تحدي ترامب.. توحيد الأميركيين

أدلى الأميركيون بأصواتهم في انتخابات الرئاسة يوم الثلاثاء باعتبارهم شعبا واحدا، واستيقظوا الأربعاء دولة من أمتين؛ إحداهما مبتهجة ومفعمة بالأمل، والثانية يتملكها التشاؤم والرعب الشديد. كان هذا من أهم نتائج فوز الجمهوري دونالد ترامب على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، بعد حملة شرسة وغير مسبوقة، احتدم فيها التنافس إزاء قضايا سياسية واقتصادية كثيرة، وأثيرت خلالها فضائح أخلاقية ومالية وفتحت تحقيقات من قبل المباحث، مما زاد الجو المشحون أصلا مزيدا من التوتر والترقب.
والآن بعد إعلان الفائز بالسباق الرئاسي، وجد ترامب نفسه أمام شعب مقسم، مما دفعه للتخفيف من تصريحاته المثيرة للجدل. وتعهد، خلال خطاب النصر، بالسعي لتوحيد الأميركيين، هو تحد ربما لم يتوقعه ترامب نفسه خلال حملته. ومن خلال مقابلات أجرتها الصحافة مع مواطنين من شرائح وخلفيات مختلفة، اتضح أن عددا ممن اختاروا ترامب ازدادوا ابتهاجا وتشبثا بخيارهم، بينما أطاح الصعود غير المتوقع، للمرشح الجمهوري، بمفهوم الولايات المتحدة لديهم وأجبرهم على النظر في أمرهم وفيما إذا كانوا يعيشون في البلاد التي لم تعد مثلما كانوا يعتقدون.
في ميدلتاون بولاية أوهايو، استيقظت زوجة قس الكنيسة ذات الـ26 عاما وهي مبتهجة ومفعمة بالآمال في إمكانية أن يحقق ترامب التحول الاقتصادي المنشود ويعمل على معارضة وتجريم الإجهاض. وفي دالاس، تلقى محامي الهجرة، البالغ من العمر 51 عاما، اتصالات هاتفية مذعورة من العملاء الذين يخشون من الترحيل القسري من البلاد، معتقدين أن طلبات الحصول على حق اللجوء السياسي قد تعطلت وباتوا يفقدون الأمل في إمكانية لم شمل الأزواج والأطفال.
وفي منزلها في منطقة راذرفورد الريفية من ولاية نورث كارولينا، كانت تلك المرأة البالغة من العمر 55 عاما تقضي صباحها في ألم وندم شديدين على قرارها الذي اتخذته في آخر لحظة عندما أدلت بصوتها الانتخابي لصالح المرشح ترامب.
وتقول سيندي أدير، وهي مهندسة للديكور: «إنني في حالة عصبية شديدة. إننا منقسمون بشدة، وهناك الكثير من الكراهية في كل مكان». وكانت في كل صباح تعيد النظر في قرارها برفض المؤسساتية، وكانت تشعر بالقلق حول ما يقولونه عنها. «أعني أنني أميل للإدماج. إنني لا أوافق أن نذهب ونقول لجماعة معينة من الناس، مثل المسلمين، إنكم غير مسموح لكم بالبقاء هنا».
وقد تردد هذا السؤال كثيرًا في الكثير من المقابلات الشخصية التي عقدت مع الناخبين في طول البلاد وعرضها: ما الذي يعنيه بالضبط فوز دونالد ترامب بالنسبة للولايات المتحدة كأمة؟ تقول زينب الحسني، 30 عاما، من هامترامك في ولاية ميتشيغان، وهي ضاحية في مدينة ديترويت التي تضم مجلس المدينة الوحيد ذا الأغلبية المسلمة: «إنني أشعر بالرعب الشديد»، حيث كانت تنتظر تناول الإفطار في أحد المطاعم بالمدينة، وكانت تنظر بعينين قلقتين إلى طفلتها البالغة من العمر 15 شهرا فقط. وأضافت الحسني تقول وهي تضبط حجابها على رأسها: «إن بلادنا تريد طردنا إلى الخارج. إنهم يكرهون المسلمين. هذا ما قالوه بالأمس. إنهم يكرهوننا أكثر مما يحبون أميركا نفسها».
وأردفت الحسني تقول وهي تشير نحو طفلتها الرضيعة وتقاوم دموعها بشدة: «كيف يمكنني الرحيل، فلتشرحوا لها. الرجل الذي يقول مثل تلك الأشياء الحقيرة عن الجميع قد أصبح اليوم نموذجا يحتذى به؟ لماذا لم تعد مسألة كهذه مهمة عند الناس المحترمين؟».
وعلى مسافة بضعة أميال إلى الشمال، كان جيمس ماكدانيالز البالغ من العمر 27 عاما يطعم طفله البالغ من عمره 4 شهور فقط في مقهى ستاربكس الشهير، حيث قال: «إنني متحمس للغاية!»، وهو يرتدي سترته على كتفيه ومكتوب عليها «أرسلوا هيلاري إلى السجن». وأضاف ماكدانيالز يقول وهو يحتسي قهوته المفضلة في ماونت كليمينت بولاية ميتشيغان – وهي من مناطق الطبقة البيضاء العاملة في الولاية: «لم أعد أهتم بما يقولونه عن الرجل. إنه الإعلام الذي يحاول تشويه صورته لدينا. إننا لا نكره المسلمين، ولكن لا يمكنهم تطبيق قانونهم وشريعتهم في بلادنا. إن كانوا يحبون هذه البلاد بحق، فعليهم مساعدتنا في التخلص من الإرهابيين الإسلاميين الموجودين في مساجدهم هنا». ويتابع ماكدانيالز، الذي فقد وظيفته في عام 2015 عندما أغلق متجر بيع قطع غيار السيارات الذي كان يعمل به أبوابه: «لقد كان الوضع حرجًا للغاية هنا ولسنوات كثيرة ولم يكن أحد يعبأ بنا»، وقال: إنه تمكن في نهاية الأمر من العثور على وظيفة نادل في أحد المطاعم. وقال مضيفا: «لقد استعاد الشعب الأميركي بلاده بالأمس أخيرًا». وقال الرئيس المنتخب ترامب صباح الأربعاء إن الأمة تدين لهيلاري كلينتون بدين عظيم للخدمات الجليلة التي أدتها للبلاد، وأضاف قائلا: «إنني أعني ذلك بكل إخلاص وأمانة».
ولم يصدق ماكدانيالز من ذلك شيئا، حيث كان يعول على أن يعمل ترامب في الواقع على سجن كلينتون كما وعد بذلك في حملته الانتخابية، ووصفها ماكدانيالز بأنها «امرأة محتالة وكاذبة».
وتقدم الرئيس باراك أوباما إلى حديقة الورود في البيت الأبيض بعد ظهيرة يوم الأربعاء، وتحدث عن الانتقال السلمي للسلطة، مقرًا بخلافاته مع ترامب، ومضيفا أن الجميع معترف بنجاحه.
في لوس أنجليس، كانت باتي غيجانز، 72 عاما، تحاول استدراك الأمر، حيث قالت: «لا أزال مصدومة حتى أكون مصدقة لما يحدث». وكانت غيجانز تعمل منذ ثلاثة عقود في منظمة غير هادفة للربح معنية بمساعدة النساء اللاتي تعرضن للاعتداءات الجنسية. وقالت مضيفة: «تعرضنا للكثير من النقد اللاذع طيلة العام الماضي: لقد وصفت النساء بالكاذبات. وانتقص من قدرهن لأنهن فقط نساء. وكان الخطاب العام نحونا عنيفا ورخيصا للغاية، وكان إقصائيا بدرجة كبيرة».
وكما شاهدت نتائج الانتخابات مساء الثلاثاء، قالت: إنها كانت مضطرة إلى إجبار نفسها على التوقف عن متابعة الأخبار حيث إن التصويت لصالح ترامب كان بمثابة استفتاء على العنف الجنسي نحو النساء. وقالت: «لو سمحت لنفسي بالتفكير في ذلك لكنت أقدمت على الانتحار على الفور».
بدلاً من ذلك، قالت غيجانز، عندما بدأت في رؤية الانتخابات كما لو كانت تحذيرًا مدويًا الذي تجاهله الكثيرون أو رفضوا الاستماع بشكل غير منصف لشكاوى رفاقهم من المواطنين الأميركيين الساخطين على الأوضاع، أولئك الذين اتضح أنهم اندفعوا ذرافات ووحدانًا في مسيرات تأييد ترامب. وتقول غيجانز: «في مجال عملي، نتعمد الاستماع إلى الآخرين، ولدينا مستشارون وخط هاتفي ساخن. نستخدم قلوبنا وعقولنا لمحاولة فهم الآخرين، وهذا ما يتعين علينا القيام به إذا أردنا المضي قدما».
ولكن كيف يمكنك الاستماع من دون نسيان ما قاله ترامب لتوه؟ كما يقول فيكتور إيبارا. فمن اليوم الأول لترشح ترامب – عندما وصف الشعب المكسيكي بأنهم مغتصبون وتجار مخدرات ومجرمون – كان إيبارا من أشد المنتقدين.
وإيبارا من المهاجرين غير الموثقين، كان غادر بلدته راينوسا في المكسيك قبل 20 عامًا للفرار بحياته من العنف المتفشي في بلاده محاولا العثور على الراحة والسلام. وقد ظن أنه عثر عليه في هيوستن، حيث يكتسب رزقه من تنظيف السجاد لتربية ولده المولود في الولايات المتحدة الأميركية. ويعمل إيبارا الآن كناشط في مجال حقوق المهاجرين اللاتينيين، ويقول إن هاتفه لم يتوقف عن الرنين منذ مساء الثلاثاء الماضي. «إنهم يبكون، إنهم يعانون، إنهم خائفون. بعضهم من الصبيان بأعمار تناهز 14 و15 عاما، ومنهم الأطفال لآباء لا يحملون وثائق الهجرة القانونية، إنهم يبكون كثيرا ويقولون: إنهم خائفون للغاية من ترامب، ويتساءلون: ما الذي سوف نفعله الآن؟».
وقالت ميتزي ميلر إنها كانت تكافح من أجل محاولة رأب الصدع مع أولئك الذين، من خلال أصواتهم، صادقوا على سخريات ترامب من الكثير من الناس. وتضيف أن ابنها كايسي يعاني من مرض الشلل الدماغي، والاضطرابات العقلية، وأمراض الكلى. وعندما شاهدت هي وابنها، البالغ من العمر 19 عاما، ترامب، يسخر من أحد المراسلين من ذوي الإعاقة، قالت: إنها شعرت بإعياء شديد وأجهشت بالبكاء. وتابعت ميلر: «إن كل ما تذكره ولدي هو كل أنواع السخرية والآلام التي مرت به في حياته. ألا تسمعوا، إننا مدمرون، فقط مدمرون، ولا يفهم أحد ما الذي سوف يحدث في بلادنا ولأطفالنا». في وقت مبكر من صباح الأربعاء، كانت ناجا نيلسون (18 عاما) تتجول في شوارع واشنطن، مركز الزلزال الذي كشف عن كافة أشكال الحقد والانقسامات الحزبية التي مزقت البلاد إربا، وقالت: إنها شاهدت تداعي كل المثل منهارة أمام عينيها.
وبعد الإثارة الأولى للتصويت لأول مرة في حياتها، تتساءل الطالبة في عامها الأول بجامعة جورج واشنطن إن كان لصوتها الانتخابي أهمية تذكر. كما تساءلت ما إذا كانت كافة الاحتجاجات والمشاجرات التي وقعت في السنوات الأخيرة لصالح الدفاع عن حقوق المرأة والأقليات لها، أيضا، أهمية تُذكر. وتقول ناجا نيلسون: «لقد بدأت أشكك في كل شيء»، وأضافت أنها تحمل ترامب مسؤولية تطبيع الكراهية، وكره النساء، والإسلاموفوبيا، وكراهية الأجانب. وحتى أنصار ترامب واجهوا مشكلة في التخلي عن معتقداتهم كذلك. ومع انتظار سي جيه لويس (74 عاما) في غرفة معيشتها للاستماع إلى خطاب التنازل من هيلاري كلينتون، تحدثت كيف أنها كانت تشعر بالخزي من قبل غيرها من السكان في بلدتها لأنها فقط من مؤيدي دونالد ترامب.
وتقول لويس الديمقراطية المؤيدة لترامب: «كنت خائفة من وضع علامة ترامب في فناء منزلي أو على خلفية سيارتي. لم أكن أريد أي شيء أن يحدث لمنزلي أو سيارتي. والأمر هو أنني لن أتحدث عنهم بالطريقة التي تحدثت بها هيلاري عنا، لقد وصفتنا بأننا يُرثى لنا». وتضيف لويس أن أكبر آمالها، بعد أن انتهت الحملة الانتخابية، هي أن يتوقف الناس في النهاية عن كراهية بعضهم البعض. وحتى الآن، ومع مشاهدتها للتلفزيون في انتظار ما ستقوم به كلينتون، لم تتوقف لويس عن تعداد إخفاقات كلينتون في الحكم على الأمور وفي شخصيتها الذاتية.
وأدلى ترامب بعد فوزه بتصريحات طمأنة تجاه خصومه، إذا قال ضاحكا أمام حشد من أنصاره في نيويورك: «بالنسبة لأولئك الذين اختاروا عدم مساندتي في الماضي، وهم عدد قليل من الناس، فإنني أحاول التواصل معكم من أجل الاستفادة من توجيهاتكم ومساعدتكم بحيث يمكننا العمل سويا من أجل وحدة بلادنا العظيمة». وأعرب الكثير من الناخبين المؤيدين لترامب عن التفاؤل المطلق حيال رغبته وقدرته على القيام بذلك.
وما يفتقر إليه ترامب في الخبرة السياسية، يحاول تعويضه في مجال المال والأعمال والتجارة، كما يقول دياموند مايك آلن، 55 عاما، وهو المصارع المحترف الذي تحول إلى مجال الكوميديا والترفيه ومن أنصار ترامب منذ اليوم الأول.
ويقول آلن من مدينة دولستون بولاية بنسلفانيا، في المقاطعة التي أيدت هيلاري كلينتون: «إن رجل الأعمال الناجح دائما ما يقرب منه الشخصيات المناسبة. فعندما يبدأ في بناء أحد المباني الكبيرة، فإنه لا يصب الخرسانة بنفسه أبدا». ويقول مايكل بارنت، وهو من المواطنين الأميركيين الأفارقة المؤيدين لدونالد ترامب ورئيس مقاطعة بالم بيتش في ولاية فلوريدا، ومن أعضاء الحزب الجمهوري هناك: «لا أعتقد أنه بمقدوره القضاء على العنصرية، لأنني لا أعتقد أنه بإمكانه تغيير الطبيعة البشرية. ولكنني أعتقد أن دونالد ترامب، ومن واقع خبراتي السابقة، يعرف كيف يعمل مع كافة الناس من كافة الأعراق».
ولكن بالنظر إلى حالة الانقسام الكبيرة والمؤلمة التي تجتاح البلاد اليوم، حتى بعض من الناخبين المؤيدين لترامب قد أعربوا عن شكوكهم ومخاوفهم.
وتقول جوليا سميث، التي صوتت لصالح ترامب من إحدى الضواحي في مدينة شيكاغو: «إنه مدفع هائج، ولا أدري ما الذي سوف يفعله». وسميث، التيس تعمل في مجال تحليل تكنولوجيا المعلومات، قد وجدت بعض العزاء في فكرة مفادها أن شخصا واحدا وانتخابات وحيدة ليس بإمكانهما تحديد مسار ومصير البلاد بأسرها، بصرف النظر عن الصدمات والتحولات الناجمة عنها. وتضيف سميث: «سوف يتطلب الأمر من الناس الذين يحبون بعضهم البعض، ويحبون مجتمعاتنا، ويحبون جيراننا، عما إذا كانوا من أبناء هذا الوطن أم لا، وهل عندهم المقدرة على التضحية من أجل أن نكون الدولة التي تتمتع بالنزاهة والمصداقية مرة أخرى. إنه كشعلة مضيئة في مكان مظلم».