نتنياهو يقيم محكمة لشرعنة بؤر الاستيطان.. ومخطط لبناء 70 ألف منزل في القدس

الخارجية الفلسطينية تتهم إسرائيل بدفع مخططات تغلق الباب أمام إقامة دولة فلسطينية

منظر عام لمستوطنة كدوميم في الضفة الغربية كما تبدو من الجانب الفلسطيني  (إ ب أ)
منظر عام لمستوطنة كدوميم في الضفة الغربية كما تبدو من الجانب الفلسطيني (إ ب أ)
TT

نتنياهو يقيم محكمة لشرعنة بؤر الاستيطان.. ومخطط لبناء 70 ألف منزل في القدس

منظر عام لمستوطنة كدوميم في الضفة الغربية كما تبدو من الجانب الفلسطيني  (إ ب أ)
منظر عام لمستوطنة كدوميم في الضفة الغربية كما تبدو من الجانب الفلسطيني (إ ب أ)

كشفت مصادر قضائية في تل أبيب، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يعمل على تشكيل محكمة خاصة للأراضي، مهمتها «إيجاد طرق لإعطاء الشرعية للبؤر الاستيطانية القائمة في الضفة الغربية بما يتلاءم مع القانون الدولي». وفي الوقت نفسه، تنوي لجنة التنظيم والبناء في بلدية القدس، البدء بمشروع لبناء 70 ألف وحدة سكن للمستوطنين اليهود في المدينة خلال عشر سنوات. وقالت هذه المصادر، إن قدوم الرئيس المنتخب رونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يفتح الطريق أمام هذه المشاريع، إذ يأمل اليمين الحاكم في إسرائيل أن تغير الإدارة الجديدة سياستها ولا تقف حائلا أمام توسيع الاستيطان، باعتبار أنه «لا يعرقل عملية السلام». ومع أن وزارتي الدفاع والخارجية الإسرائيليتين تعارضان إطلاق مشاريع كهذه، قبل معرفة موقف إدارة ترامب، إلا أن هناك عناصر في الحكومة الإسرائيلية، تسعى إلى دفع هذه المشاريع ولو في سبيل جرف تأييد المستوطنين لها.
وكان نتنياهو قد صرح بأنه يواصل محاولة دفع حل يمنع إخلاء بؤرة عمونة، المقرر هدم تسعة من بيوتها، من خلال نقل بيوت السكان إلى أراض تعود كما يبدو لسكان فلسطينيين عاشوا هناك في الماضي، لكنهم تركوها في 1967 واعتبرت أراضيهم «أملاك غائبين». وقال نتنياهو، خلال جلسة وزراء حزبه الليكود، الليلة قبل الماضية، أنه مقابل محاولة العثور على حل لبؤرة عمونة، يعمل على دفع تشكيل «محكمة أراض»، كحل لحالات كثيرة أخرى من المباني والبؤر الاستيطانية، التي أقيمت بشكل غير قانوني على أراض فلسطينية خاصة، وتواجه خطر الهدم.
وتبين أن مسألة «محكمة الأراضي»، تخضع للنقاش منذ أسابيع، بين نتنياهو ووزيرة القضاء أييلت شكيد، ووزير الدفاع أفيغدور ليبرمان، والمستشار القانوني للحكومة، أفيحاي مندلبليت. ويجري الحديث عن محاولة تبني النموذج القبرصي للتحكيم في الصراع على الأراضي بين شمال قبرص التركية، وجنوبها اليوناني. وفي إطار هذا النموذج، يحصل أصحاب العقارات على تعويض مالي عن الأراضي التي أقيمت عليها المباني.
ولم تنتظر بلدية القدس الغربية تشكيل المحكمة، فقررت أن تناقش في لجنة التنظيم والبناء المحلية، غدا الأربعاء، خطة لإنشاء 500 وحدة إسكان في حي رمات شلومو، وراء الخط الأخضر. وسبق أن تم تجميد الخطة بسبب ضغط إدارة أوباما. لكن مع استبدال الإدارة المرتقب، إثر انتخاب دونالد ترامب، تخطط البلدية لإعادة طرح المخططات التي تم تجميدها. وتشمل الخطة مصادرة مناطق ذات ملكية فلسطينية خاصة. وخلال النقاش في حينه، اندلعت عاصفة على خلفية موقف الباحث في جمعية «مدينة الشعوب» آفي تتارسكي، الذي قال إن المبادرين اليهود سيجنون الأرباح على حساب أصحاب الأراضي الفلسطينيين. فبدلا من المصادقة على الخريطة وفق نهج «التوحيد والتقسيم»، الأمر الذي يضمن لكل أصحاب الأراضي تقاسم الأرباح، جرى إعداد خطة تضمن لأصحاب الأراضي اليهود الاستمتاع بالأرباح من مناطق بناء المساكن، بينما تقرر تخصيص الأراضي الفلسطينية التي ستصادر، للجانب غير المربح من المشروع، للشوارع والمناطق العامة. واعترف ممثل البلدية، خلال الجلسة، بأن البلدية انضمت إلى الخطة لكي تتولى مصادرة الأراضي الفلسطينية. وادعى أنه لا يمكن معرفة أصحاب الأراضي الفلسطينيين. لكن بعد بضعة أيام من النقاش، كتب المحامي يشاي شنيدور إلى اللجنة، باسم جمعية «مدينة الشعوب»، إن الجمعية عثرت على أصحاب الأراضي من دون أي مصاعب، وإنهم فوجئوا لدى سماعهم بالخطة. ولم يتسلم شنيدور أي رد على رسالته، وربما لهذا السبب، أيضا، تم تجميد الخطة.
لكن الطامة الكبرى، تكمن في التخطيط الاستراتيجي للاستيطان في القدس الشرقية، حيث إن مصدرا مقربا من رئيس البلدية، نير بركات، قال إن هذا المشروع هو حلقة صغيرة في مشروع كبير وطويل الأمد، هدفه بناء 70 ألف وحدة سكنية في المدينة لمدة عشر سنوات. ومع أن الإسرائيليين يعرفون أن بركات يطرح مشروعا وهميا غير قابل للتنفيذ، إلا أنه يطرحه لكسب تأييد المستوطنين والمتطرفين في حزب الليكود الذي ينوي المنافسة على رئاسته في الدورة المقبلة.
من جانبها، اتهمت وزارة الخارجية الفلسطينية إسرائيل، بدفع مخططات جديدة من شأنها أن تغلق الباب نهائيا أمام فرص إقامة الدولة الفلسطينية. وقالت الخارجية في بيان لها إن «الجنون الاستيطاني الإسرائيلي يهدف إلى إغلاق الباب نهائيًا أمام الحلول السياسية للصراع وفرص إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة، في استغلال بشع للانشغالات العالمية والأوضاع في الإقليم، والفترة الانتقالية بين الإدارتين في الولايات المتحدة الأميركية». وأضافت: «تستعد حكومة بنيامين نتنياهو لبدء العمل لإقامة 70 ألف وحدة استيطانية جديدة على الأراضي الفلسطينية في القدس المحتلة». وتابع، وقد «كثفت وزارة الحرب الإسرائيلية من عمليات شق الطرق الالتفافية الضخمة التي تلتهم آلاف الدونمات الفلسطينية، بما يؤدي إلى تكريس نظام الفصل العنصري، عبر تقطيع أوصال المناطق الفلسطينية، وربط المستوطنات مع بعضها البعض بالعمق الإسرائيلي بحجة الحد من الاحتكاك مع الفلسطينيين». وعرضت الوزارة في بيانها، أمثلة على ذلك، كما في الطريق الاستيطاني الالتفافي في منطقة النبي إلياس، الذي التهم ما لا يقل عن 104 دونمات من أراضي المواطنين الفلسطينيين». وأشارت الوزارة «إلى الاستعدادات التي تجري لشق طريق التفافي جنوب الضفة الغربية، وتحديدا في منطقة حلحول والعروب، لربط المستوطنات في منطقة الخليل بالمستوطنات جنوب القدس المحتلة».
ويعيش في الضفة الغربية والقدس اليوم، 550 ألف مستوطن في 125 مستوطنة إسرائيلية، اعترفت بها وزارة الداخلية الإسرائيلية كبلدات (مستوطنات)، ناهيك عن قرابة مائة بؤرة استيطانية - وهي مستوطنات أقيمت من دون تصريح إسرائيلي رسمي، ولكن بدعم ومساعدة من الوزارات الحكومية، ويضاف إلى ذلك 12 مستوطنة كبيرة تصنفها إسرائيل كأحياء ويسري عليها القانون الإسرائيليّ. وتقول السلطة الفلسطينية إن كل هذه المستوطنات غير شرعية. ووصف أمين سر اللجنة التنفيذية صائب عريقات، كل حجر، بأنه غير شرعي ويجب أن يزول، معقبا على محاولة شرعنة البؤر الاستيطانية: «لا يوجد استيطان شرعي وآخر غير شرعي.. كل حجل استيطاني منذ 1967 هو غير شرعي. وتسعى السلطة إلى عرض ملف الاستيطان على مجلس الأمن لكن هذه الجهود تراوح مكانها».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.