هل يُنهي عصر الرئيس ترامب آثار «الربيع العربي»؟

بعد تذبذب مواقف إدارة أوباما

هل يُنهي عصر الرئيس ترامب آثار «الربيع العربي»؟
TT

هل يُنهي عصر الرئيس ترامب آثار «الربيع العربي»؟

هل يُنهي عصر الرئيس ترامب آثار «الربيع العربي»؟

جرت تسميته شعبيا بـ«الربيع العربي» لكنه تحول بعد سنتين من اندلاع شرارته إلى أزمات دولية لم تنته. وكان الصمت الأميركي إزاءها، وبخاصة مع إدارة الرئيس باراك أوباما، علامة تحول كبرى في مشكلات المنطقة التي هيأت الفرص لظهور ميليشيات إرهابية في معظم دول الثورات العربية.
ومن ثم، يواجه الواقع العربي اليوم كثيرا من الحنين إلى الماضي، رغم ديكتاتوريات صنعت متعمدة كرسيها الحديدي على شعوبها، وعلى أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية، فدخلت معظم «دول الثورات» من تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا، مراحل عصيبة إبان محاولاتها الوقوف مرة أخرى على وقع دعوات بناء الديمقراطية العربية الجديدة.
ولئن كان الشرق الأوسط بدأ مرحلته السرابية بعد غزو العراق في عام 2003، أي ما قبل ست سنوات على بدء باراك أوباما مرحلته الرئاسية الحساسة مع المنطقة، على وقع دعوات استراتيجية أميركية لبداية مشروع إعادة «بناء الشرق الأوسط الجديد» الذي يقوم على تغيير أنظمة المنطقة بالقوة إذا اقتضى الأمر؛ كان أوباما مكرسًا نفسه لسياسة الصمت، حتى صعدت كثير من القوى وأصبح لعاب بعضها يسيل لاستعادة أمجاد قديمة لها في المجتمع الدولي.
والحق أنه لم يكن لأوباما دور في المنطقة، سوى شعار يراه إنجازًا، يتمثل في ذهابه بعيدا لاسترضاء إيران من أجل التوصل إلى الاتفاق النهائي بخصوص الملف النووي، إلا أنه اصطدم بصعوبات كبرى في الكونغرس بمجلسيه (مجلس النواب ومجلس الشيوخ) الذي يسيطر عليه الجمهوريون - وجددوا ذلك بالأمس - إذ رفض الجمهوريون عمومًا - حتى الآن - أي تساهل مع إيران. وأمام هذه الوقائع، وكذلك الواقع الذي أظهرته نتائج الانتخابات الأميركية، يظهر الرئيس المنتخب دونالد ترامب بقوة على سطح الشرق الأوسط، ولعل طهران أكثر القلقين منه، إذ كانت بعض خطابات ترامب، إبان حملته الانتخابية، تتوعد طهران، ومنها وعده أنه سيقوم «بتفكيك كامل لشبكة الإرهاب العالمية لدى إيران»، خصوصا أنه اعتبر أنها زرعت المجموعات الإرهابية في كامل أنحاء العالم وقامت بهجمات إرهابية في 25 بلدا مختلفا في خمس قارات.
ولكن بما أن ترامب، ليس ذا خبرة سياسية، بل تكاد خبرته تكون معدومة، فإنه أدلى بحديث قديم، اعتبر في ظلاله ذا مؤشرات إيجابية، إذ قال في تعليقه على ما يسمى بـ«الربيع العربي» إن «مشكلاتنا في الشرق الأوسط بدأت مع الفكرة الخطيرة بأننا نستطيع صنع ديمقراطيات على الطراز الغربي في البلدان التي ليس لها أي تجربة أو مصلحة في أن تصبح ديمقراطيات غربية».
وبعد الثورات العربية، عاشت إيران في فرصة ذهبية لتحقيق استراتيجيتها بتصدير ثورتها، فدفعت باستغلال تلك الأحداث المتغيرة في العالم العربي، التي سال لها لعاب معممي طهران وقم، فأعلنت إيران مرارًا، أنها لن تقف مكتوفة اليدين في حال التطرق إلى النظام السوري وفي حال استهدفت دول أهدافا محددة في دمشق، مهددة على لسان عدد من قادتها العسكريين إلى تحويل الوضع نحو حرب إقليمية. وهددت إيران أيضا عبر رجال دين إيرانيين بأن أثر أي مساس بنظام بشار الأسد والنظام العلوي الذي يقوده «سيكون وخيمًا» على الدول المعنية، وجاء التهديد قبل سنتين على ذكر واشنطن وباريس، بإطلاق يد مجموعات موالية لطهران لاستهداف قوة الأمم المتحدة (اليونيفيل) في لبنان، بالتوازي مع كماشة العقوبات على ما يسمى «حزب الله» اللبناني بفعل قرارات قضائية. كذلك الأمر في اليمن، التي تئن بفعل جرائم الحوثيين، الذراع العسكري والسياسي لإيران في الجمهورية المضطربة. إذ ترى إيران في الحوثي أساسا في خريطة السياسية اليمنية، وسبق لها أن أعلنت على لسان، اللواء إسماعيل قاآني، نائب قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، عن دعمها وتقديمها استشارات للجماعة الحوثية: «ندعم بقوة كل من يقاتل تحت راية (الجمهورية الإسلامية).. ومدافعو اليمن (الحوثي) تربوا على يد (الجمهورية الإسلامية) ولن يستطع الأعداء مواجهتهم». واليوم بعدما ساهمت طهران في تفخيخ ممرات الحلول لأزمات المنطقة، من العراق وسوريا، حيث «داعش» الإرهابي والأزمات الإنسانية، ومرورا بلبنان، وليس انتهاء باليمن، بعدما استطاعت مصر وتونس من كسر كل المحاولات الإيرانية للاستثمار في أزماتها... يأتي التساؤل: هل ستكون سياسة ترامب الخارجية مبشرة بإنهاء آثار الربيع العربي، وقطع أذرع إيران؟
يعلق الصحافي الأميركي غلين كاري، بأن «سياسة ترامب الخارجية ستحمل كثيرا من التغيير، وستأتي بخلاف فشل سياسة أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، اللذين - وفق كاري - تسببا في احتقان المواقف على كامل خريطة الشرق الأوسط، وساهمت إدارته في غربلة مستوى التوازنات الدولية وسمحوا لروسيا وغيرها في المنطقة من أن يكون لهم نفوذ عالمي».
وأكد كاراي، خلال حديث مع «الشرق الأوسط»، أن «القرار الأميركي لا يصنعه البيت الأبيض فقط، بل تلعب معه المؤسسات المختلفة كالبنتاغون والكونغرس دورا كبيرا في ذلك. وبالتالي، من المؤكد أن تكون السياسة نحو منطقة الأزمات في الشرق الأوسط مختلفة، وسيكون أكبر المتضررين منها إيران، وفق كلامه، وأن يتبنى ترامب دبلوماسية نشطة تجاه العالم العربي والعالم الإسلامي ويقوم بتفعيل أدوات الدبلوماسية العامة».
من جهة أخرى، أشار كاري إلى أن سياسة «مسك العصا من الوسط» ليست في قرارات المرحلة المقبلة من «أميركا الجديدة»، التي ستكون «مطلقة في حكمها بفعل الانسجام الجمهوري لتثبيت حضور الجمهوريين وحضور بلدهم في المنطقة». وأضاف في توقعاته أن «يحتل ملف الحرب على الإرهاب أولوية ترامب في المقام الأول، وسيحتل ملف إيران المرتبة الثانية في أولوياته، والعراق وسوريا المرتبة الثالثة في سلم الأولويات».
جدير بالذكر، أن حضور أوباما خلال فترتيه الرئاسيتين، استقبلتهما الدول العربية وشعوبها بترحيب بالغ لاعتبارات غير سياسية، أضحت لاحقا ندما على معظمها بفعل سياساته التي خيبت الآمال. وهنا يقول المحلل السياسي السعودي، زهير العمري، إن سياسات الإدارة الديمقراطية الأخيرة في المنطقة «أثبتت أنهم بلا خرائط سلام ولا خرائط حرب، وأن أوباما وسياسته قضوا على مكانة الولايات المتحدة الاستثنائية في المنطقة بعد خمسين سنة من النجاح».
وقال العمري، خلال اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»، إنه «لا يمكن إصلاح خلل أوباما ومراحل الربيع العربي بسهولة، فالتحديات التي تركتها إدارته سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، تتطلب خطط عمل كبرى، ينبغي على دونالد ترامب معها وضع يده مع منظومة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، لكون قادة هذه الدول أكثر المؤثرين بالمنطقة، وسيكونون أكبر دعم لواشنطن».
إن «الفوضى الخلاقة» التي أسسها جناح أوباما و«صقوره»، في إشارة إلى «الربيع العربي»، سيكون أمام دونالد ترامب، الرئيس الجديد، فرصة كسر قاعدتها نحو علاقات أكثر ديمومة من سلفه. إذ إن قيادة أوباما أضعفت ثقة دول المنطقة بأميركا، ولا سيما في أعقاب الأحداث في مصر - خصوصا بعد سقوط حكم الإخوان - والتلكؤ في توجيه ضربة عسكرية ضد نظام الأسد، والركض الأميركي نحو إيران بتوقيع الاتفاق النووي الذي لن يرقى إلى طموحات دول المنطقة الخليجية، على الخصوص، رغم ترحيبها الرسمي به ما لم يجعل هناك حدا لعبث إيران في المنطقة، وإن كانت السياسات تتّسق في النهاية مع متطلبات المصلحة العليا للبلاد.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.