قراءة في دور البعد الآيديولوجي بإعادة تدوير موجات الإرهاب المتتالية

أمام خلفية نشاط «القاعدة» و«داعش» في العراق وسوريا

فكر الإرهاب الداعشي انتشر بين الشباب الصغير في السن مثل النار في الهشيم («الشرق الأوسط»)
فكر الإرهاب الداعشي انتشر بين الشباب الصغير في السن مثل النار في الهشيم («الشرق الأوسط»)
TT

قراءة في دور البعد الآيديولوجي بإعادة تدوير موجات الإرهاب المتتالية

فكر الإرهاب الداعشي انتشر بين الشباب الصغير في السن مثل النار في الهشيم («الشرق الأوسط»)
فكر الإرهاب الداعشي انتشر بين الشباب الصغير في السن مثل النار في الهشيم («الشرق الأوسط»)

يمثل التطرف الفكري الديني ظاهرة معقّدة من حيث عوامل إنتاجه، الشيء الذي انعكس على مختلف أوجه الدراسة الفردية أو تلك التي تمارسها مراكز البحث المتخصصة في هذه الظاهرة. ورغم الإقرار العلمي بهذا الوضع، فإن التركيز البحثي على الجانب الآيديولوجي للمنظمات الإرهابية التي ترفع شعارات دينية يمنح المتتبع صورة تفسيرية عميقة، تكشف الأصول الفكرية والسلوكية للتطرف الديني وقدرته على التحول إلى منظمات وميليشيات مسلحة تمارس الحرب والقتال المتوحّش بمبرّرات دينية.
أدى ظهور تنظيم داعش المتطرف، خلال عام 2012م، إلى إثارة شكوك حقيقية حول جدلية بعض العوامل وفعاليتها وقدرتها على تطوير البعد الآيديولوجي للتطرف والإرهاب المنظم. ولئن كانت بعض الدراسات الجادة اعتبرت التنظيم الذي يتزعّمه «أبو بكر البغدادي» استمرارًا لفلسفة العنف السياسي لتنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن، فإن أبحاثا لا تقل جدية اعتبرت «داعش» موجة جديدة، أكثر توحشًا من حيث استعمال النص الديني والعنف المادي القتالي. وفي الوقت نفسه نظرت الأبحاث هذه إلى تنظيم «البغدادي» الإرهابي، باعتباره حداثيًا من حيث هيكلة الممارسة القتالية والمالية والإدارية. وخلصت هذه المدرسة البحثية من خلال دراساتها إلى نتيجة تؤكد أنه من الصعب، بل يكاد يكون مستحيلا القضاء على تنظيم كـ«داعش» بشكل نهائي، على الرغم من تعدد الوسائل المستخدمة في مواجهته وتطوّرها.
وتبرّر مجمل الدراسات هذه الخلاصة، بالتأكيد، أن القوة العسكرية التي خصّتها دول التحالف ضد الإرهاب - وغيرها من الدول - بأهمية بالغة، بقصد هزم التنظيم والحد من تدفق الموارد المالية والبشرية إليه لا يمكنها تحقيق غرض القضاء النهائي على التنظيم الإرهابي. والسبب هو أن قوته الصلبة تكمن في آيديولوجيته الفكرية الدينية التي تزعم الاعتماد على «تطبيق شرع الله» و«الجهاد ضد أهل الكفر». وهذا البعد الآيديولوجي للثقافة الدينية، كما أثبت التجربة من 2001 إلى اليوم، من الصعب استئصاله بقوة السلاح، حتى لو تيسّر إلحاق الهزيمة بـ«القاعدة» أو «داعش» ماليًا وعسكريًا.

«الروح المنقذة»
وعليه، أصبح من المؤكد بحثيًا، ومن خلال مسار الصراع بين الإرهاب والدول، أن البعد الآيديولوجي هو «الروح المنقذة» اليوم بالنسبة لتنظيمات كـ«قاعدة» أيمن الظواهري (الذي خلف بن لادن في موقع القيادة) و«داعش» البغدادي من محاولات التصفية المتعددة التي تعرض لها التنظيمان الإرهابيان في الشرق الأوسط وأفريقيا. ذلك أن هذه الروح «الشريرة»، أكانت منذ ثمانينات القرن العشرين آيديولوجية عالمية، مبثوثة في ذهنية جيل جديد من الشباب المسلم في الغرب وعلى طول الجغرافيا العربية وفي منطقة آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء. وهذا التمدد سرعان ما استثمرته بعض التنظيمات المتطرفة لتحوله لوقود مهدد للسلم الدولي، يعمل عبر نسيج شبكي، ينتج بدوره مسلكيات إرهابية فرعية أطلق عليها «الذئاب المنفردة».
وسواءً كان التطرف منظّمًا وفق المعيار الوطني القُطري أو عابرًا للقارات، فإن رؤيته الدينية المؤدلجة الخاصة بحاكمية الشريعة وسيادتها من جهة، واعتبار «الولاء والبراء» قاعدة عقدية من جهة ثانية، تستوجب - وفق هذه الآيديولوجية - على التنظيم المواجهة مع «عالم الكفر» الداخلي والخارجي لتحقيق عودة الخلافة الإسلامية، المُفضية بدورها لتطبيق الشريعة.
هذا الثابت الفكري المؤدلج، هو ما جعل من تنظيم «جبهة النصرة» مجرّد تطور مرحلي، يرجع من حيث النسب إلى «القاعدة»، من دون أن يتمسك بكل مذهبيتها الآيديولوجية القتالية العالمية. ويجعل من «جبهة فتح الشام» مجرد حركية في مسار نوعي للتنظيم الأم رسمه بسبب ظروف ذاتية ودولية. ولذلك جاء انفصال «أبو محمد الجولاني» عن «القاعدة» محكومًا بجدلية الاستمرارية لا القطيعة المذهبية والتصوّرية، وفي الوقت ذاته، ثمة إحداث تجديد نوعي من الناحية الفكرية، بالتخلي عن «الجهاد العالمي» و«عالمية الخلافة الإسلامية».
لقد عبّر «الجولاني» على ثنائية الاستمرار والقطيعة، من خلال تحديده ركائز تنظيمه، ولخصها في العمل على إقامة دين الله وتحكيم شرعه وتحقيق العدل بين كل الناس، وهذا مشترك أصيل مع «قاعدة» الظواهري. لكنه سرعان ما يكشف عن تطوّر نوعي آيديولوجي، لا يخرج عن مبدأ تجدد «القاعدة»، والخاص بعدم تكفير المجتمع المسلم ومحاربته. ويبدو أن تنظيرات وممارسة «أبو مصعب الزرقاوي» قد لعبت دورًا كبيرًا في هذا الشأن، ذلك أنه استطاع خلق ممارسة تمنح لما هو محلي أولوية على البعد العالمي الذي بناه بن لادن. فـ«الزرقاوي» كيّف تنظيراته فيما يخص التكفير مع الوضع السنّي العراقي، أساسًا، في محاولة منه لتوسيع حاضنته الاجتماعية لمواجهة الشيعة وإيران. وعندما أسس الزرقاوي «التوحيد والجهاد»، وضمها إلى «القاعدة» عام 2004 تحت اسم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين» فإنه فرض على التنظيم المركزي مراعاة الظروف المحلية لما أسماه «الحالة الجهادية في العراق».
وفي سياق هذا التحول يمكن فهم ما عبر عنه «أبو محمد الجولاني» من تجديد منهجي، بالتأكيد على أن «جبهة فتح الشام» ستسعى لخدمة المسلمين والوقوف على شؤونهم وتخفيف معاناتهم اليومية. بل جعل من أهداف «الجبهة» - حسب قوله - «تحقيق الاستقرار والأمن والأمان والحياة الكريمة لعامة الناس». وفيما يخص «الحرب الأهلية» السورية، أكد على حماية جهاد أهل الشام واعتماد كل الوسائل الشرعية المعينة على ذلك، بما فيها التوحد مع الفصائل المجاهدة التي لم يسبق أن كانت لها صلة عقدية بـ«القاعدة»، مادام ذلك يحقق القضاء على النظام السوري وأعوانه.

«إدارة التوحّش»
في هذا الإطار كذلك يمكن فهم الاختلاف الآيديولوجي بين «القاعدة» و«داعش»، فيما يخص ذهنية التكفير وممارسة التوحش. فخطاب كل من بن لادن والظواهري ظل يتسم بنوع من الحذر تجاه تعميم التكفير على أهل السنّة، من جهة. وكان من جهة أخرى، يحاول الابتعاد عن تكفير عموم الشيعة. في حين انتقل «داعش»، بحكم الظروف المحلية، للتركيز على الجانب الهوياتي المذهبي، والتأصيل له آيديولوجيًا. وبالتالي، اعتبار المواجهة مع الشيعة في العراق وسوريا «حربًا مقدسة» وواجبًا دينيًا لا يختلف عن مواجهة «أمّة الكفر الصليبية» الغربية.
وبما أن «خلافة البغدادي»، حالة «حرب مقدّسة» على الجميع فإن «أبو بكر ناجي»، صاحب كتاب «إدارة التوحش» وأهم منظري «داعش»، يرى أن «إدارة التوحش هي المرحلة القادمة التي ستمر بها الأمة، وتُعد أخطر مرحلة، فإذا نجحنا في إدارة هذا التوحش ستكون تلك المرحلة بإذن الله هي المعبر لدولة الإسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة. وإذا أخفقنا أعاذنا الله من ذلك - لا يعني ذلك انتهاء الأمر، ولكن هذا الإخفاق سيؤدي لمزيد من التوحش!. ولا يعني هذا المزيد من التوحش الذي قد ينتج عن الإخفاق أنه أسوأ مما هو عليه الوضع الآن أو من قبل في العقد السابق (التسعينات) وما قبله من العقود بل إنَّ أفحش درجات التوحُّش هي أخفُّ من الاستقرار تحت نظام الكفر بدرجات».
من جهته، يمثل «أبو عبد الله المهاجر» المعروف بـ«فقيه داعش»، المنظر الأكثر تعبيرًا عن آيديولوجية إدارة التوحّش. حيث يُشرعِن لممارسات إجرامية غير إنسانية، ويمنحها الجواز الدين الإسلامي، فيذهب في كتابه «مسائل من فقه الجهاد ص 163»، إلى أنه «يشرع لعباد الله المجاهدين في سبيله إعلاء لكلمته: رمي الكفار الحربيين، وقتلهم، وقتالهم بكل وسيلة تخطف نفوسهم، وتنزع أرواحهم من أجسادهم تطهيرًا للأرض من رجسهم، ورفعًا لفتنتهم عن العباد أيًا كانت هذه الوسيلة». ويضيف في الموضوع ذاته (ص 278) «لم يختلف أحد من فقهاء الإسلام في مشروعية قطع رؤوس الكفرة المحاربين، وحزّها سواءً كانوا أحياءً أو أمواتًا، بل ذلك عندهم من البديهيات المسلّمات لتواتر المسلمين عليه في جهادهم لأعداء الله جيلاً بعد جيل، وقبيلاً بعد قبيل من عهد النبوة وإلى يوم الناس هذا».
وعمومًا، يمكن القول إن تطوّر الذهنية الآيديولوجية للتطرف، وارتباط ذلك بالممارسة الإرهابية تتداخل فيه عوامل سياسية وسوسيولوجية عدة ومعقدة، في طليعتها البعد الآيديولوجي العقدي الثقافي. وهذا ما يطرح بشكل جدي سؤالاً جوهريًا يتعلق بصلابة الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب من حيث منطلقاتها أو وسائلها وأهدافها النهائية.
بالنسبة إلى مايكل كوبلو، الباحث في الظاهرة الإرهابية، فإن «للآيديولوجية والفكر (الداعشي) روحًا قابلة للعودة إلى الحياة، حتى بعد القضاء عليه». فتنظيم «البغدادي» يتصف بالمرونة، و«ستبقى (آيديولوجية داعش) متربصة في مكان ما حتى تتبناها مجموعة أخرى وتبعثها من جديد.. ولقد يكون ممكنًا إبعاد (داعش) عن المشهد، لكن لا يمكن التخلص من الإطار الأوسع للمشكلة من خلال الضربات الجوية ولا حتى إنزال قوات على الأرض».

المعالجة السياسية ضرورية
المواجهة وجب أن تعود لنزع فتيل الأزمة المستحكمة في الجغرافية المنتجة للإرهاب. ومن ثم فإن الحلول السياسية ستبقى أكثر جدوى من المواجهة المسلحة وحدها. وكل من سوريا والعراق بحاجة لنظام سياسي وطني، ومساعدة أممية تحقق مصالحة وعدالة انتقالية حقيقية، وبناء مؤسسات ديمقراطية. ويتم من خلالها حماية حقوق الإنسان، والتعدد الديني والطائفي والمذهبي انسجامًا مع الجغرافية البشرية للمنطقة.
ويبدو أن مسارات وملابسات المعركة العسكرية ضد الإرهاب في العراق والأراضي السورية، وتباينات المصالح الاستراتيجية الإقليمية والدولية، تثبت مرة أخرى، أنه من الصعب القضاء على الآيديولوجية الإرهابية بالقوة العسكرية وحدها. وهذا، خاصة، مع تناقضات الجهات المتحالفة القائدة لعملية مواجهة الإرهاب، من جهة؛ وفي ظل غياب استراتيجية أممية إزاء بناء دولة تجمع جميع الأطراف المجتمعية وتضمن حقوقها السياسية، من جهة ثانية. ومهما تعاظمت القوة الحربية للتحالف الدولي المستوردة خارجيًا، فإنها ستعجز عن تصفية «متوالية التطرف» العقدي، القادر على الانتعاش المتجدّد في ظل الأزمات المحلية المعقدة لمنطقة عاجزة عن تقرير مصيرها، ومصير جماعاتها الاجتماعية.
وهذه الحقيقة الواقعة اليوم في الشرق الأوسط، كافية لبعث «الروح الجهادية» من تحت رماد الصراعات، وتجنيد جيل جديد من المتطرفين المقاتلين المحليين والعالميين ليبصموا على ميلاد موجة جديدة من «إدارة التوحش» المتجاوز لـ«داعش» و«أبو بكر ناجي» و«حسين بن محمود» و«عطية الله» و«عبد الرحمن الفقير»... وغيرهم من المنظرين الإلكترونيين الجدد للتطرف، والإرهابيين المحلي والعالمي.
* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس - الرباط



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».