مباحثات سودانية ـ سعودية لاستغلال ثروات البحر الأحمر

مشروع «أتلانتس 2» تُقدر عائداته بنحو 20 مليار دولار

مباحثات سودانية ـ سعودية  لاستغلال ثروات البحر الأحمر
TT

مباحثات سودانية ـ سعودية لاستغلال ثروات البحر الأحمر

مباحثات سودانية ـ سعودية  لاستغلال ثروات البحر الأحمر

تستضيف مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية بعد غد الثلاثاء، اجتماع اللجنة الدائمة السودانية السعودية المشتركة لاستغلال ثروات البحر الأحمر المعروفة بـ«أتلانتس2»، والمقدرة عائداته، بعد انطلاق المشروع عام 2020، بنحو 20 مليار دولار.
وتُقدر الثروات المعدنية داخل المشروع الواقع في أعمال البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بين السودان والسعودية، بنحو 47 طنا من الذهب٬ ومليوني طن من الزنك٬ و500 ألف طن من النحاس٬ و3 آلاف طن من المنغنيز٬ و3 آلاف طن من الفضة٬ إلى جانب معادن أخرى.
وأوضح لـ«الشرق الأوسط» الدكتور أحمد محمد صالح الكاروري وزير المعادن الذي يقود وفد بلاده لهذا الاجتماع، أن مشروع «أتلانتس2»، شراكة بين السعودية والسودان لاستغلال الثروة الطبيعية الموجودة في قاع البحر الأحمر في المنطقة المشتركة بين الدولتين، مشيرا إلى أن اللجنة الدائمة السودانية السعودية المشتركة التي ستجتمع في جدة، هي الآلية المتفق عليها بين البلدين، لمنح التراخيص والمتابعة الفنية والمالية.
وفي حين أشار الكاروري إلى أن الاجتماع، الذي يحمل رقم 12 للجنة، سيتم كل ستة أشهر، بالتناوب ما بين الخرطوم وجدة، منوها إلى أن الاجتماع السابق عقد بالخرطوم في مايو (أيار) الماضي، معلنا أن مشروع «أتلانتس2»، سيحقق فوائد عظمى للبلدين. ووفقا لأسعار أبريل (نيسان) الماضي، فإن القيمة الدولارية لثروات المشروع تبلغ 20 مليار دولار.
ووفقا للدكتور محمد أبو فاطمة مدير الهيئة العامة للأبحاث الجيولوجية عضو الوفد المرافق للوزير للسعودية، فإن شركة «منافع» السعودية هي الشركة الحائزة على حق الامتياز لاستخراج هذه الثروات، منها الزنك والنحاس والفضة والذهب، إضافة إلى المعادن الأرضية النادرة المصاحبة مثل الكوبالت والرصاص والمنغنيز.
ووقعت السعودية والسودان في مايو الماضي برامج وخططا ودراسات لاستغلال الثروات المعدنية بحوض «أتلانتس2» في البحر الأحمر٬ والذي يعرف اصطلاحا بـ«كنز البحر الأحمر»٬ ويحتوي معادن الذهب والفضة والنحاس والمنغنيز ومعادن ثمينة أخرى. ونتج عن الاتفاق بين البلدين، عمليات رصد لمناطق عميقة في قاع البحر الأحمر٬ وأثبتت الأبحاث الجيولوجية في البلدين، وجود أكثر من 30 موقعا في القاع٬ تحتوي رواسب طينية متمعدنة، بتركيز مرتفع من معادن مثل الزنك٬ والنحاس٬ والفضة٬ والذهب٬ والكوبالت٬ والكادميوم.
تجدر الإشارة إلى أن وزير البترول والثروة المعدنية السعودي الأسبق علي النعيمي قد زار الخرطوم في مايو الماضي، على رأس وفد سعودي رفيع، والتقى خلال الزيارة الرئيس السوداني عمر حسن البشير٬ وعقد جلسة مباحثات مشتركة بوزارة المعادن السودانية، وبدا النعيمي متفائلا حينها بما تم الاتفاق عليه٬ مبديا جدية حكومة بلاده على إنفاذ المشروع بقوله، حين طلب منه تقديم إفادات للصحافيين: «انتهى الكلام.. الحين وقت عمل ما وقت كلام»٬ موضحا أن زيارته للسودان لبحث الاستثمارات المشتركة تنسجم مع توجهات المملكة العربية السعودية الجديدة بتقليص الاعتماد على العائدات النفطية.
وقال وزير المعادن السوداني خلال تلك الزيارة إنه ونظيره السعودي «اتفقا على التفاصيل كافة٬ المتعلقة منها بموقع (أتلانتس2) لاستثمار المعادن في البحر الأحمر٬ أو استثمار المعادن في بقية أنحاء السودان»، موضحا أن شركة منافع السعودية الحائزة على عقد المشروع، قد قدمت تقريرا بشأن ما قامت به من عمل٬ وأثبتت جديتها في العمل والتزامها بالبرنامج٬ وأن الطرفين ناقشا الخطة التي تقدمت بها٬ وتم الاتفاق على تعديل البرنامج الزمني، ليبدأ الإنتاج بعد أربع سنوات بدلا من مقترح الشركة الذي حدد ثلاث سنوات، بسبب أن العمل في أعماق البحار يحتاج إلى خبرات وكفاءات وآليات فنية محددة، ما استدعى تمويل برنامج بتكلفة 74 مليون دولار حتى بلوغ مرحلة الإنتاج٬ وتشمل التكلفة الجوانب الفنية والتحاليل الإضافية للوصول لمرحلة الجدوى الاقتصادية٬ والتي يعقبها الوصول لمرحلة الإنتاج.
وأعدت شركة دياموند فيلدز إنترناشيونال الدولية لحقول الماس المحدودة، وهي شركة كندية مقرها مدينة فانكوفر٬ دراسة توقعت فيها تحقيق كلا البلدين عوائد مجزية٬ من استخراج معادن النحاس والفضة والزنك من قاع البحر الأحمر، ونشر معهد «كيل للاقتصاد العالمي» بحثا في مارس (آذار) عام ٬2011 قدر القيمة الإجمالية للمعادن في قاع أحواض البحر الأحمر بنحو 9 مليارات دولار٬ وأن استخراجها ممكن، وأنها مربحة اقتصاديا.



وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.