غازي العتباني.. «ابن الإنقاذ» العاق

كاتب المذكرات الساخنة وراء الانشقاق الثاني بالحركة الإسلامية في السودان

غازي العتباني.. «ابن الإنقاذ» العاق
TT

غازي العتباني.. «ابن الإنقاذ» العاق

غازي العتباني.. «ابن الإنقاذ» العاق

هل لعب التاريخ لعبته القديمة فأعاد نفسه من جديد؟!
وجد الإسلامي السوداني المخضرم صاحب «الجلباب الناصع» غازي صلاح الدين العتباني نفسه في ذات الموقف الذي وقفه في مواجهة شيخه، زعيم الإسلاميين السودانيين الدكتور حسن عبد الله الترابي، عام 1998، فيما عرف وقتها بـ«مذكرة العشرة»، التي أدت تداعياتها إلى انقسام في حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وخروج الترابي من خارطة الحكم ليكون حزبا معارضا اسمه المؤتمر الشعبي.
المواقف والأزمنة تختلف، لكن في الحالين فالسبب هو «مذكرة»، كتبها الرجل أو شارك في كتابتها أو تبناها دون تحفظ، فإذا استطاع الترابي في المرة الأولى صد هجوم مذكرة تلاميذه، فإن أثرها تواصل حتى إبعاده، لتقضم الإنقاذ لحم أبيها!
وقبل أيام قلائل تقدم العتباني بـ«مذكرة مفتوحة» موجهة للرئيس عمر البشير، وقعها معه 31 من قادة حزب المؤتمر الوطني، ومهر اسمه على صدرها، تطالب بإصلاحات في الحكم والاقتصاد وتدين مقتل المدنيين في الاحتجاجات الأخيرة، وتدعو للتحقيق والمحاسبة، ولتكوين هيئة وطنية لمواجهة مشكلات البلاد، لكن حزب الرئيس البشير لم يقبلها واعتبرها على الفور خروجا على الانضباط الحزبي، وكون لجنة برئاسة رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر، وبسرعة لا تحسد عليها جمدت اللجنة عضوية المجموعة، فما كان من العتباني وجماعته إلا أن أعلنوا للصحافيين أنهم باقون في حزب المؤتمر الوطني، ومتمسكون بمواقفهم الإصلاحية، وأنهم لن يهربوا من المركب وهي على حافة الغرق، لكنهم مع ذلك وجهوا «انتقادات» بليغة لقادة في الحزب ولرئيس اللجنة، لم يستثنوا منها أحدا إلا الرئيس البشير.
أدى لهاث الأحداث والسرعة التي عملت بها لجنة الطاهر التي تعد من «اللجان النادرة» على عهد الإنقاذ التي تعمل بدأب وحرص وحسم كأنها تريد «اللحاق بشيء ما وعدم تضييع الفرصة»، أدى إلى صدور قرار من المكتب القيادي للحزب الحاكم بفصل العتباني وبعض رفاقه من الحزب وتجميد آخرين، وكان الاجتماع بقيادة الرئيس عمر البشير شخصيا!
وبلهاث مضاد دعت المجموعة الصحافيين مرة أخرى ليقول الغازي لهم، إنه «شرع في تكوين حزب جديد»، وهكذا وجد الرجل نفسه في نفس الوضع الذي وجد الترابي نفسه عليه تقريبا، أما الفرق بين موقفي الرجلين، فقد كان الترابي ضحية مذكرة كتبها آخرون بينهم غازي، أما الثاني، فقد ركله الحزب بعيدا، وحوله لضحية مذكرة وقعها بيده، إنه غازي صلاح الدين العتباني زعيم الحزب «الإسلامي» الثالث الذي يتوقع أن يولد من رحم الحركة الإسلامية السودانية، وكاتب المذكرات الذي انفجرت في يده واحدة منها ربما دون قصد، وربما هو من نزع الفتيل برغبته ليرى لهيب الانفجار يحرق معه آخرين، أو ربما المعبد برمته!

الاقتراب من المحظور
في أبريل (نيسان) الماضي، وهو رئيس لكتلة نواب الحزب الحاكم، وصف إمكانية ترشح الرئيس البشير لدورة رئاسية جديدة بـ«غير الدستورية»، ونقلت صحف محلية عنه أن الرئيس لا يمكنه الترشح إلا بإجراء تعديل على الدستور، لأنه أكمل فترة الدورتين المنصوص عليهما وفق الدستور الحالي، وكانت النتيجة أن أعفي من موقعه، ولم تشفع له محاولته لتصحيح تصريحه في وقت لاحق، بعد أن كان قد فقد منصبه مستشارا للرئيس في تعديلات وزارية قبل أشهر من فقدانه لمنصبه النيابي.
ومنذ ذلك الوقت علت النبرة الناقدة عند الرجل مرة أخرى، بعد أن خفتت قليلا أثناء تسنمه لتلك الوظائف، وحسب المراقبون فإن انتقادات الرجل كانت تعلو حين يكون بلا منصب، وتخفت حين يتسنم منصبا، ويفسرونها على طريقتين، البعض يرى أن مقتضيات المنصب تفرض عليه التقليل من الانتقادات، فيما يرى البعض الآخر أن الرجل «لا يستطيع العيش خارج المنصب»، لذلك يعلو صوته الناقد حين يفقده فيتم «إسكاته» بمنصب جديد!
وفي مؤتمر الحركة الإسلامية - التنظيم العقائدي للإسلاميين السودانيين - الذي عقد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، كان الرجل أحد دعاة التجديد والناقدين الكبار لأداء الحركة، ما جعل قطاعات واسعة من شباب الإسلاميين ترشحه لمنصب الأمين للحركة الإسلامية، هو ورفيقه الذي فصل معه في المذكرة الحالية، نائب الأمين العام السابق للحركة الإسلامية بولاية الخرطوم الدكتور حسن رزق، خلفا لرجل الحكم القوي النائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه الذي استنفد مرات ترشحه.
وسبقت انعقاد المؤتمر مذكرة أخرى أطلق عليها «مذكرة الألف أخ»، وقد هيئت تلك المذكرة التي تقدم بها عدد من قادة وشباب الوطني يطالبون فيها بالتغيير، وتلاقت أهداف موقعي المذكرة مع تطلعات العتباني الذي يحظى بقبول واسع بين الشباب والإصلاحيين داخل الحزب والحركة الإسلامية، ما جعلهم يهيئون المسرح له ليجلس على منصب الأمين العام للحركة الإسلامية، لكن وبحسب التسريبات التي خرجت من المؤتمر وقتها، فإن كلمة الرجل المهادنة ودعوته للحفاظ على وحدة الحركة الإسلامية، صبت ماء باردا على نار مؤيديه من الشباب فوصفه بعضهم بـ«التردد».
وعلى عكس ما هو متوقع، فقد رفض الرجل الترشح للمنصب معللا ذلك بأن المنصب أفرغ من محتواه ومضامينه، وهو الأمر الذي فسره بعض مؤيديه ومعهم خصومه بأنه لا يرغب في الدخول في صراع مع نافذين في الحزب والدولة لا يرغبون في وجوده في تلك الوظيفة، ما جعل صفة «المتردد» تلصق به حتى عند مؤيديه ومعجبيه داخل الكيان الحاكم. وقبلها تقلد الرجل مناصب كثيرة طوال عمر حكم الإنقاذ للسودان تنفيذية وسياسية وتنظيمية، فبعد الانقلاب في يونيو (حزيران) 1989م، عمل وزيرا للدولة بوزارة الخارجية في الفترة (1991 - 1995)، ثم دخل منافسة شرسة على منصب الأمين العام مع أحد كبار قادة الحركة الإسلامية الشفيع أحمد محمد، وتردد وقتها أنه حصل على المنصب لأنه مرشح قيادة الحزب، وظل فيه (1996 – 1998).
وفي مرحلة لاحقة لعب العتباني دورا محوريا في مذكرة أخرى شهيرة «مذكرة العشرة» التي أفضت إلى الإطاحة بالأب الروحي للإسلاميين والانقلاب حسن الترابي، وترتب عليها ما عرف بمفاصلة الإسلاميين الشهيرة 1999، وحل الرئيس البشير للبرلمان الذي كان يرأسه الترابي، وخرج الترابي منشقا بمجموعة من الإسلاميين وكون الحزب المناوئ «المؤتمر الشعبي».
يقول وزير الدولة برئاسة الجمهورية أمين حسن عمر في حوار أجري معه في أبريل 2009، بشأن دور العتباني في المذكرة التي أدت لانشقاق الإسلاميين الأول، إنه دخل ضمن المجموعة التي عملت على المذكرة في وقت باكر مع سيد الخطيب وبهاء الدين حنفي وعلي كرتي.
ومن عجب أن مذكرة العشرة التي كان العتباني أحد عرابيها أخرجت الترابي وشقت الإسلاميين، وها هو «ينشق» بمذكرة الـ(31)، كأن المذكرات «لعنة فراعنة إسلامية» تطوق الرجل من كل الجوانب، فبمذكرة أخرج شيخه، وهو يعد من الحواريين المقربين له، وبمذكرة أخرى خرج هو الآخر بسيناريو شبيه، وبمذكرة «الألف أخ» كتب عند بعض مؤيديه مترددا، هل هو انتقام التاريخ، أم انطباق حرفي للمثل «يداك أوكتا وفوك نفخ»؟
وتقلد قبلها العتباني أحد أهم وظائفه «مستشار السلام»، الذي كان موكولا له التفاوض مع الحركة الشعبية الجنوبية المتمردة، الذي تقدم باستقالته منه بمحض إرادته، حين اصطدم بمطالب دولية لتقديم تنازلات ما بمقدوره تقديمها بحكم مرجعيته الفكرية وتشدده، وحين لاحت في ذلك الوقت بوادر الملف للنائب الأول للرئيس علي عثمان محمد طه. البعض لم يكن يرى أن غازي بمقدوره التنازل بما يكفي لتقريب المسافة بين المشروعين المتباعدين للمتمردين الجنوبيين السودان الجديد، ومشروع الإسلاميين الذي كان ممثلا له.
بعد توقيع اتفاقية السلام السودانية «نيفاشا» في عام 2005 بوقت قليل، اشتعلت حرب دارفور، وسلم له ملف الأزمة، لكنه لم يستطع الوصول بالأزمة التي لا تزال تشتعل إلى نتيجة ترك الملف بإرادته.

تواريخ في حياة الرجل
برز العتباني بشكل لافت أول مرة عقب العملية العسكرية التي نظمتها «قوى الجبهة الوطنية» لإسقاط حكم الرئيس جعفر النميري 1976، والمكونة من أحزاب الأمة، والاتحادي الديمقراطي، والإسلاميين، وأطلق عليها نظام النميري «عملية المرتزقة»، فقد كان الرجل ضمن قوة الإسلاميين التي احتلت «دار الهاتف» تلك العملية التي اشتهر بها.
تنظم العتباني في الحركة الإسلامية حين دخل جامعة الخرطوم، التي فصل منها وذهب لبريطانيا ليكمل تعليمه وهناك ترأس اتحاد الطلاب السودانيين، والجمعيات الطبية الإسلامية، ومن هذه النقطة بدأت الطرق تمهد نفسها له داخل تنظيمات الإسلاميين إلى أن استولوا على السلطة في يونيو يقول الكاتب بابكر فيصل بابكر في مقال «على الرغم من أن الدكتور غازي صلاح الدين كان من ضمن العشرة الذين بدأوا خطوات إزاحة الأب الروحي لنظام الإنقاذ الدكتور الترابي، فإنه بعد فترة من الزمن خصوصا عقب إبعاده من رئاسة ملف التفاوض مع الجنوب، بدأ يظهر تمايزا في المواقف مع قيادة الحزب الحاكم وغطائها الديني المعروف باسم الحركة الإسلامية».
وحسب فيصل فإن تمايز العتباني أسفر عن «خلاف مكشوف» بعد إطاحته من منصبه مستشارا للرئيس وزعيما للكتلة البرلمانية للحزب الحاكم على خلفية مواقفه في مؤتمر الحركة الإسلامية نوفمبر 2011، ومحاولته الخفية للوصول لمنصب الأمين العام، لكن الممسكون بزمام الحزب حالوا بينه والمنصب، وحين أحس بأن «الأشياء» لا تسير حسبما يشتهي، لم يترشح للمنصب بحجة أن الحزب يتدخل بسفور في عمل الحركة.
ومنذ ذلك الوقت تحول غازي إلى «ناقد» لسياسات الحكومة، وهو نقد أقرب لـ«النقمة» التي اكتملت بالمذكرة الشهيرة التي أطاحته خارج الحزب، وأجبرته على الشروع في تكوين حزب جديد.
ويقول بروفسور الطيب زين العابدين، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «صديقه» تأخر في موقفه من الحكومة كثيرا، ويضيف: «الموضوع ليس سهلا، أن تكون جزءا من النظام لأكثر من 20 سنة، فخروجك منه سيكون صعبا، كما أن الرؤى قد تتناقض فتظن أن وجودك داخل الحزب فيه المصلحة أكثر من خروجك عنه، لأن تأسيس حزب عملية صعبة، والخيار الثاني يواجه مشكلات كثيرة، فقد لا يسمحوا لك بتكوين حزب أو حتى الكتابة». ويضيف زين العابدين، أن «الرجل ينتقد بأنه ظل ينتقد أوضاعا وهو فيها، وظل يردد حتى بعد تهديده بأنه باق في الحزب، حتى جاء الفصل، وبدأ إنشاء حزب إصلاحي، قد يخرج للوجود وقد لا يخرج».
ونقل الصحافي يوسف حمد في يومية «القرار» عن من سماه «أحد أصدقائه الخلص»، أنه كان يشتري صحف الصباح ليرى ما إذا كان صديقه قد تقدم باستقالته من الحكومة أم لا؟ ويصفه بأنه يبدو كثير التبرم والنقد لأداء الحكومة والحركة الإسلامية في أحاديثه مع هذا الصديق، وأن الضجر هو بضاعته اليومية التي يستثمر فيها، ويتأبطها تحت عباءة المفكر.
لكن لصديقه بروفسور الطيب زين العابدين، وهو إسلامي من مجايليه، رأي آخر في شخصية الرجل الناقد، فحسب إفادته لـ«الشرق الأوسط»، يقول: «هو شخص دقيق، ويبذل مجهودا كبيرا في أعماله، ولا يؤديها باعتبارها تكليفا، وهو يهتم بالنواحي الفكرية والقيمية، وهو شخص واضح ليس مثل غيره من السياسيين، وهذا هو السبب الذي قاد للخلافات بينه وبين قيادات المؤتمر الوطني».
ومن الانتقادات التي يكثر الرجل من ترديدها موضوعات مواقف الإسلاميين من الديمقراطية، والحقوق، والمرأة، والطوائف، والأقليات، والاقتصاد، والعلاقات الدولية، بيد أن الكثيرين يرون أن بقاءه الطويل داخل التنظيم ودست الحكم وتقلبه في المناصب لا يتسق مع هذه التوجهات، بل ورغم نفيه القاطع بأن موقفه الأخير ليس هروبا من سفينة على وشك الغرق، فإن كثيرين يرون فيه استباقا للتحول والتغيير الذي يرى الكثير من المحللين أنه أصبح وشيكا.

مرافعة وبيان
حين اشتد عليه الحصار بعد شيوع أنه يفاوض الترابي سرا، ونشرت في صحف الخرطوم معلومات عن هذا الحوار، تقدم العتباني بمرافعة على شكل بيان مايو (أيار) 2002م دافع فيها عن نفسه ببسالة، يقول: «أحرص ﺃﻥ تصدر أقوالي ﻭﺃﻓﻌﺎﻟﻲ من ﻗﻨﺎﻋﺔ عندي راسية بأن المدخل الصحيح لحل مشكلات السودان السياسية هو توحيد جبهته الداخلية، فبعدم ذلك نكون جميعا صيدا مباحا لمن أراد أن يتخطفنا من أعداء».
ويضيف: «أؤمن بأن من يتولى أمر الناس من أهل السلطان أصحاب مسؤولية مضاعفة لاسترضاء نظرائه في العمل العام كي يتواضعوا معه على عهد بذلك».
وإنه حين تولى أمانة المؤتمر الوطني عمل من أجل توسيع المشاركة وترتب على ذلك مشاركة كل من الشريف زين العابدين الهندي، وفاوض المهدي، وحين تولى الأمانة السياسية ﻓﻲ ﻋﺎﻡ 2001م، أدخل قوى أخرى في الحكومة بتكليف من المكتب القيادي.
وتعليقا على تلك المراسلات بينه والترابي قال الرجل في مرافعته، إن «تبادلها تمت فيه مناقشة الأفكار من وجهة نظره الشخصية، وأنه عرض الأمر على الرئيس البشير في وقت لاحق مبادئ هذا الحوار، فتقبله بسماحة رغم تشككه في مآلاته، ﻟﻜﻨﻪ لم يقطع الطريق أمامه ﻭﻻ هو عده ملزما ما لم يصل عده إلى نتائج مقبولة، بأمل أن يتوحد الإسلاميون بعد ارتفاع راية السلام لترتفع أسباب الشقاق بين السودانيين جميعا، وأن الرجلين تعاهدا على أن يبقى الحوار سرا، مشيرا إلى أن ﻣﺎ نشر منه منزوع ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻟﻪ ﻻ ﻳﻌﺘﺪ ﺑﻪ ﻻﺳﺘﺨﻼﺹ ﺭﺃﻱ ﺃﻭ ﺍﺳﺘﻨﺘﺎﺝ ﻣﻮﻗﻒ، ودون أن يسميه قال العتباني، إن «ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻨﻴﻌﺔ ﺃﻧﻪ ﻗﺪ ﺃﺯﺭﻯ ﺑﺄﺷﻮﺍﻕ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺣﺪﺓ ﻭﺍﻹﺻﻼﺡ ﻭﺃﺗﻰ ﺑﺎﺑﺎ ﻣﻦ ﺃﺑﻮﺏ ﺍﻟﺨﻴﺎﻧﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻬﺪﻱ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﺎﺣﺒﻬﺎ ﺩﻛﺘﻮﺭ ﻏﺎﺯﻱ ﺻﻼﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻌﺘﺒﺎﻧﻲ 19 ﻣﺎﻳﻮ 2002»

من ناقد لمعارض
يرى كثيرون أن خروج العتباني من الحزب الحاكم ضربة كبيرة له، سيما وأن له مؤيدين كثرا بين مختلف أجيال الحركة الإسلامية معظمهم من الشباب، يرون فيه خليفة لأب الحركة الإسلامية الروحي د. حسن الترابي، لما يتمتع به من قوة شخصية واستقلالية، واطلاع ومعرفة واسعة، بل ونقلت يومية «المجهر» عن الترابي نفسه أنه أفضل خليفة له من حيث التفكير والتنظير، لكن إسلاميا معارض شهير رفض كشف اسمه، بدا في حديثه لـ«الشرق الأوسط» متشككا في تأثير خروج المجموعة على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وقال إنهم «ليسوا رموزا قومية، وستظل حركتهم صفوية»، فضلا عن المؤتمر الوطني نفسه دون السلطة لا يساوي شيئا.
وأضاف لو أنهم أرادوا تأسيس حزب فهم بحاجة لمساندة قومية غير متوفرة لهم، ولإمكانيات مالية هائلة يصعب توفرها لهم، وبدا غير متأكد من صمود المجموعة حال تعامل المجموعة الحاكمة معهم بعنف، وقال: «قد يتفرقوا إذا تعامل معهم بعنف»، لكنه في ذات الوقت استبعد رد فعل عنيف ضدهم لأن الحزب الحاكم ليس على قوته إبان المفاصلة مع د. الترابي، ثم عاد ليقول: «المعارضة ستقبلهم في كل الأحوال».
يبدو أن الخطوة التي يعتزم غازي وجماعته متوقعة من الحزب الحاكم الذي قلل منها بقول المتحدث باسمه ياسر يوسف في تصريحات، إن «حزب المؤتمر الوطني، لا يخشى اتجاه مفصولية لتكوين حزب جديد، ولا يملك (فيتو) لمنع تكوين أحزاب، وأن تعامله مع الأحزاب سيكون وفقا للخط السياسي الذي تنتهجه، أن الدستور يكفل للجميع حق إنشاء تنظيمات سياسية وفقا للقوانين».

نبذة من سيرة العتباني

- اسمه غازي صلاح الدين محمد متولي العتباني، من مواليد أم درمان 1951، تلقى تعليمه بالجزيرة وسط السودان ودرس الطب في جامعة الخرطوم وفصل منها لاتهامه بالمشاركة في محاولة تغيير الحكم المعروفة بـ«عملية المرتزقة» 1976، وأكمل تعليمه في بريطانيا، وهناك انتخب في الهيئة التنفيذية لاتحاد الطلاب المسلمين في المملكة المتحدة، كما ترأس المؤسسة الإسلامية بلندن.
- عمل وزيرا للدولة ومستشارا سياسيا لرئيس الجمهورية 1991 - 1995، ثم وزير دولة بوزارة الخارجية 1995، ثم أمينا عاما لحزب المؤتمر الوطني الحاكم 1996 - 1998. ثم وزيرا للإعلام والثقافة والاتصالات 1998 - 2001. عين مستشارا لرئيس الجمهورية لشؤون السلام 2001 - 2003، ثم مستشارا للرئيس وعضو المكتب القيادي للمؤتمر الوطني. ورئيس كتلة المؤتمر الوطني بالمجلس التشريعي.
- انفصل رسميا من حزب المؤتمر الوطني الحاكم 26 / 10 / 2013 ويقوم بإنشاء حزب جديد يقدم أطروحة جديدة حاليا، وقال الدكتور غازي صلاح الدين العتباني إن «الإجراءات التعسفية الأخيرة التي قام بها المؤتمر الوطني ضد بعض قادته وأعضائه قد أطلقت رصاصة الإعدام في جسد الإصلاح الذي يطالب به غالب أعضائه، وإن الباب بات الآن مفتوحا وواسعا أمام إنشاء حزب سياسي جديد، وإنهم قد اتخذوا قرارا بطرح صيغة حزب يقدم بديلا محترما يحمل أملا جديدا للسودان».



«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
TT

«الضبعة»... «الحلم النووي» المصري يدخل مرحلة حاسمة

جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)
جانب من أعمال إنشاء محطة «الضبعة» النووية في يونيو الماضي (هيئة المحطات النووية المصرية)

تقف مصر على مقربة من تحقيق «الحلم النووي»، الذي راودها منذ خمسينات القرن الماضي، عقب خطوات جادة وثابتة لتنفيذ «مشروعها الاستراتيجي»، وإنشاء أول محطة لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية في مدينة الضبعة بمحافظة مطروح على ساحل البحر الأبيض المتوسط على بعد نحو 289 كيلومتراً شمال غربي القاهرة، بتمويل وتكنولوجية روسيين. وبينما يأتي المشروع في سياق خطة مصر لتنويع مصادر الطاقة ورؤيتها الاستراتيجية لامتلاك الطاقة النووية السلمية، فإن مشروع «محطة الضبعة النووية» تتجاوز أبعاده حدود الاقتصاد، لتمتد إلى السياسة والبيئة والمجتمع.

بالتزامن مع الاحتفال بالعيد السنوي الخامس للطاقة النووية، الذي يوافق التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، شارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، في مراسم تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى بمحطة الضبعة النووية، وتوقيع أمر شراء الوقود النووي، ليدخل «الحلم النووي» المصري مرحلة حاسمة.

وعد الرئيس الروسي، في كلمته حينها عبر تقنية «الفيديو كونفرانس»، التعاون القائم بين مصر وروسيا في بناء المفاعل النووي «نجاحاً بارزاً»، مشيراً إلى أن «المشروع سيوفر الكهرباء اللازمة لدعم الاقتصاد المصري المتنامي».

وقال السيسي في كلمته إنه «في ظل ما يشهده العالم من أزمات متلاحقة في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، تتجلى بوضوح أهمية وحكمة القرار الاستراتيجي، الذي اتخذته البلاد، بإحياء البرنامج النووي السلمي، باعتباره خياراً وطنياً، يضمن تأمين مصادر طاقة مستدامة وآمنة ونظيفة، دعماً لأهداف رؤية مصر 2030».

وتقدر الطاقة الكهربائية المتوقع توليدها من محطة الضبعة النووية بنحو 4800 ميغاواط، عبر أربعة مفاعلات من الجيل الثالث من طراز VVER-1200، وهو ما يمثل 10 في المائة من إنتاج الكهرباء في مصر.

وخطت مصر أولى خطواتها الجادة نحو تنفيذ المشروع في نوفمبر 2015 بتوقيع اتفاقية مبدئية بين الرئيسين المصري والروسي لإقامة أول محطة نووية لتوليد الكهرباء، تنفذها شركة «روساتوم» الحكومية الروسية، لتتخذ مصر من يوم التوقيع عيداً وطنياً للطاقة النووية.

وبعد عامين، وتحديداً في نوفمبر 2017، تم التوقيع على العقود الرئيسية لبناء الوحدات الأربع للمحطة، بطاقة 1200 ميغاواط لكل وحدة، لتنطلق بعدها الأعمال التحضيرية والإنشائية للمشروع بتكلفة إجمالية تقدر بنحو 28.75 مليون دولار، 85 في المائة منها قرض حكومي روسي ميسّر بفائدة 3 في المائة سنوياً يبدأ سداده عام 2029، والباقي تمويل ذاتي مصري.

«تشيرنوبل» جمد الحلم

الرغبة في امتلاك الطاقة النووية السلمية «حلم راود المصريين منذ منتصف القرن الماضي»، بحسب السيسي. حيث بدأت طموحات مصر النووية بعد فترة قصيرة من اكتشاف القدرة على توليد الطاقة السلمية من الانشطار النووي. ففي أعقاب مؤتمر جنيف الأول للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA) عام 1955. وبعد ست سنوات افتتحت مركز البحوث النووية في أنشاص وشغّلت أول مفاعل بحثي (من طراز WWR-S ) بقدرة 2 ميغاواط، بالتعاون مع «الاتحاد السوفياتي» آنذاك، لإجراء الأبحاث والتدريب وإنتاج النظائر المشعة.

وفي عام 1964 أعلنت مصر عن خطط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، واختارت مبدئياً موقع «سيدي كرير» في الساحل الشمالي أيضاً، لكن الظروف الاقتصادية والسياسية في المنطقة أرجأت المشروع.

وبعد حرب 1973، عاد الحلم النووي يراود المصريين وتم وضع خطة لبناء محطات نووية بقدرة 10 آلاف ميغاواط بحلول عام 2000، وخصصت منطقة «الضبعة» بعد مفاضلة بين أماكن عدة على سواحل البحر الأحمر والبحر المتوسط.

وشهدت الفترة بين 1983 و1968 المناقصة الدولية الثانية للمشروع وتلقت فيها مصر عروضاً من شركات أميركية وألمانية وسويدية. وكانت القاهرة على وشك توقيع العقد لكن «كارثة مفاعل تشيرنوبل» (أوكرانيا التي كانت آنذاك جزءاً من الاتحاد السوفياتي) في أبريل (نيسان) 1986 جمّدت الحلم.

وبعد هدوء المخاوف من المفاعلات النووية السلمية، قررت مصر إحياء برنامجها النووي عام 1999، وفي عام 2007 تم تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA) كهيئة مستقلة تكون مسؤولة عن تنفيذ وإدارة المشروع النووي. وأعلن الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2008 عن إعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة. لكن مرة أخرى تعطّل المشروع بفعل أحداث 2011، قبل أن يعيد السيسي إحياءه بالتوقيع على اتفاق مبدئي مع روسيا عام 2015.

عوائد اقتصادية

تدخل مصر النادي النووي بطموحات اقتصادية كبيرة، مستهدفة تعزيز أمن الطاقة وتحقيق التنمية، ويقول السيسي إن المشروع «سيعزز مكانة بلاده كمركز إقليمي للطاقة، ويحدث نقلة نوعية في مسار توطين المعرفة والاستثمار في الكوادر البشرية».

رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي يشهد مراسم توقيع أمر شراء الوقود النووي في نوفمبر الماضي (مجلس الوزراء المصري)

ويعد دخول مصر إلى ميدان التطوير الصناعي والتكنولوجي للطاقة النووية من العوائد المهمة للمشروع، بحسب دراسة نشرها نائب رئيس وحدة دراسات الاقتصاد والطاقة بـ«المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية»، أحمد بيومي، العام الماضي، حيث من المتوقع أن تكون نسبة تنفيذ نحو 20 في المائة من المشروع بالتعاون مع الشركات المحلية، ومن المستهدف أن تصل نسبة المكون المحلي من 20 إلى 25 في المائة عند تشغيل المفاعل الأول في 2028، تزيد إلى 35 في المائة عند تشغيل المفاعل الرابع في 2031، كما ستتولى شركة «روساتوم» الحكومية الروسية تدريب ما يقرب من ألفي شخص من موظفي التشغيل والصيانة للعمل في المحطة.

وفقاً لهيئة الاستعلامات المصرية الرسمية، فإنه «من المتوقع أن تبلغ القيمة المضافة للمشروع في الناتج المحلي الإجمالي خلال فترة الإنشاء نحو 4 مليارات دولار سنوياً». وتوفر المحطة مصدراً ثابتاً للكهرباء يعمل على مدار الساعة، ما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري ويضمن استقرار الشبكة.

ويأتي إنشاء محطة الضبعة النووية في إطار خطة مصرية لتنويع «سلة الطاقة»، بحسب أستاذ هندسة البترول والطاقة، الدكتور جمال القليوبي، الذي يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تسعى لأن تكون لديها مصادر متعددة من الطاقة، لا تعتمد فقط على الشق الحراري واستخدام الوقود الأحفوري». وقال: «طوال 50 عاماً كان الوقود الأحفوري مصدراً لنحو 98 في المائة من الطاقة في مصر، لكن الأمر تغيّر منذ عام 2018 مع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة من الرياح والشمس والهيدروجين الأخضر»، مشيراً إلى أن «محطة الضبعة مع اكتمال تشغيل مفاعلاتها قد تسهم في نحو 16 إلى 18 في المائة من الكهرباء في مصر».

وتستهدف مصر، وفقاً للتصريحات الرسمية، الوصول بمساهمة الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة إلى نحو 42 في المائة من إجمالي الطاقة بحلول عام 2030.

لا تقتصر العوائد الاقتصادية على توفير الكهرباء وتوفير جزء من فاتورة استيراد مصر للوقود الأحفوري التي تجاوزت 12 مليار دولار العام الماضي، بحسب تصريحات لوزير البترول المصري السابق، طارق الملا.

ويشير القليوبي إلى أن فاتورة استيراد الوقود لتشغيل محطات الكهرباء تبلغ نحو 50 في المائة من القيمة الإجمالية لفاتورة استيراد الوقود. وقال: «محطة الضبعة ستوفر جزءاً كبيراً من فاتورة الاستيراد، كما أن عوائدها الاقتصادية تمتد إلى مناح أخرى تتعلق بتحلية مياه البحر وإنتاج النظائر المشعة المستخدمة في عدد من الصناعات الطبية والزراعية». وأضاف: «لدى مصر خطة واضحة. خطة تؤازر الدولة اقتصادياً وتتماشى مع أهداف الدول الصناعية، عبر تحسين ملف الصناعة واستخدام الطاقة النووية في كثير من المناحي الاقتصادية».

خيار استراتيجي

يسهم مشروع الضبعة في توفير العملة الصعبة، كما يوفر نحو 6 آلاف فرصة عمل في أثناء الإنشاء، وآلاف فرص العمل في أثناء فترة التشغيل التي تمتد لـ60 عاماً. كما تعد محطة الضبعة النووية مصدراً نظيفاً وخالياً تماماً من انبعاثات الكربون، ويدعم استراتيجية مصر للطاقة 2035، بحسب هيئة الاستعلامات المصرية.

دخول مجال الطاقة النووية هو «خيار استراتيجي»، بحسب دراسة نشرها رئيس وحدة العلاقات الدولية ورئيس برنامج دراسات الطاقة بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور أحمد قنديل، مشيراً إلى أن «الضبعة ليست مجرد محطة كهرباء»، إذ إنها تحقق أهدافاً عدة، من بينها؛ «بناء أمن طاقة مصري مستقل نسبياً عن تقلبات الأسواق العالمية للبترول والغاز الطبيعي، وتحرير جزء من الغاز المصري للتصدير أو الاستخدام الصناعي، خاصة في البتروكيماويات والأسمدة، ودعم الصناعات الثقيلة والتوجه نحو الهيدروجين الأخضر، وتوفير مصدر مستقر للكهرباء على مدى عقود».

يسهم المشروع أيضاً في تعزيز مكانة مصر الإقليمية، بحسب قنديل الذي قال: «مصر اليوم لاعب رئيسي في الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط، وقوة صاعدة في الطاقة المتجددة، وتعمل على مشروعات للربط الكهربائي مع ثلاث قارات، وحين تكتمل وحدات الضبعة، ستمتلك مصر برنامجاً نووياً سلمياً واسع النطاق، يمنحها وزناً إضافياً في معادلات الطاقة الإقليمية».

أما القليوبي فيشير إلى أن مشروع الضبعة يُدخل مصر إلى «نادي الدول الصناعية الكبرى التي تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية».

أبعاد سياسية

وبينما ستسهم محطة الضبعة في تلبية احتياجات مصر من الطاقة على المدى الطويل، فإن هناك دوافع أخرى لإقدام البلاد على هذه الخطوة، من بينها «تعزيز المكانة السياسية للحكومة في الداخل وتوسيع علاقاتها الأجنبية إلى ما يتجاوز واشنطن»، بحسب مقال نشره إيريك تراجر في «معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى» عام 2016.

أشار تراجر وقت ذاك إلى أن «المشروع يستهدف إعطاء أمل للمصريين وتعزيز الدعم الداخلي للحكومة، بعدّه مشروعاً قومياً»، كما أنه يأتي في إطار مساعي القاهرة لـ«توسيع نطاق التواصل الخارجي ليتجاوز علاقتها الثنائية بواشنطن، ما يُظهر مصر بصورة المنفتحة على العالم أجمع». وقال تراجر إن المشروع «يوطد علاقات مصر وروسيا».

وهو أمر أكده بالفعل الرئيسان المصري والروسي أخيراً، حيث قال السيسي إن المشروع «يعدّ برهاناً عملياً على أن شراكتنا لا تقتصر على التصريحات السياسية البراقة، بل تتجسد في مشروعات واقعية، تترجم إلى تنمية حقيقية، تعود بالنفع المباشر على شعبينا»، بينما أكد بوتين دعم بلاده «طموحات مصر التنموية في إطار الشراكة والتعاون الاستراتيجي الممتد بين البلدين». وقال: «هذه الشراكة مستمرة وتتجلى في ارتفاع حجم ومعدل التجارة بين البلدين، وتكثيف التعاون الصناعي، فضلاً عن مضي روسيا قدماً في إنشاء منطقة صناعية في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس».

ويشير تراجر، في هذا الإطار، إلى أن المشروع يعزز نفوذ موسكو في القاهرة، ما قد يثير قلق الولايات المتحدة نظراً لاهتمام واشنطن بالاستقرار الاقتصادي في مصر وبآفاق سياستها الخارجية.

وفي هذا الإطار، يرى مستشار «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور عمرو الشوبكي، أن «مصر حريصة ومنفتحة على قوى وأقطاب أخرى دون المساس بالعلاقة الاستراتيجية مع واشنطن»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة لديها علاقات تجارية واقتصادية وسياسية مع روسيا والصين».

وبالفعل أكد عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، أن «هذا المشروع يربط مصر وروسيا بعلاقات في قطاع مهم للغاية ولسنوات طويلة مقبلة». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المشروع يحقق أهدافاً اقتصادية وسياسية عدة تتراوح ما بين توفير الكهرباء وتنمية الكوادر الوطنية إلى تعزيز المكانة الإقليمية والدولية».

وهنا يلفت الشوبكي إلى أن «حرص مصر على امتلاك الطاقة النووية السلمية - إضافة إلى أهميتها الاقتصادية - نابع من رغبتها في تأكيد حضورها في الملفات الكبرى». وقال: «الدول التي تمتلك وتستخدم الطاقة النووية السلمية لديها مكانة وتأثير وحضور دولي».

وتؤكد مصر حقها في امتلاك الطاقة النووية بموجب «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» التي وقّعت عليها عام 1968 وصدّقت عليها عام 1981. وتعوّل القاهرة على القيمة الاستراتيجية لمشروع الضبعة، ووفق السيسي فإن «المشروع سيضع مصر في موقع ريادي، على خريطة الاستخدام السلمي للطاقة النووية».

«المحطة النووية»... عشر سنوات على طريق التنفيذ

طوال أكثر من نصف قرن سعت مصر إلى امتلاك محطة لاستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، لكن الأحداث السياسية والظروف الاقتصادية وكارثة مفاعل تشرنوبل عام 1986 وقفت في طريق «الحلم النووي» المصري لعقود، حتى أعيد إحياء المشروع بخطوات عملية لإنشاء محطة الضبعة النووية. وفيما يلي أبرز المحطات:

- 1955 أنشأت مصر هيئة الطاقة الذرية (AEA).

-1961 افتتاح مركز البحوث النووية في أنشاص وتشغيل أول مفاعل بحثي.

- 1964 اختيار موقع سيدي كرير على ساحل البحر المتوسط لبناء أول محطة لتوليد الكهرباء النووية، (لم ينفذ).

- 1983 مناقصة دولية لإنشاء المحطة.

- 1986 كارثة تشيرنوبل... توقف المشروع.

- 2007 تشكيل هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء (NPPA).

- 2008 استئناف البرنامج النووي السلمي، وإعادة تفعيل دراسات موقع الضبعة.

- 2015 توقيع الاتفاق المبدئي مع روسيا (روساتوم).

- 2017 توقيع العقود النهائية للمشروع.

- 2018 بدء إعداد البنية التحتية للموقع وإنشاء الرصيف البحري التخصصي لاستقبال المعدات الثقيلة.

- 2022 أصدرت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية (ENRRA) إذن إنشاء الوحدة النووية الأولى.

- 2024 تركيب مصيدة قلب المفاعل.

- 2025 تركيب وعاء ضغط المفاعل للوحدة النووية الأولى.


روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا
TT

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

روب يتن... هزم اليمين المتطرف ويستعد ليصبح أصغر رئيس حكومة لهولندا

تطلب الأمر شاباً مفعماً بالحياة ومليئاً بالأمل لهزيمة اليمين المتطرف في هولندا. فقد نجح روب يتن، السياسي الشاب الذي لم يدخل بعد عقده الأربعين، بإعادة حزب «الديمقراطيين 66» الليبرالي الوسطي الذي تأسس عام 1966، إلى واجهة الحياة السياسية في هولندا وقاده إلى تحقيق أفضل نتائج له منذ تأسيسه. ورغم أن الحزب لم يفز فعلياً بالانتخابات التي جرت نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بل تعادل مع حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة خيرت فيلدرز، فإن النتائج تعدّ فوزاً للديمقراطيين وخسارة لأقصى اليمين؛ وبتحقيق كلا الحزبين 26 مقعداً من أصل 150 داخل البرلمان، يكون الديمقراطيون قد ضاعفوا مقاعدهم بـ3 مرات تقريباً من 9 مقاعد في الانتخابات التي سبقت إلى 26 مقعداً، فيما خسر حزب الحرية 11 مقعداً وانخفض تمثيله من 37 نائباً إلى 26 نائباً. ورغم أنه ما زال غير واضح ما هي الأحزاب التي قد تشارك في الائتلاف الحاكم، فمن المؤكد أن حزب الحرية سيكون خارج الحكم. إذ تعهدت الأحزاب الأخرى بعدم العمل مع خيرت فيلدرز من جديد بعد تجربة الحكم الأخيرة التي لم تدم أكثر من 11 شهراً.

أثبت روب يتن (38 عاماً) أن هزيمة أحزاب أقصى اليمين ممكنة، ليعطي فوز حزبه في الانتخابات العامة في هولندا، أملاً للكثير من الأحزاب الأوروبية الوسطية التي تكافح هي نفسها للبقاء أمام مد اليمين المتطرف الذي يلف القارة العجوز. يتن نفسه هلل فور صدور النتائج بأن هولندا «أغلقت فصل خيرت فيلدرز»، متعهداً بالعمل على تشكيل «ائتلاف متين يقود هولندا إلى الأمام». وأضاف أن فوز حزبه أثبت أن «الأحزاب الوسطية أظهرت أنه من الممكن هزيمة الأحزاب الشعبوية وأقصى اليمين». وقاد يتن حملة انتخابية شعارها «التغيير والإيجابية» مستعيناً بشعار باراك أوباما «يمكننا التغيير»، في إشارة إلى استبدال حزب معتدل باليمين المتطرف. ولاقت إيجابيته صدى لدى الناخبين الهولنديين الذين يبدو أنهم تعبوا من السلبية التي طبعت الحياة السياسية منذ الانتخابات التي سبقت أن أوصلت حزب الحرية إلى الطليعة ولكن من دون فوز كاسح، ما يعني أن فيلدرز لم يكن قادراً على الحكم بمفرده، وعجز عن إقناع الأحزاب الأخرى التي شكلت معه الحكومة مشترطة ألا يترأسها هو شخصياً، باعتماد سياسته المتطرفة حول الهجرة، وهو ما تسبب في النهاية بانهيار الحكومة. ونقلت وسائل إعلام هولندية إحصاءات تشير إلى التأييد الواسع لتولي يتن رئاسة الحكومة بين مؤيدي الأحزاب اليمينية. ونقلت شبكة أخبار «آر تي إل» الهولندية عن أحد الناخبين قوله إنه «لا يوافق دائماً على سياسات الديمقراطيين ولكن روب يتن رجل (عادي) يمكنه أن يؤدي وظيفة تمثيل البلاد بشكل جيد». وقال عن فيلدرز إنه لو تولى رئاسة الحكومة فإن الأمور «لن تنجح معه وإنه سيريد على الأرجح أن يمرر سياسته، وفي حال لم ينجح بذلك فسينسحب مرة جديدة».

اغتيال مخرج... وإحراق مدرسة إسلامية

ويأتي فوز يتن على اليمين المتطرف وصعوده السريع وهو ما زال في عقده الثلاثين، متناغمين مع دخوله عالم السياسة في سن فتيّة أيضاً وهو في الـ17 من العمر. بداية قصته في السياسة كانت مرتبطة أيضاً باليمين المتطرف؛ ففي عام 2004 شكل اغتيال المخرج السينمائي تيو فان غوخ على يد متطرف هولندي من أصل مغربي، لحظة مفصلية تسببت بتداعيات دفعت بيتن إلى دخول عالم السياسة. وكان إحراق مجموعة من الشبان المنتمين إلى اليمين المتطرف لمدرسة ابتدائية تعلّم الدين الإسلامي في بلدته في أودن، سبب توجهه إلى النضال ضد اليمين المتطرف. وقال مؤخراً عن بداياته إن الشبان الذين أحرقوا المدرسة كانوا من رفاقه في فريق كرة القدم وكان يعرفهم جيداً، ولكنه أراد أن يُظهر صورة مختلفة للعالم وأن بلدته ليست مجرد مكان مليء بشبان «لا يعرفون ماذا يفعلون».وبقي كفاح يتن ضد اليمين المتطرف أساسياً خلال مسيرته السياسية. وحتى في الحملة الانتخابية التي قادها، اعتمد يتن استراتيجيات تستهدف اليمين المتطرف، مثل جعله العلم الهولندي محورياً خلال الحملة، وقوله إنه يريد «استعادته» من اليمين المتطرف الذي غالباً ما يستخدم العلم. ولم يتردد كذلك بجعل مسألة الهجرة التي أوصلت فيلدرز للفوز في الانتخابات التي سبقت، محورية خلال حملته. ورغم ليبراليته، وارتباطه بلاعب هوكي محترف أرجنتيني سيعقد قرانه عليه العام المقبل، فقد أكد للناخبين أنه سيعتمد سياسة هجرة متشددة تجاه المرفوضة طلباتهم وسيعتمد حداً أقصى لأعداد المهاجرين. ويبدو أن تعهداته هذه لاقت تجاوباً من الناخبين، إذ أكد لاحقاً متحدث باسم حزبه أن 7 في المائة من ناخبي حزب الحرية صوتوا هذه المرة للديمقراطيين.

وحتى قبل الانتخابات وبدء الحملات الانتخابية، كان يتن يدعو لاعتماد سياسة هجرة جديدة في هولندا والخروج من عباءة الاتحاد الأوروبي. وروّج لاعتماد نظام مبني على النظام الكندي ينقل البحث والبت بطلبات اللجوء إلى خارج دول الاتحاد الأوروبي ورفض استقبال من يصلون خارج هذا النظام إلى هولندا.

تشديد قوانين الهجرة

ودعا كذلك إلى مراجعة المعاهدات الدولية الخاصة باللاجئين «لكي تعكس الواقع الجديد» في خلاف للسياسة التي كان يعتمدها الديمقراطيون. ونقلت عنه وسائل إعلام هولندية قوله إن «قانون الهجرة المعتمد حالياً لم يعد صالحاً، علينا أن ننتقل من هجرة تتحكم بنا، إلى هجرة نحن نتحكم بها، ليس فقط بسبب مواطنين هولنديين قلقين من الأعداد الوافدة ولكن أيضاً للأشخاص الذين يهربون من العنف والملاحقة». وبحسب خطة يتن، فإن هولندا لن تقبل إدخال لاجئين إلا أولئك الذين يتقدمون للحصول على لجوء من خارج الاتحاد الأوروبي ويتم قبولهم. ويعدّ أن نظاماً كهذا سيساعد على وقف طرق التهريب الخطيرة وينقذ أرواحاً.وحالياً، يتم إدخال بعض اللاجئين إلى أوروبا عبر نظام شبيه تعتمده الأمم المتحدة لتوزيع اللاجئين ولكن أعداد هؤلاء قليلة جداً مقارنة بالذين يدخلون بشكل غير قانوني ويتقدمون بطلبات لجوء. ويريد يتن توسيع هذا النظام بشكل كبير لكي يصبح الطريقة الأساسية لاستقبال اللاجئين في هولندا. ولكنه يعي أن هذه الخطط تستغرق وقتاً طويلاً. وحتى ذلك الحين، وفي المرحلة القصيرة المدى يطالب بقوانين أشد لطالبي اللجوء الذين يعدّون عبئاً، خاصة أولئك القادمين من دول مصنفة «آمنة» أي لا خوف من ملاحقات بحق القادمين منها الذين لا يتمتعون أصلاً بحظوظ كبيرة في الحصول على لجوء. ومن أقواله عن هؤلاء إن «الذين يأتون ويتسببون بمشاكل ولا يتوجب عليهم أن يكونوا هنا، يجب أن يتم إرسالهم إلى ملاجئ مغلقة، ويفهموا أنهم يدخلون بلداً بقيم ليبرالية، وإذا كانوا لا يحترمونها فسيخسرون بعض الحقوق».

في المقابل يروّج يتن لاندماج أفضل لطالبي اللجوء الناجحين ويدعو إلى إدخالهم في صفوف تعلّم اللغة «منذ اليوم الأول» ومساعدتهم في العثور على وظيفة «بأسرع وقت ممكن». وقبل الانتخابات ومنذ ترأسه حزبه عام 2023، حذّر بأن إبقاء الأشخاص على نظام الإعانات من دون دمجهم في المجتمع وسوق العمل «مؤذ لهم وللمجتمع بشكل عام، ويغذي الإحباط لدى الهولنديين». ويعدّ يتن أن على الأحزاب الوسطية أن «تقود الخطاب السياسي عوضاً عن أن تترك ذلك للأحزاب اليمينية المتطرفة».

حل أزمة السكن... بناء جزيرة جديدة

سياسة الهجرة هذه التي يروج لها يتن منذ ترأسه حزبه، قد تكون أكسبته أصواتاً من اليمين واليمين المتطرف، ولكن الأصوات الأخرى التي نجح بإضافتها لحزبه جذبها من خلال خطاب أوسع يتناول مخاوف الناخبين بشكل مباشر من قضايا تتعلق بالسكن التي كانت أيضاً من القضايا الأساسية في الانتخابات الهولندية. فهولندا، مثل الكثير من الدول الأوروبية، تعاني من نقص 400 ألف وحدة سكنية ما يؤدي إلى رفع دائم في أسعار العقارات والسكن ما يزيد من العبء على السكان. ورغم أن كل الأحزاب التي خاضت الانتخابات جعلت من مسألة البناء أساسية في معركتها، فإن طروحات الديمقراطيين كانت الأكثر ثورية. وفيما كانت الأحزاب الأخرى تقترح إغلاق مطارات للبناء على أراضيها، أو توسيع مجمعات موجودة أصلاً، اقترح يتن بناء جزيرة جديدة على أرض مغطاة حالياً بالمياه، في بلد ربعه يقبع تحت مستوى البحر. وتعهد ببناء مدن جديدة تضم 60 ألف وحدة سكنية مع مساحات خضراء ومياه وأماكن ترفيه.

ما إذا كان سينجح بتحقيق أي من طروحاته تلك، إن كانت المتعلقة بالهجرة أو تلك المتعلقة بالسكن، غير واضح ومرتبط بالائتلاف الذي سينجح بتشكيله في النهاية والخطط التي يتفق عليها مع الأحزاب الأخرى. ولكن على الأقل هي خطط طموحة لاقت صدى لدى الناخبين وأوصلت من قد يصبح أصغر رئيس حكومة في هولندا إلى رأس السلطة. والواقع أن صعوده السريع وهو في سن يافعة، دفع البعض للتشكيك بقدراته أحياناً.

أما سياسته الأخرى، فهي مناقضة تقريباً لسياسات فيلدرز واليمين المتطرف في هولندا المشكك في الاتحاد الأوروبي وفي التأييد الأوروبي لأوكرانيا ومعاداة روسيا. ويعدّ يتن مؤيداً للاتحاد الأوروبي ولدعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا. وعندما كان وزيراً للطاقة في حكومة مارك روته التي سبقت حكومة فيلدرز، دفع يتن بسياسة طاقة لا تعتمد على الغاز الروسي. وقد خدم في حكومة روته الرابعة وزيراً للمناخ والطاقة بين عامي 2022 و2024. ودخل يتن البرلمان الهولندي للمرة الأولى عام 2017 وكان متحدثاً باسم كتلته عن المناخ والطاقة. وفي عام 2018 انتخب زعيماً للكتلة النيابية للديمقراطيين ليصبح أصغر زعيم للكتلة في تاريخ الحزب. وفي عام 2020 انتخب حزبه الدبلوماسية المخضرمة سيغريد كاخ لزعامته في معركة لم يترشح فيها يتن. ولكنه لم ينتظر كثيراً، إذ وجد فرصة سانحة بعد استقالة كاخ في صيف عام 2023 وانتخب لزعامة الحزب.

اقرأ أيضاً


هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
TT

هولندا... حكومات ائتلافية منذ الحرب العالمية الثانية

Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY
Dutch Prime Minister Mark Rutte leaves the Parliament building, amid the coronavirus disease (COVID-19) lockdown, in The Hague, Netherlands January 15, 2021. REUTERS/Piroschka van de Wouw REFILE - CORRECTING CITY

> منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحكم هولندا حكومات ائتلافية مكونة من حزبين أو أكثر في أحيان كثيرة، بسبب القانون الانتخابي المعتمد الذي يجعل من المستحيل على حزب واحد أن يفوز بالأغلبية. وطغى مارك روته وحزبه حزب «الشعب للحرية والديمقراطية» المحافظ الليبرالي، على الحياة السياسية في السنوات الـ14 الأخيرة تقريباً. فهو ترأس 4 حكومات متتالية بين العامين 2010 و2024، ضم معظمها أكثر من حزبين، حتى استقالته عام 2023 وانتقاله ليصبح أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو). وحظيت حكومته الأولى التي كانت حكومة أقلية وشكَّلها مع حزب «نداء الديمقراطية المسيحي»، بدعم من حزب «الحرية» اليميني المتطرف من دون أن يشارك الأخير في الحكومة.

ولكن الحكومة لم تدم أكثر من عامين بعد خلافات مع خيرت فيلدرز الذي سحب دعمه لها، مما أدى إلى سقوطها. وشكَّل روته حكومته الثانية التي ضمت 4 أحزاب بينها حزب «العمال»، مما سمح لها بأن تحكم طوال فترة ولايتها لخمس سنوات، وكانت الأكثر استقراراً في تاريخ هولندا الحديث. وشكَّل روته حكومته الرابعة عام 2017 لتحكم لمدة 3 سنوات، وضمت 4 أحزاب ولكنها سقطت مبكراً بعد تداعيات أزمة كورونا. وكانت الحكومة الأخيرة التي شكَّلها روته من 4 أحزاب عام 2022، الأقصر عمراً، واستغرق تشكيلها وقتاً قياسياً وصل إلى 299 يوماً، ولكنها انهارت سريعاً بعد خلافات حول الهجرة، ولم تحكم فعلياً أكثر من عام ونصف، ولكنها بقيت حكومة تصريف أعمال لنصف عام إضافي.

وفي عام 2024، حقق حزب الحرية اليميني المتطرف بزعامة فيلدرز فوزاً تاريخياً، ولكن فيلدرز نفسه لم يصبح رئيس حكومة بسبب اشتراط الأحزاب الأخرى التي وافقت على دخول الائتلاف الحكومي معه، على تعيين شخصية أخرى. وتوافقت الأحزاب في النهاية على ديك شوف لرئاسة الحكومة التي ضمت 4 أحزاب من بينها حزب «الحرية» الذي خاض تجربته الأولى في الحكم، ولكنه سرعان من انسحب من الحكومة في صيف العام الجاري بعد خلافات مع الأحزاب الأخرى حول سياسات هجرة متشددة ومخالفة للقانون أراد تطبيقها.