«داعش» و«القاعدة» ما بين الهوية والمستقبل

المتغيرات الشرق أوسطية ترسم خطيهما البيانيين

صراع في تنظيم القاعدة على استقطاب المجندين والمؤيدين («الشرق الاوسط»)
صراع في تنظيم القاعدة على استقطاب المجندين والمؤيدين («الشرق الاوسط»)
TT

«داعش» و«القاعدة» ما بين الهوية والمستقبل

صراع في تنظيم القاعدة على استقطاب المجندين والمؤيدين («الشرق الاوسط»)
صراع في تنظيم القاعدة على استقطاب المجندين والمؤيدين («الشرق الاوسط»)

لا يختلف المتابعون على أن تنظيم داعش الإرهابي المتطرف سرق الأضواء من تنظيم القاعدة، الذي خرج منه وانفصل عنه. ومن ثم تمكن من تكثيف حضوره القوي على الساحة الدولية، بصفته تنظيما وحشيا عنيفا وسّع نفوذه جغرافيًا، واكتسب أتباعًا ومؤيدين في بقاع مختلفة. إلا أن مؤشرات عدة تشير إلى تراجع قوة «داعش» نتيجة الضربات الموجهة إليه، ولا سيما في العراق وسوريا، والتصاعد التدريجي الاستراتيجي لـ«القاعدة» من جديد. ومردّ ذلك إلى تسرّع «داعش» وممارساته الموغلة في التوحش وابتعاده عن الاستراتيجيات التي من شأنها كسب مؤيدين على المدى البعيد. وحقًا، فإن الفوارق واضحة بين التنظيمين من حيث التخطيط والأهداف والهيكلة التنظيمية.
نظرًا لكون تنظيم القاعدة استهل نشاطاته الإرهابية منذ عقد التسعينات من القرن الماضي، سابقًا من الناحية الزمنية التنظيمات المتطرفة الأخرى التي نشطت خلال السنوات الأخيرة، فإن ذلك يفسر بداياته التقليدية في التواصل مع العالم.
«القاعدة» بدأ تواصله بنشر رسائل كتبها أبرز قادته، قبل أن يتدرّج إلى تسجيلات صوتية، ثم أخرى مرئية تركز غالبيتها على خطب للقادة ما يعبّر عن التوجه المركزي للتنظيم، الذي يجعل من القيادات أمرًا مهمًا جوهريًا، ويجعل كذلك للتنظيم بُنية هرمية، وبالأخصّ، إبان فترة قيادة أسامة بن لادن له (قتل في مايو (أيار) 2011 في بلدة آبوت آباد الباكستانية). وظهور بن لادن الدائم في مقاطع بث مرئي تعكس جاذبيته وقدرته على إقناع الآخرين بما يؤمن به بهدوء وسكينة تامة؛ الأمر الذي دفعه إلى أن يصبح أشبه بظاهرة، وباتت متابعته بالنسبة لأتباعه ومريديه والتطلع لخطاباته المقبلة، سواء في العالم العربي أو الغرب، أشبه بالهوس. وكما هو معروف، بدأ الالتفات الإعلامي إلى بن لادن عبر الإعلام التقليدي الغربي، وواصل الحرص على الظهور الإعلامي العالمي إلى أن توقف عن ذلك، ليكتفي فيما بعد في نقل رسائله عبر قناة إخبارية خليجية نقلت صوته إلى العالم وترجمت خطاباته إلى اللغة الإنجليزية.
* الاستراتيجية الإعلامية
منذ تلك المرحلة لم يظهر تغيير كبير في استراتيجية «القاعدة» الإعلامية؛ إذ لا تزال مقاطع البث المرئي تركز على قادتها، ويظهر أيمن الظواهري، القيادي الذي خلف بن لادن في سدة القيادة، من وقتٍ إلى آخر في مقاطع يثبت فيها وجوده أو يتطرق إلى موضوعات مهمة، منها تكراره إدانة ممارسات «داعش» ورفضه الاعتراف بشرعيته واعتباره تنظيمًا متطرفاَ.
ويأتي امتدادًا للاستراتيجية ذاتها الظهور المفاجئ لحمزة بن لادن، نجل مؤسس «القاعدة»، يوم 9 مايو 2016 في كلمة صوتية تظهر محاولته استخدام النسق نفسه الذي كان يستخدمه والده في التواصل مع الآخرين، وتجاهل التقدم التقني في الآونة الأخيرة، وكأنه بذلك يحذو حذو والده في استخدام التسجيلات الصوتية والمرئية التقليدية، والاستمرار في نقل أهدافه.
وإلى جانب ما يقال بأن ظهوره نتيجة لرغبته في الثأر لوالده، فإن خطابه سعى إلى التحريض ضد المملكة العربية السعودية، والحث على الانضمام إلى «تنظيم القاعدة في اليمن». وهو امتداد لحرص «القاعدة» على أدلجة الدين، واستهداف الغرب وأميركا بالتحديد كونها العدو الأهم، ومحاولة الإطاحة بمصالح الغرب حتى وإن كانت في دول عربية كما حدث في استهدافهم للسعودية. وفي ذلك أيضا سعي لاستقطاب المتطرفين ممن يتعاطف معهم لأهداف دينية وسياسية، وإن تظهر «القاعدة» أكثر نخبوية بوضعها شروطًا لانضمام المقاتلين والتأكد من ولائهم، وإخضاعهم لتدريبات عسكرية قاسية. وأما التواصل فيجري عبر منتديات خاصة كـ«الإخلاص» و«الفردوس» و«الفرقان»، ومجلات إلكترونية كـ«صوت الجهاد» و«البتار» و«ذروة السنام»، ولا يتيسر الوصول إلى رسائلها الإعلامية إلا عبر الانضمام إلى المنتديات، التي تحوي مقاطع بث مرئي تدريبية، مثل كيفية تصنيع المتفجرات أو حتى استخدام الأسلحة، وأخرى ترويجية كاستعراض المعسكرات التدريبية أو عمليات اختطاف وقتل «الأجانب الكفار»، كل ذلك عبر منتديات مغلقة.
* سياسة «داعش» الشعبوية
استراتيجيات «داعش» الإعلامية تختلف تمامًا عن كل هذا؛ فهي أكثر شعبوية وتعمل بتواصل جماهيري أكبر، من دون اكتراث للظهور الإعلامي لقادتها. فشخصية «أبو بكر البغدادي» زعيم التنظيم، يكتنفها الغموض، وهو لا يظهر إلا نادرًا متشحًا السواد.
ولقد تجاهل التنظيم المتطرف الإعلام التقليدي، وربما يكون ذلك نتيجة ظهوره في الفترة التي انحسر فيها الدور الإعلامي التقليدي وبزغ فيها نجم وسائل التواصل الإلكتروني. وبالتالي، تفوق على التنظيمات المتطرفة الأخرى باستغلاله مختلف تلك المواقع بدءًا بـ«تويتر» و«فيسبوك»، وانتهاء برسائل مشفرة عبر برامج التطبيق الذكية مثل «كيك» و«تيليغرام». هذا، ما أتاح للتنظيم التواصل عن بعد لكل بقاع العالم بأسهل وأسرع وأوفر الطرق، ليس فقط في العالم العربي، بل وحتى الغربي باستخدامه رسائل إعلامية مختلفة حسب الجهة المستهدفة وبلغات متعددة، ومن ثم، أسبغ على «داعش» القدرة على تجنيد عدد كبير من المتعاطفين ممن لديهم الاستعداد للقيام بعمليات إرهابية، سواء عبر انضمام فعلي وتسلل إلى مقرهم أو إعانة آخرين على التخطيط لهجمات أو حتى أشخاص منفردين فيما يطلق عليهم مسمى «الذئاب المنفردة».
ويظهر جليًا عبر الكثير من قصص المنضمين إلى صفوفهم التركيز على النواحي النفسية، كوجود أشخاص يشعرون بالتأزم النفسي والرغبة في الانضمام إلى جماعة تشعرهم بأهميتهم، أو كالمسلمين الذين يعيشون في الغرب ويشعرون بعنصرية الآخرين تجاههم، وإعطائهم تصورًا بوجود بيئة تحتضنهم دون الشعور بتعجب بممارسة الشعائر الدينية... وإن تسبب ذلك التصور المغلوط بأن يفاجأ بعض الأعضاء باختلاف الصورة الحقيقية عن كل ما سبق إقناعهم به.
هذا الأمر بالذات الذي دفع بالبعض إلى التراجع عن قرار الانضمام، ولقد ظهرت للملأ الكثير من هذه القصص؛ ما يدل على اكتفاء «داعش» بالاستقطاب الأولي، ومن ثم إذعان الآخرين لواقع التنظيم الشرس.
إذ تبدأ الرسائل الموجهة إلى شخص مستهدف بالترغيب والإغراء، ومن ثم تبدأ الرسائل بإظهار عنف شديد وممارسة للقتل الجماعي، بصورة بشعة وبتكثيف، لإرسال تلك المقاطع بعد أن شعر المستهدف برغبة فعلية في الانضمام. وتنجح مثل هذه الرسائل بشكل خاص في استقطاب أشخاص مرضى يشعرون بالجذل لمشاهد العنف، وتكون لديهم رغبة المغامرة، وممارسة القتل والسلطة المطلقة. ولذا؛ فإن الأماكن التي تندرج تحت حكم «داعش» تعد أشبه بملاذ تتحقق فيه تحقيق أحلام الشخصيات المنبوذة في مجتمعاتها.
* الهيكلية التنظيمية «داعش» و«القاعدة»
في بداية حقبة «القاعدة»، حين كانت أكثر قوة وتنظيمًا، بالتحديد في عهد أسامة بن لادن، كان التنظيم يتبع الهيكلة الهرمية التي تركز على مفهوم السيطرة النخبوية من قبل قادة مفكرين من أطباء ومهندسين في قمة الهرم، والتخطيط لعمليات ينفذها الأعضاء بتفكيرهم البسيط ممن يقع في أسفل الهرم. ويليهم المناصرون، ومن ثم الرأي العام في قاع الهرم كأكبر شريحة مستهدفة من قبل التنظيم... وذلك من أجل تكوين خلايا نائمة متعاطفة معهم عند الحاجة.
ويظهر فيما بعد تغير في هذا التوجه، والاكتفاء بالسيطرة فقط على الاستراتيجيات الأساسية والسياسات العامة لـ«القاعدة»، بوجود مجلس شورى وهيئات عسكرية ومالية، بينما تأتي العمليات التنفيذية حسب الجهة المنفذة.
ويظهر استخدام سياسة التكيّف حسب الظروف المختلفة؛ وذلك نتيجة لضعف «القاعدة» النوعي في الآونة الأخيرة، وخفوت بريقها باستثناء بعض المناطق الجغرافية. إذ يظهر تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، المتمثل في اليمن، الأكثر نشاطًا والأكبر من حيث عدد الأعضاء بالنسبة لتنظيم القاعدة الأم، وتصاعد قوتها العسكرية والمالية.
تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» تمكن من نهب ما يزيد على 100 مليون دولار أميركي من البنك المركزي في مدينة المكلا، عاصمة حضرموت، وتهريب الوقود عبر ميناء المدينة ذاتها. وهذا مع أن المدينة كانت أخيرًا قيد الاستهداف من قبل الهجمات العسكرية لقوات التحالف والغارات الجوية الأميركية.
من ناحية ثانية، حرص تنظيم القاعدة على استخدام السياسة التدريجية في الصعود وتنفيذ هجمات إرهابية في مناطق مختلفة، كتبني «القاعدة في جزيرة العرب» الهجوم الإرهابي على مطبوعة «شارلي إيبدو» الفرنسية الذي تسبب في إثارة الرأي العام العالمي ضد التنظيم، وضد المسلمين عمومًا. أيضا، تبنى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب» هجمات على منتجع غراند باسام في جمهورية ساحل العاج، وكان في الحقيقة تنفيذًا مشتركًا عبر أعضاء ينتمون إلى «جماعة المرابطين» و«إمارة الصحراء الكبرى» ممن أعلنوا ولاءهم لـ«القاعدة»، إضافة إلى هجمات أخرى للتنظيم في كل من مالي وبوركينا فاسو. الأمر الذي يظهر التركيز الجديد لـ«القاعدة» ما بين اليمن وأفريقيا، مع العلم أن «القاعدة» حظي في عام 2014 بمبايعة «حركة الشباب الصومالية» التي نشطت في الآونة الأخيرة.
شن عمليات عشوائية في أماكن متفرقة تجعل من الأسهل على تنظيم «القاعدة» تحقيق غاياته وأهدافه من دون التعرض لاستهداف قوي كما يحدث لتنظيم داعش. كذلك أظهر تنظيم «القاعدة في سوريا» سياسة قاعدية جديدة في التعامل مع «جبهة النصرة» تدل على خروج «القاعدة» من نمطية السيطرة القيادية.. بغرض التكيّف. فكما هو معروف أعلن «أبو محمد الجولاني» زعيم «جبهة النصرة» وقف العمل بهذا الاسم (أي النصرة) وتشكيل جماعة جديدة تحت مسمى «جبهة فتح الشام»، منفصلاً بذلك عن «القاعدة»، وذلك بعد موافقة تنظيم «القاعدة» نفسه وتفويضه للجبهة الجديدة، فيما برره «الجولاني» بقوله «لتلبية رغبة أهل الشام في دفع ذرائع المجتمع الدولي»، محاولا إضفاء قبس من الشرعية لهم، وللابتعاد عن استهداف قوات التحالف بعد تمكنهم من تسديد ضربات قوية تجاه تنظيم داعش.
* الهيكلية الهرمية لـ«داعش»
في المقابل، على الرغم من حرص تنظيم داعش على المرونة في تجنيد الأعضاء، والتواصل معهم لتحقيق العمليات عن بعد، يظهر حرص «أبو بكر البغدادي» على وجه الخصوص على الهيكلية الهرمية. وهذا يعد أمرا منطقيًا في فترة يعتبر فيها التنظيم لا يزال قويًا؛ إذ تصبح كل القرارات تحت سيطرة القائد الأعلى، ويليه فيما بعد مجلس الشورى الذي لا بد من العودة إليه في جميع القرارات، والإشراف على مدى تطبيق الشريعة الإسلامية في المناطق التي سيطر عليها التنظيم.
ويتفرع من مجلس الشورى المجلس العسكري الذي يتميز بالسرية التامة، على نسق الضباط العراقيين البعثيين الذين انضموا إلى تنظيم داعش، إضافة إلى الهيئة الشرعية والإعلامية وأهل الحل والعقد، وتندرج تحتها مناطق النفوذ المقسمة إلى ألوية. وينوّب البغدادي كلاً من «أبو مسلم التركماني» في العراق و«أبو علي الأنباري» في سوريا، ولكن قد يتغير ذلك في حال استمر ضعف التنظيم واستهدافه من قبل قوات التحالف.
إذ إن الهيكلة مجدولة بناء على وجود «خلافة إسلامية» داعشية مزعومة في منطقة جغرافية معينة تمتد من العراق إلى سوريا؛ الأمر الذي يجعل من السهل القضاء على «داعش» عبر ضربات عسكرية مباشرة، واستخدام سياسة التضييق المكاني والمادي عليهم. وفعلاً شنت قوى التحالف منذ أبريل (نيسان) 2014 ما يزيد على 12 ألف غارة جوية استهدفت «داعش» في كل من العراق وسوريا، تسببت بالفعل في انحسار قوتهم، كما حدث في كل من الأنبار والفلوجة وشمال سوريا والرقة.
* القلوب والعقول
من جانب آخر، في الوقت الذي ظهر تنظيم داعش بصورة أكثر عنفًا وتكفيرًا لكل من يخالفهم، التزم «القاعدة» بالسياسة نفسها التي اتبعها منذ بداية تأسيسه، عبر التغرير بالقلوب والعقول بهدف اكتساب الثقة وتكوين شريحة من المؤيدين؛ الأمر الذي حدا بأعضاء وقيادات «القاعدة» إلى استنكار ما يشاهدونه من فظائع بشعة وتوحش ينفذها «داعش»، وبالأخص في استهدافه أعداء آخرين غير أميركا وحلفائها. وللعلم، يكفّر تنظيم داعش كل من يخالفه من السنة، إضافة إلى الشيعة والأكراد والإيزيديين، ولا يتوانى عن استهداف المساجد وأماكن تجمع المسلمين.
أما عن سياسة «القاعدة» الساعية إلى اكتساب «القلوب والعقول» في اليمن، فتتمثل في إلغاء الضرائب التي كانت مفروضة على الدخل، على اعتبار أنها ليست تطبيقًا شرعيًا. كذلك حرص التنظيم في اليمن على نشر صور ومقاطع بث مرئي تحوي تقديمه الخدمات الطبية، ورصف الطرق المحلية، وغير ذلك من أعمال تظهر حرصهم على بناء اليمن وليس فقط إثارة الرعب.
ملحوظة أخيرة: بشكل عام يظهر «القاعدة» مضمونًا آيديولوجيًا أعمق من عشوائية «داعش»، وقياداته أكثر نضجًا وتحسبًا في اتخاذ القرارات؛ إذ تكوين «خلافة إسلامية» يعد عند «القاعدة» هدفًا، ولكن على المدى البعيد. وحتى عند اللجوء إلى العنف، فإن أسلوب «القاعدة» المفضل هو المحاولات التدريجية الحذرة في طريق العودة إلى الساحة عبر هجمات عشوائية تجعل من الصعب استهدافه. في حين اندفع تنظيم داعش للسيطرة على الأراضي بسرعة وبتوسع؛ ما تسبب في تعرضه للهجمات وتدمير ألويته.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».