الحملة العسكرية تشتد على حلب والطيران يستهدف أحياءها الشرقية بـ«براميل الكلور»

«منظمة حظر الأسلحة الكيماوية» تعلن النظر في أكثر من 20 اتهامًا باستخدام أسلحة مماثلة في سوريا

الحملة العسكرية تشتد على حلب والطيران يستهدف أحياءها الشرقية بـ«براميل الكلور»
TT

الحملة العسكرية تشتد على حلب والطيران يستهدف أحياءها الشرقية بـ«براميل الكلور»

الحملة العسكرية تشتد على حلب والطيران يستهدف أحياءها الشرقية بـ«براميل الكلور»

لليوم الرابع على التوالي استمرت الحملة العسكرية العنيفة التي تشنّها روسيا والنظام السوري على الأحياء الشرقية المحاصرة في مدينة حلب، بحيث أجبرت كثافة القصف الجوي والمدفعي السكان المحاصرين على ملازمة منازلهم، وحالت دون وصول سيارات الإسعاف إلى الضحايا. وفي وقت أكّدت فيه مواقع معارضة أنّ طيران النظام ألقى، يوم أمس، براميل محملة بمادة الكلور السام على عدد من أحياء المدينة، ما سبب حالات الاختناق بين المدنيين، أعلن أحمد أوزومجو، المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أن المنظمة المكلفة بتدمير الأسلحة الكيماوية في أنحاء العالم تنظر حاليا في «أكثر من 20 اتهاما» باستخدام أسلحة مماثلة في سوريا منذ شهر أغسطس (آب) الماضي.
وأتت تصريحات مدير المنظمة بعد ساعات من إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا يمدد لعام مهمة فريق المحققين المكلف بتحديد المسؤوليات في الهجمات الكيماوية في سوريا. ومنذ بداية أغسطس تبادل النظام السوري والمعارضة الاتهامات بـ«استخدام الكلور ومواد غير محددة في حلب وشمال سوريا».
وتابع أوزومجو: «نبذل ما في وسعنا لجمع معلومات عن اتهامات مماثلة في محاولة لتحديد ما إذا كانت ذات صدقية أو لا بهدف تعميق التحقيق». وأضاف أن عدد هذه المزاعم «كبير نسبيا، وأحصي منها أكثر من عشرين».
وبعد أكثر من سنة من التقصي قال محققو لجنة التحقيق إن تنظيم داعش استخدم غاز الخردل في هجوم في أغسطس 2015 فيما استخدم الجيش السوري غاز الكلور في شمال سوريا في 2014 و2015.
وفي حين وصف مصدر عسكري في «الجيش الحر» ما يحصل في حلب بـ«الإبادة الجماعية»، سجل يوم أمس سقوط عشرات القذائف والصواريخ على الأحياء السكنية التي تعرضت أيضا لغارات جوية مكثفة، وأفادت وكالة الصحافة الفرنسية بأن «القصف المدفعي براجمات الصواريخ غير مسبوق منذ عام 2014 في تلك الأحياء التي اعتادت على الغارات الجوية، في وقت لزم السكان منازلهم وخلت الشوارع من المارة».
ولا ينفي المصدر العسكري شدّة الحملة وقسوتها على الفصائل العسكرية والمدنيين المحاصرين في حلب التي باتت تعيش «مجاعة حقيقية» بحسب وصفه. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نواجه الطيران بالأسلحة الفردية والمتوسطة في غياب أي دعم لنا بالأسلحة النوعية رغم كل الوعود التي تلقيناها، لكن رغم ذلك لم ولن يتمكنوا من دخول الأحياء الشرقية كما أنهم لن ينجحوا في تهجير أهلها كما سبق لهم أن فعلوا في مناطق بريف دمشق». ووصف المعارك والاشتباكات المستمرة بين الطرفين بـ«الكر والفر» مؤكدا أن الفصائل نجحت في تحصين الخطوط الأمامية التي ستمنع قوات النظام والمجموعات الموالية لها من التقدم.
ومن جانبه، أوضح «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أن القصف الجوي والمدفعي استهدف صباحا أحياء عدة بينها مساكن هنانو والفردوس والهلك وبستان الباشا وبستان القصر وطريق الباب والصاخور. وتواجه فرق الإسعاف صعوبة في التوجه إلى أماكن تم استهدافها بسبب شدة القصف بالصواريخ والقذائف والبراميل المتفجرة.
وفي حي مساكن هنانو، تهتز الأبنية مع كل غارة جوية، وفق مراسل وكالة الصحافة الفرنسية الذي قال إن سكان الحي طلبوا صباحا الإسعاف، إلا أن الفرق غير قادرة على الوصول إليهم. وقال مدير مركز الدفاع المدني في حي الأنصاري نجيب فاخوري للوكالة: «لم نشهد غزارة في القصف المدفعي والصاروخي مثل اليوم (...) حتى بات من الصعب علينا التوجه إلى أماكن القصف». وأضاف: «قبل قليل، تم طلبنا لإطفاء حريق نشب في حي الفردوس نتيجة القصف.. وحتى الآن لم نستطع التوجه إلى هناك».
وفي الوقت نفسه وثق «المرصد» مقتل 65 مدنيا على الأقل خلال أربعة أيام من القصف الجوي والمدفعي على الأحياء الشرقية. وكانت حلب قد شهدت ليلا، اشتباكات عنيفة في حي الشيخ سعيد الذي تسعى قوات النظام للتقدم فيه في جنوب الأحياء الشرقية. وأبلغ مدير «المرصد» رامي عبد الرحمن الوكالة الفرنسية بأن «الاشتباكات عنيفة جدا وترافقت مع قصف مدفعي متبادل». وردت الفصائل المعارضة على التصعيد العسكري في شرق حلب بإطلاق «أكثر من 15 قذيفة صاروخية» بعد منتصف الليل على الأحياء الغربية الواقعة تحت سيطرة قوات النظام.
من ناحية أخرى، أفادت شبكة «شام» المعارضة بإلقاء طيران النظام براميل محملة بمادة الكلور السام على أحياء هنانو وأرض الحمرة بمدينة حلب المحاصرة، ما سبب حالات الاختناق بين المدنيين. وأوضح ناشطون أن الطيران المروحي استهدف الأحياء السكنية في مساكن هنانو وأرض الحمرا بستة براميل تحوي مادة الكلور السام، سببت حالات اختناق عديدة في صفوف المدنيين، عملت فرق الدفاع المدني على اتخاذ التدابير اللازمة ونقلهم للمشافي الطبية.
ويذكر أن قوات النظام شنت مرات عدة حملات جوية ضخمة ضد الأحياء الشرقية سقط ضحيتها مئات المدنيين، وأطلقت في 22 سبتمبر (أيلول) الماضي هجوما بريا للتقدم والسيطرة على تلك المنطقة التي تحاصرها منذ يوليو (تموز). كما حاولت الفصائل المعارضة كسر هذا الحصار عن طريق هجومين واسعين عند أطراف المدينة الجنوبية والجنوبية الغربية إلا أنها فشلت في تحقيق هدفها. وحاليا، يعيش أكثر من 250 ألف شخص في الأحياء الشرقية لحلب في ظروف مأساوية، ولم تتمكن الأمم المتحدة من إدخال المساعدات منذ بداية يوليو (تموز) إلى تلك الأحياء نتيجة عدم سماح النظام بذلك.
ولقد وزع برنامج الأغذية العالمي وإحدى المنظمات الإنسانية المحلية الأسبوع الحالي آخر حصص المساعدات الغذائية القليلة التي كانت متبقية لديهم في المخازن على السكان المحاصرين.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.