البيشمركة تحيط مواقعها شرق الموصل وشمالها بسواتر ترابية

مراقبون يشتبهون في أنها «ترسم الحدود».. وقادتها ينفون

البيشمركة تحيط مواقعها شرق الموصل وشمالها بسواتر ترابية
TT

البيشمركة تحيط مواقعها شرق الموصل وشمالها بسواتر ترابية

البيشمركة تحيط مواقعها شرق الموصل وشمالها بسواتر ترابية

يعمل مقاتلو قوات البيشمركة الكردية حاملين المعاول والرفوش مثل عمال المصانع وبمساعدة الجرافات على تعبئة أكياس التراب وإغلاقها ثم رصها بحزم فوق ساتر ترابي عبر الصحراء في شمال العراق. هذا الساتر المرصوص قد يحدد الأراضي التي تأمل حكومة إقليم كردستان في الحفاظ عليها بمجرد انتهاء معركة استعادة الموصل، آخر معاقل تنظيم داعش في العراق.
تستغل وحدة صغيرة من القوات الكردية الموجودة على بعد نحو 60 كيلومترًا غرب أربيل، آخر ساعة قبل غروب الشمس لتحصين حاجز مؤقت جديد يفصلها عن القوات المسلحة العراقية إلى الغرب، حسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية.
وفيما لا تزال هناك بلدات استراتيجية في الموصل ومحيطها تسعى القوات الاتحادية العراقية لاستعادتها، تشير قوات البيشمركة إلى أنها حققت أهدافها بعد ما يقارب الشهر من انطلاق العملية العسكرية. وتقول قوات البيشمركة إنها ستحتفظ بأي أراضٍ ساعدت في استعادة السيطرة عليها، وضمنها بعشيقة شمال شرقي الموصل التي دخلتها القوات الكردية الأسبوع الماضي، وهو هدف قد يثير توترًا مع بغداد. ويوضح القائد الكردي المحلي، اللواء جمال ويسي، أن «المناطق التي تدخلها البيشمركة وتحررها، ستبقى فيها».
وسيطرت قوات البيشمركة أو ثبتت مواقعها على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال العراق في إطار الحرب ضد تنظيم داعش، التي بدأت عند انسحاب القوات العراقية في عام 2014 والمتواصلة حاليًا لطرد المتطرفين.
وبدءًا من نقطة قرب قرية شاقولي العراقية، قاد فريق من وكالة الصحافة الفرنسية السيارة على طول الساتر الترابي لمسافة لا تقل عن 20 كيلومترًا، لكن الحاجز يمتد أبعد من ذلك باتجاه شمال الغرب، حتى بعشيقة.
كان بالإمكان رؤية محادل تقوم بتسطيح الأرض، ربما لتعبيد طريق مستقبلي من شأنه أن تؤدي إلى البلد الذي استعيدت السيطرة عليه أخيرًا. فبعد طرد تنظيم داعش من بعشيقة بداية الأسبوع الحالي، تكون قوات البيشمركة قد أنجزت التزامها من الاتفاق في معركة الموصل.
ويؤكد الأمين العام لوزارة البيشمركة، جبار ياور، أنه «بحسب الخطة التي وضعناها مع الحكومة، فإن الأهداف المرسومة للبيشمركة انتهت». وهذا ما يؤكده القائد في قوات البيشمركة اللواء عزيز ويسي، قائلاً إن «كل المناطق التي كانت مرسومة هدفًا لنا، انتهت».
وعند سؤال ياور عن الهدف من هذا الساتر الترابي الذي أنشئ حديثًا، يشير إلى أنه من المفترض أن يحمي القوات الكردية من هجمات بسيارات مفخخة وانتحارية قد يقوم بها تنظيم داعش. ويضيف: «نحن لا نعيد رسم حدود جغرافية. هذه السواتر والخنادق هي لحماية البيشمركة من اعتداءات (داعش) في المستقبل».
لكن محللين يعتبرون أن الساتر، بالإضافة إلى وجود البيشمركة في أراضٍ كبعشيقة ومحافظة كركوك الغنية بالنفط، يشير إلى مزيد من الأهداف طويلة الأمد. ويقول الباحث باتريك مارتن من معهد دراسات الحرب في الولايات المتحدة، إن «الخطوط الدفاعية للبيشمركة قد تبرر خطابيًا على أنها دفاعات ضد هجمات تنظيم داعش».
ويضيف: «لكنها أيضًا مؤشرات على واقع جديد في العراق، بأن حكومة إقليم كردستان وسعت بحكم الواقع سيطرتها على جزء أكبر بكثير مما كانت تسيطر عليه سابقًا في العراق». ويوضح مارتن أن حكومة إقليم كردستان تتطلع إلى التركيز «على ضمان أن تحتفظ بالسيطرة على الأراضي التي توجد فيها البيشمركة حاليًا، والسعي إلى دمج تلك المناطق بإقليم كردستان العراق».
الباحث في جامعة أكسفورد نايت روزنبلات، يقول إن «المثير للاهتمام في الساتر الترابي، الجديد بالمعنى المادي، هو أنه نتاج سنوات من التأثير غير الرسمي لحكومة إقليم كردستان على هذه المناطق». ويتوقع روزنبلات أن تقوم البيشمركة بـ«فرض ضوابط صارمة على أولئك الذين يريدون الانتقال إلى الموصل من بعشيقة والمناطق المحيطة بها مستقبلاً».
ويبدو أن هذه القيود دخلت حيز التنفيذ الخميس عند نقطة بداية الساتر الترابي، وهي نقطة تفتيش جديدة للبيشمركة على طول الطريق الرئيسي المؤدي من أربيل غربًا باتجاه مدينة الموصل. وأول نقطة تفتيش للجيش العراقي، تقع على بعد مئات الأمتار غربًا، لذا فإن الحاجزين يعملان معبرين حدوديين فعليين. وتقوم قوات البيشمركة بتفتيش حمولة شاحنة لنازحين عراقيين فارين من الموصل شرقًا، نحو مخيمات في كردستان العراق.
ويتفحصون أيضًا الأذونات التي تجيز للمدنيين النازحين في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد التوجه غربًا، لتفقد منازلهم في القرى الخاضعة لسيطرة القوات العراقية.
يقول المسؤول المحلي في البيشمركة العميد كمال مجيد فخري، الذي زار النقطة الحدودية الخميس: «نحن كعسكر، كلفنا بتثبيت الحدود». ويضيف أن «البيشمركة ستبقي سيطرتها على هذا المكان، ونحن نتعاون مع الأسايش (الأمن الكردي) في هذا الخصوص لاستقرار المنطقة. هذا كله خدمة لسكان المنطقة».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.