عودة العمل بالتهدئة في «حي الوعر» وأزمة إنسانية إذا استمر الحصار

الاتفاق على وقف القصف لإطلاق المعتقلين وخروج المقاتلين

عودة العمل بالتهدئة في «حي الوعر» وأزمة إنسانية إذا استمر الحصار
TT

عودة العمل بالتهدئة في «حي الوعر» وأزمة إنسانية إذا استمر الحصار

عودة العمل بالتهدئة في «حي الوعر» وأزمة إنسانية إذا استمر الحصار

أعيد أمس العمل باتفاق الهدنة في حي الوعر في مدينة حمص وسط سوريا، بين قوات النظام ولجنة التفاوض لوقف القصف على الحي بعد الحملة العسكرية التي تعرّض لها أوّل من أمس، في تمهيد لاستئناف تنفيذ المراحل العالقة في وقت سابق من الاتفاق والمتعلقة بشكل خاص بأن يطلق النظام سراح المعتقلين مقابل خروج المقاتلين المعارضين من الحي.
وفي هذا الإطار، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى اجتماع عقد بين سلطات النظام والقائمين على حي الوعر المحاصر في مدينة حمص، تم بموجبه العودة للاتفاق السابق بين الطرفين بخصوص الوعر، وإيقاف العمليات العسكرية التي يشهدها الحي، من حيث قصف قوات النظام واستهدافه الحي بالطلقات النارية والرشاشات، ما تسبب في سقوط 5 قتلى بينهم طفلة ورجل وابنه وإصابة أكثر من 20 آخرين بجراح، وفي المقابل إيقاف عمليات استهداف عناصر قوات النظام عند أطراف الحي. وهو ما أكّده المتحدث باسم مركز حمص الإعلامي، محمد السباعي، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أنه «بعد الحملة العسكرية والقصف الذي تعرض له الحي المحاصر منذ ثلاث سنوات خلال اليومين الأخيرين، عقدت لجنة التفاوض اجتماعا مع ممثلي النظام واتفق على التهدئة على أن تعقد اجتماعات في وقت لاحق في محاولة لتطبيق بنود الاتفاق العالقة». وكانت قوات النظام قصفت حي الوعر خلال اليومين الماضيين بقذائف الدبابات والهاون ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.
وأشار السباعي إلى أن هذه البنود يفترض أن تتم عبر فتح المعابر التي سبق للنظام أن أغلقها ومن ثم إطلاق سراح المعتقلين الذين يبلغ عددهم 481 معتقلا ليتم بعدها خروج المعتقلين المعارضين من الحي. وكان النظام قد كشف، ضمن الاتفاق معه، عن مصير 1850 معتقلا، بينهم مائتان أكد أنهم فارقوا الحياة، فيما لم يطلق سراح إلا نحو مائتين آخرين.
ويلفت السباعي إلى أن النظام كان قد أطبق الحصار على الحي قبل ثلاثة أسابيع عبر إغلاقه المعبرين الأساسيين، وهما، دوار المهندسين الذي كان يعتمده الأهالي للخروج إلى المناطق المحرّرة في حمص، وما يعرف بـ«معبر حاجز الفرن الآلي» عن طريق الكلية الحربية الذي كان يتم عبره إدخال المواد الغذائية، قائلا: «بعد إغلاق هذين المعبرين بات الحي يعيش حصارا كبيرا ويفتقد أهله للمواد الغذائية والخبز في ظل غياب، أيضا، المواد الطبية والمحروقات»، مؤكدا أن استمرار الوضع على ما هو عليه يؤدي إلى كارثة إنسانية كبيرة. من هنا، يشير إلى أن الأهالي والمعارضة مستعدان لتطبيق الاتفاق بهدف تخفيف العبء عن الحي إنما ليس قبل تطبيق البنود من قبل النظام، قائلا: «لم يحدّد موعد محدد للبدء في تطبيق البنود إنما اتفق على عقد اجتماعات بين الطرفين في الفترة المقبلة، إذا كان النظام جادا في هذا الأمر، لوضع جدول زمني لتطبيق البنود، بدءا من فتح المعابر وصولا إلى إطلاق سراح المعتلين ومن ثم خروج المقاتلين إلى ريف حمص الشمالي أو إدلب، مؤكدا أن تطبيق الشرط الثاني لن يتم قبل تنفيذ النظام البندين الأولين».
وفي حين تعتبر المعارضة ما قام به النظام بإقفال المعابر إشارة واضحة إلى نيته لنسف الاتفاق وإخراج الأهالي من الحي الذي يسكن فيه نحو 75 ألف نسمة، مكررا بذلك سيناريو التهجير الذي طبق في داريا وقدسيا والهامة والمعضمية، يأمل السباعي أن «تؤدي هذه الاجتماعات إلى نتائج، رغم عدم ثقتنا بالنظام الذي يعمد إلى تجديد الحملة على الحي في كل مرة نصل إلى بند إطلاق سراح المعتقلين، وهو ما قد يلجأ إليه أيضا هذه المرة».
وتحاصر قوات النظام السوري حي الوعر في حمص منذ نحو ثلاث سنوات، وهو الحي الوحيد في مدينة حمص الذي لا يزال تحت سيطرة المعارضة، وقام بتهجير دفعتين من المقاتلين مع عائلاتهم إلى ريف المدينة الشمالي من دون الإفراج عن معتقلين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.