متى يتفاوض الأصوليون؟

من احتفالات إيران.. إلى حرب الحوثي

مسلحون حوثيون تقلهم مركبة عسكرية متجهين إلى مناطق قبلية قرب العاصمة صنعاء (رويترز)
مسلحون حوثيون تقلهم مركبة عسكرية متجهين إلى مناطق قبلية قرب العاصمة صنعاء (رويترز)
TT

متى يتفاوض الأصوليون؟

مسلحون حوثيون تقلهم مركبة عسكرية متجهين إلى مناطق قبلية قرب العاصمة صنعاء (رويترز)
مسلحون حوثيون تقلهم مركبة عسكرية متجهين إلى مناطق قبلية قرب العاصمة صنعاء (رويترز)

تصر الأصوليات المنغلقة على أهدافها ولا تفاوض عليها، هي تفاوض على واقعها متى احتاجت ذلك، ولكن شريطة ألا تخسر أهدافها الرئيسة وشعاراتها ومبادئها الصلبة التي تمثل شرايين الدماء التي تهبها الحياة لدى قواعدها وحلفائها. هذه الفرضية يمكن أن تكون قاعدة تفسر مشاهد وحوادث كثيرة، تربط بين مختلف الأصوليات وحركات التطرف التي تؤمن بعقيدة العداء والبراء، وتنطلق من مرجعية الصراع الأبدي بين ما تراه حقا وما تصمه باطلا. لذا تبدو قيم التفاوض والسلام والتعايش قيمًا ثانوية عند العقل الأصولي، بينما تكون الأولوية فقط للأهداف الآيديولوجية والعقائدية الكبرى التي يؤمن بها، ولا يعني الاتفاق عنده إلا حلاً مرحليا، ولا القبول به إلا مراوغة للحفاظ على التنظيم الذي يحمي الفكرة ويولد منها، لكن الفكرة وغاياتها لا تقبل التنازل ولا التراجع ولا المرونة أو التكيف.
لا مساومة لدى الأصوليات، بمختلف أنواعها، على الأساس الآيديولوجي الذي يمثل أهدافها الكبرى، وفي هذه الحالة يبدو التراجع خروجًا، والتفاوض والحوار مرحلة وليست مبدأ ملزما، بل يكون الاعتدال عيبا يخرج من دائرة التنظيم نفسه ودائرة ولائه إلى أطراف عدائه. وسندلل على ما سبق بمشهدين راهنين هما في اليمن الموقف الحوثي الخارق دائمًا للهدن وللالتزامات مع الشعب والشرعية اليمنية، وفي إيران موقف ملالي طهران وعودته في احتفالات ذكرى ثورة الخميني لنفس شعاراته السابقة ضد الولايات المتحدة والغرب.
اثنتان وسبعون ساعة فقط، استغرقتها الهدنة الخامسة في اليمن، التي دعت إليها الأمم المتحدة والتي بدأت صباح يوم الخميس 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وانتهت بنهاية يوم الأحد 23 من الشهر نفسه، لتلحق بسابقاتها. وفشلت معها أهدافها التي حددها إعلان الأمم المتحدة لها يوم الثلاثاء 18 أكتوبر، وكذلك السماح بحركة المساعدات الإنسانية والموظفين الإنسانيين بحرية ودون أية عوائق إلى كل أنحاء اليمن، بالإضافة إلى «التوقف الكامل والشامل لكل العمليات العسكرية» خاصة مع الوضع المأساوي في اليمن، الذي وصفه منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ستيفن أوبرايان في مداخلة أمام مجلس الأمن يوم الاثنين 31 أكتوبر الماضي إن «اليمن على شفا مجاعة». وحث على «وقف هذه الحرب وهذه المعاناة». كذلك أشار المسؤول الأممي إلى أن الصراع في اليمن تسبب في «كارثة» جعلت أكثر من 21 مليون شخص - أي 80 في المائة من اليمنيين - في حاجة إلى المساعدات الإنسانية، ومن هؤلاء أكثر من مليوني شخص يعانون سوء التغذية.
لكن كل هذه المآسي الإنسانية للحرب الحوثية السابعة ضد اليمن، لا تشغل العقل الحوثي الأصولي الذي يصرّ على تحقيق أهدافه، وعلى إنتاج نموذج لدولة «الولي الفقيه» في اليمن من جديد. ولأجل هذا خاض حروبه منذ عام 2003 وحتى الآن، ستة منها ضد عدوها السابق وحليفه الحالي علي عبد الله صالح، وسابعها ضد الثورة اليمنية وخارطة طريقتها وما تمخضت عنه من شرعية لم تقص الحوثيين. بل إن الحوثيين شاركوا في مختلف مراحلها من قاعدتها، أي «المبادرة الخليجية»، إلى مناقشات «الحوار الوطني»، وخروج مسودته التي كانت أكثر تبشيرا من سواها من الانتفاضات العربية التي نجحت عام 2011 إلى لجنة الدستور ومسودته، إلى القرارات الأخرى التي صدرت حلا للمشكلات العتيقة ووفقا لدوافع الصراع. ولكن الحوثي كما انتقد الهدنة لخامس مرة، سبق له نقض التزاماته دائما قبل اندلاع «عاصفة الحزم» كما سنوضح.
* حرب مستمرة
سبقت الهدنة اليمنية الأخيرة التي خرقها سريعا الحوثيون الانقلابيون بعد 72 من إعلانها، هدن أربع سابقة، لم يلتزموا بها كذلك، كان أولها في مايو (أيار) 2015، ولقد انطلقت قبلها بشهر «عملية إعادة الأمل» لإنقاذ وإعادة إعمار اليمن في 21 أبريل (نيسان) 2015. إلا أنها انهارت كذلك بعد فترة قليلة من الوقت لتستعر الحرب وتنشأ هدنة جديدة في يوليو (تموز) 2015 بعد انطلاق «عملية السهم الذهبي» وتحرير عدن بقليل، وانطلاق حوار أممي حول الحل الذي كانت الحكومة الشرعية ودول الحزم العربي رحّبت به الحكومة الشرعية وقوى التحالف العربي. ولكن بعد أن استرد الانقلابيون بعض قوتهم عادوا لسابق عهدهم، واشتعلت الحرب من جديد، واستهدفوا خلالها مسجدًا للمصلّين في تعز، لتنشأ هدنة جديدة في ديسمبر (كانون الأول) 2015. ثم خلال محادثات الكويت في أبريل 2016، وكذلك ما كانت تتم المفاوضات بقبول من الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي الداعمة لها، وعبر وساطات عربية أو دولية، أو سعي من مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة ولد الشيخ.
وظف الحوثيون الهُدَن دائما للاستفادة من الدعم الإيراني المستمر عسكريًا، منذ فترة طويلة، ومؤخرًا في 27 أكتوبر الماضي أكدت مصادر أميركية أنه «تم ضبط 5 شحنات للأسلحة محملة بالسفن مبحرة من إيران إلى اليمن»، وهو ما مثل وقودا مستمرا لمواصلة الحرب الحوثية السابعة المشتعلة ضد اليمن شعبًا وشرعية وثورة منذ يونيو (حزيران) 2014 في عمران ودماج، ثم احتلال صنعاء في 22 سبتمبر (أيلول) من نفس العام، قبل إلقاء التهم على شماعة الآخرين. فحرب الحوثيين بدأت مع اليمن ولكنها لا تنتهي عنده، خاصة مع عجز الشرعية الدولية عن معاقبة الانقلابيين رغم نص كثير من قراراته على ذلك، وذكر الحوثي وصالح تحديدًا فيه، ونص أحدها على تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة عليهما.
* تاريخ من رفض الالتزام
وهنا نذكر من تاريخ رفض الالتزام الحوثي بالاتفاقات والتفاوضات النماذج والأحداث التالية:
1- رفض الالتزام بالمبادرة الخليجية التي وقع عليها صالح والقوى السياسية في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2011.
2- رفض الالتزام بمخرجات «الحوار الوطني اليمني» الذي استمر بين 18 مارس (آذار) 2013 لمدة عشرة شهور وانتهى في 25 يناير (كانون الثاني) 2014، وانعقد تحت شعار «بالحوار نبني المستقبل» كانت قضيتهم محورا من محاوره الأحد عشر، وضم 10 عناصر منهم.
3- قرار تقسيم الأقاليم الذي صدر في 9 فبراير (شباط) 2014 الذي نص على تسمية أقاليم ستة في إطار الدولة الاتحادية التي جرى الاتفاق عليها في «الحوار الوطني»، ولقد ضم الإقليم الخامس منها صعدة وصنعاء وذمار وعمران وسُمّى إقليم آزال، ولكن تمدداتهم منذ أغسطس (آب) وسبتمبر 2014 ثم في فبراير إلى عدن ضربت كل هذه التوافقات عرض الحائط.
4- اتفاق الشراكة والسلم وقع في 21 سبتمبر 2014، ووقع بروتوكوله الأمني بعده بأسبوع على الأقل، ولم يلتزموا خاصة بمسألة نزع السلاح.
5- التملص من مرجعية القرارات الدولية مثل القرار 2216 ومحاولة تجاوزه بتصوير انقلابهم صراعًا وصدًا لعدوان، رغم أن عدوانهم صنف جرائم حرب في عمران ودماج وصنعاء قبل «عاصفة الحزم» بسبعة شهور على الأقل. ونرى أن الإصرار على الحسم وعلى مرجعية هذه القرارات الدولية كأرضية لأي حل تفاوضي أساس لا بد منه، لكن لا بد من ملاحظة أن التفاوض والسلام والوطن قيم مزاحة وثانوية في العقل الحوثي المصرّ في وثيقته وأدبياته وخطب زعيمه على النموذج السلالي والإمامي المتمثل لـ«الولي الفقيه» الإيراني.
* شعارات إيران وتناقضاتها
لم تختلف احتفالات النظام الإيراني بذكرى انطلاق الثورة الخمينية واقتحام السفارة الأميركية، في الثالث من نوفمبر هذا العام، عن سوابقه، فاليوم ما زال يعرف بيوم «مقاومة الاستكبار العالمي»، وهو ما يتناقض كليًا مع ما كان متوقعًا بعد الاتفاق النووي الذي أبرمه مع «الشيطان الأكبر» الذي كان نظام الملالي يهتف بعدائه في يوليو 2015، وبعد رفع العقوبات الاقتصادية عنه.
كذلك، فهو يتناقض مع ما سبق هذا الاتفاق وتزامن معه من توقيف وتخفيف لغة العداء لأميركا، وقد تم رفع لافتات مناهضتها وعداوتها من مساجد وشوارع طهران، وفق موقع «الحرس الثوري» التابع للمرشد علي خامنئي نفسه في 30 أغسطس 2015. كذلك، صرح الرئيس الإيراني حسن روحاني في سبتمبر من العام ذاته بأن شعار «الموت لأميركا» مجرد شعار يرفعونه، مما يوحي بإمكانية تجميده حينها، لكن رئيس مجلس الخبراء حينها المحافظ صرح ردا عليه بأنه لا تنازل عن هذا الشعار.
كان الواقع يتكيّف مع قوانينه وممكناته، ولكن الأهداف الآيديولوجية هي التي تقوده ولا يمكن التنازل عنها. ففي 2 نوفمبر 2015، وقبل الذكرى السنوية الماضية بيوم واحد، نشرت وكالة الأنباء الإيرانية بيانًا وقع عليه 192 نائبا من أصل 290 ينص على أن «إيران أمة الشهداء ليست مستعدة إطلاقا للتخلي عن شعار (الموت لأميركا) بحجة إبرام الاتفاق النووي». وأن «هذا العداء وإعلان الموت لأميركا أصبحا رمز الجمهورية الإسلامية، وجميع الأمم المناضلة تعتبر جمهورية إيران الإسلامية نموذجا لها في هذا النضال».
لكن هذه المرة كانت هناك تصريحات للمرشد نفسه ولعدد من القادة الدينيين والعسكريين ولحلفاء إيران في كل مكان من جديد، وهو ما يناقض التقاربات الأميركي - الإيراني في كثير من الملفات الشائكة في المنطقة، أو تساهل التدخلية والتوسعية مع سياستها إيران التدخلية بشكل واضح. ولقد عادت إيران من جديد لسابق عهدها، قبل الاتفاق، ولم يفلح الرهان على الانفتاح المجتمعي من ورائه، بل زادت صلابة الآيديولوجية التي لا تعرف التراجع ولا تؤمن بالتفاوض، مردّدة في تظاهراتها الضخمة الخميس الماضي عقيدة «العداء» وتأبيد مبدأ «الصراع»، فالآيديولوجية الأصولية لا يمكن أن تعيش أو تزدهر دون عداء ودون صراع مستمر.
لقد حرص مرشد النظام «الولي الفقيه» علي خامنئي، كما حرص حسين سلامي نائب القائد العام للحرس الثوري، على وصف السفارة التي جرى اقتحامها قبل 37 سنة بـ«وكر التجسس» خلال احتفالات الخميس الماضي. واستقبل خامنئي - حسب صحيفة «كيهان» - آلاف الشبان وطلاب الجامعات منكرا لهم أي قيمة «للتفاوض»، وأنه «لا يمكن أن يكون حلا لأي مشكلة»، مع التأكيد على أن «الحل هو الروح والفكر الثوريان»، مكررا نفس قاموسه القديم من العداء والاتهام المستمر بـ«أن الإدارة الأميركية لم تتوان عن القيام بأي جهد وإجراء رسمي أو غير رسمي ضد الشعب الإيراني لإفشال ثورته الإسلامية».
إنه النظام الأصولي الذي لا يفقد أهدافه بل يصر على تحقيقها. وتبدو السياسة وقيم الحوار والتفاوض والاتفاق عنده، وما يعلنه من قبولها أحيانا، مجرد مرحلة مؤقتة يراوغ بها لكسب المزيد أو تخفيف ضغط أو إنقاذ حليف، ولكن حتى تحين الفرصة لإعلان رفضها من جديد.
هكذا فعل الحوثي مع مختلف ما التزم به. وهكذا قد تصنع إيران متى استطاعت أن تعلن رفضها لما سبق أن التزمت به، وظل كلاهما دون رادع دولي يعطي للالتزام الدولي أو الوطني قيمته الأخلاقية والقانونية والتنفيذية.



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».