دعوى قضائية في ألمانيا ضد 3 سوريين بتهمة دعم منظمة متطرفة

تكهنات حول امتداد للتنظيم في بافاريا

عناصر من الشرطة الألمتنية أمام محكمة ميوينخ (د.ب.أ)
عناصر من الشرطة الألمتنية أمام محكمة ميوينخ (د.ب.أ)
TT

دعوى قضائية في ألمانيا ضد 3 سوريين بتهمة دعم منظمة متطرفة

عناصر من الشرطة الألمتنية أمام محكمة ميوينخ (د.ب.أ)
عناصر من الشرطة الألمتنية أمام محكمة ميوينخ (د.ب.أ)

أعلنت النيابة العامة الاتحادية في كارلسروه إقامة دعوى قضائية ضد ثلاثة ألمان من أصل سوري بتهمة تقديم الدعم المالي واللوجيستي لمنظمة إرهابية تنشط في سوريا. ويعتقد المحققون بوجود علاقة للثلاثة بثلاثة سوريين آخرين اعتقلوا قبل هذا الوقت في بافاريا ووجهت النيابة العالمة إليهم التهمة نفسها.
وأصدرت النيابة الاتحادية يوم أمس تقريرًا صحافيًا ذكرت فيه أنها أصدرت قرارًا بحبس الثلاثة في ضوء أمر إلقاء قبض صادر عن المحكمة الاتحادية العليا. والمتهمون الثلاثة هم نائل أ (36 سنة) وإبراهيم س (36) وعبد الرحمن فولغانغ (39) وجرى اعتقالهم إثر حملة للشرطة في ثلاث ولايات ألمانيا هي برلين وسكسونيا السفلى وبافاريا، جرى خلالها تفتيش شقق الثلاثة ومصادرة أجهزة إلكترونية لحفظ المعلومات.
واتهمت النيابة العامة نائل أ بتقديم الدعم المالي واللوجيستي لمنظمة متطرفة أجنبية في سبع حالات. وتثبت التحقيقات الجارية أنه أوصل مبالغ مالية تقدر بعدة آلاف من عملة اليورو، إضافة إلى تجهيزات تقنية، بينها أجهزة المسح الصوتي وأجهزة ملاحة متقدمة ومرسلات، إلى التنظيم المذكور في سوريا.
ويفترض أن المدعو إبراهيم س اشتري سيارتي «بيك آب» وسيارة إسعاف وقام بالقيادة بنفسه إلى سوريا. وقدم المدعو عبد الرحمن فولفغانغ الدعم إلى منظمة متطرفة من خلال دعمه في هذه العمليات نائل أ في حالة واحدة، وفي دعمه إبراهيم س في ست حالات.
في يوم الجمعة الماضي أعلنت محكمة ميونيخ محاكمة شابين سوريين بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي ينشط في سوريا وتقديم الدعم المالي واللوجيستي له. واتهمت النيابة العامة الشابين بالقتال إلى جانب منظمة متطرفة، وسبق للشرطة الجنايات أن اعتقلتهما في أبريل (نيسان) الماضي وأصدر القاضي قرارًا بحبسهما قيد التحقيق.
وأعلن في الوقت نفسه عن تقديم سوري ثالث يدعى عبد الله س (41 سنة) من ولاية الراين الشمالي فيستفاليا إلى محكمة دسلدورف بتهمة الانتماء لتنظيم داعش وارتكاب جرائم حرب والابتزاز وسلب الحريات.
والاثنان في بافاريا هما آزاد ر (22 سنة) وكامل ت (24)، وسبق أن قررت المحكمة الاتحادية نقل التحقيق من النيابة العامة في بامبرغ (بافاريا) إلى النيابة الاتحادية في كارلسروه.
وعلى صعيد ذي صلة حذرت شرطة الجنايات الاتحادية من نشاط المتطرفين المالي في ألمانيا خدمة للتنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا. وحذر رئيس شرطة الجنايات هولغر مونش من أن داعمي الإرهابيين في ألمانيا يستخدمون أساليب جرمية في محاولتهم كسب «التبرعات» لتنظيم داعش الإرهابي. ودعا مونش المواطنين الألمان إلى الحذر من هذه الأساليب والتبليغ عنها أولاً بأول.
وسبق لمحكمة دسلدورف أن أصدرت قرارات بالسجن على عصابة متشددين من مدينة أوبرهاوزن كانت تلفق حوادث السيارات الفاخرة كي تفوز بقيمة التأمين وتحولها إلى «داعش». وتحدثت النيابة العامة عن 17 حادثة ملفقة وفرت للعصابة من خلالها مبلغ مائة يورو تم تحويلها إلى التنظيم نقدًا.
وفي كولون تم القبض على عصابة من 8 متشددين كانت تسرق موجودات الكنائس بهدف جمع التبرعات للتنظيم الإرهابي. وقال أولف فيلهون، من النيابة العامة، حينها إنهم سرقوا صناديق التبرعات والموجودات الفضية والآثار التاريخية في كنيسة سانت كلارا في مدينة زولنغن. وكان أفراد العصابة يتحدثون على هواتفهم الجوالة عن «نهب الكفار» و«عدالة نحر الكفار». وأشار فيلهون حينها إلى أن خطوط القضية تمتد باتجاه الألماني بيير فوغل الذي يعتبر من دعاة الكراهية المتشددين. وكتبت مجلة «فوكوس» وقتذاك أن الإرهابيين يرسلون نساء متنكرات كخليجيات ويستخدمن بطاقات بنوك مزيفة لشراء ساعات والحلي غالية الثمن، وأن الهدف هو جمع التبرعات لـ«داعش».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟