عباس بيضون، الذي قال في مقال له بصحيفة السفير اللبنانية: «لن أخون نفسي والشعر بالمشاركة في ملتقى القاهرة، لا أريد أن أعتذر عن عدم الحضور تضامنًا مع أحد ولكن تضامنًا مع نفسي، لقد حضرت الملتقى الأول شاعرا وشاركت في إحدى أمسياته بقصيدة. أما الآن فإنني أحضر محكّما، في ملتقى تكاد تكون الجائزة غرضه الأول».
وجاء السبب المعلن لمقاطعة الملتقى من قبل الشعراء المصريين أنه «احتجاج على الزج بأسماء توقفت عن العطاء أو أسماء لا علاقة لها بالشعر».
وأعلن عدد من الشعراء اعتذاره عبر صفحته على «فيسبوك»، فكتب الشاعر المصري جمال القصاص: «بعيدا عن البيانات والطنطة، وحسابات الربح والخسارة، والمع والضد، لن أشارك في ملتقى القاهرة للشعر العربي الذي سيفتتح اليوم (الأحد)، احتراما لروح أستاذي الشاعر الرائد محمد عفيفي مطر، الذي تنعقد هذه الدورة تحت مظلة اسمه واسم الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل. لقد كان محمد عفيفي مطر الأجدر بجائزة هذا الملتقى في دوراته السابقة، الآن بعد أن رحل بجسده عن عالمنا الزائل، يتم مكافأته بهذه المظلة المخاتلة.. معذرة أيها الشعر، أيها الكائن الجميل.. كم من الجرائم ترتكب باسمك».
وقال الشاعر المصري أمجد ريان في كلمة اعتذاره: «أنتظر اليوم الذي تعبر فيه الثقافة عن قدرتها الفعلية على التعبير عن الواقع، وعن نقل نبض الحياة.. وقد لاحظت منذ الوهلة الأولى لمطالعة قوائم المشاركين أن هناك أسماء لمشاركين لم تعد لهم أي فعالية في الحركة الشعرية اليوم، وهناك أسماء لمشاركين لم تبدأ مشاركتهم الحقيقية بعد في هذه الحركة، واندهشت كثيرًا وسألت مثل غيري عن سبب الإصرار على الزج بمثل تلك الأسماء، وكأن هناك أسماء فوق الواقع وفوق الإبداع، توضع واجهة دائمة، وهي في الحقيقة لا علاقة لها بشيء، في الوقت الذي تحجب فيه أسماء مهمة، لها دور شبه يومي في إثراء الحياة الشعرية والثقافية في بلادنا».
هذه المواقف، انتقدها الشاعر الرائد أحمد عبد المعطي حجازي في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «إنها سمة الملتقيات.. أن تكون هناك خلافات ومشاحنات وتضارب في الآراء؛ لكنها لا تصل إلى حد المشاحنات أو الاشتباك أو المقاطعة.. وكان من الأفضل أن نناقش الخلاف هنا في أروقة الملتقى التي كانت تضيف إليه وتثريه علّنا نخرج بنتائج وننقذ الشعر، وأقول لهم لقد خسرتم وخسر الملتقى أيضا».
كما هاجم مقرر لجنة الشعر الناقد الدكتور محمد عبد المطلب الشعراء المعتذرين قائلا: «إن البعض أراد افتعال أزمة بعد اعتذار الشاعر عباس بيضون، ولو كانوا يريدون الاعتذار لكانوا اعتذروا عن قبول الدعوة من الأساس». كذلك رأى رئيس الهيئة العامة للكتاب الدكتور هيثم الحاج علي، الذي تولى الإشراف على المجلس الأعلى للثقافة قبل انطلاق الملتقى بيوم، أنه «كان من الأفضل أن يساند الشعراء المصريين ملتقى بلدهم الذي يعقد بعد كبوة كبيرة مرت بها مصر». وأضاف قائلا: «هذا يعتبر ثاني ملتقى دولي بعد الثورة وكان لا بد أن يتكاتف جميع الأدباء لمساعدة الملتقى كي يحقق النجاح المرجو والهدف المراد، بعدها يمكن أن نلتقي معا لنعرف السلبيات التي لاحظوها ونعالجها في المستقبل». أما عما أثير عبر وسائل الإعلام بأن لجنة التحكيم الخاصة بالجائزة من دون رئيس، وعن تسريب أسماء مرجحة للفوز، فقال: «من المفترض أن اللجنة سرية، وكل ما يثار غرضه البلبلة والضجة المفتعلة. الوحيد الذي علمنا أنه كان عضو لجنة تحكيم هو صلاح فضل الذي اعتذر عن اللجنة فعلمنا بذلك».
وكان «الغمز واللمز» حول اسم الفائز بجائزة الملتقى، التي هي جائزة رسمية من الدولة المصرية ويتم التصديق عليها من ديوان رئاسة الجمهورية، بعدما تم تداول اسمي الشاعرين المصريين أحمد سويلم، والدكتور حسن طلب. وكانت جائزة الدورة الأولى قد منحت للشاعر محمود درويش، ثم عبد المعطي حجازي، ثم عبد العزيز المقالح.
ورغم هذه العاصفة بدأت فعاليات الملتقى بمشاركة 50 شاعرا مصريا وعدد قليل من الشعراء العرب. وشهدت بعض الجلسات مشاحنات بسيطة وبعض التصريحات النارية كان أكثرها دويا ما أطلقه الشاعر المصري محمد آدم بقوله: «فليذهب الشعر الجاهلي إلى الجحيم» مما دفع بالناقد حسام جايل إلى الرد بقوله: «من ينادي بإلغاء الشعر العربي فعليه ألا يكتب بالعربية، ولا يتكلمها، وليبحث عن لغة شعرية أخرى يكتب بها وأناس يقرأون له».
وفي إحدى الجلسات كشف الباحث والناقد أحمد العيسوي عن ديوان ينشر لأول مرة بمصر للشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل، يضم 36 قصيدة نشرت في عدد من الصحف المصرية وذهبت طي النسيان. يقول العيسوي لـ«الشرق الأوسط»: «قمت بجمع الديوان وتحقيقه ودراسته رابطًا كل قصيدة بتميز الشاعر لغة وأسلوبًا، كلما تيسر ذلك عبر إضاءات نقدية، بعد جمعه خلال مرحلة دراستي للماجستير عن شعره، بالإضافة إلى دراسة موسعة عن شاعرية الشاعر، ورحلة جمع شعره ودراسته بين الإهمال والتحقيق، والمحاولات السابقة».
ويقول: «هذه القصائد أهملت، ونسيها الشاعر، ومات من دون أن يجمعها في كتاب. فقمت بجمعها أثناء إعداد رسالتي للماجستير عن شعر محمود حسن إسماعيل، وأصدرتها في كتاب عنوانه (من بستان القلب) صدر في الكويت، ولم يسمع به أحد، وهو يشكل الديوان الخامس عشر للشاعر، حيث كان قد أصدر أربعة عشر كتابا شعريا، وكان لا بد للهيئة المصرية العامة للكتاب، أو الهيئة العامة لقصور الثقافة، أو المجلس الأعلى للثقافة، أو أي دار نشر خاصة من إعادة نشر الكتاب نشرا احترافيا موسَّعا، يليق بالكشف وبصاحب (أغاني الكوخ) و (لا بد) و (التائهون)، مع تغيير عنوان الكتاب، بما يناسب السياق الشعري والجمالي لمحمود حسن إسماعيل صاحب (أين المفر، ونهر الحقيقة، وموسيقى من السر، وصوت من الله، وقاب قوسين، ورياح المغيب، وهدير البرزخ، وصلاة ورفض، وهكذا أغني، ونار وأصفاد، والملك)».
ضم الملتقى أربع جلسات وست أمسيات شعرية، ومن المفترض أن تعقد مساء اليوم الأربعاء آخر أيام الملتقى الموافق 30 نوفمبر مائدة مستديرة بعنوان «الشعر والمستقبل» يديرها محمد عبد المطلب، ويُشارك فيها كل من الشعراء أحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد إبراهيم أبو سنة، وحسن طلب، وعز الدين المناصرة، وهيثم الحاج علي، وحسين حمودة، وسيف الرحبي، ورشا ناصر العلي، بالإضافة لتسليم جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الشعري بمسرح الهناجر في السابعة مساء.



قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية
TT

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

قانون الآثار الإسرائيلي الجديد «يهوّد» الضفة الغربية

كانت الأراضي الفلسطينية طوال آلاف السنين مقراً وممراً للعديد من الحضارات العريقة التي تركت وراءها آلاف المواقع الأثريّة ذات الأهميّة الفائقة، ليس في تاريخ المنطقة فحسب، بل ومُجمل التجربة البشرية. وقد أصبحت المواقع بمحض القوة بعد قيام الدولة العبرية عام 1948 خاضعة لسلطة دائرة الآثار الإسرائيلية، التي لا تدخر وسعاً في السعي لتلفيق تاريخ عبراني لهذه البلاد، وإخفاء ما من شأنه أن يتعارض مع سرديات الحركة الاستعماريّة الصهيونيّة عنها.

على أن أراضي الضفة الغربيّة التي احتُلَتْ عام 1967 وتحتوى على ما لا يَقِلُّ عن 6 آلاف موقع أثَري ظلّت قانونياً خارج اختصاص دائرة الآثار الإسرائيلية، بينما تمّ بعد اتفاق أوسلو بين الدولة العبريّة ومنظمة التحرير الفلسطينية في 1995 تقاسم المنطقة لناحية اللقى والحفريات بشكل عشوائيّ بين السلطة الفلسطينية ووحدة الآثار في الإدارة المدنية الإسرائيلية، وفق تقسيمات الأراضي الثلاث المعتمدة للحكم والأمن (أ- سلطة فلسطينية، باء: سيطرة مدنية فلسطينية وسيطرة أمنية مشتركة مع الجانب الإسرائيلي، ج: سيطرة إسرائيلية تامة).

ويبدو أن غلبة التيار اليميني المتطرّف على السلطة في الدّولة العبريّة تدفع الآن باتجاه تعديل قانون الآثار الإسرائيلي لعام 1978 وقانون سلطة الآثار لعام 1989 بغرض تمديد صلاحية سلطة الآثار لتشمل مجمل الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، بينما سيكون، حال إقراره، انتهاكاً سافراً للقانون الدّولي الذي يحظر على سلطات الاحتلال القيام بأنشطة تتعلق بالآثار ما لم تتعلق بشكل مباشر باحتياجات السكان المحليين (في هذه الحالة السكان الفلسطينيين).

ولحظت مصادر في الأرض الفلسطينية المحتلّة بأن الأوضاع الأمنيّة في الضفة الغربيّة تدهورت بشكل ملحوظ منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) من العام 2023، وكثّفت السلطات الإسرائيليّة من توسعها الاستيطاني بشكل غير مسبوق منذ ثلاثة عقود، ورفعت من وتيرة هجماتها على بؤر المقاومة، وأطلقت يد المستوطنين اليهود كي يعيثوا فساداً في القرى والبلدات العربيّة تسبب بهجرة آلاف الفلسطينيين من بيوتهم، مما يشير إلى تكامل الجهد العسكري والاستيطاني مع التعديلات القانونية المزمعة لتحضير الأرضية المناسبة لتنفيذ النيات المبيتة بتهويد مجمل أراضي فلسطين التاريخيّة.

ويأتي مشروع القانون الذي قدمه عضو الكنيست عن حزب الليكود اليميني أميت هاليفي، في أعقاب حملة استمرت خمس سنوات من قبل رؤساء المجالس الإقليمية للمستوطنين ومنظمات مثل «حراس الخلود» المتخصصة في الحفاظ على ما يزعم بأنه تراث يهودي من انتهاكات مزعومة على أيدي العرب الفلسطينيين. وتردد الحملة أكاذيب مفادها أن ثمة مواقع في الضفة الغربية لها أهمية أساسية بالنسبة إلى ما أسمته «التراث اليهودي»، وخلقت انطباعاً بوجود «حالة طوارئ أثرية» تستدعي تدخل الدّولة لمنع الفلسطينيين من «نهب وتدمير آثار المواقع اليهودية ومحاولاتهم المتعمدة لإنكار الجذور اليهودية في الأرض» – على حد تعبيرهم.

وكانت اللجنة التشريعية الحكوميّة قد وافقت على التعديل المقترح لقانون الآثار، وأرسلته للكنيست الإسرائيلي (البرلمان) لمراجعته من قبل لجنة التعليم والثقافة والرياضة التي عقدت اجتماعها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وذلك تحضيراً لعرضه بالقراءة الأولى و«التصويت» في الكنيست بكامل هيئته خلال وقت قريب.

وبينما اكتفت السلطة الفلسطينية والدول العربيّة بالصمت في مواجهة هذه الاندفاعة لتعديل القانون، حذرّت جهات إسرائيلية عدة من خطورة تسييس علم الآثار في سياق الصراع الصهيوني الفلسطيني، واعتبرت منظمة «إيميك شافيه» غير الحكومية على لسان رئيسها التنفيذي ألون عراد أن «تطبيق قانون إسرائيلي على أراضي الضفة الغربية المحتلة يرقى إلى مستوى الضم الرسمي»، وحذَّر في حديث صحافيّ من «عواقب، ومزيد من العزل لمجتمع علماء الآثار الإسرائيليين في حالة فرض عقوبات دوليّة عليهم بسبب تعديل القانون»، كما أكدت جمعيّة الآثار الإسرائيليّة أنها تعارض مشروع القانون «لأن غايته ليست النهوض بعلم الآثار، بل لتعزيز أجندة سياسية، وقد يتسبب ذلك في ضرر كبير لممارسة علم الآثار في إسرائيل بسبب التجاوز على القانون الدولي المتعلق بالأنشطة الأثرية في الضفة الغربية»، ولا سيّما قرار محكمة العدل الدولية في التاسع عشر من يوليو (تموز) الماضي، الذي جدَّد التأكيد على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة برمته غير قانوني، وطالب الدّولة العبريّة بـ«إزالة مستوطناتها في الضفة الغربية والقدس الشرقية في أقرب وقت ممكن»، وألزمت سلطة الاحتلال بتقديم تعويضات كاملة للفلسطينيين بما في ذلك إعادة «جميع الممتلكات الثقافية والأصول المأخوذة من الفلسطينيين ومؤسساتهم».

وتشير الخبرة التاريخيّة مع سلطة الآثار الإسرائيلية إلى أن الحكومة تقوم لدى إعلان السلطة منطقة ما موقعاً تاريخيّاً بفرض حماية عسكريّة عليها، مما قد يتطلّب إخلاء السكان أو فرض قيود على تحركاتهم وإقامة بنية تحتية أمنية لدعم الحفريات، وتمنع تالياً الفلسطينيين أصحاب الأرض من تطويرها لأي استخدام آخر، الأمر الذي يعني في النهاية منع التنمية عنها، وتهجير سكانها وتهويدها لمصلحة الكيان العبريّ، لا سيّما وأن الضفة الغربيّة تحديداً تضم آلاف المواقع المسجلة، مما يجعل كل تلك الأراضي بمثابة موقع أثري ضخم مستهدف.

وتبرر الحكومة الإسرائيلية الحاليّة دعمها مشروع القانون للجهات الأُممية عبر تبني ادعاءات منظمات ومجالس مستوطني الضفة الغربيّة بأن الفلسطينيين يضرون بالمواقع ويفتقرون إلى الوسائل التقنية والكوادر اللازمة للحفاظ عليها، هذا في وقت قامت به قوات الجيش الإسرائيلي بتدمير مئات المواقع الأثريّة في قطاع غزة الفلسطيني المحتل عبر استهدافها مباشرة، مما يعني فقدانها إلى الأبد.

لن يمكن بالطبع للفلسطينيين وحدهم التصدي لهذا التغوّل على الآثار في فلسطين، مما يفرض على وزارات الثقافة ودوائر الآثار والجامعات في العالم العربيّ وكل الجهات الأممية المعنية بالحفاظ على التراث الإنساني ضرورة التدخل وفرض الضغوط للحيلولة دون تعديل الوضع القانوني للأراضي المحتلة بأي شكل، ومنع تهويد تراث هذا البلد المغرِق في عراقته.