محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

غيّر انتماءاته الحزبية 5 مرات في 25 سنة من جمهوري إلى ديمقراطي مرورا بـ«الإصلاح»

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
TT

محطات سياسية في الطريق إلى البيت الأبيض

ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة
 بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه
 في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)
ترامب لدى افتتاحه الكازينو الخاص به «ترامب تاج محل كازينو ريزورت» في مدينة أتلانتيك بولاية نيوجيرسي في 5 أبريل 1990 (أ.ب) - ترامب يتحدث إلى الصحافة بعد مغادرته محكمة بنيويورك في 21 مارس 1991 (أ.ف.ب) - ترامب وزوجته السابقة مارلا مابلز مع مولودتهما الجديدة في 14 أكتوبر 1993 (أ.ب) - صورة لدعاية مشروع عقاري لترامب يحمل اسمه في نيويورك في 8 مايو 1996 (أ.ف.ب) - ترامب مع زوجته ميلانيا ونجلهما بارون (كان عمره حينها 10 أشهر) بعد تكريمه في هوليوود في 16 يناير 2007 (أ.ف.ب)

استوعبت النخب السياسية والمثقفة الأميركية والعالم صدمة فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية، وصوبوا تفكيرهم نحو توجّه سياسات واشنطن الداخلية والخارجية في عهده، ومدى التزامه بتطبيق وعوده الانتخابية، وبخاصة تلك التي قد تشكل قطيعة تامة مع عهد الرئيس الحالي باراك أوباما كتراجع الدعم الأميركي لحلف شمال الأطلسي «ناتو» ومراجعة سياسات الهجرة. وفي مسعى لتصور السياسة الخارجية للسنوات الأربع المقبلة، يحاول الخبراء تحديد شخصية ترامب السياسية، رغم تاريخه القصير في المجال، ولا سبيل لذلك إلا عبر العودة إلى أبرز محطات حياته.
لم يعرف الأميركيون دونالد ترامب بتاريخه السياسي، بل بإمبراطوريته الاقتصادية وشركاته العقارية وملاعب الغولف ومشاريعه التي لم تكن دوما ناجحة، وبرنامج تلفزيون الواقع الشهير «دي إبرينتيس». فبعدما تخرج من كلية وارتون المرموقة لإدارة الأعمال التابعة لجامعة بنسلفانيا ببكالوريوس في إدارة الأعمال عام 1968. انضم إلى شركة والده فريدريك ترامب «مؤسسة ترامب»، وأعاد تسميتها «منظمة ترامب». ومن ثم انطلق في مسيرة التأسيس لإمبراطورية شملت فنادق ومنتجعات ترفيهية ونوادي ليلية وغيرها، التي تخللتها 6 حالات إفلاس معلنة بين 1991 و2009.
* لم يعلن ترامب عن انتماءاته الحزبية قبل عام 1987، فإن مقرّبين منه أشاروا إلى أنه كان معجبا بالرئيس الجمهوري رونالد ريغان وبسياساته.
* بين 1987 و1999، عرّف ترامب نفسه سياسيا بالانتماء إلى «الجمهوري»، قبل أن يغير آراءه وأن ينتسب إلى حزب الإصلاح الأميركي. وشارك رجل الأعمال الملياردير في الانتخابات التمهيدية للرئاسة عن حزبه، إلا أنه انسحب بعد ثلاث سنوات بسبب تدخّل اليمينيين المتشددين ديفيد ديوك وبات بيوكانان في «الإصلاح».
* في عام 2001 قرر ترامب الانضمام إلى الحزب الديمقراطي، متأثرا بمحيطه بعد أن انتقل إلى نيويورك. وبرّر الرئيس المنتخب انتسابه لهذا الحزب خلال حوار مع «سي. بي. إس» في 23 أغسطس (آب) من العام الماضي بقوله إن إقامته بمانهاتن، بوسط نيويورك، أثّرت على توجهاته، وقال: «كنت من منطقة كلها ديمقراطيون، وبصراحة، ومع مرور السنوات، زاد انخراطي في الحزب وتطوّرت».
* بعد مرور 7 سنوات، دعم ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة جون ماكين، وغادر الحزب الديمقراطي منتقلاً إلى منافسه الحزب الجمهوري عام 2009، ثم غادره خمسة أشهر عام 2011 وأصبح مستقلا، قبل أن يعود إلى حزب الجمهوريين ويعد بالبقاء فيه.
وإلى جانب انتماءات ترامب الحزبية «المتنقلة»، إذا صحّ التعبير، التي مكنته من اكتساب معرفة بهيكلة الحزبين الأميركيين الرئيسيين، فإنه عبّر عن طموحاته في الترشح للرئاسة في أكثر من مناسبة. ولعل أبرز اثنتين هما عام 2000 عندما طرح اسمه للانتخابات التمهيدية الداخلية في حزب الإصلاح وقبلها عام 1987 عندما نشر إعلانا على صفحة كاملة في عدد من الصحف الأميركية ينتقد فيه سياسة الدفاع الأميركية، كلفه مائة ألف دولار.
* لم يلمع نجم ترامب السياسي إلا في مسيرته السياسية الأخيرة التي انتهت بانتخابه رئيسا للولايات المتحدة، وذلك بعدما اصطدمت حملته الانتخابية بتصريحاته الصادمة التي صورته مهرّجا في أحيان كثيرة. ونجح «المختل»، كما وصفه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، في التفوق على منافسته الديمقراطية والسياسية المخضرمة هيلاري كلينتون بعكس التوقعات، رغم سلسلة تصريحات مثيرة للجدل وعنصرية وداعية للكراهية.
* يمكن تلخيص الوعود التي كرّرها ترامب في تجمعاته الانتخابية الأخيرة في خمس نقاط رئيسية، هدفها «النهوض بأميركا من جديد»، وتشمل الحد من الهجرة غير الشرعية إلى أميركا، وإصلاح المنظمة السياسية، وتغيير العلاقات التجارية مع الخارج، وإعادة تحديد أولويات السياسة الخارجية، وتخفيض الالتزام الأميركي بسياسات الحفاظ على البيئة. وبالنسبة لترامب، فإن الانتقال من اقتراح إجراء تغييرات هائلة خلال فترة الحملة الانتخابية إلى مرحلة محاولة المرور بسلام عبر دهاليز الحكومة المعقدة، سيأتي بمثابة اختبار عصيب ومبكر لفترة وجوده داخل البيت الأبيض.
وهنا أبرز ملامح مشروعه السياسي كما عبر عنه:
* الهجرة غير الشرعية:
وعد دونالد ترامب أن يتخذ إجراءات لترحيل ما يصل إلى 11 مليون «مهاجر دون أوراق»، وغير شرعيين، بمجرد تسلمه السلطة. ويشكك خبراء في قابلية تحقيق هذه الوعود لأسباب عدة، تشمل صعوبة التنسيق بين الأجهزة الأمنية الفيدرالية من جهة، والولايات المتحدة ودول هؤلاء المهاجرين الأصل من جهة أخرى. كما وعد ترامب أن يجعل آليات الموافقة على تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة أكثر صرامة ودقة، وهو التزام أكثر واقعية وقابل للتحقيق، خصوصا فيما يتعلق باللاجئين إلى الولايات المتحدة من مناطق النزاع في الشرق الأوسط. وقال إن لديه حلولا تشمل بناء مخيمات ومدن للاجئين في مناطق مختلفة من الشرق الأوسط، بدلاً من ترحيل اللاجئين إلى الولايات المتحدة.
* إصلاح منظومة واشنطن السياسية:
كان أحد أهم شعارات دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية: «تنظيف المستنقع»، في إشارة منه إلى ضرورة تغيير المنظومة السياسية في واشنطن، إذ يعد حديث عهد بالسياسية ودخيلا على العاصمة الأميركية. وانتقد ترامب مرارا السياسيين في واشنطن، وقال إن الفساد سببه تقديم المصالح الشخصية. واقترح المرشح الفائز تعديلا دستوريا يضع قيودًا أكثر صرامة على الفترة الزمنية لأعضاء الكونغرس في مناصبهم، والحد من عدد مرات الترشح. كما وعد بوضع قيود تمنع أعضاء الكونغرس والسلطة التنفيذية من «التحزب»، والانضمام لجماعات ضغط، والمشاركة في «لوبيات» سياسية قبل مرور خمس سنوات من تركهم الوظيفة الحكومية. إلا أن سبل تحقيق هذه الوعود تبدو مستبعدة، وتحتاج المرور عبر الكونغرس.
* العلاقات التجارية مع الخارج:
يعتبر ترامب من أشدّ المعارضين لاتفاقية «نافتا»، وهي اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، التي تضم كلا من الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، وكان تم التوقيع على الاتفاقية في عهد الرئيس بيل كلينتون. كما أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر المحيط الهادي (تي تي بي)، التي تضم أكثر من 12 دولة كانت أيضا محل انتقاد من طرفه، الذي وعد بإعادة مناقشة كل من الاتفاقيتين لتخدم التجارة الأميركية بشكل أكبر. ويبدو أنه باستطاعة ترامب الرئيس إعادة التفاوض بخصوص الاتفاقات التجارية، وهي خطوة من شأنها ترك تداعيات كارثية على أسواق الأسهم والاقتصاد.
* السياسة الخارجية الأميركية:
التزم الرئيس المنتخب شعار «أميركا أولا» في حديثه عن السياسة الخارجية الأميركية. وقال في أحد لقاءاته إن حلف شمال الأطلسي «ناتو» مجحف بحق الولايات المتحدة بحجة أنها أكثر من يساهم بالعدد والعدة وحماية الأعضاء في الحلف من دون مقابل يذكر. وأضاف أن أميركا لن تدافع بعد اليوم عن أي من الدول الأعضاء، ما لم تكن تلك الدولة قد قدمت كل ما عليها من التزامات لدول الحلف. أما فيما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، فقد كان من أكثر القضايا التي انتقدها ترامب وذكر أن الولايات المتحدة هي الخاسر الأكبر من هذه الاتفاقية، إذ إنها سمحت لطهران بالحصول على أكثر من 1.7 مليار دولار من السيولة، وفي المقابل، الاتفاقية لا تضمن عدم إنتاج إيران قنبلة نووية. ووعد ترامب أن يتم إعادة مناقشة هذا الاتفاق. وبالنسبة للحرب على «داعش»، فإن الرئيس الجديد لم يكن واضحًا في مخططه، وقال إنه يجب ألا تكون خطوات أميركا في القضاء على «داعش» معلنة، بل «سرية». لكنه لم يتردد في تهديد التنظيم والقضاء عليه.
* السياسات البيئية:
لا يؤمن دونالد ترامب بنظريات الانحباس الحراري، واعتبرها في إحدى تغريداته «مؤامرة صينية لإجبار الولايات المتحدة على خفض إنتاجها».
وأثارت تصريحاته حول البيئة مخاوف خبراء التغيير المناخي، إذ وعد بإلغاء التبرع بمبلغ مليار دولار الذي أقرّه أوباما للمساهمة في البرنامج الأممي لتغيير المناخ. كما قال إنه سيستثمر هذا المبلغ في تطوير البنية التحتية للولايات المتحدة. وبشكل عام، هناك وعود أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية كنوع من المزايدة، ولا يعيرها الخبراء اهتماما يذكر لكونها مجرد شعارات انتخابية غير قابلة للتحقيق، وتهدف لتعزيز فرصه لدى مجموعة معينة من الناخبين. وأبرز هذه الوعود، بناء جدار فصل فعلي على امتداد الحدود الجنوبية للبلاد مع المكسيك يتطلب التزام الكونغرس بتوفير مئات المليارات من الدولارات لإنجازه. وبالمثل، لا يملك ترامب سلطة إجبار المكسيك على تحمل تكاليف بناء الجدار، مثلما تعهد مرارًا، وإن كان بإمكانه تهديد الحكومة المكسيكية بتقليص حجم التبادل التجاري بين الجانبين أو تقليص نشاطات فرض القانون المرتبطة بمكافحة الاتجار في المخدرات.
ولقد كشف التاريخ مرارًا من قبل عن أنه أحيانا يكون من الصعب تنفيذ وعود جرى إطلاقها بسهولة أمام حشود الجماهير المتحمسة. على سبيل المثال، رغم إصدار الرئيس أوباما فور توليه الرئاسة قرارًا بإغلاق السجن العسكري في خليج غوانتانامو في كوبا للإرهابيين المشتبه بهم، فإن أعضاء من الحزبين عارضوا الخطوة. وحتى الأشهر الأخيرة من رئاسة أوباما، لا يزال السجن مفتوحًا.
من ناحية أخرى، فإن فرض رقابة صارمة على المساجد داخل الولايات المتحدة على النحو الذي دعا له ترامب، يتطلب من المحاكم إعادة تفسير الحمايات والحقوق التي كفلها الدستور. وإذا ما رغب ترامب في المضي قدمًا في مقترحه بمنع دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، الأمر الذي لم يعد يذكره خلال الأشهر الأخيرة من السباق الانتخابي وحذف أمس من موقعه الإلكتروني، فإن هذا القرار سيكون من السهل الطعن فيه فورًا أمام القضاء بوصفه غير دستوري أو يناقض القوانين الحالية، حسبما أكد خبراء قانونيون.
ومع ذلك، فإنه من المحتمل أن يتمكن ترامب من منع دخول مجموعة أضيق نطاقًا من المسلمين الذين يعيشون في أجزاء بعينها من بعض الدول التي يسيطر عليها إرهابيو تنظيم داعش لما تتيحه قوانين الهجرة من تقييد دخول بعض الأفراد بناءً على مخاوف تتعلق بالأمن الوطني.
إضافة لذلك، ثمة وعود أخرى أطلقها ترامب تتطلّب تبديل أولويات عمل الوكالات الوطنية، مثل حديثه عن أنه سيسعى لدفع الكونغرس نحو توفير مزيد من التمويل للبرامج الجاري تنفيذها، مثل ترحيل المهاجرين غير الشرعيين أصحاب السجلات الجنائية، ووعوده الأوسع نطاقًا بـ«إصلاح الهيئة المعنية بشؤون المحاربين» و«الشروع في الاهتمام بمؤسستنا العسكرية».



ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.