دعوى ضد شركة «لافارج ـ سوريا» الفرنسية للإسمنت لتمويلها الإرهاب

دفعت أموالاً لـ«داعش» و«النصرة» لضمان استمرارها في العمل

دعوى ضد شركة «لافارج ـ سوريا» الفرنسية للإسمنت لتمويلها الإرهاب
TT

دعوى ضد شركة «لافارج ـ سوريا» الفرنسية للإسمنت لتمويلها الإرهاب

دعوى ضد شركة «لافارج ـ سوريا» الفرنسية للإسمنت لتمويلها الإرهاب

دخلت جمعية «شيربا» الفرنسية غير الحكومية على خط الحرب في سوريا من باب تقديم شكوى قضائية في باريس، أمس، ضد شركة «لافارج – هوسليم»، وهي أكبر شركة عالمية لإنتاج الإسمنت ومواد البناء في العالم، بسبب الدور الذي لعبته بحسب الجمعية في «تمويل الإرهاب» و«الشراكة في ارتكاب جرائم حرب» و«جرائم ضد الإنسانية» و«تهديد حياة لآخرين» وجرائم أخرى يحاسب عليها القانون.
الشكوى قدمت بالشراكة مع المركز الأوروبي للدفاع عن الحقوق الإنسانية والدستورية وقدامى موظفي شركة لافارج - سوريا «وهي شركة تابعة للافارج الأم»، وتأتي كتتمة منطقية بعد التحقيقات التي أجريت بشأن نشاطاتها في سوريا وطريقة تعاملها مع تنظيمات إرهابية ما بين العامين 2013 و2014، و«لافارج – سوريا» التي تمتلك مصنعا لإنتاج الإسمنت هو الأكبر في سوريا كان يغطي ربع حاجات البلاد قبل الحرب، وجدت في فراس طلاس، وهو رجل أعمال معروف وابن وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس وشقيق مناف، الجنرال المنشق الذي أخرجته المخابرات الفرنسية من سوريا، الشريك المثالي، بسبب موقعه داخل النظام «قبل الحرب» وقدرته على تسهيل أعمال الشركة التي اشترت في عام 2007 مصنع جلابيا «شمال شرقي سوريا» من شركة «أوراسكوم» المصرية التي يملكها رجل الأعمال نجيب ساويرس. وعمدت «لافارج – سوريا» إلى تطوير المصنع وتحديثه.
ومنذ شهر يونيو (حزيران) الماضي، بدأت تقارير صحافية تشير إلى «تعامل» لافارج مع تنظيم داعش الذي استولى على المنطقة عن طريق دفع الأموال له من أجل الإبقاء على إنتاج المصنع وعدم التعرض لمهندسيه وموظفيه. وخلال الأيام الثلاثة المنصرمة، نشرت صحيفة «لوموند» المستقلة مجموعة من التقارير التي تبين مدى انغماس الشركات في التعامل ليس فقط مع «داعش» ولكن قبلها مع النصرة وأحرار الشام والتنظيمات المسلحة التي كانت موجودة في المنطقة، وتحديدا في منبج ومحيطها. كذلك تعاملت مع وحدات حماية الشعب الكردية. ورغم القرارات الأوروبية والعقوبات التي فرضت على سوريا، فإن «لافارج» استمرت بالعمل في هذا البلد. وبحسب ميريام سعاج – معاب، وهي مديرة القسم القانوني في المركز الأوروبي، فإن حالة «لافارج» في سوريا، «تبين كيف أن شركات متعددة الجنسية العاملة في مناطق تشهد اضطرابات، يمكن أن تغذي النزاعات المسلحة وتساهم في ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان». وتضيف هذه المسؤولة أن شركات مثل لافارج - سوريا «يجب أن تحاسب بسبب مسؤوليتها» في تغذية النزاعات وتمويل تنظيمات إرهابية. أما مديرة جمعية «شيربا» ليتيسيا ليبير، فقد أعلنت أنها «المرة الأولى التي تقدم فيها جمعيات شكوى ضد شركة متعددة الجنسيات بتهمة تمويل الإرهاب والشراكة في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية».
تبين التفاصيل أن «لافارج» أخرجت موظفيها الأجانب «غالبيتهم من مصر والصين» من سوريا في عام 2012، بعد أن اقتربت الحرب من الرقة وحلب والشمال فيما استمر عمالها المحليون في تشغيل المصنع. وفي بحر عام 2013، عندما نجح «داعش» في السيطرة على المنطقة وعلى الطرقات التي يوجد فيها مصنع جلابيا، أقيم نوع من الاتفاق بين «لافارج» و«داعش» من أجل تسهيل عمل المصنع والمحافظة على إنتاجه بحيث لا يتعرض العمال للمضايقة أو الخطف وتتمكن «لافارج» من الحصول على المواد الأولية الضرورية لإنتاج الإسمنت، ومنها المشتقات النفطية والتمكن من إيصاله إلى الأسواق مقابل مبالغ مالية كبرى، ما يعد مساهمة في تمويل «داعش». فضلا عن ذلك، فإن الجهة الشاكية تتهم شركة «لافارج – سوريا» بتهديد حياة العمال والموظفين وعدم اتخاذ التدابير الكافية لحمايتهم من الخطف أو القتل. واستمر الوضع على هذا المنوال حتى قام «داعش» بالهجوم على مصنع الإسمنت في جلابيا في العام 2014.
ونقل موقع «شيربا» شهادات لعمال سابقين في مصنع لافارج يؤكدون فيها أن إدارة الشركة «استخدمتهم كدروع بشرية لحماية إنشاءاتها ومصالحها». وبحسب شهادات إدارة الشركة في سوريا والشركة الأم في باريس، فإن إيصال الأموال تم عبر فراس طلاس الذي تضاءلت حصته مع الوقت من 20 في المائة إلى نحو واحد في المائة، فإنه هو من كان يقوم بإيصال الأموال إلى التنظيمات المسلحة بعد أن انشق عن النظام وأقام في دبي، لا بل إنه ساهم في تمويل النشاطات العسكرية لعدد من الفصائل. لكن الأخير ينفي أن يكون قد تعامل مع «داعش».
ويقوم الادعاء على أساس أن «داعش» ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وبالتالي فإن توفير التمويل له يعد مشاركة في الجرم. وبحسب محامي «شيربا» فإن صلاحية المحاكم الفرنسية «غير مشكوك فيها» رغم أن الجرائم ارتكبت خارج الأراضي الفرنسية.
و«شيربا» «SHERPA» في الأساس صفة لأدلاء الجبال في منطقة النيبال، وهم معروفون منذ القدم بقدرته على التحمل والمساعدة والصبر. وهذه الجمعية التي ولدت في عام 2001 في باريس تضم محامين وقضاء وممتهني القانون، وغرضها كما هو وارد في موقعها على شبكة الإنترنت هو الدفاع عن المدنيين الذين تنتهك حقوقهم الاقتصادية وتقديم النصح والمساعدة القانونية لهم. وهذه الجمعية تعتمد فقط على النصوص القانونية وتعمل على فرض احترامها بمواجهة الشركات متعددة الجنسية أو الحكومات نفسها.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.