خطة كيري قابلة للتعديل باستثناء «تسلسل الخطوات الأمنية»

السفير تولر لـ «الشرق الأوسط» : «الخريطة» هدفها إعادة إحياء المفاوضات > واشنطن لا تنوي نقل سفارتها إلى عدن

خطة كيري قابلة للتعديل باستثناء «تسلسل الخطوات الأمنية»
TT

خطة كيري قابلة للتعديل باستثناء «تسلسل الخطوات الأمنية»

خطة كيري قابلة للتعديل باستثناء «تسلسل الخطوات الأمنية»

قال السفير الأميركي لدى اليمن ماثيو تولر لـ«الشرق الأوسط» إن خطة وزير الخارجية الأميركي للتسوية اليمنية «ليست منقوشة على حجر»، وإنها قابلة للتعديل.
واستثنى «تراتبية الخطوات»، وكررها طيلة حديثه في اتصال هاتفي أول من أمس عن الملف، وأضاف أن الخريطة تقدم إطارا للأطراف ليبدأوا المفاوضات، وندرك بأن الأطراف سيأخذونها بطريقة انتقادية وسيطالبون بتغيير جزء أو آخر، وبالتالي سيقاوم هذا التغيير الطرف الآخر.. هدف الخريطة يتمثل في جمعهم إلى طاولة المفاوضات، ولجعلهم يفكرون كيف يمكنهم أن يقدموا التنازلات حتى يتلاقوا في منتصف الطريق، حيث يشعر الجميع أنه كسب في هذه المفاوضات.
يأتي ذلك في وقت قال فيه هينز ماهوني الملحق الثقافي والإعلامي في السفارة الأميركية في صنعاء، لـ«الشرق الأوسط» إن واشنطن لا تنوي نقل مقر سفارتها أو عملياتها إلى عدن.
ويكمل تولر الحديث عن خطة كيري قائلا: «رغم أن الخريطة عرضة لانتقادات المفاوضين، فهناك جزء منها لن يتم تغييره.. هذا يتعلق بالتراتبية، ويهدف إلى إعادة حكومة داخل اليمن يمكن لليمنيين أن يسموها حكومتهم، الوزراء والقادة لهذه الحكومة يجب أن يتمتعوا بالأمان كي يعودوا لصنعاء ويمارسوا عملهم من دون خوف أو خشية من اللجان الثورية أو غيرها، ويجب اتخاذ إجراءات أمنية بالحد الأدنى لكي تتمكن الحكومة من العودة إلى صنعاء».
جاء ذلك، خلال حديث السفير الأميركي لدى اليمن، عما دار في اجتماعه الذي عقد يوم الـ17 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، والذي حضره نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي تيم ليندر كينغ، إذ قال: ما شرحناه لكلا الطرفين أن الخريطة لا تمثل اتفاقا، بل تعتبر أساسا للمفاوضات وليست اتفاقية سلام».
«قصة خريطة الطريق بدأت بعد فشل مشاورات الكويت»، يكمل السفير، حيث دأبت المجموعة الرباعية (السعودية، والإمارات، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة) في محاولة إحياء المفاوضات، وهي خريطة أممية تتمتع بدعم وزراء الخارجية في المجموعة الرباعية.
ويعيد الدبلوماسي الذي مارس عمله سفيرا لدى اليمن منذ 2014 تعريف محتوى الخريطة بالقول: إن المبعوث الخاص عرضها لتكون أساسا للمفاوضات.. هي ليست خطة أميركية أو غيرها، بل خطة أممية تحظى بدعم الدول الراعية للسلام في اليمن، وتنسجم مع خطة الأمم المتحدة وتتكون من سلسلة خطوات، وغرضها إعادة بناء الثقة بين الأطراف ليتم اتخاذ خطوات أمنية وسياسية من قبل الأطراف.
وحول سؤال يتعلق برده على وجهة نظر «الشرعية» التي تقول إن الخريطة لا تتناسب مع المرجعيات الثلاث، (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، مخرجات الحوار الوطني، القرارات الأممية وعلى رأسها 2216)، قال تولر: في المناقشات الخاصة بالرباعية؛ جرى النقاش مع المبعوث الخاص على الاعتماد على المرجعيات الثلاث «بأساليب بناءة وعملية، ونعتقد بأن تلك المرجعيات تقدم إسنادات لها، على أن يجري استخدامها في المراحل المختلفة لحل المشكلات اليمنية المستمرة. وما نراه من مسار المشاورات التي حدثت في الماضي سواء في جنيف أو بييل أو الكويت، فإن استخدام تلك المرجعيات مثل تحديا حقيقا للمبعوث الخاص، وبالتالي نعتقد بأن خريطة الطريق تتسق مع المرجعيات الثلاث، وخصوصا القرار الأممي 2216. سيما وأنه ذكر الخطوات الضرورية لإكمال تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وبالتالي البدء في تنفيذ مخرجات الحوار الوطني»، معلقا: كلنا ندرك بأن الجهات الحكومية عبرت عن قلقها حيال الخطة، وكذلك الحال بالنسبة لأنصار الله وأيضا الجهات الأخرى عبرت عن قلقها حول الخريطة».
ويشبّه الدبلوماسي الأميركي الخريطة بـ«فهرس الكتاب»، بينما الاتفاق سيكون في الأمام: «على أساس أننا نأمل في جمعهم ليتوصلوا إلى الاتفاق»، مستطردا: أعتقد أن الرئيس هادي يرحب بجهود وزير الخارجية الأميركي، وأعلم أن الرئيس هادي يدرك أيضا أن الحرب تضر كل اليمنيين، واستعادة الحكومة ومؤسسات الدولة هو الطريق لاستعادة الأمن والازدهار الاقتصادي وكذلك الحال ببناء الثقة لدى اليمنيين بدولتهم والذي يمكن الدولة من الدور الانتقالي لها.
ويقول إن القرار 2216 يلبي حل الصراع القائم باتخاذ خطوات أمنية تحتم انسحاب أنصار الله من المناطق التي تمت السيطرة عليها بالقوة وتسليم الأسلحة، والقرار طبق عقوبات اقتصادية ضد كل من يعرقل هذه العملية، ويطلب بحل الصراع بأساليب سلمية؛ لذا أعتقد أن خريطة الطريق تتخذ هذا المسار، وتتمتع بدعم مجلس الأمن والأمم المتحدة، على أن التوصل لهذا الصراع بطرق سلمية، وتراتبية تلك الخطوات بدقة، ونعتقد بأن هذه الخريطة تقدم رؤية للجميع كيف يمكن لكل طرف من الأطراف أن يكون له نصيب من هذا الحل السلمي، فأي حل سلمي يجب أن يقتنع الطرفان بأن لديه من الإنجاز أعظم مما يمكنه إنجازه فيما لو لم يدخل هذه المفوضات». وزاد: «كنا مسرورون جدا للبيان الذي أصدره أنصار الله وأتباع صالح يقولون بأنهم يقبلون الخريطة بما فيها التراتبية المذكورة، ونسعد باستقبال هذا على أنه التزام من قبلهم باتخاذ خطوات أمنية قبل تشكيل حكومة جديدة».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.