«القرم» تبقى بؤرة توتر بين موسكو وكييف قد تتفجر في أي لحظة

اختطافات متبادلة وتحذيرات من أن تؤدي إلى تجدد القتال في جنوب شرقي أوكرانيا

شيوعيون روس في شبه جزيرة القرم في الذكرى 99 للثورة البلشفية (أ.ف.ب)
شيوعيون روس في شبه جزيرة القرم في الذكرى 99 للثورة البلشفية (أ.ف.ب)
TT

«القرم» تبقى بؤرة توتر بين موسكو وكييف قد تتفجر في أي لحظة

شيوعيون روس في شبه جزيرة القرم في الذكرى 99 للثورة البلشفية (أ.ف.ب)
شيوعيون روس في شبه جزيرة القرم في الذكرى 99 للثورة البلشفية (أ.ف.ب)

يبدو أن النخب السياسية المؤثرة في أوكرانيا لا تعلق الكثير من الآمال بشأن مستقبل العلاقات مع روسيا، ذلك أنه وبحال تم التوصل إلى تسوية سياسية للنزاع المسلح الدائر في جنوب شرقي البلاد بين القوات الأوكرانية والميليشيات المحلية الموالية لموسكو في مقاطعتي لوغانسك ودونيتسك، فإن ضم القرم لقوام روسيا الاتحادية الذي ينظر إليه الأوكرانيون بأنه احتلال روسي لأراض أوكرانية، سيبقى ملفا خلافيا بين الجانبين وبؤرة توتر تهدد بتفجر نزاع بينهما في أي لحظة.
وكانت المنطقة الحدودية بين شبه جزيرة القرم وأوكرانيا قد شهدت مواجهات محدودة أكثر من مرة خلال الفترة الماضية بين مجموعات تابعة للأمن والقوات الأوكرانية ومجموعات من الأمن الروسي. وآخر حادثة بين الجانبين جرت مطلع الأسبوع الحالي، وتحديدا يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، حين قامت مجموعة من الأمن الأوكراني باختطاف عسكريين اثنين من القوات الروسية العاملة في القرم.
وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أعلنت في بيان رسمي أن عناصر من الأمن الأوكراني قاموا يوم 20 نوفمبر باعتقال النائب ضابط مكسيم أودينتسوف والرقيب أندريه بارانوف، في شبه جزيرة القرم، ونقلوهما إلى الأراضي الأوكرانية بصورة غير قانونية. وكشفت مصادر في هيئة أركان أسطول البحر الأسود أن أودينتسوف وبارانوف تم اختطافهما في معبر «جانكوي» للسيارات على الحدود بين القرم وأوكرانيا، وذلك بعد إغرائهما للذهاب إلى تلك المنطقة بذريعة تسليمهما شهادتي تخرجهما الجامعيتين، وما إن غادر العسكريان أراضي القرم حتى احتجزهما رجال الأمن الأوكرانيون ونقلوهما إلى مقاطعة نيكولايف الأوكرانية.
ووصفت وزارة الدفاع الروسية حادثة الاختطاف بأنها «استفزاز سافر»، مطالبة الجانب الأوكراني بإعادة العسكريين إلى الأراضي الروسية، وأضافت: «اعتمادا على بعض المعلومات» فإن السلطات الأوكرانية تنوي فتح قضايا جنائية بحق العسكريين، وستحاول الحصول منهما على اعترافات بأنهما كانا يعدان لارتكاب جرائم في أوكرانيا. من جانبه قال دميتري بيسكوف المتحدث الصحافي باسم الكرملين إن «الأمر المهم في هذه القضية أن المخطوفين هما مواطنان روسيان»، بينما وصف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عملية الاختطاف بأنها «عمل استفزازي غير شرعي من جانب أجهزة الأمن الأوكرانية»، مؤكدا أن المؤسسات الروسية المعنية تتابع القضية.
من جهتها أعلنت هيئة الأمن الأوكرانية أنها تمكنت من توقيف عسكريين كانا قد شكلا فرارا من القوات الأوكرانية عام 2014، والتحقا بالخدمة في صفوف القوات الروسية في القرم. وذكرت وكالة «إنتر فاكس» أن السلطات الأوكرانية قد فتحت ملفات قضايا جنائية بحق العسكريين بموجب فقرات «فرار من الجيش» و«الخيانة» من قانون الجنايات الأوكراني.
وهذه هي المرة الأولى التي يقدم فيها الجانب الأوكراني على عمل كهذا في شبه جزيرة القرم منذ ضمها لروسيا، ويحذر مراقبون من احتمال أن يؤدي اختطاف العسكريين إلى تصاعد حدة التوتر بين موسكو وكييف بشكل عام، وعلى خطوط التماس بين القوات الأوكرانية والقوات في مناطق جنوب شرقي أوكرانيا بشكل خاص. وتجدر الإشارة إلى أن هذه وإن كانت أول حادثة اختطاف عسكريين روس من القرم، إلا أنها ليست المرة الأولى التي يتصادم فيها عسكريون من الجانبين، إذ سبق وأن شهدت الحدود بين القرم وأوكرانيا مواجهات مسلحة بين مجموعة من المسلحين الأوكرانيين والأمن الروسي مطلع شهر أغسطس (آب) من العام الحالي، وخلال تلك المواجهات قتل ضابطان من القوات الخاصة الروسية. حينها أعلن الجانب الروسي أن مجموعتين من القوات الأوكرانية حاولتا تجاوز الحدود والدخول إلى القرم لتنفيذ أعمال تخريبية. وقد أثارت الحادثة موجة غضب واسعة، بينما توعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أوكرانيا وقال إن مقتل العسكريين الروس لن يمر دون اهتمام مناسب، معربا عن قناعته حينها بأن لقاء مجموعة نورماندي بخصوص تسوية النزاع جنوب شرقي أوكرانيا لم يعد مجديًا.
وفي العشرين من الشهر الحالي، أي ذات اليوم الذي قامت فيه أوكرانيا باختطاف واعتقال العسكريين الروسيين من القرم، أعلن الأمن الروسي عن اعتقال أشخاص آخرين في قضية شبكة عناصر الأمن الأوكرانيين الذين تم توقيفهم سابقا وكانوا يعدون لتنفيذ أعمال تخريبية في شبه جزيرة القرم، وفق ما تقول هيئة الأمن الروسية. وكانت وسائل الإعلام الروسية قد عرضت مطلع الشهر الحالي تسجيلات لعمليات اعتقال بحق أشخاص من أوكرانيا كانوا يعدون لتنفيذ أعمال تخريبية في شبه الجزيرة. ويوجه الأمن الروسي لهؤلاء تهمة تقديم المساعدة لمجموعات تخريبية تابعة للاستخبارات العسكرية الأوكرانية كانت قد دخلت شبه جزيرة القرم. وتؤكد موسكو أن كل الذين تم توقيفهم هم عناصر إما من الأمن أو القوات الأوكرانية، إلا أن كييف تنفي ذلك وترفض كل الاتهامات. ويرى مراقبون في روسيا وأوكرانيا على حد سواء أن الأمور على الحدود بين شبه جزيرة القرم وروسيا ستبقى مستقرة وهادئة و«تحت السيطرة»، مرجحين أن تنتهي قضية اختطاف العسكريين الروسيين باتفاق بين موسكو وكييف على عملية تبادل تستعيد روسيا بموجبها العسكريين وتعيد إلى أوكرانيا الأشخاص الذين اعتقلتهم في شبه جزيرة القرم ويشتبه أنهم كانوا يعدون لأعمال تخريبية تستهدف منشآت البنى التحتية ومواقع عسكرية في شبه الجزيرة.
ومع أن الجهود السياسية حول الأزمة الأوكرانية وتفرعاتها لم تتوقف يوما وما زالت مستمرة حتى الآن، يبدو أن كييف ترغب في أن تكون مستعدة مسبقا «للأسوأ»، أي تصاعد حدة التوتر مع روسيا ونشوب نزاع مسلح واسع أو محدود بين البلدين. هذا ما تشير إليه تصريحات ديمتري ياروش العضو حاليًا في مجلس الرادا (البرلمان الأوكراني) والزعيم السابق لمجموعة «القطاع الأيمن» القومية المتطرفة، المصنفة في روسيا منظمة إرهابية. إذ كشف ياروش أنه بحث مع الرئيس الأوكراني خلال لقاء جمعهما مؤخرا مسألة تشكيل «جيش من المتطوعين» يكون تابعا لإدارة القوات المسلحة الأوكرانية وليس قوة عسكرية مستقلة بذاتها، مؤكدا أن الرئيس الأوكراني رحب بالأمر. وكانت فكرة تأسيس جيش من المتطوعين قد طرحت لأول مرة في أوكرانيا عام 2014، حيث كانت تدور نقاشات جدية حينها حول احتمال نشوب حرب روسية - أوكرانية واسعة. وفي ذلك الوقت تشكلت كتائب من المتطوعين الأوكرانيين في عدة مناطق من البلاد، وكانت تركز على القيام بمهام الدفاع المحلي.
وكان مجلس الرادا الأوكراني قد بحث صيف العام الماضي مشروع قانون حول تأسيس «قوات الدفاع المحلي»، وهو الاسم الرسمي لجيش المتطوعين الذي يدور الحديث عنه. ويحدد نص مشروع القانون مهام تلك القوات بأن تعمل على حماية المنشآت الاستراتيجية، وحماية الحدود، وضمان ظروف مؤاتية لعمل المؤسسات الحكومية، وتتصدى للمجموعات التخريبية والتجسسية والمجموعات المسلحة غير الشرعية، وكل هذه المهام جزء من خطة للعمل بحال تعرضت الأراضي الأوكرانية لعدوان خارجي أو بحال احتلت قوى خارجية جزء من الأراضي الأوكرانية. ومع أن النص لم يحدد بوضوح اسم أي دولة، إلا أنه واضح تماما أن المقصود هنا روسيا، وضمها لشبه جزيرة القرم، أما «المجموعات المسلحة غير الشرعية» فالمقصود بها الميليشيات المسلحة الموالية لموسكو في جنوب شرقي أوكرانيا.



بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
TT

بلينكن يصل إلى لاوس لحضور اجتماعات «آسيان» ولقاء نظيره الصيني

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (أ.ف.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، فجر السبت، إلى لاوس حيث سيحضر اجتماعات رابطة دول «آسيان» ويجري محادثات مع نظيره الصيني، وذلك في مستهل جولة آسيوية تشمل دولاً عدة وتهدف إلى تعزيز علاقات واشنطن مع حلفائها الإقليميين في مواجهة بكين.

ومن المقرر أن يلتقي بلينكن وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش محادثات وزراء خارجية رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) التي تعقد في فينتيان، عاصمة لاوس.

منافسة حادة

ويسعى بلينكن لتحقيق تطلّع بجعل منطقة المحيطين الهندي والهادئ «منطقة حرة ومفتوحة ومزدهرة»، وهو شعار يحمل في طيّاته انتقاداً للصين وطموحاتها الاقتصادية والإقليمية والاستراتيجية في المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية في بيان صدر قبل وقت قصير من وصول بلينكن إلى فينتيان، إنّ «محادثات الوزير ستواصل البناء والتوسع غير المسبوق للعلاقات بين الولايات المتحدة وآسيان»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

وهذه هي الزيارة الـ18 التي يقوم بها بلينكن إلى آسيا منذ توليه منصبه قبل أكثر من ثلاث سنوات، ما يعكس المنافسة الحادة بين واشنطن وبكين في المنطقة.

ووصل بلينكن بعد يومين على اجتماع عقده وزيرا خارجية الصين وروسيا مع وزراء خارجية تكتل «آسيان» الذي يضم عشر دول، وقد عقدا أيضاً اجتماعاً ثنائياً على الهامش.

وناقش وانغ وسيرغي لافروف «هيكلية أمنية جديدة» في أوراسيا، وفق وزارة الخارجية الروسية.

وقالت الوزارة إن وانغ ولافروف اتفقا على «التصدي المشترك لأي محاولات من جانب قوى من خارج المنطقة للتدخل في شؤون جنوب شرق آسيا».

وتقيم الصين شراكة سياسية واقتصادية قوية مع روسيا. ويعتبر أعضاء حلف شمال الأطلسي بكين مسانداً رئيسياً لموسكو في حربها على أوكرانيا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، الجمعة، إن وانغ وبلينكن «سيتبادلان وجهات النظر حول مسائل ذات اهتمام مشترك».

ووفق وزارة الخارجية الأميركية سيناقش بلينكن «أهمية التقيّد بالقانون الدولي في بحر الصين الجنوبي» خلال محادثات «آسيان».

توترات متصاعدة

وتأتي المحادثات في خضم توترات متصاعدة بين الصين والفلبين في بحر الصين الجنوبي، حيث سجّلت مواجهات في الأشهر الأخيرة بين سفن فلبينية وصينية حول جزر مرجانية متنازع عليها.

وتتمسك بكين بالسيادة شبه الكاملة على الممر المائي الذي تعبره سنوياً بضائع بتريليونات الدولارات، على الرغم من حكم أصدرته محكمة دولية قضى بأن لا أساس قانونياً لموقفها هذا.

وفقد بحار فلبيني إبهامه في مواجهة وقعت في 17 يونيو (حزيران) حين أحبط أفراد من جهاز خفر السواحل الصيني محاولة للبحرية الفلبينية لإمداد قواتها في موقع ناء.

وانتقدت الصين في وقت سابق من العام الحالي تصريحات لبلينكن أبدى فيها استعداد واشنطن للدفاع عن الفلبين إذا تعرضت قواتها أو سفنها أو طائراتها لهجوم في بحر الصين الجنوبي.

وتصر بكين على أنه «لا يحق» للولايات المتحدة التدخل في بحر الصين الجنوبي.

والبلدان على طرفي نقيض في ملفات التجارة وحقوق الإنسان ووضع جزيرة تايوان المتمتعة بالحكم الذاتي.

وتشمل جولة بلينكن ستّ دول هي لاوس وفيتنام واليابان والفلبين وسنغافورة ومنغوليا.

ومن المقرر أن يصدر وزراء خارجية الدول المنضوية في «آسيان» بياناً مشتركاً في ختام الاجتماعات التي ستُعقد على مدى ثلاثة أيام.