صورة الشعر الإنجليزي في القرن الحادي والعشرين

رئيس تحرير «ذا إندبندنت» السابق يرسم تاريخ الجزيرة من خلال أعمال الشعراء

صورة الشعر الإنجليزي في القرن الحادي والعشرين
TT

صورة الشعر الإنجليزي في القرن الحادي والعشرين

صورة الشعر الإنجليزي في القرن الحادي والعشرين

إلى أي مدى يمكن اعتبار الشعر سجلاً لحياة الشعب الذي ينتجه؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه كتاب صدر في العام الماضي 2015، في 651 صفحة عنوانه «نحن البريطانيين: شعر شعب» من تأليف أندرو مار، وهو صحافي ومؤرخ وروائي وإعلامي إذاعي وتلفزيوني كان رئيس تحرير جريدة «ذا إندبندنت».
Andrew Marr، We British: The Poetry of a People، Fourth Estate، London، 2015.
وهو يهدف في هذا الكتاب إلى أن يرسم صورة بانورامية رحيبة لتاريخ الجزيرة- أو الجزر – البريطانية منذ القرن السابع الميلادي حتى يومنا هذا من خلال أعمال الشعراء (سواء كتبوا شعرًا ملحميًا أو غنائيًا أو دراميًا أو قصصيًا) الذين رسموا في أعمالهم خريطة للإنسان البريطاني عبر العصور: اهتماماته وهمومه وأشواقه ومخاوفه وذكرياته.
ويقول المؤلف في مقدمة كتابه: أن أغلب الثقافات الإنسانية قد تميزت بتفوقها في فن معين. فماذا تكون ألمانيا من دون موسيقاها؟ وماذا تكون إيطاليا دون مصوريها ومثاليها ومعمارييها؟ أن بريطانيا لا تملك تراثا موسيقيا يرقى إلى ما أبدعه الألمان والروس، ولا تملك معمارا ينافس معمار باريس أو روما، ولا تملك نظرة متسقة إلى العالم كتلك التي تملكها الصين منذ عهد الحكيم كونفوشيوس، ولكنها تملك شيئًا لا خلاف عليه: إنه هذا التراث الشعري العظيم الذي يقوم وليم شكسبير على رأسه والذي ضم عبر القرون شعراء ملحميين وكلاسيكيين ورومانتيكيين ومحدثين أضافوا جميعا إلى ثروات النفس والبيان.
يتوقف المؤلف من خلال فصول الكتاب العشرين عند علامات الطريق المهمة في هذه المسيرة. وعناوين هذه الفصول تشير إلى محتواها: «معجزة إنجلترا» (يعني شكسبير) «عصر العقل» (الاتجاه الكلاسيكي الجديد في القرن الثامن عشر كما يمثله بوب والدكتور صمويل جونسون) «عذابات رومانتيكية» (عن وردزورث وكولردج وبايرون وشللي وكيتس) «إلى أي مدى كانوا حديثين؟» (عن ييتس وباوند) «عصر لاركين» (عن الشعر الإنجليزي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية).
وينتهي الكتاب بفصل عنوانه: «ها هنا يأتي كل امرئ: البريطانيون والشعر الآن» عن المكان الذي يحتله الشعراء في لوحة الثقافة المعاصرة من خلال الكتب والدوريات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والمهرجانات والمؤتمرات والاحتفالات الثقافية.
لنتوقف هنا وقفة قصيرة بل بالغة القصر عند بعض علامات الطريق هذه. ولنبدأ بقصيدة مجهولة المؤلف يرجع تاريخها إلى مطلع أو منتصف القرن الثالث عشر عنوانها «البومة والعندليب» (نحو 1189- نحو 1216) وصلتنا في شكل مخطوطين. تتألف القصيدة من 1794 بيتا في شكل أبيات ثنائية ثمانية المقاطع. وتصور مناظرة بين هذين الطائرين حول ايهما أنفع للإنسان (لا شك أن لهذه المناظرة أبعادًا رمزية ولكنها أبعاد تظل مثار خلاف بين الباحثين). وأوضح أن القصيدة من عمل شاعر مثقف يمس قضايا جدية كانت تشغل أهل ذلك العصر مثل مفهوم الجبر والحرية والموسيقى، وطقوس الاعتراف بالذنوب أمام الكاهن. ويتم الأسلوب على درجة عالية من البراعة والحيوية والتوازن والفطنة مع نغمة فكهة وعزوف عن إصدار أحكام نهائية. يذهب طرفا المناظرة في نهاية القصيدة، مصحوبين بطيور أخرى إلى قاض يحكم بينهما يدعى نيكولاس من مدينة جيلدفورد، مما دعا البعض إلى الاعتقاد بأن هذا هو اسم مؤلف القصيدة، وإن لم يكن ثمة دليل قاطع على ذلك. إنها أول قصيدة مناظرة تصلنا في الأدب الإنجليزي توحي بمؤثرات أوروبية وفرنسية.
وفي فصل آخر يقفز بنا أندرو مار في الزمن إلى الشاعر الرومانتيكي صمويل تيلور كولردج (1772- 1834) وقصيدته المسماة «كوبلاي خان» (1816). وكوبلاي خان إمبراطور صيني مغولي من القرن الثالث عشر كان حفيدا لجنكيز خان، وصف الرحالة الإيطالي ماركو بولو بلاطه الفخم الباذخ. ويبدأ كولردج قصيدته بقوله: «في زانادو شاء كوبلاي خان/ أن يبني قبة مهيبة للملذات/ حيث يجري نهر ألف المقدس/ خلال كهوف لا يمكن لأنسي أن يعرف كنهها/ إلى أن يصب في بحر لا تطلع عليه الشمس». وتكاد صور القصيدة المغربة في الخيال أن تستبق السريالية بقرنين. وقد كانت لتأليفها قصة غريبة. ففي 1797 استسلم كولردج ذات يوم للنوم تحت تأثير صبغة الأفيون (وكان يتعاطاها على سبيل الدواء للتخفيف من آلامه الجسدية) وكان قبل موته يقرأ كتابا في أدب الرحلات عن كوبلاي خان والقصر الذي أمر ببنائه. وعند استيقاظه تذكر أنه نظم في نومه مائتي أو ثلاثمائة بيتا عن هذا الموضوع فشرع في لهفة يسجل على الورق هذه الأبيات قبل أن ينساها ولكنه لسوء الحظ اضطر إلى قطع عمله كي يستقبل ضيفا جاءه لشأن ما. وحين انصرف الضيف وجد أن القصيدة قد تبخرت من ذاكرته ولم يبق منها إلا شذرة قصيرة هي التي وصلتنا اليوم.
ومن القرن العشرين يتوقف آندرو مار عند قصيدة للروائي والشاعر د.هـ.لورنس (1885- 1930) عنوانها «ثعبان» (1920). يرى المتكلم (والقصيدة مكتوبة بضمير المتكلم) ثعبانا أقبل على حوض مائه ليشرب خارجا من شقوق الأرض المحروقة (تجري «الأحداث» ذات يوم حار من شهر يوليو (تموز) في جزيرة صقلية، وفي الخلفية بركان إتنا يتصاعد منه الدخان). ويقوم صراع داخل المتكلم بين دافعين: أحدهما صوت الإنسان «المتمدين» العاقل يهيب به أن يقتل الثعبان لأنه يعرف أنه من نوع سام. والآخر- وهو صوت أعمق غورا وأقرب نسبًا إلى توقير الإنسان البدائي لسائر الكائنات من جماد ونبات وحيوان- يهيب به أن يدع الثعبان ينصرف في سلام. ومن التوتر بين هذين الدافعين ينسج لورنس برهافة وحذق دراما نفسية ذات أبعاد فلسفية ودينية وأسطورية. إذ من الواضح أن عواطف لورنس كانت منحازة إلى جانب الثعبان فهو عنده قوة بدائية تكاد تكون مقدسة، جاءت من العالم السفلي الذي كان يوقره البابليون والإغريق والرومان.
ويختم أندرو مار كتابه بمجموعة من التوقعات وكأنما يجيب عن سؤال: «كيف ستكون صورة الشعر الإنجليزي في القرن الحادي والعشرين؟ أول ما يتوقعه أن يزداد عدد النساء الشواعر وأن تتنامى المساحة المخصصة لهن في دور النشر والمدارس والجامعات».
كذلك تومئ المؤشرات إلى أن بريطانيا –وقد أصبحت مجتمعا متعدد الأعراق متنوع الثقافات- سوف تنجب شعراء من أصول آسيوية وأفريقية ومن منطقة البحر الكاريبي ومن شرق أوروبا بعد موجات الهجرات إلى الشواطئ البريطانية في العقود الأخيرة.
وسينعكس التغير الديمجرافي (السكاني) على حال الشعر، فمع تقدم الطب وارتفاع معدل العمر زاد عدد كبار السن في بريطانيا من الجنسين ومن ثم يحتمل أن نشهد مزيدا من القصائد عن خبرات الشيخوخة والثكل ودنو الموت والمقارنة بين الأجيال واسترجاع ذكريات الشباب من منظور من شابت رؤوسهم.
وستحتدم المنافسة بين الشعر المطبوع والشعر على وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية الدولية. لكن الأمر المؤكد هو أن دولة الشعر لن تزول. قد يكون هذا –كما يقول كثير من النقاد- هو زمن الرواية. لكن زمن الشعر –كما كتب إدوار الخراط يوما- هو كل الأزمان.



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.