المؤسسة الثقافية الأميركية.. كيف تصنع نجومها؟

تقرأ مراجعات عنهم في صحف عريقة وتقترح كتبهم وينفري وتقدمها هوليوود

جوليا روبرتس في الفيلم المقتبس عن رواية إليزابيث جيلبرت «كل وصلِّ وأحب»
جوليا روبرتس في الفيلم المقتبس عن رواية إليزابيث جيلبرت «كل وصلِّ وأحب»
TT

المؤسسة الثقافية الأميركية.. كيف تصنع نجومها؟

جوليا روبرتس في الفيلم المقتبس عن رواية إليزابيث جيلبرت «كل وصلِّ وأحب»
جوليا روبرتس في الفيلم المقتبس عن رواية إليزابيث جيلبرت «كل وصلِّ وأحب»

تقوم المؤسسة الثقافية الأميركية وهي أشبه بتحالف من صناعة السينما والتلفزيون والصحف الكبيرة وناشري الكتب والمعلنين بانتقاء روائي (أو روائية) مغمورين، من الطراز الذي يروج في أعماله لقيم الفردانية والضياع والاستهلاك والبحث عن الذات والخلاص الفردي المحض، ومن ثم العمل على نحو متوازٍ ومتكامل لصنع هالة ضخمة حول أعمالهم - بغض النظر عن قيمتها الأدبية بل ويفضل أن تكون من النوع العابر والرديء - بحيث لا يعد بإمكانك تجاهل ما يكتبون، فأنت تجد كتبهم في كل مكان، وتغرق أدوات التواصل الاجتماعي بمقتطفات أقوالهم الحكيمة، ثم تقرأ مراجعات إيجابية عنها في كل الصحف العريقة، وتقترحها لك أوبرا وينفري ككتاب للشهر في نادي القراءة (للبسطاء) الذي تديره على التلفزيون، وفي النهاية تتقدم هوليوود بالعمل للسينما والتلفزيون من بطولة نجم وسيم أو نجمة خارقة الجمال، ثم المزيد من المراجعات للفيلم تأخذ الناس الذين لم يشتروا الكتب أصلا لشرائها في طبعاتها الجديدة بعد أن تجاوزت مبيعاتها الملايين، وتشعر حينها أنك من الغباء بمكان إذا تجاهلت هذا العمل - الظاهرة. وتستمر القصة بعدها، لأن ملايين القراء - وبالذات النساء منهن - بانتظار أي عمل جديد للروائي أو الروائية النجمة! وهكذا يربح الجميع: هوليوود والصحف وتجار الكتب والمعلنون والكاتب نفسه. بالطبع دومًا على حسابك الشخصي، لكنك غالبًا لا تشعر بالأسف لأن الرواية (ثم الفيلم حتمًا) أعطتك شعورًا بتقمص أدوار الخلاص الفردي الجميلة، بينما حياتك اليومية تنوء تحت ضغوطات الديون والفواتير والأمان الوظيفي التي خلقتها المنظومة الرأسمالية ذاتها لنا.
هل مررتم من هنا من قبل؟ من منكم لم يسمع بباولو كويلو؟ دان براون؟ إليزابيث جيلبرت؟
الأخيرة باعت ملايين النسخ من مذكراتها الشخصية المزعومة التي صدرت قبل عشر سنوات (2006). «كل وصل وأحب» أو Eat، Pray، Love، التي تروي قصة هروب الروائيّة من علاقة زوجيّة صوّرتها لنا بأنها بلا أفق، فانطلقت في رحلة لاكتشاف الذات، عبر سفر لتجربة كل ما يمكن أن يكون مهمًا في الحياة: الأكل ومتع الحواس في إيطاليا، الصلاة والتأمل في الهند، ثم الغرام والحب في إندونيسيا (بالي). الدول الثلاثة المنتقاة بالصدفة تبدأ جميعًا في اللغة الإنجليزية بحرف الـ(I) وهو ذات الضمير المستخدم للتعبير عن الذات (أنا). تنتهي القصة الرومانسية عندما تتعرف الروائية على تاجر برازيلي - مطلّقٌ بدوره - وهما يستمتعان بأشعة الشمس على شواطئ بالي الساحرة، فيقعان بالغرام ويتذوقان طعم الحب المفقود قبل أن يتوجا القصة بزواج سعيد.
تدخلت ماكينة المؤسسة الثقافية الأميركية وصنعت من السيدة جيلبرت نجمة، وكتبت عن مذكراتها كل الصحف من «نيويورك تايمز» إلى صحف الأحياء، وعملت معها أوبرا وينفري المقابلة اللازمة لمزيد من الشهرة الساذجة، وأخيرًا قدمت هوليوود فيلمها تحت ذات الاسم في 2010، مستدعية النجمة النسائية الأهم على الشاشة الأميركية: ليس أقل من جوليا روبرتس شخصيًا. وهكذا أصبح «الأكل والصلاة والحب» ظاهرة ثقافية عالميّة، وتدفقت ملايين الدولارات على الجميع، وأصبحنا جميعًا بانتظار عمل السيدة جيلبرت الروائي الجديد.
صدّق ملايين النساء والرجال حول العالم قصة «الأكل والصلاة والحب»، وتقمص الألوف شخصية البطلة وهي تتمرد على علاقتها القديمة منطلقة إلى فضاءات أرحب. بل وصدر كتاب في الولايات المتحدة عن 47 قصة حقيقية لأناس تأثروا بالمذكرات فتركوا أزواجهن أو زوجاتهم وانطلقوا في رحلات مماثلة لاكتشاف الذات، حتى أن
بعض تجار السياحة نظموا رحلات تتطابق مساراتها مع رحلة البطلة عبر الدول الثلاث لعل وعسى. ولضمان استخراج أقصى العوائد من مشروع «الأكل والصلاة والحب»، أتحفتنا السيدة جيلبرت بكتابها التالي: «الالتزام: كيف حققت أنا المتشككة الصلح مع فكرة الزواج»، وهو بالطبع باع ملايين النسخ بدوره بناء على سمعة الكتاب الأول.
لم يجرؤ الكثيرون على انتقاد تهافت العمل من الناحية الأدبية، دع عنك مناقشة القيمة الفكريّة التي تجعلنا نشتري الكتاب (الكتب!) أو نشاهد الفيلم. لكن الحقيقة أن القصة رغم ادعائها بأنها رحلة في اكتشاف الذات، فهي لا شك تعود بنا لذات السرديّة الكلاسيكية التي تقدمها هوليوود عن حياة الرجال والنساء عامة. الرجال ينطلقون لاكتشاف ذواتهم ذاهبين في غياهب التجريب، مزينين بالنساء كإكسسوارات جانبية براقة لهم، بينما تنطلق النساء لاكتشاف ذواتهن من خلال البحث - حصريًا - عن الشريك المثالي. فالبطلة تترك حياتها المملة مع زوجها الأميركي لتتذوق لذائذ القلب والعقل والجسد عبر العالم لكنها في النهاية تحقق خلاصها بالزواج من رجل آخر.
لست بوارد انتقاد فكرة الخلاص الفردي واستحالتها في المجتمعات الرأسمالية، ولكن حتى الخلاص وفق «الأكل والصلاة والحب» فإنه يُقّدم في أجواء بذخ وسفر وإنفاق لا تقدر عليه أغلبية البشر، أي أنه مستحيل فعليًا، وهو مما يضع معظم النساء التعيسات تحت ضغوط إضافية لأن خطة الخلاص المطروحة لا يمكن تنفيذها لأسباب مادية محضة.
الأخطر عندي في القصة كان طرح فكرة الهروب من العلاقة الزوجية المتكلسة كحل. معظم العلاقات الزوجية في العالم الرأسمالي تعاني من مصاعب الحياة المادية التي تنعكس بشكل أو آخر على أداء الطرفين في العلاقة روحيًا وجسديًا وسيكولوجيًا وتنتهي إلى الشعور بالاختناق. على الأغلب أن هذا الشعور بالاختناق تجلبه على الزوجين (معًا) الرأسمالية لا الأفراد، الذين هم - جدلا - تزوجوا عن حب ولو عابر، وبالتالي حتى لو انتقلنا إلى علاقة جديدة (خيانة أو زواجًا جديدًا لا فرق) فستنتهي دائمًا عند نفس المكان: الاصطدام بضغوط الحياة والشعور بالاختناق. لقد حدث ذلك بحرفيته مع السيدة جيلبرت. زعيمة الهاربات إلى حب جديد أعلنت الشهر الماضي على موقعها على «فيسبوك» أنها بعد عقد من السنوات قد انتهت علاقتها مع زوجها البرازيلي الجديد، وأنها تقوم الآن بإجراءات طلاق ودي، وترجو معجبيها تركها في خصوصية تامة خلال هذا الوقت الصعب.
هكذا إذن هوى نجم - صنم آخر. لكن المنظومة الرأسمالية لن تتوقف كثيرا هنا، وستستمر في صناعة وتصعيد الروائيين - النجوم.
إنه مبدأ تعظيم الربح الذي يحكم منطق الأشياء في هذه المنظومة.
ولذا، فلننتظر معا نجما آخر جديدا، وكذبة بحجم عدة ملايين من الدولارات.



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.