«ليلى».. فيلم يروي رحلة فتاة هولندية مع التشدد والإرهاب

سافرت إلى مناطق الصراعات واكتشفت حقيقة «داعش»

لقطة من «ليلى» بعد وصول بطلة الفيلم إلى مناطق تحت سيطرة «داعش»
لقطة من «ليلى» بعد وصول بطلة الفيلم إلى مناطق تحت سيطرة «داعش»
TT

«ليلى».. فيلم يروي رحلة فتاة هولندية مع التشدد والإرهاب

لقطة من «ليلى» بعد وصول بطلة الفيلم إلى مناطق تحت سيطرة «داعش»
لقطة من «ليلى» بعد وصول بطلة الفيلم إلى مناطق تحت سيطرة «داعش»

كان الإقبال ملحوظًا على مشاهدة الفيلم الهولندي «ليلى» الذي عرض ضمن فعاليات مهرجان الفيلم الدولي ببروكسل، والذي اختتمت فعالياته أول من أمس، ويحكي قصة فتاة مسلمة تأثرت بالفكر المتشدد، وسافرت بصحبة زوجها إلى مناطق الصراعات، بعد أن تمردت على الواقع الذي كانت تعيش فيه، ولكن بعد وصولها إلى الأماكن التي توجد فيها الجماعات المسلحة المتشددة بالقرب من الحدود السورية، فوجئت الفتاة بصورة مغايرة لما كانت تتخيله. وبعد معاناة لشهور، نجحت في العودة بمساعدة سيدة بلجيكية مقيمة في عمان، تعمل في مجال تقديم المساعدات للاجئين السوريين. وعندما وصلت ليلى إلى مطار هولندا، وجدت الشرطة في انتظارها.
وتظهر أحداث الفيلم مدى تأثر البطلة بالفكر المتشدد، وقرارها بارتداء النقاب بدلاً من الحجاب، والمشكلات التي عانتها مع عائلتها بسبب هذا التحول. وبعد اتصالات عبر الإنترنت مع أحد المتشددين في هولندا، قررت ليلى أن تلغي امتحانها، وتترك المنزل، وتذهب مع هذا الشاب إلى أحد الشيوخ الذي أعلن عن زواجهما شفويًا، وسافرت ليلى بصحبة زوجها إلى أحد معسكرات تدريب المقاتلين في غابات بلجيكا، وكان زوجها يقوم بتصوير هذه التدريبات لعرضها على مواقع تابعة للجماعات المتشددة. وبعد ساعات، داهمت الشرطة البلجيكية المكان، فقرر زوجها السفر معها إلى الحدود السورية، وكان في استقباله هناك الشيخ الذي أعلن عن زواجه من ليلى.
وهناك اكتشفت الفتاة حقيقة الجرائم التي ترتكب من جانب الجماعات المتشددة، والتي كان يجري تصويرها بالفيديو، وشاهدت مقاطع من تلك الأفلام الترويجية للمتشددين على الحاسوب الخاص بزوجها، وبدأت الخلافات معه. وعقب فترة من الحبس وحالة نفسية سيئة للغاية، كررت له رغبتها في العودة من حيث أتت، ووافق مضطرًا على منحها جواز السفر، ونجحت في السفر عبر مساعدة من سيدة بلجيكية تعرفت عليها هناك، واصطحبتها بسيارتها إلى أقرب منطقة يمكن أن تسافر منها بالطائرة إلى هولندا، وكانت الشرطة الهولندية في انتظارها في المطار. وقد أشاد الجمهور والسينمائيون بفكرة الفيلم ورسالته، خصوصًا في هذا التوقيت.
«الشرق الأوسط» تابعت حفل العرض الافتتاحي للفيلم، والتقت ببطلة الفيلم، وتعرفت على آراء الجمهور والسينمائيين الذين تابعوا عرض الفيلم داخل مركز الفنون الجميلة في بروكسل.
وفي البداية، يجب الإشارة إلى أن الفيلم يحكي قصة فتاة من أصول إسلامية، تعيش مع أسرتها في هولندا، قررت فجأة أن ترتدي النقاب، وتركت دراستها وكرة القدم النسائية، بعد أن تعرفت على شاب متشدد، وسافرت معه إلى مناطق الصراعات، وهناك اكتشفت الحقيقة.
وعقب عرض الفيلم، قالت الممثلة نورا القصور، بطلة الفيلم: «أتمنى من كل الفتيات، مثل ليلى أو غيرها، اللاتي يفكرن في الإقدام على هذه الخطوة، أن يفهموا الرسالة جيدًا.. وأنا لم أشعر بالخوف بعد أداء هذا الدور، بل على العكس أديته بصدق وقناعة، ويجب أن يشكل الفيلم بداية لانطلاق الحوار والتفاهم لتوضيح الأمور، ليس فقط في المجتمع المسلم، بل للجميع في أوروبا، فالفيلم لا يقدم الحل، وإنما يشكل بداية للتحرك في هذا الاتجاه، ورسالتنا لم تكن لجالية بعينها، وإنما للجميع».
ونورا، بطلة الفيلم، 22 عامًا، تدرس حاليًا في أكاديمية ماستريخت، وقد أوضحت لـ«الشرق الأوسط»: «أنا متفرغة حاليًا للدراسة، وسعيدة بالطبع بحضوري في مثل هذه المهرجانات، والتعرف على الآخرين، ولكني فضلت التركيز حاليًا على الدراسة، وبعد ذلك سأحدد الخطوة المقبلة».
وعرف عرض الفيلم إقبالاً ملحوظًا على مشاهدته، سواء من الجمهور الأوروبي أو من المهاجرين من أصول عربية وإسلامية. وقالت مارلين، وهي سيدة بلجيكية في الأربعين من عمرها: «إنه فيلم جيد، وقد استفدت منه كثيرًا»، مضيفة: «لقد كان الأداء رائعًا، وتعلمت أشياء جديدة لم أكن أعرفها من قبل، حيث تعرفت أكثر على البيئة التي يعيش فيها التشدد، وعلى أمور أخرى ربما مغايرة بعض الشيء لما كنت أراه أحيانًا في وسائل الإعلام. ولهذا، فإن مشاهدة هذه الأفلام أمر مهم جدًا؛ لقد حكى لنا تجربة مهمة وقوية ومؤثرة للغاية».
أما نور الدين الخماري، المنتج والسيناريست وعضو لجنة التحكيم في المهرجان، فقال لـ«الشرق الأوسط»: «الفيلم كان له رسالة واضحة وصريحة، وأظهر كيف يمكن التلاعب بالعقول والأفكار والمشاعر، ولا بد أن يشاهده كل العرب والمسلمين، ويناقشونه ولا يخافون منه».
القائمون على المهرجان أكدوا على أهمية السينما في التعريف بثقافة الآخر، والتوعية من خطر التشدد، إلى جانب تناول موضوعات أخرى سياسية واجتماعية. وهذا ما جاء على لسان رئيس المهرجان باسكال ديو: «إن السينما بشكل عام، والفيلم بشكل خاص، تعد وسيلة هامة لعرض الأفكار والرؤى الجيدة، وهي في الوقت نفسه تبحث عن الحلول لمصلحة الجميع، ولكن يبقى المفتاح في أيدي رجال السياسة والقوى الأخرى في المجتمع، للتحاور وإيجاد الحلول من أجل نشر مفاهيم السلام والعيش المشترك ونبذ التطرف».
الفيلم الهولندي، وهو من إنتاج العام الحالي، عرض للمرة الأولى ضمن فعاليات المهرجان، إلى جانب أفلام أخرى من الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا. وجاء عرض فيلم «ليلى» في المهرجان بالمسابقة الرسمية بالتزامن مع بداية عرضه في دور العرض السينمائي للجمهور في هولندا وبلجيكا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟