«صرخة الآلام» المكسيكية

«صرخة الآلام» المكسيكية
TT

«صرخة الآلام» المكسيكية

«صرخة الآلام» المكسيكية

تناولنا في المقال السابق تجمع سحب الثورة في الساحة المكسيكية في مطلع القرن التاسع عشر، حيث بدأ الشعب المكسيكي المكون أغلبيته من الهنود والعبيد ومن فوقهم طبقة من المخلطين وفوقها طبقة الإسبان المولودين في المكسيك والمعروفين باسم «كريويوس Creollos» يعانون جميعا من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية التي بدأت تؤثر في التركيبة والفكر السياسيين، وقد ساهم بشكل كبير في انتشار الفكر الثوري مجموعة من التطورات الأساسية إلى جانب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وعلى رأسها اندلاع الثورتين الفرنسية والأميركية ونجاحهما في القضاء على النظام الحاكم في الدولتين، خاصة الولايات المتحدة التي كانت تمر بظروف مشابهة بعض الشيء للمكسيك، ومن المفارقات الملحوظة أن حركة الثورة في كل من الولايات المتحدة والمكسيك اعتمدت بشكل مباشر على طبقة أبناء المستعمرين في الثورتين، فلقد أثرت طبقة الكريويوس مباشرة على حسم الأمر لصالح الثورة.
كما أشرنا في مقال الأسبوع الماضي فإن السلك الكنسي كان له دوره المباشر في اندلاع الثورة المكسيكية، خاصة بعدما اتخذ الملك الإسباني قرارا بمنع اليسوعيين من العمل داخل المكسيك بسبب توجهاتهم السياسية الليبرالية، ولكن الحركة الكنسية كانت قد أدركت خطورة ما آلت إليه الأمور في البلاد، ورغم أن بعض أعضاء السلك الكنسي كانوا إلى جانب الملكية ورفضوا فكرة الثورة، فإن رجال الكنيسة كان لهم دورهم الهام في هذا الصدد، لا سيما بعدما خرجوا من العباءة الفكرية والثقافية الضيقة للكنيسة في روما، وبالفعل اندلعت شرارة الثورة في المكسيك على أيدي الأب «ميجيل إيدالجو» Hidalgo في مدينة دولورس في 15 سبتمبر (أيلول) 1810 فيما عرف بصرخة الآلام أو «Grito de Dolores» التي أطلقها من كنيسته وجمعت خلفه الثورة المكسيكية كلها، وهي الخطبة التي أنهاها بعبارة «تحيا المكسيك ويحيا الاستقلال»، وفي أقل من أيام معدودات انضم لهذا الثوري جيش بلغ قوامه قرابة عشرة آلاف ثوري استطاعوا أن يقهروا القوات الملكية بقيادة الوالي الإسباني في البلاد، وعندما أصبحت المكسيك في متناول أيدي إيدالجو وجنراله الشهير «جيريرو» تأخر الرجل، وهو ما سمح للقوات الملكية بإعادة السيطرة على الجيش وتجميعه مرة أخرى، والتقى الجيشان في معركة كالديرون حيث مني الثوار بهزيمة ساحقة اضطر بعدها فلول الثوار للهروب، ولكن سرعان ما قبضت القوات الملكية على إيدالجو وبعض رجاله وقامت بتنفيذ حكم الإعداد عليه مع بعض أتباعه عام 1811.
لقد كان هذا العام هاما في الثورة المكسيكية، فلقد سيطر على إسبانيا تيار ليبرالي من أجل وضع دستور جديد للبلاد تضمن زيارة وفد مكسيكي شارك في وضع هذا الدستور، حيث عرضت مطالب الثورة المكسيكية، وتضمن هذا الدستور العديد من المطالب التي كانت للثوار في ممالك إسبانيا المختلفة، ولكن مع سقوط نابليون في فرنسا وإعادة الحكم الملكي لإسبانيا عادت سياسة القبضة الحديدية للبلاد، ولكن هذه الخطوة التي صاحبت بعدها بقليل، بموت إيدالجو، تفتت الحركة الثورية بين مقاطعات المكسيك، ولكن وهجها لم يخمد حتى مع ضعفها العسكري، وسرعان ما آلت قيادة الحركة الثورية إلى قائد آخر هو «موريلوس» و«إيجناسيو رايون» ومجموعة من الرجال والعسكريين من فلول حركة إيدالجو، وقد استمرت المحاولات المستميتة لخلخلة الحكم الإسباني ونيل الاستقلال، ولكن بدا واضحا الصعوبة التي واجهتها الثورة، فمركز الثقل لم يتحول بعد لصالح الثورة بعد، فالحركة شملت الهنود والمخلطين وبعض الدماء الإسبانية، ولكن طبقة الأغنياء الإسبان والمخلطين لم تكن على استعداد لترك مكاسبها ومصالحها من أجل فكرة الاستقلال، وهنا الاختلاف الأساسي مع الثورة الأميركية التي كانت سياسات بريطانيا تضرب مباشرة في مصالح الطبقات الغنية، فإن السياسيات الإسبانية منحت هذه الطبقة حقوقها كاملة.
استمرت هذه المعادلة الثورية المختلة لقرابة عشر سنوات تفرقت فيها حروب العصابات الثورية إلى جانب التيار الثوري الأساسي بقيادة موريلوس الذي سعى لاستصدار وثيقة استقلال للبلاد عقب انتصارات محدودة، ولكن القوات الملكية كانت له بالمرصاد، حيث لاقى مصير إيدالجو وتم إعدامه مع مجموعة من رجاله في 1815، وقد بدأت القوات الملكية تستعد لتصفية الثورة واقتلاع قيادتها مرة أخرى من البلاد خاصة «جيريرو»، هذا العسكري المحنك، حيث أرسل الوالي الإسباني جيشا بقيادة «إتوربيدي Iturbide» المعروف عنه دوره الحاسم في هزيمة إيدالجو، وبمجرد أن بدأ النزاع المسلح بين الجيشين جاءت الأخبار عبر الأطلنطي لتعلن عزل الملك الإسباني فرديناند السابع وعودة الحكم الليبرالي في البلاد، وهو ما غير المعادلة تماما، فهذه الحكومة قد تغير المعادلة الاقتصادية والاجتماعية في المستعمرات الإسبانية، وهو ما قد يفقد طبقة الـCriollos كل مميزاتها السياسية والاجتماعية، بما في ذلك إمكانية منح الاستقلال.
على الفور تغير موقف إتوربيدي من مهاجم للثورة والثوار إلى مساند لهم، وبدأ يتفاوض مع جيريرو من أجل شروط الاتحاد، وبالفعل جرى الاتفاق على «خطة إيجوالا» التي تضمنت ثلاثة عناصر أساسية هي استقلال المكسيك عن إسبانيا ووضعها تحت حكم أي طرف من أسرة البوربون أو أخرى، واحتفاظ الكنيسة الكاثوليكية بمميزاتها باعتبارها ممثلة الدين الرسمي للبلاد، إضافة إلى المساواة بين أبناء الإسبان من ناحية والإسبان المقيمين في المكسيك، بينما حقوق المخلطين تقل بعض الشيء. وهكذا تم الاتفاق على إعلان استقلال البلاد في المكسيك مستغلين انشغال إسبانيا بظروفها السياسية الخاصة، وبالفعل تم التوقيع على اتفاقية قرطبة في أغسطس (آب) 1821 بمشاركة ممثلين عن الدولة الإسبانية التي أعلنت استقلال البلاد، تبعها دخول الجيش المكسيكي العاصمة، فأقام إتوربيدي مجلسا Junta من العسكريين قام بدوره بتعيين كونغرس أو برلمان تضمن أغلبية مؤيدة لإقامة إمبراطورية مكسيكية يرأسها فرد من عائلة البوربون الإسبانية مقابل قوة أخرى ترى منح الحكم لإتوربيدي نفسه باعتباره الشخص الذي حسم دفة الأمور لصالح الاستقلال، وعندما رفضت إسبانيا التصديق على اتفاقية الاستقلال لم يجد البرلمان المكسيكي إلا خيار منح الإمبراطورية لإتوربيدي الذي انفرد بحكم البلاد من خلال مجموعة عسكرية تساند حكمه بجواره، ولكنه لم يدرك أن البلاد لن تقبل به ديكتاتورا بعدما ذاق الشعب الحرية، فاضطر الرجل للتنازل عن الحكم بعدما اتحد الجنرال سانتانا مع قائد جيوش إتوربيدي وتم الاتفاق على عزله من الحكم ليتولى فيكتوريا الحكم في البلاد، وتبدأ المكسيك في سلسلة من الفوضى السياسية التي دامت حقبا طويلة.
وهكذا أسفرت صرخة الآلام التي أطلقها «إيدالجو» لبدء شرارة الاستقلال لتنال المكسيك استقلالها المنشود بعد إحدى عشرة سنة عن الحكم الإسباني، عن خروج المكسيك من آلام المستعمر لتعاني آلام جهل بني الوطن كما سنرى.



قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
TT

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)

جاء الإعلان عندما أبلغ وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري وسائل الإعلام أن «الهند والصين توصلتا إلى اتفاق على طول خط السيطرة الفعلية»، ولم يلبث أن أكد لين جيان، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، إبرام الاتفاق.

يُذكر أن المواجهة على امتداد «خط السيطرة الفعلية» (الحدودي)، بدأت بمناوشات بين القوات الهندية والصينية على ضفاف بحيرة بانغونغ خلال مايو (أيار) 2020. ثم توترت العلاقات بين البلدين بعد اندلاع اشتباكات مميتة في يونيو (حزيران) 2020 – تضمنت استخدام الصخور والقضبان الحديدية وتبادل اللكمات - حول نهر غالوان، الواقع على ارتفاع كبير، وبانغونغ تسو في إقليم لاداخ؛ ما أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً، إلى جانب عدد غير معروف من القوات الصينية، قدّرته وسائل إعلام روسية بما يتجاوز 40. سقوط أول الضحايا على «خط السيطرة الفعلية» منذ 45 سنة دفع العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوى لها منذ حرب الحدود عام 1962. وأدّت التدابير المضادة القوية للهند، والوجود العسكري الكثيف لها، إلى مواجهة حدودية استمرت لأكثر من أربع سنوات، مع تمركز أكثر من 50 ألف جندي على الجانبين. ومن ناحيته، أكد الجانب الهندي أن مجمل العلاقات مع الصين «يتعذر تطبيعها من دون إقرار حالة من السلام والهدوء على الحدود» بينهما.

«خط السيطرة الفعلية»... نقطة اشتعال تاريخية

يكمن السبب الجذري للصراع بين الهند والصين، في حدودهما المشتركة الممتدة لمسافة 3440 كيلومتراً، والتي يشار إليها عادةً باسم «خط السيطرة الفعلية». ولطالما كانت هذه الحدود الجبلية غير المحدّدة على نحو واضح، ولا سيما أنها تمر عبر تضاريس وعرة، مصدراً دائماً للتوتر بين القوتين النوويتين. وبعكس الحدود الدولية التقليدية، يشكل «خط السيطرة الفعلية» خط الحدود بين الصين والهند فقط «بحكم الأمر الواقع»؟ ذلك أن ثمة تبايناً كبيراً بين البلدين حيال تصوره وتعريفه.

تاريخياً، لدى كل من الهند والصين وجهة نظر خاصة مختلفة بشأن ترسيم خط السيطرة الفعلية؛ الأمر الذي أدى إلى اشتعال نزاعات متكرّرة حول السيطرة على النقاط الاستراتيجية على طول الحدود. وبناءً عليه؛ ما دفع إذن باتجاه هذا التطور الإيجابي في العلاقات؟

في هذا الصدد، أعرب الصحافي الهندي جواراف ساوانت، الذي يزور روسيا حالياً لتغطية أخبار مجموعة «البريكس»، عن اعتقاده بأن بين العوامل وراء ذوبان الثلوج بين نيودلهي وبكين «انتخابات الشهر المقبل في الولايات المتحدة». وشرح أن «السباق الانتخابي (الأميركي) متقارب، وثمة احتمال واضح لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض». وأردف أن تراجع مستوى التوتر بالعلاقات بين البلدين سيخدم كلاً منهما. ومن وجهة نظر الصين، فإن قيادة هندية تسعى إلى سياسة خارجية مستقلة منفصلة عن المصالح الغربية أفضل بالتأكيد لبكين.

أهمية قمة «البريكس»

والآن، لماذا تشكّل قمة «البريكس» السادسة عشرة لحظة مهمة، في الدبلوماسية العالمية؟

في الواقع، للمرة الأولى منذ الحرب بين روسيا وأوكرانيا اجتمع عدد كبير من قادة العالم في روسيا، وهو ما فُسّر بأنه فشل للمحاولات الغربية في عزل موسكو، وهذا أمر قد يؤثر كذلك على توازن القوى العالمي. ثم إنه يدور موضوع قمة هذا العام حول «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين».

معلومٌ أن مجموعة «البريكس» انطلقت، بداية الأمر، من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب إفريقيا. إلا أنها سرعان ما برزت منصةً رئيسية للتعاون الاقتصادي والسياسي العالمي. وفي عام 2023، انضم أعضاء جدد للمجموعة، بينهم المملكة العربية السعودية، وإيران، ومصر والإمارات العربية المتحدة؛ ما جعلها أكثر شمولاً.

واليوم، مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 60 تريليون دولار، تمثل دول «البريكس» 37.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متجاوزة بذلك «مجموعة الدول السبع». ومع مواصلة «البريكس» توسعها، كبر دورها وازداد وضوحاً على صعيد إعادة تشكيل ديناميكيات القوة العالمية. وهنا أضاف الصحافي الهندي ساوانت أن «هذا النوع من الود الذي يتأمله الهنود والروس والصينيون على الأرض - إلى جانب آخرين داخل (البريكس) - من شأنه أن يثير قلق الغرب»، مشيراً إلى أن مودي وشي سيعقدان لقاءً ثنائياً على هامش القمة.

ولجهة مسألة «العزلة»، تكشف قمة «البريكس» عن أن روسيا بعيدة كل البعد عن العزلة، لدى توجه قادة من مختلف الدول إلى قازان للمشاركة في مناقشات يمكن أن تشكل مستقبل الحكم العالمي. واللافت، طبعاً، أن القمة لم تجتذب حلفاء روسيا المقربين فحسب، بل اجتذبت أيضاً عدداً من الدول التي تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع موسكو.

قمة «البريكس» المنعقدة لثلاثة أيام، وسط إجراءات أمنية مشددة، تعد أكبر حدث دولي تستضيفه روسيا منذ أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بغزو أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وفي حين يسعى بوتين، صراحةً، إلى بناء تحالف من خلال «البريكس» قادر على تحدّي «هيمنة» الغرب، صرّح رئيس الوزراء الهندي مودي أثناء زيارته روسيا بأن زيارتيه إلى روسيا في الأشهر الثلاثة الماضية «تعكسان التنسيق الوثيق والصداقة العميقة بين البلدين». وأضاف: «لقد عزّزت قمتنا السنوية في موسكو في يوليو (تموز)، تعاوننا في كل المجالات... وفي غضون 15 سنة، بنت مجموعة (البريكس) هويتها الخاصة. واليوم، تسعى الكثير من دول العالم للانضمام إليها».

وحول الموضوع الأوكراني، من وجهة نظر هندية، يرى المحلل السياسي سوشانت سارين أنه «على الصعيد الدبلوماسي، سار مودي على حبل مشدود منذ بدء الصراع في أوكرانيا... إذ تعهّدت نيودلهي بتقديم الدعم الإنساني لكييف، لكن مع تجنب الإدانة الصريحة للهجوم الروسي بالوقت ذاته. ثم في يوليو، زار مودي موسكو، أعقب ذلك بزيارة إلى كييف خلال أغسطس (آب)، داعياً إلى عقد مباحثات لإنهاء الصراع. وأثمرت جهوده بالفعل إلى دعوات إلى أن تضطلع الهند بدور وسيط بين الجانبين».

كذلك، مع إعراب مودي عن دعم الهند «حل عاجلاً» للوضع في أوكرانيا، ومعه مختلف جهود إرساء السلام والاستقرار، خاطب الزعيم الهندي نظيره الروسي قائلاً في حديث بينهما: «كنا على اتصال دائم بشأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ونعتقد أن النزاعات يجب أن تُحل سلمياً فقط. ونحن ندعم تماماً الجهود الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار سريعاً... وكل جهودنا تعطي الأولوية للجوانب الإنسانية».

الرئيس الروسي يلقي كلمته في القمة (رويترز)

من جهتها، أضافت مصادر بوزارة الشؤون الخارجية الهندية، على صلة بمكتب «البريكس» أن «المناقشات حول إقرار عملة للـ(بريكس)، لتحدي هيمنة الدولار الأميركي تكتسب زخماً. كما تقدّم القمة منصّة للدول تعينها على توحيد صفوفها ضد العقوبات التعسفية التي يفرضها الغرب. ومع توسع (البريكس) وتطورها، بات من الواضح أن هذه المجموعة تستطيع أن تلعب دوراً مركزياً في تشكيل نظام عالمي جديد، وتحدي الهيمنة الغربية التقليدية. وسيكون دور الهند في (البريكس)، إلى جانب علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، أساسياً في تحديد كيفية تطور هذا التوازن الجديد للقوى».

لقاء محتمل بين مودي وشي

وعودة إلى موضوع العلاقات الهندية - الصينية، ذكّر الصحافي مانيش جها، بأنه «لم يعقد الطرفان مباحثات رسمية ثنائية منذ عام 2019؛ ولذا فإن أي تقارب اليوم سيكون تطوّراً محموداً... وسيحظى بمتابعة أميركية من كثب». وأضاف جها: «الواضح أن واشنطن استغلت فتور العلاقات بين مودي وشي للتقرّب من نيودلهي، وتعزيز التجمّعات الإقليمية مثل مجموعة (الكواد «الرباعية»)، التي تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، مع العمل على الضغط على الهند للانضمام إلى العقوبات ضد روسيا؛ الأمر الذي رفضته نيودلهي حتى الآن». ثم تابع: «لا يمكن تجاهل دور روسيا بصفتها وسيطاً في هذه العملية، ذلك أنها تظل شريكاً استراتيجياً رئيسياً لكل من الهند والصين. ورغم التحديات التي تفرضها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حافظت الهند على علاقة متوازنة مع روسيا؛ ما يضمن بقاء مكانتها على الساحة العالمية قوية».

في الحقيقة، هذا الوضع مربح لكل من الهند والصين. فبالنسبة للصين، التي تمرّ بفترة ركود اقتصادي، سيكون استئناف النشاط الاقتصادي الطبيعي مع الهند بمثابة مكافأة. وبسبب حروب التعرفات الجمركية مع الولايات المتحدة - التي بدأت مع إدارة دونالد ترمب واستمرت خلال رئاسة جو بايدن - بدت بكين حريصة على استئناف العلاقات الاقتصادية مع نيودلهي، بينما يواصل القادة الميدانيون العسكريون والدبلوماسيون مناقشة وحل السقطات التي وقعت عام 2020، وهذا رغم إصرار نيودلهي على عدم استئناف العلاقات الطبيعية مع بكين إلى حين تسوية القضايا العالقة منذ وقوع المواجهات العسكرية ذلك العام.

في هذه الأثناء، تراقب واشنطن التطوّرات. وفعلاً صرّح ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، بأن واشنطن تتابع هذه التطورات (في العلاقات الهندية – الصينية عن قرب». لكن الوزارة لم تذكر ما إذا كانت نيودلهي قد أبلغت واشنطن - الشريك الجيوسياسي الرئيسي – بالاتفاق.

في هذا السياق، نشير إلى أنه منذ مواجهات عام 2020، عززت نيودلهي علاقاتها مع واشنطن لمواجهة ما تعتبره الدولتان «تحركات بكين العدوانية ضد جيرانها». وجرى تسليط الضوء على هذه العلاقة المتعمقة من خلال توقيع «اتفاقيات التعاون الدفاعي»، بما في ذلك تقارير عن تبادل المعلومات الاستخباراتية.

ومع ذلك، ظهرت مخاوف في واشنطن بشأن التقارب المتزايد بين نيودلهي وموسكو، وخصوصاً في خضم الضغوط الغربية لعزل الرئيس بوتين دولياً، في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا.

من جانب آخر، من وجهة نظر الصين، فإن القضاء على أسباب الانزعاج من الهند قد يجعل الفلبين نقطة الاشتعال الرئيسية بسبب مطالبات إقليمية متضاربة. (إلى جانب تايوان، التي تدّعي الصين أحقية السيادة عليها). أما الهند فترى أن تحقيق انفراج في العلاقات مع الصين، أمر بالغ الأهمية؛ لأنه يتيح لها مساحة أكبر للمناورة التفاوضية مع شركائها الغربيين، خصوصاً واشنطن، في أعقاب التوتر الدبلوماسي مع كندا.