الهند تتجه لعلاج الاقتصاد «بالصدمة»

استهل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بحملة موسعة للقضاء على الفساد بتفعيل الرقابة الصارمة على المدفوعات النقدية الكبيرة للقضاء على «الأموال السوداء» وهي الأموال المكتسبة من خلال أنشطة غير مشروعة قانونا أو حُصلت من ناحية قانونية ولكن لم تخضع للضريبة – وبلغت الحملة ذروتها الأسبوع الماضي مع حظر استخدام العملات فئات 500 روبية و1000 روبية (7.5 – 15 دولارا) على التوالي، على أن يتم التداول بالعملتين حتى 30 ديسمبر (كانون الأول) المقبل في شراء الوقود أو داخل المستشفيات الحكومية فقط.
وتم إلغاء ما يقدر بنحو 220 مليار دولار من الفئتين، أو ما يمثل 86 في المائة من النقدية المتداولة في الهند، وصدمت الهند عندما أعلن مودي في الثامن من نوفمبر الجاري في ظل ارتفاع معدلات الإنفاق بسبب موسم الزواج، الأمر الذي ترك الأسواق مهجورة باستثناء البنوك وماكينات الصراف الآلي التي شهدت إقبالا واسعا في محاولة لتغيير فئات النقدية الملغاة.
في بداية العام الجاري، طالبت الهند تجار التجزئة أن يقدموا تفاصيل عمليات البيع التي تبلغ 200 ألف روبية (3000 دولار) نقدا من العميل، مع تقديم رقم هوية المشتري لموظفي الضرائب، وسريعا ما شهدت معدلات المبيعات للمنتجات الفاخرة تراجعا بنحو 60 في المائة في الفترة المنتهية في سبتمبر (أيلول) الماضي مقارنة بنفس الفترة العام الماضي.
وذكر بعض المتسوقين على مواقع التواصل الاجتماعي أنهم لم يعودوا قادرين على الشراء النقدي للمنتجات باهظة الثمن دون التعرض لخطر استدعائهم من قبل دائرة ضريبة الدخل.
وفي الوقت الذي تحاول فيه الحكومة الهندية التغلب على الاختناقات اللوجستية التي أعاقت توزيع العملة الجديدة، لا يزال النقاش محتدما حول مدى فاعلية هذا الإجراء القاسي في مكافحة غسل الأموال، فضلا عن تساؤلات حول تأثير القرار على الاقتصاد الهندي بشكل عام. ويبلغ معدل دوران النقود 14 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، أقل من 5 في المائة من الاقتصادات الكبرى، في حين تبلغ المعاملات الاستهلاكية نقدا 80 في المائة من إجمالي حجم التعاملات الاستهلاكية.
ويعد قرار مودي «راديكاليا»، في الوقت الذي دعا فيه الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد كينيث روغوف إلى التخلص التدريجي من الفئات الكبيرة من النقد لمكافحة الجريمة في الاقتصادات الكبرى، فالبنك المركزي الأوروبي سحب عملة 500 يورو تدريجيا بسبب مخاوف تسهيل النشاط غير المشروع والتهرب من دفع الضرائب.
وحتى الآن لا تحدث عمليات التجميد الواسعة للنقود أو استبدال العملة بعملات جديدة «بشكل مفاجئ» إلا في الدول الغارقة في الفوضى الاقتصادية، على غرار ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية أو الاتحاد السوفياتي السابق قبل تفككه.
وقال جهانجير العزيز محلل الأسواق الناشئة في بنك جي بي مورغان في تصريحات سابقة، إنه لا يوجد بلد قام بهذا النوع من الإجراءات، مُطلقا عليه «العلاج بالصدمة».
فيما قال سوبان داسغوبتا عضو في مجلس الشيوخ الهندي أول من أمس، إن هذه الخطوة «جذرية» ومثلت هزة للمجتمع الهندي، فقد أصبح الفساد والتهرب الضريبي من قبل الشركات الغنية «نهجا حياتيا».. مؤكدا أن هذا الإجراء سيؤثر سياسيا على رئيس الوزراء، الذي يؤيده فئات تجار الجملة والتجزئة، الذين هم أكبر قاعدة سياسية في البلاد، والمعروف عنهم «عدم الشفافية في تعاملاتهم النقدية».
وأضاف: «أن هذا الإجراء اتُخذ بدافع نهج فلسفي لدى رئيس الوزراء وهو إذا أرادت الهند أن تكون لاعبا فعالا على الساحة الاقتصادية العالمية، فيجب اتخاذ إجراءات صارمة».
وفي الوقت الذي يصل فيه معدل نمو الناتج المحلي إلى 7.1 في المائة في الفترة من أبريل (نيسان) وحتى يونيو (حزيران)، بلغ معدل الضريبة إلى الناتج القومي 16.6 في المائة، يدفعها 5.5 في المائة من أصحاب الدخول، في حين يبقى ما يقرب من 85 في المائة من الاقتصاد خارج الشبكة الضريبية.
ولا يزال مودي يأمل في الاستقرار الاقتصادي للبلاد، حيث أجبر الكثير من الشركات في البدء في استخدام البنوك والمدفوعات الرقمية، بحيث يمكن رصد دخولها.
ويرى داسغوبتا أن مودي أعلن الحرب الشاملة على طريقة معينة لإدارة الأعمال بالهند، قائلا: «إنها حقا العلاج بالصدمة».
ويعود تفضيل الهنود إلى المعاملات النقدية وإخفاء القيم الحقيقية للدخل، على الحقبة الاشتراكية في سبعينات القرن الماضي عندما تولت رئاسة الوزراء أنديرا غاندي، عندما ارتفعت معدلات ضريبة الدخل إلى ما يقرب من 98 في المائة إضافة إلى مراقبة الحكومة وإحكام المسؤولين على قطاع الأعمال، وبرغم انخفاض معدلات ضريبة الدخل بشكل حاد منذ ذلك الحين، لكن شراء العقارات لا يزال خاضعا لأعلى شريحة ضريبية.