منزل جورجيا أوكيف «أم الحداثة الأميركية»

بجوار «دار الإسلام» أول مدرسة إسلامية مخططة في أميركا

جورجيا أوكيف  -  من أعمال جورجيا أوكيف
جورجيا أوكيف - من أعمال جورجيا أوكيف
TT

منزل جورجيا أوكيف «أم الحداثة الأميركية»

جورجيا أوكيف  -  من أعمال جورجيا أوكيف
جورجيا أوكيف - من أعمال جورجيا أوكيف

تقع أبيكيو الصغيرة وسط جبال ولاية نيومكسيكو شبه الصحراوية. بالقرب من مصنع إنتاج أول قنبلة نووية في لوس ألامو. وبالقرب من مستوطنة للهنود الحمر في إيسلتا. وبالقرب كذلك، من البوكوركي، حيث المهرجان السنوي للبالونات العملاقة. يوجد في أبيكيو منزل جورجيا أوكيف «أم الحداثة الأميركية»، الذي تحول إلى متحف.
كما يوجد في سانتا، القريبة من هنا، متحف آخر باسم أوكيف. في الحقيقة، توجد «متاحف» كثيرة باسمها في أماكن أخرى في الولاية: منزلها في تاوز، ومزرعتها في لورنس، وكنيسة رسمت على جدرانها في رانشو، و«بلاك بليس» (المكان الأسود)، و«وايت بليس» (المكان الأبيض)، حيث كانت تجلس لترسم، وسمتهما حسب لوني صخورهما. وأخيرا، جبل «بديرنال»، وعلى قمته رماد جثمانها، كما كانت أوصت.
* أوكيف و«دار الإسلام»
توجد بالقرب من منزل أوكيف، «دار الإسلام»، أول مدرسة مخططة في الولايات المتحدة. في عام 1979، أسسها نور الدين دوركي، وهو أميركي كاثوليكي اعتنق الإسلام، بالتعاون مع رجل الأعمال السعودي سهيل قباني. ثم انهالت تبرعات سعوديين، من بينهم: المغفور له الملك خالد، واثنتان من بناته. والدكتور عبد الله نصيف، أمين عام منظمة العالم الإسلامي. ومنظمة سيدات الرياض الخيرية. وصمم المباني، التي أقيمت على نمط شرق أوسطي، المصري حسن فتحي.
تملك «دار الإسلام» مساحات كبيرة من هذه الجبال والأنهار الصغيرة. وفيها «هوايت بليس» (المكان الأبيض)، و«بلاك بليس» (المكان الأسود) اللذان كانت تجلس فيهما أوكيف لترسم.
توضح مواقع سياحية في الإنترنت للذين يريدون زيارة متحف أوكيف أن «دار الإسلام» ترحب بهم لزيارة هذه الأماكن. بل تشيد هذه المواقع بكرم وحسن معاملة الدار للزوار.
يقول كتاب «جورجيا أوكيف: صداقة خاصة»، الذي كتبته الأميركية نانسي رالي، إن أوكيف زارت «دار الإسلام» أكثر من مرة. وشكرتهم على السماح للسياح بزيارة الأماكن التي كانت ترسم فيها. لكن، كانت أوكيف كبرت كثيرا في العمر، وانعزلت عن الناس، وتوفيت بعد سنوات قليلة من تأسيس «دار الإسلام» (كان عمرها 99 عاما).
ولدت أوكيف في برين (ولاية ويسكونسن) عام 1887. ثم انتقلت مع عائلتها إلى وليامزبيرغ (ولاية فرجينيا). كانت، منذ الصغر، مولعة بالرسم. لهذا، انتقلت إلى معهد شيكاغو للفنون، مع بداية القرن العشرين (كان عمرها عشرين عاما).
منذ بداية رسوماتها، اهتمت برسم المناظر الطبيعية. لكن، بدلا عن الأنهار والحقول والزهور، ركزت على «أحداث طبيعية»، مثل: «أرنب ميت وجرة نحاس» و«رأس خروف وصخرة مقدسة»، في وقت لاحق، أثر عليها رجلان؛ الأول في جامعة كولومبيا (في نيويورك)، هو الرسام آرثر دو. حيث قال لها: «يقدر أي رسام على أن يرسم منظرا طبيعيا. لكن، يوجد في الطبيعة ما يعكس شخصية الرسام». ونصحها بأن تركز، وهي تمسك بالريشة، على نفسها، وعلى مشاعرها، وعلى أحلامها.
التأثير الثاني: في «استوديو 291» (في نيويورك) الذي كان يملكه ألفريد ستيغليز، أبو الفن الفوتوغرافي (اشترى أول كاميرا عام 1892. وصار يلتقط «لوحات فنية مباشرة»). أعجب ستيلغيز بلوحات أوكيف. وقال إنها مثل «رسم فوتوغرافي»، ثم تبناها. ثم تزوجها (كانت أصغر منه بخمسة وعشرين عاما. وكانت عشيقته قبل أن يطلق زوجته الأولى).
خلال عشرين عاما، حتى وفاة الزوج، كانت هناك «صفقة» بينهما: صارت الزوجة موديلا للوحات الزوج الفوتوغرافية (التقط لها 350 صورة تقريبا، بعضها وهي عارية). وصار الزوج مدير دعاية للوحات الزوجة الطبيعية.
* «أم الحداثة الأميركية»
خلال عشرين عاما، تغيرت رسومات أوكيف أربع تغييرات رئيسية: من الألوان المائية إلى الألوان الزيتية. من المنظر الكبير البعيد (مثل «زوم آوت») إلى المنظر الصغير القريب (مثل «زوم إن).
ومن النظري إلى الواقعي (ترمز وردة إلى امرأة. وترمز صخرة إلى رجل). ومن العادي إلى الغريب (مثل لوحة «أرنب ميت وجرة نحاس» ولوحة «رأس خروف وصخرة مقدسة). كانت هذه التجديدات من أسباب وصفها بأنها «أم الحداثة الأميركية»، وكان هناك سبب آخر: سيغموند فرويد، «أبو علم النفس» كان أكبر منها بعشرين عاما تقريبا. ولا يعتقد أنهما تقابلا. لكن، اعترضت أوكيف على تحليلات فرويد النفسية للمرأة. من بين ملاحظاتها: عقدة البنات من الأولاد بسبب الاختلاف الجنسي. والقول إن النساء ضحايا ماضيهن الجنسي. (قال فرويد ذلك عن الرجال أيضا)، والزعم أن المرأة تحتاج إلى «خفاض فرعوني» لتخفيض رغبتها الجنسية. ولم تكن أوكيف من قائدات حركة تحرير المرأة الأميركية (كان ذلك في ستينات وسبعينات القرن الماضي). ولم تكن تحب السياسة. لكنها ركزت على رسم «لوحات أنثوية» قللت رسومات المرأة الجميلة التي تجذب الرجل، وزادت رسومات عن حقوق المرأة، والدعوة لمساواة المرأة بالرجل.
* «الزهرة البيضاء»
في عام 2014، بيعت لوحة «هوايت فلاور» (الزهرة البيضاء) بخمسة وأربعين مليون دولار. وصارت أغلى لوحة تشكيلية في العالم. أبهرت اللوحة الناس لأنها تبدو وكأنها صورة فوتوغرافية. قالت عن ذلك أوكيف: «أثنوا على ألفريد» (زوجها، المصور الفوتوغرافي). في مرات أخرى، بيعت بأسعار غالية لوحات أخرى، منها: «خطوط سوداء» و«تل أزرق» و«شروق الشمس». لا توجد هذه اللوحات في منزل أوكيف في أبيكيو (ولاية نيومكسيكو). لكن، توجد نسخ منها. وتوجد لوحات أخرى، وكتابات، وخطابات تبادلتها مع زوجها، ومع صديقات لها. وأدوات رسم (فرش، وأخشاب، وأحبار، وأقمشة.. إلخ)، وأكثر من ثلاثة آلاف قطعة متنوعة. وأكثر من 150 لوحة. وأكثر من ثلاثة آلاف كتاب (بعضها عن فرويد، عدوها اللدود).
في المتحف لوحات وصفتها نانسي رالي، مؤلفة كتاب: «جورجيا أوكيف: صداقة خاصة»، بأنها «لوحات روحية». قالت إن أوكيف ربطت بين رسومات الطبيعة (صخور، وجبال.. إلخ) وميول روحية.
لم تكن أوكيف متدينة. وكانت لها ميول روحية بوذية. ولا يعرف إذا كانت زياراتها القليلة إلى مسجد «دار الإسلام» (القريب من منزلها) لها طابع روحي. في كل الأحوال، كانت في التسعينات من عمرها، وصارت منعزلة، وكثرت أمراضها، حتى توفيت.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.