المطالب التعجيزية وتنازع الحصص تفرمل اندفاعة الحريري لتشكيل الحكومة

سجال بري وجعجع يتصاعد.. و«القوات» ترفض معاملتها كـ«حرف ناقص»

المطالب التعجيزية وتنازع الحصص تفرمل اندفاعة الحريري لتشكيل الحكومة
TT

المطالب التعجيزية وتنازع الحصص تفرمل اندفاعة الحريري لتشكيل الحكومة

المطالب التعجيزية وتنازع الحصص تفرمل اندفاعة الحريري لتشكيل الحكومة

تبدو مهمّة الرئيس سعد الحريري المكلّف تشكيل الحكومة اللبنانية العتيدة صعبة، ودونها الكثير من العقبات المطلبية التي تتمسّك بها الكتل النيابية والأحزاب السياسية الراغبة بدخول جنّة السلطة، واللافت أن الأجواء الإيجابية التي سادت المشاورات غير الملزمة التي أجراها الحريري مع النواب نهاية الأسبوع الماضي، تبدو آخذة بالتراجع أمام المطالب التعجيزية لكلّ فريق، وتقاسم الحقائب الوزارية لحكومة العهد الأولى، عدا عن اتساع الهوّة بين من يرغب في حكومة ائتلاف وطني تضمّ كل المكونات السياسية، وآخر يريد فريقًا يحكم وآخر يعارض.
هذا التباين تجلّى بشكل كبير، عبر السجال المتواصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، حيث اتهم بري جعجع بالسعي إلى إبعاد قوى مسيحية عن الحكومة (حزب الكتائب وتيار «المردة» والمستقلون) للاستئثار الحصة المسيحية في الحكومة». وقد ردّ عليه جعجع، قائلا: «صديقي الرئيس نبيه بري، أثمّنُ عاليًا اهتمامك الدائم بنا في هذه الأيام، وعدم إغفالك لنا بمناسبة أو من دون مناسبة، ولكن من الحُبّ ما قتل».
وأمام الأخذ والردّ على الجبهتين، عبّر مصدر في «القوات اللبنانية» عن أسفه لما يصدر عن الرئيس نبيه بري. ورفض في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «يتعاطى أي مسؤول في الدولة مع (القوات اللبنانية) كحرف ناقص». وسأل: «من يستطيع أن ينصّب نفسه قيمًا علينا، ويعطيها حق توزيع الحقائب لهذا الفريق أو ذاك؟». وشدد على «احترام التوازنات داخل السلطة». وأضاف المصدر القواتي: «منذ سنوات ونحن محرومون من حقوقنا ولم نشارك في الحكومات، وعندما شاركنا في مرحلة معينة، كنا مثالاً يحتذى»، مجددًا «التمسّك بوزارة المال، لكونها ركنا أساسيا في محاربة الفساد».
أما وزير الدولة لشؤون التنمية في حكومة تصريف الأعمال نبيل دوفريج، فأمل في أن «تترجم أقوال الكتل النيابية الإيجابية إلى أفعال، وأن يتعاونوا مع رئيس الحكومة المكلّف لتسهيل مهمته». ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن «مطالب الكتل والأحزاب من الحكومة تعجيزية، فإذا قرر الرئيس الحريري تحقيق مطالبهم، سيحتاج إلى حكومة من 122 وزيرا، لكن الحكومة ليست أكثر من 30 وزيرا، فكيف سيجري توزيعها، كيف نختار الشخص المناسب للمكان المناسب؟».
وبقدر ما يتعيّن على الحريري توسيع مروحة مشاوراته، كي لا يدخل في نفق المراوحة والتعطيل، بقدر ما يتعيّن على القوى السياسية الأخرى مساعدته، برأي دوفريج، الذي قال: «ما دام أن رئيس الجمهورية (ميشال عون) مستعجل، فإن أي انتكاسة لا تجيّر للحريري، إنما لعهد عون». وأوضح أن الحريري «سيعطي لنفسه فترة زمنية ليست طويلة، يعود بعدها إلى الكتل النيابية ويصارحهم على ما يمكن إعطاؤهم من حقائب، فإذا رفضوا ووصل إلى طريق مسدود، عندها عليه أن يشكّل حكومته على طريقته، ويوزعها على كل القوى، ويختار أشخاصًا مشهودًا لهم بالكفاءة، ويعرضها على رئيس الجمهورية، فإذا وقع الأخير مرسومها تكون الحكومة تشكلت، وعندها نذهب إلى مجلس النواب لمنحها الثقة»، لافتًا إلى أن الحريري «يجري مشاوراته ليلاً ونهارًا، لإنجاز التشكيلة الحكومية، فإذا لاقى تسهيلاً كان به، وإلا فلا يمكنه أن يبقى منتظرًا إلى ما لا نهاية».
إلى ذلك، أعلن حزب الكتائب اللبنانية، دعمه لرئيس الجمهورية و«التعاون لتحقيق العناوين الأساسية الواردة في خطاب القسم والمتصلة بالسيادة والاستقلال وعودة هيبة الدولة والإصلاحات الإدارية ووضع قانون عصري وعادل للانتخابات النيابية يؤمّن صحة التمثيل وعدالته». ودعا الفرقاء السياسيين إلى «تسهيل ولادة حكومة وحدة وطنية واجبة الوجود لتأمين انطلاقة جامعة للعهد الجديد، والتحضير للانتخابات النيابية، وفتح المجال لتحريك عمل المؤسسات الدستورية».
وعن مدى إمكانية الوفاء بتأمين حصة وازنة لرئيس الجمهورية من خارج حصّة تكتل «التغيير والإصلاح»، وحصّة لرئيس الحكومة من خارج كتلة «المستقبل»، شدد دوفريج على «تخطي مسألة الحصص والذهاب إلى حكومة فاعلة ومنتجة، ولديها وقت قصير للعمل قبل موعد الانتخابات النيابية في الربيع المقبل». أما بشأن مطلب حزب «القوات اللبنانية» بحقيبة سيادية، فقال وزير التنمية الإدارية: «لو كنت مكان القوات اللبنانية، لفوضت الرئيس الحريري أن يتحدث باسمي، لأن ما فعله الحريري بانتخابات رئيس الجمهورية، كان تضحية كبيرة، لأنه الشخص الوحيد في الجمهورية اللبنانية الذي قدّم مبادرات على مدى ثلاث سنوات». وأضاف دوفريج «يفترض بالمسيحيين أن يكونوا السباقين في تسهيل تأليف الحكومة، والتعاون مع الرئيس سعد الحريري الذي كان أول الساعين إلى انتخاب رئيس مسيحي للبنان، في ظل الأجواء الملبدة والمعقدة في المنطقة»، مذكرًا بأن «مؤتمر باريس 4، الذي ترغب فرنسا بعقده لدعم لبنان سياسيا وماديا، مرهون بإصلاحات يفترض بالحكومة إنجازها سريعًا، وأهمها إجراء انتخابات برلمانية في موعدها».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.