نازحو الموصل يستغيثون من سوء الأوضاع في المخيمات

وزير المهجرين يحذر من كارثة إنسانية

نازحون من أحياء الجانب الأيسر من الموصل في مخيم حسن شام («الشرق الأوسط»)
نازحون من أحياء الجانب الأيسر من الموصل في مخيم حسن شام («الشرق الأوسط»)
TT

نازحو الموصل يستغيثون من سوء الأوضاع في المخيمات

نازحون من أحياء الجانب الأيسر من الموصل في مخيم حسن شام («الشرق الأوسط»)
نازحون من أحياء الجانب الأيسر من الموصل في مخيم حسن شام («الشرق الأوسط»)

يعاني الآلاف من نازحي مدينة الموصل والبلدات والقرى المحيطة بالمدينة من انعدام الخدمات بالكامل في المخيمات الثلاثة التي أُقيمت لهم ولم تستوعب الأعداد الهائلة منهم. «الشرق الأوسط» دخلت مخيم «حسن شامي» قرب كوكجلي (شرق الموصل)، حيث لا يسمع المرء أو يشاهد غير قصص ومعاناة النازحين فمنهم من فقد أحد أفراد عائلته ومنهم من ترك كل ما يملك وهرب ووجد نفسه دون أي مساعدة تُذكر، وافترش الأرض والتحف السماء، في ظل أجواء قاسية مع بداية فصل الشتاء.
ويقول المواطن أبو محمد (62 عامًا): «لم أتمكن من إنقاذ ولدي من عناصر تنظيم داعش، بعدما تمكنا من الهروب من قبضة التنظيم الإرهابي وتركنا دارنا في حي الانتصار متوجهين ليلاً إلى صوب القوات الأمنية سيرًا على الأقدام، ولكن عند بزوغ الفجر وجدنا أنفسنا بين مجموعة من مسلحي التنظيم، الذين سألونا: لماذا أنتم هنا؟ فأجبتهم: لقد هربنا من القصف وتوجهت بعائلتي إلى هذا المكان خشية عليهم، لكن المسلحين لم يقتنعوا بكلامي، وقاموا باعتقال ابني واصطحبوه إلى منطقة مجهولة». وأضاف أبو محمد: «اليوم نحن هنا في مخيم حسن شام ونعاني كما يعاني بقية الناس من نقص هائل في الخدمات حيث نسكن في خيام فارغة تمامًا من كل شيء، وليس بمقدوري تقديم شيء لعائلتي الكبيرة حيث يعيش معي 15 فردًا كلهم نساء وأطفال، وأنا أعاني من الأمراض المزمنة وتركت كل أدويتي هناك، والحال هذه تنطبق على كثير من الساكنين في هذا المخيم، دون أي رعاية من قبل الحكومة».
بدوره، قال عمر إبراهيم، 43 عامًا، من سكان حي الكرامة إن السلطات الأمنية المسؤولة عن مخيم الخازر منعونا من الدخول مع ماشيتنا إلى المخيم الأمر الذي اضطرني إلى الاتجاه بها إلى مناطق شمال الموصل، والتوجه صوب تجار يشترون الماشية بأسعار زهيدة، لأنهم يعرفون أننا في حالة حرجة. كان معي أكثر من 1500 رأس غنم لي ولأولاد عمومتي بعتها جميعها بربع سعرها حيث وصل سعر الواحد منها إلى قرابة 35 دولارًا، بعدما كان سعره 150 دولارًا، وأنا أعتبر نفسي من المحظوظين لأني قررت البقاء مع ماشيتنا، ولم أتركها، واتجهت بها شمالاً مضحيًا بحياتي، فهناك كثير من أصحاب المواشي والأغنام تركوا ما يملكون في عرض الصحراء خوفًا على عائلتهم من الموت بنيران الحرب».
ولا يوجد أمام أصحاب الماشية من النازحين، خيار سوى افتراش العراء في حيرة من أمرهم، مع أغنامهم التي لم يتبقَّ لهم سواها، أو يبيعونها بأبخس الأثمان لتسمح لهم السلطات بدخول مخيم الإيواء.
قصص ومعاناة النازحين لا تنتهي، وتقول المستشارة في هيئة التحكيم الدولي نجاة حسين الطائي، وهي أصلاً من سكان منطقة الجامعة وسط الموصل، إن «معاناة سكان مدينة الموصل بدأت منذ أن قرر تنظيم داعش الإرهابي عزل الجانب الأيسر لمدينة الموصل عن جانبها الأيمن بعدما أقدم مسلحوه على تفجير الجسرين الثالث والخامس اللذين يربطان الجانب الأيسر بالجانب الأيمن الأمر الذي منع الأهالي من العبور إلى الجانب الأيسر، ومن ثم التوجه صوب القطعات الأمنية التي توغلت في الجانب الأيسر». وتضيف: «معاناة الناس لا تختلف في الجانبين من المدينة حيث يعاني سكان الجانب الأيسر من انعدام تام للمواد الغذائية والطبية وشهدت مناطقه المحررة نزوح أعداد كبيرة جدًا من العائلات التي لم تستوعبها مخيمات الخازر والجدعة وحسن شام، وهذه المخيمات الثلاثة غصت بالنازحين الذين لم يجدوا فيها غير الخيمة الخالية من أي شيء بداخلها، فيما تشهد شوارع وأزقة منطقة كوكجلي طوابير من النازحين سكان قرى وبلدات برطلة وبازواية وحي الكرامة وأحياء أخرى تم تحريرها».
وبالنسبة للجانب الأيمن من الموصل، الذي يسيطر عليه تنظيم داعش بالكامل، يعيش أكثر من مليون شخص تحت نار القصف المستمر من قبل طائرات التحالف الدولي وسلاح الجو العراقي، حسب نجاة الطائي. وتضيف: «تصل إلينا الأخبار من هناك بشكل يومي، وعلى مدار الساعة، من أهلنا وأقربائنا وأصدقائنا تفيد بأن القصف لا يتوقف على الأحياء السكنية، والخوف يعم جميع الناس، فيما يلتزم الجميع منازلهم ويمنعهم التنظيم الإرهابي من مغادرة البيوت لأي سبب كان، ويعتاش الناس على المخزون الذي هيأوه قبل اندلاع معركة الموصل فيما يصعب على الأهالي نقل الجرحى من المدنيين إلى المستشفى إذ لا تجوب شوارع المدينة إلا سيارات المسلحين الذين ينتشرون بشكل مكثف بين الأحياء السكنية وعند الطرق الرئيسية والفرعية بانتظار مواجهة قطعات الجيش العراقي المنتظر وصولها قريبًا إلى الجانب الأيمن من المدينة».
إلى ذلك، حذر وزير الهجرة والمهجرين العراقي، جاسم محمد، من حدوث كارثة إنسانية تهدد حياة الآلاف من نازحي مدينة الموصل لانعدام الغذاء والماء والأدوية والخدمات الضرورية. وقال جاسم خلال اجتماع مع لجنة العليا لإغاثة وإيواء النازحين التي تضم ممثلين عن الحكومة المركزية والوزارات إن «أعداد النازحين في المخيمات التي هيأتها وزارة الهجرة منذ انطلاق عمليات تحرير محافظة نينوى في 17 من الشهر الماضي بلغت 37184 ألف عائلة، وإن فرق الوزارة مستمرة في استقبال النازحين من مناطق المحلبية وقراج وحي السماح بالموصل وقضاء الحويجة بمحافظة كركوك، وتم نقلهم إلى مخيم حسن شام شرق الموصل ومخيم ديبكة والقيارة والمخيمات الأخرى وتقديم الخدمات الصحية للنازحين وتذليل الصعوبات التي تواجههم قدر المستطاع».
بدوره، حذر بنيان الجربا، عضو مجلس محافظة نينوى، من أن «الأوضاع الحالية للنازحين من الموصل تنذر بحدوث كارثة إنسانية تهدد حياة الآلاف، إثر انعدام أبسط الخدمات الضرورية وعدم توفر الغذاء والماء والأدوية الطبية». وأضاف الجربا: «إن على الحكومة العراقية والمنظمات الدولية التحرك على شكل عاجل لإنقاذ النازحين من الأزمة الحالية، حيث تقف الحكومة المحلية لمحافظة نينوى عاجزة عن تقديم المساعدات للنازحين لعدم حصولها على الموازنة المالية لعام 2016 إضافة إلى أن الحكومة المركزية لم تخصص ميزانية طوارئ لمعالجة هذا الأمر، فيما تكتظ المخيمات بالنازحين الذين تزداد أعدادهم بشكل هائل ويومي مع استمرار العمليات العسكرية التي تنذر بزيادة مرتقبة للنازحين مع انعدام الخدمات والمساعدات العاجلة».
وتوقعت منظمات دولية نزوح أكثر من مليون شخص خلال العمليات العسكرية الحالية الآن لتحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم داعش الذي سيطر عليها في يونيو (حزيران) 2014 في وقت لا يزال أكثر من مليون مدني داخل المدينة، حيث تسود مخاوف من استخدامهم دروعًا بشرية من قبل التنظيم المتطرف.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).