مساع حكومية لإعادة أموال ضخمة بالعملة اليمنية إلى النظام المصرفي

بنك مملوك للدولة يطرح نحو 20 مليون دولار في مزاد

امرأة تبكي بسبب الجوع ونقص الموارد في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وصالح (أ.ف.ب)
امرأة تبكي بسبب الجوع ونقص الموارد في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وصالح (أ.ف.ب)
TT

مساع حكومية لإعادة أموال ضخمة بالعملة اليمنية إلى النظام المصرفي

امرأة تبكي بسبب الجوع ونقص الموارد في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وصالح (أ.ف.ب)
امرأة تبكي بسبب الجوع ونقص الموارد في صنعاء الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وصالح (أ.ف.ب)

أعلن البنك الأهلي اليمني، أنه سيطرح اليوم الأحد مبالغ بالدولار للبيع في السوق المحلية عبر مزايدة عامة، في خطوة تهدف إلى توفير سيولة نقدية من العملة المحلية التي تعاني أزمة خانقة في صنعاء وعدن.
وأضاف البنك الأهلي - وهو البنك التجاري الوحيد المملوك بالكامل للدولة في اليمن - في بيان نشره أول من أمس (الجمعة)، أنه بناء على طلب جهات حكومية مختصة سوف يعرض مبالغ بالدولار للبيع بالمزاد العلني للراغبين من التجار وشركات ومحلات الصرافة والبنوك التجارية.
ونقلت «رويترز» عن موقع إخباري قالت إنه مقرب من السلطة في عدن، إن التقديرات تشير إلى 20 مليون دولار سيجري عرضها في المزاد، لكن البنك لم يحدد قدر هذه الأموال أو مصدرها.
وأكد محللون ومختصون اقتصاديون محليون أهمية توجه البنوك الحكومية بالذات إلى بيع مبالغ بالدولار في مزادات علنية، مما يساهم في إخراج السيولة من مخابئها وإعادتها إلى المنظومة المصرفية.
وعزوا أزمة السيولة الحالية إلى وجود مبالغ نقدية ضخمة يجري تداولها خارج الجهاز المصرفي.
وقدرت الزيادة في النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي خلال النصف الأول من عام 2016 بما يصل إلى 298 مليار ريال، وفقا لـ«رويترز»، بينما قدرها محافظ البنك المركزي في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» بنحو 6 مليارات دولار، نصفها تالف. وقال القعيطي حينها: «سوف نعمل على توفير أوراق نقدية إضافية، ونعيد الثقة للبنك، وننعش الدورة النقدية للعودة إلى معدلاتها الطبيعية في الدوران».
ويعاني اليمن منذ ثلاثة أشهر أزمة تأخر صرف مرتبات موظفي الدولة، وعددهم مليون ومائتي ألف موظف في عموم محافظات البلاد شمالا وجنوبا ترصد لهم نحو 75 مليار ريال يمني شهريا، ويعاني أيضا من نقص السيولة النقدية والتراجع الحاد للإيرادات العامة.
وتقول إدارة البنك المركزي الجديدة، إن الإدارة التي كانت تحت سيطرة الحوثيين بددت مليارات الدولارات، واستخدمت مبالغ ضخمة فيما يسمى «المجهود الحربي»، مما اضطر الحكومة إلى نقل المقر وعملياته إلى العاصمة المؤقتة.
وكان محافظ البنك المركزي الجديد أكد أن قاعدة البيانات الخاصة برواتب الموظفين ما زالت تحت سيطرة الحوثيين وصالح في المناطق التي يسيطرون عليها، ورفضوا تسليمها للإدارة الجديدة، كما أنهم لم ينفذوا أي نسخ احتياطي لقاعدة البيانات تحسبا للظروف، لكنه أكد في المقابل أن الرواتب سوف يتم دفعها وفقا للبيانات المكتوبة والموجودة في كل فرع بالمحافظات من فروع «المركزي» في اليمن.
وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، أمر الرئيس عبد ربه منصور هادي بنقل مقر البنك المركزي من العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال البلاد إلى مدينة عدن الساحلية الجنوبية التي تخضع لسيطرة الحكومة.
ويعاني اليمن ضائقة مالية غير مسبوقة منذ سيطرة الانقلابيين على العاصمة في سبتمبر (أيلول) 2014، وتوقف تصدير النفط الذي كانت إيراداته تشكل 70 في المائة من إيرادات البلاد، وتوقفت جميع المساعدات الخارجية والاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة.
وكان محافظ البنك المركزي اليمني قد وجه بصرف مرتبات موظفي الدولة بالكامل في جميع المحافظات اليمنية، بما فيها الخاضعة لسيطرة الانقلابيين.
وأكد القعيطي في تعميم موجه إلى مديري عموم البنك المركزي اليمني ومديري فروع البنك، أهمية وضرورة الالتزام بصرف مرتبات موظفي الدولة بالكامل دون تخفيض أو انتقاص في جميع المحافظات اليمنية، وذلك وفقًا للكشوفات النظامية والتعليمات الصادرة من وزير المالية.
وشدد على أن «تلك الإجراءات تشمل جميع مجالات عمل البنك المركزي اليمني، بما في ذلك صرف المرتبات والائتمان الحكومي والعمليات المصرفية المحلية والخارجية والإقفالات الشهرية والرقابة والإشراف على البنوك والشؤون المالية والإدارية».
يشار إلى أن البنك الدولي وافق على إطلاق محفظة مالية للتدخل العاجل والسريع في اليمن بقيمة 400 مليون دولار لتوفير الغذاء والدواء والاحتياجات الضرورية للسكان.
الدكتور محمد الميتمي صرح لـ«الشرق الأوسط» بصفته وزير التخطيط والتعاون الدولي، قبل أن يجري تعيينه قبل أيام وزيرا للتجارة قائلا: «اعتمد البنك الدولي ولأول مرة في تاريخه وثيقة جديدة للتدخل القطري في اليمن لم يطبقها البنك منذ إنشائه عام 1945». وأضاف: «خرجنا بوثيقة تاريخية مع البنك الدولي بعد نقاشات ومفاوضات طويلة بين وزارة التخطيط والتعاون الدولي مع فريق خبراء البنك الدولي، تمخض عنه وثيقة اسمها وثيقة التدخل القطري، يمضي البنك الدولي بموجبها في اليمن بمقاربة جديدة لم تكن معهودة في مقاربات البنك الدولي مع أي دولة في العالم».
وتتلخص الوثيقة، وفقًا للميتمي، في تدخل البنك الدولي مباشرة في صلب القضايا التنموية التي تؤمن السلم والرخاء والازدهار في اليمن، مشيرًا إلى أن نجاح هذه المقاربة سيعمم على بقية دول العالم التي تعاني الصراعات، وتابع: «تمخض عن هذه الوثيقة إطلاق البنك الدولي 400 مليون دولار للبرامج العاجلة في اليمن، كما تعلمون أن البنك أوقف برنامجه في اليمن منذ مارس (آذار) 2015. كما فعل في كثير من دول العالم الأخرى التي تشهد صراعات، مثل سوريا وليبيا وغيرهما».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.