لبنان.. 200 عام من التنافس بين الطوائف من أجل تعليم ريادي

سباق ساهم في انفتاح البلاد على الثقافات الأجنبية.. و«تقوقع» المجموعات وفق تعاليمها داخليًا

صور عرضت ضمن معرض «ذاكرة التعليم في لبنان» من إعداد الدكتور خالد تدمري.. وتضم المدرسة الإنجيلية للصبيان في طرابلس حوالى سنة 1940 (أعلى) وطالبين من المكتب الإعدادي الملكي في بيروت حوالى سنة 1885 (أسفل - يمين) وطلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الإنجيلية (أسفل - وسط) وطالبًا في إحدى مدارس جبل لبنان حوالى عام 1890 (أسفل - يسار) - (في الا طار) مدخل الجامعة الأميركية في بيروت عام 1955 (غيتي)
صور عرضت ضمن معرض «ذاكرة التعليم في لبنان» من إعداد الدكتور خالد تدمري.. وتضم المدرسة الإنجيلية للصبيان في طرابلس حوالى سنة 1940 (أعلى) وطالبين من المكتب الإعدادي الملكي في بيروت حوالى سنة 1885 (أسفل - يمين) وطلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الإنجيلية (أسفل - وسط) وطالبًا في إحدى مدارس جبل لبنان حوالى عام 1890 (أسفل - يسار) - (في الا طار) مدخل الجامعة الأميركية في بيروت عام 1955 (غيتي)
TT

لبنان.. 200 عام من التنافس بين الطوائف من أجل تعليم ريادي

صور عرضت ضمن معرض «ذاكرة التعليم في لبنان» من إعداد الدكتور خالد تدمري.. وتضم المدرسة الإنجيلية للصبيان في طرابلس حوالى سنة 1940 (أعلى) وطالبين من المكتب الإعدادي الملكي في بيروت حوالى سنة 1885 (أسفل - يمين) وطلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الإنجيلية (أسفل - وسط) وطالبًا في إحدى مدارس جبل لبنان حوالى عام 1890 (أسفل - يسار) - (في الا طار) مدخل الجامعة الأميركية في بيروت عام 1955 (غيتي)
صور عرضت ضمن معرض «ذاكرة التعليم في لبنان» من إعداد الدكتور خالد تدمري.. وتضم المدرسة الإنجيلية للصبيان في طرابلس حوالى سنة 1940 (أعلى) وطالبين من المكتب الإعدادي الملكي في بيروت حوالى سنة 1885 (أسفل - يمين) وطلاب قسم طبابة العيون في الكلية السورية الإنجيلية (أسفل - وسط) وطالبًا في إحدى مدارس جبل لبنان حوالى عام 1890 (أسفل - يسار) - (في الا طار) مدخل الجامعة الأميركية في بيروت عام 1955 (غيتي)

إذا كان من ميزة للبنان في محيطه اكتسب حق التفاخر بها، فهي المدارس والجامعات التي تأسست على أرضه حتى قبل أن يصبح كيانًا مستقلاً بسنوات كثيرة، وذلك بفضل الإرساليات التي كانت تحط في بلاد الشام، ووجدت لها في أقليات جبل لبنان ومحيطه أرضًا خصبة آنذاك.
في البدء، تأسست مدرسة «عين ورقة» في غوسطا، بمنطقة كسروان الفتوح، سنة 1798، واعتبرت «أم المدارس في الشرق»، حيث أمر البطريرك يوسف اسطفان، وهو تلميذ المدرسة المارونية في روما، بتحويل دير مار أنطونيوس في «عين ورقة» إلى مدرسة إكليريكية بطريركية، وذلك بعد تعثر كبير كانت تمر به الكنيسة المارونية. وتعتبر هذه المدرسة أول مؤسسة تربوية في لبنان تقدم التعليم المجاني للتلاميذ، وذلك بفضل تخصيص أرزاق دير مار أنطونيوس لهذه الغاية، وقد خرّجت عددًا كبيرًا من البطاركة والمطارنة والكهنة، وأعطت لبنان نخبة من الأدباء الذين لعبوا دورًا رياديًا.
واليوم، لا تزال المؤسسات التعليمية للإرساليات المسيحية، وتلك التي أقامتها الطوائف الأخرى، تلعب دورًا رائدًا في تشكيل النخب، رغم أن الساحة لم تعد لها وحدها. فبسبب نظام التعليم الحر، نمت مدارس وجامعات خاصة كثيرة في لبنان، غلب عليها الطابع التجاري، ووصل عدد مؤسسات التعليم العالي إلى 45 مؤسسة في بلد يقدّر عدد مواطنيه بأربعة ملايين، وهو ما يجعل الأصوات ترتفع مطالبة بمزيد من الحزم والمراقبة في منح الرخص التعليمية، خصوصًا أن اللبناني لا يزال يميل إلى التعليم الخاص، بعد أن تهاوى مستوى التعليم الرسمي خلال الحرب الأهلية التي انتهت مطلع تسعينات القرن الماضي. فثمة دراسة تظهر أن نحو 60 في المائة من اللبنانيين لا يزالون يلتحقون بالتعليم الخاص، مقابل 40 في المائة فقط في التعليم الرسمي.
* الطوائف المسيحية تتنافس بجامعاتها
عام 1834، أنشأ الآباء العازاريون أول مدرسة كاثوليكية حملت اسم «عينطورة». وعام 2014، احتفلت المدرسة الشهيرة التي صارت معهدًا بمرور 180 سنة على تأسيسها. لكن طائفة البروتستانت يبدو أنهم كانوا يدركون التحدي، ووجدوا أنفسهم في منافسة مع طائفة الكاثوليك، فبادروا إلى إنشاء «الجامعة الأميركية» عام 1866.
وحين سئل مؤسسها دانيال بليس عن سبب اندفاعته هذه، قال إنه يريد أن يستبق الآباء الياسوعيين. وقد عرفت «الجامعة الأميركية» عند افتتاحها باسم «الكلية السورية الإنجيلية»، وكان القسّ بليس قد قضى أربع سنوات، بين عامي (1962 - 1966)، يجمع التمويلات اللازمة بين بريطانيا وأميركا، ثم منحته ولاية نيويورك ترخيصًا بافتتاح الكلية، ومنحته الدولة العثمانية الإذن اللازم للعمل، مع إعفائه من الضرائب.
الياسوعيون بدورهم لم يتأخروا كثيرًا في وضع اللبنة الأولى لجامعتهم التي أبصرت النور عام 1875، حيث كان البدء بكلية اللاهوت والمكتبة الشرقية. وعام 1883، كان معهد الطب قد افتتح، وتحول إلى كلية للطب والصيدلة بعد ذلك بست سنوات فقط، لتكر سبحة الكليات. ولا تزال «الجامعة الياسوعية» أو «جامعة القديس يوسف» بمركزها الرئيسي في بيروت، وفروعها في المناطق، واحدة من أهم المؤسسات التعليمية في بلاد الأرز.
* بين الحكم العثماني.. وتأثير الإرساليات
تميز القرن التاسع عشر، بينما كان لبنان تحت الحكم العثماني، وأقلياته موضع اهتمام حلفائهم من الغربيين، بنشاط الإرساليات التبشيرية. ففي هذه الفترة، توافدت إرساليات كاثوليكية وبروتستانتية آتية من فرنسا وإيطاليا وأميركا وبريطانيا، وحتى ألمانيا والنمسا. وإذا كان التبشير هو المهمة الأولى، فإن ذلك كان يقترن بنشاطات أبرزها إقامة المؤسسات التعليمية التي بنيت على مداميك متينة، ولا يزال غالبيتها قائمًا حتى يومنا هذا. وهي مؤسسات لعبت في حينه، ولا تزال، دورًا شديد الأهمية في تشكيل النخب، وتشجيع اللبنانيين على المبادرة لإنشاء مدارسهم الوطنية. وبمرور الوقت، طورت هذه المؤسسات مناهجها، ووسعت اختصاصاتها، وامتدادها الجغرافي، وصار لبعضها فروع في المناطق، ومنها ما امتد من لبنان إلى بلدان عربية أخرى.
ومهم التذكير أن هذه المدارس كانت تعنى أيضًا بتدريس البنات في غالبية الأحيان. ومنذ عام 1832، كانت «كلية بيروت للبنات» قد أبصرت النور.
وتحتفل «الجامعة الأميركية» هذه السنة بمرور 150 سنة على تأسيسها، بينما احتفلت «الجامعة الياسوعية» أو «جامعة القديس يوسف» العام الماضي بعيدها الـ140. قرن ونصف من التعليم الجامعي الغربي الطابع، حيث لم تولد النواة الأولى لـ«الجامعة اللبنانية» الوطنية إلا عام 1951، وسط إضرابات ومطالبات بوجود مؤسسة جامعة شبه مجانية لكل المواطنين، وقبلها بعام واحد كانت قد تأسست «جامعة الروح القدس» في كسليك، لتأتي «جامعة بيروت العربية» عام 1960، وسط المد القومي العربي المتصاعد، ثم «جامعة سيدة اللويزة»، وهي كاثوليكية، عام 1987. أما «جامعة البلمند» الأرثوذكسية، فتأسست عام 1988، في منطقة الكورة الشمالية، بالقرب من دير البلمند المشرف، وقد نمت وتوسعت وصار لها كليات في مختلف الاختصاصات.
* مدارس تحت شجرات السنديان
يتذكر اللبنانيون كثيرًا، خصوصًا في كتب القراءة التي تدرس للصغار، مدرسة «تحت السنديانة»، يوم كان الأستاذ يعلم تلامذته في القرية تحت الشجرة وهم يفترشون البسط، لكن من الطرائف أن هذا النمط البدائي كان سائدًا في الوقت الذي كانت فيه المدارس قد وجدت في وقت مبكر في المدن وبعض البلدات. وذكر كتاب «حصر اللثام» أنه أحصيت في عام 1895 في لبنان نحو 330 مدرسة موزعة على أكثر من ألف قرية في أنحاء متصرفية جبل لبنان، وذلك ليس عائدًا فقط إلى المدارس الإرسالية، ولكن أيضًا إلى تنظيم الدولة العثمانية أمور التعليم في بلاد الشام، وإصدار نظام خاص، مما ساهم في افتتاح مدارس متفاوتة الأهمية، من حيث الدور الذي لعبته.
وفي كل الأحوال، سبقت المؤسسات التربوية الخاصة تلك الرسمية بعقود، وخرّجت الكتّاب والأدباء والنخبة التي ستشكل نواة النهضة العربية نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، ليس فقط في بلاد الشام، بل في مصر أيضًا.
وبالإمكان اليوم الحديث عن عدد من المدارس الخاصة التي تعود إلى ذلك الزمن، ولا تزال مؤثرة إلى اليوم. وإذا كانت الإرساليات المسيحية قد لعبت دورًا، وافتتحت مدارس في مختلف المناطق التي ستصبح ضمن نطاق لبنان الكبير بعد الاستقلال عام 1943، فإن بقية الطوائف أيضًا سعت إلى أن يكون لها مدارسها وجامعاتها، مما جعل للتعليم الخاص حدّان ماضيان: جهة التنوير والانفتاح على الغرب والثقافات واللغات، وهو ما ساهم في جعل لبنان جسرًا ثقافيًا بالفعل؛ وجهة الانغلاق والتقوقع على الطائفة وتعاليمها وقيمها ومفاهيمها من جهة أخرى، وهو أحد أسباب الشرخ في الشخصية الوطنية اللبنانية.
وبالعودة إلى المدارس الأكثر عراقة المستمرة إلى اليوم، يمكننا ذكر «مدرسة الشويفات» التي تأسست في قرية الشويفات عام 1886، بفضل امرأة آيرلندية كانت تعيش في لبنان، ثم توارثها مربون طموحون افتتحوا لها بمرور الوقت فروعًا كثيرة في لبنان ودول خليجية ومصر والأردن والعراق وكردستان، كما في إنجلترا، وكذلك في أميركا وألمانيا، وحتى في باكستان.
وفي السنة نفسها التي انطلقت فيها «مدرسة الشويفات»، أبصرت النور «مدرسة الفرير» في طرابلس، من قبل ثلاثة إخوة رهبان قدموا من الإسكندرية، فاشتروا منزلاً، وبدأوا التعليم مع ستة تلامذة، وانهوا العام مع 32 تلميذًا. وعام 1912، سيصبح عدد المسجلين 300 تلميذ. وكما غيرهم، سعى الأرثوذكس لتأسيس مدارسهم، ومن بين أشهرها «زهرة الإحسان» التي بدأت عملها في منطقة الأشرفية في بيروت عام 1881، بفضل سيدة تدعى فضيلة سرسق، ومعها الراهبة مريم جهشان. ويعود نجاح هذا المشروع لكونه جاء ليلبي حاجة ماسة لدى الطائفة الأرثوذكسية التي لم ترتح لكثرة الإرساليات الكاثوليكية والبروتستانتية التي عملت جاهدة على استمالة الشباب الأرثوذوكسي. ومع وجود طبقة برجوازية في الطائفة بحاجة لتعليم أولادها وإكسابهم المعرفة على مستوى عصري، تداعت هيئات مدنية ودينية لإنشاء مؤسسات تربوية حديثة، فكانت «زهرة الإحسان»، وهي أول معهد أرثوذكسي للإناث في لبنان في مطلع القرن العشرين، يعلم اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية ومبادئ اللغتين اليونانية والروسية.
* الطوائف الأخرى تشترك بالسباق التعليمي
بالتزامن مع هذه الحيوية التعليمية عند الطوائف المسيحية، شكّل السنّة بدورهم «جمعية المقاصد الإسلامية» عام 1878، وبدأوا بإنشاء مدارس لها، بإمكانها اليوم أن تحتفل بمرور 138 سنة على تأسيسها. وقد شهدت هذه المؤسسات التعليمية التي أصبحت تشمل جامعة أيضًا عصرها الذهبي في منتصف القرن الماضي، بفضل دعم كبريات العائلات البيروتية. وقد أريد لها أن تعنى بالصغار، والتربية على غرار المدارس الأجنبية في لبنان وأوروبا، فافتتحت لها فروعًا كثيرة في المناطق، ودعمت طلابها بالمنح للدراسة في الخارج، لكن هذه المؤسسات التربوية باتت تعاني من ضعف وضمور في عدد الطلاب والأساتذة، وثمة جهود تبذل لاستعادة ألق أمجادها السابقة.
ولم يغب الشيعة عن المشهد، ففي ثلاثينات القرن الماضي، أنشأ رشيد يوسف بيضون مدرسة سماها «الكلية العاملية» غايتها تعليم شباب جبل عامل في الجنوب اللبناني، وتحسين مستواهم الاجتماعي والعلمي. كما ساهم الرجل في إنشاء المؤسسة المهنية العاملية، بمساعدة تدريبية وعينية من دولة ألمانيا الاتحادية.
أما الدروز، فمع قيام نظام المتصرفية في جبل لبنان عام 1861، أسهم المتصرف داود باشا، مع أعيان الموحدين الدروز، في تأسيس المدرسة التي أطلق عليها اسم المتصرف «المدرسة الداودية». وقد أشرف المتصرف على بنائها، بعد جمع أوقاف الموحدين الدروز العامة في وقف واحد سمّي بـ«وقف الداودية»، لتأمين مستلزمات ونفقات المدرسة، والتعليم فيها كمدرسة داخلية مجانية كانت صرحًا مهمًا في تاريخ التعليم في كل منطقة الجبل، وتخرّج منها آلاف الطلاب الذين كان لهم شأن ودور مهم في تاريخ لبنان.
وكذلك يمكن الحديث عن المدرسة المعنية (نسبة لأمراء آل معن) التي أسسها عارف النكدي، أحد أبرز رعاة الداودية، لتكون مدرسة شقيقة في العاصمة بيروت.



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).