«صرخة الآلام» المكسيكية

«صرخة الآلام» المكسيكية
TT

«صرخة الآلام» المكسيكية

«صرخة الآلام» المكسيكية

تناولنا في المقال السابق تجمع سحب الثورة في الساحة المكسيكية في مطلع القرن التاسع عشر، حيث بدأ الشعب المكسيكي المكون أغلبيته من الهنود والعبيد ومن فوقهم طبقة من المخلطين وفوقها طبقة الإسبان المولودين في المكسيك والمعروفين باسم «كريويوس Creollos» يعانون جميعا من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية التي بدأت تؤثر في التركيبة والفكر السياسيين، وقد ساهم بشكل كبير في انتشار الفكر الثوري مجموعة من التطورات الأساسية إلى جانب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وعلى رأسها اندلاع الثورتين الفرنسية والأميركية ونجاحهما في القضاء على النظام الحاكم في الدولتين، خاصة الولايات المتحدة التي كانت تمر بظروف مشابهة بعض الشيء للمكسيك، ومن المفارقات الملحوظة أن حركة الثورة في كل من الولايات المتحدة والمكسيك اعتمدت بشكل مباشر على طبقة أبناء المستعمرين في الثورتين، فلقد أثرت طبقة الكريويوس مباشرة على حسم الأمر لصالح الثورة.
كما أشرنا في مقال الأسبوع الماضي فإن السلك الكنسي كان له دوره المباشر في اندلاع الثورة المكسيكية، خاصة بعدما اتخذ الملك الإسباني قرارا بمنع اليسوعيين من العمل داخل المكسيك بسبب توجهاتهم السياسية الليبرالية، ولكن الحركة الكنسية كانت قد أدركت خطورة ما آلت إليه الأمور في البلاد، ورغم أن بعض أعضاء السلك الكنسي كانوا إلى جانب الملكية ورفضوا فكرة الثورة، فإن رجال الكنيسة كان لهم دورهم الهام في هذا الصدد، لا سيما بعدما خرجوا من العباءة الفكرية والثقافية الضيقة للكنيسة في روما، وبالفعل اندلعت شرارة الثورة في المكسيك على أيدي الأب «ميجيل إيدالجو» Hidalgo في مدينة دولورس في 15 سبتمبر (أيلول) 1810 فيما عرف بصرخة الآلام أو «Grito de Dolores» التي أطلقها من كنيسته وجمعت خلفه الثورة المكسيكية كلها، وهي الخطبة التي أنهاها بعبارة «تحيا المكسيك ويحيا الاستقلال»، وفي أقل من أيام معدودات انضم لهذا الثوري جيش بلغ قوامه قرابة عشرة آلاف ثوري استطاعوا أن يقهروا القوات الملكية بقيادة الوالي الإسباني في البلاد، وعندما أصبحت المكسيك في متناول أيدي إيدالجو وجنراله الشهير «جيريرو» تأخر الرجل، وهو ما سمح للقوات الملكية بإعادة السيطرة على الجيش وتجميعه مرة أخرى، والتقى الجيشان في معركة كالديرون حيث مني الثوار بهزيمة ساحقة اضطر بعدها فلول الثوار للهروب، ولكن سرعان ما قبضت القوات الملكية على إيدالجو وبعض رجاله وقامت بتنفيذ حكم الإعداد عليه مع بعض أتباعه عام 1811.
لقد كان هذا العام هاما في الثورة المكسيكية، فلقد سيطر على إسبانيا تيار ليبرالي من أجل وضع دستور جديد للبلاد تضمن زيارة وفد مكسيكي شارك في وضع هذا الدستور، حيث عرضت مطالب الثورة المكسيكية، وتضمن هذا الدستور العديد من المطالب التي كانت للثوار في ممالك إسبانيا المختلفة، ولكن مع سقوط نابليون في فرنسا وإعادة الحكم الملكي لإسبانيا عادت سياسة القبضة الحديدية للبلاد، ولكن هذه الخطوة التي صاحبت بعدها بقليل، بموت إيدالجو، تفتت الحركة الثورية بين مقاطعات المكسيك، ولكن وهجها لم يخمد حتى مع ضعفها العسكري، وسرعان ما آلت قيادة الحركة الثورية إلى قائد آخر هو «موريلوس» و«إيجناسيو رايون» ومجموعة من الرجال والعسكريين من فلول حركة إيدالجو، وقد استمرت المحاولات المستميتة لخلخلة الحكم الإسباني ونيل الاستقلال، ولكن بدا واضحا الصعوبة التي واجهتها الثورة، فمركز الثقل لم يتحول بعد لصالح الثورة بعد، فالحركة شملت الهنود والمخلطين وبعض الدماء الإسبانية، ولكن طبقة الأغنياء الإسبان والمخلطين لم تكن على استعداد لترك مكاسبها ومصالحها من أجل فكرة الاستقلال، وهنا الاختلاف الأساسي مع الثورة الأميركية التي كانت سياسات بريطانيا تضرب مباشرة في مصالح الطبقات الغنية، فإن السياسيات الإسبانية منحت هذه الطبقة حقوقها كاملة.
استمرت هذه المعادلة الثورية المختلة لقرابة عشر سنوات تفرقت فيها حروب العصابات الثورية إلى جانب التيار الثوري الأساسي بقيادة موريلوس الذي سعى لاستصدار وثيقة استقلال للبلاد عقب انتصارات محدودة، ولكن القوات الملكية كانت له بالمرصاد، حيث لاقى مصير إيدالجو وتم إعدامه مع مجموعة من رجاله في 1815، وقد بدأت القوات الملكية تستعد لتصفية الثورة واقتلاع قيادتها مرة أخرى من البلاد خاصة «جيريرو»، هذا العسكري المحنك، حيث أرسل الوالي الإسباني جيشا بقيادة «إتوربيدي Iturbide» المعروف عنه دوره الحاسم في هزيمة إيدالجو، وبمجرد أن بدأ النزاع المسلح بين الجيشين جاءت الأخبار عبر الأطلنطي لتعلن عزل الملك الإسباني فرديناند السابع وعودة الحكم الليبرالي في البلاد، وهو ما غير المعادلة تماما، فهذه الحكومة قد تغير المعادلة الاقتصادية والاجتماعية في المستعمرات الإسبانية، وهو ما قد يفقد طبقة الـCriollos كل مميزاتها السياسية والاجتماعية، بما في ذلك إمكانية منح الاستقلال.
على الفور تغير موقف إتوربيدي من مهاجم للثورة والثوار إلى مساند لهم، وبدأ يتفاوض مع جيريرو من أجل شروط الاتحاد، وبالفعل جرى الاتفاق على «خطة إيجوالا» التي تضمنت ثلاثة عناصر أساسية هي استقلال المكسيك عن إسبانيا ووضعها تحت حكم أي طرف من أسرة البوربون أو أخرى، واحتفاظ الكنيسة الكاثوليكية بمميزاتها باعتبارها ممثلة الدين الرسمي للبلاد، إضافة إلى المساواة بين أبناء الإسبان من ناحية والإسبان المقيمين في المكسيك، بينما حقوق المخلطين تقل بعض الشيء. وهكذا تم الاتفاق على إعلان استقلال البلاد في المكسيك مستغلين انشغال إسبانيا بظروفها السياسية الخاصة، وبالفعل تم التوقيع على اتفاقية قرطبة في أغسطس (آب) 1821 بمشاركة ممثلين عن الدولة الإسبانية التي أعلنت استقلال البلاد، تبعها دخول الجيش المكسيكي العاصمة، فأقام إتوربيدي مجلسا Junta من العسكريين قام بدوره بتعيين كونغرس أو برلمان تضمن أغلبية مؤيدة لإقامة إمبراطورية مكسيكية يرأسها فرد من عائلة البوربون الإسبانية مقابل قوة أخرى ترى منح الحكم لإتوربيدي نفسه باعتباره الشخص الذي حسم دفة الأمور لصالح الاستقلال، وعندما رفضت إسبانيا التصديق على اتفاقية الاستقلال لم يجد البرلمان المكسيكي إلا خيار منح الإمبراطورية لإتوربيدي الذي انفرد بحكم البلاد من خلال مجموعة عسكرية تساند حكمه بجواره، ولكنه لم يدرك أن البلاد لن تقبل به ديكتاتورا بعدما ذاق الشعب الحرية، فاضطر الرجل للتنازل عن الحكم بعدما اتحد الجنرال سانتانا مع قائد جيوش إتوربيدي وتم الاتفاق على عزله من الحكم ليتولى فيكتوريا الحكم في البلاد، وتبدأ المكسيك في سلسلة من الفوضى السياسية التي دامت حقبا طويلة.
وهكذا أسفرت صرخة الآلام التي أطلقها «إيدالجو» لبدء شرارة الاستقلال لتنال المكسيك استقلالها المنشود بعد إحدى عشرة سنة عن الحكم الإسباني، عن خروج المكسيك من آلام المستعمر لتعاني آلام جهل بني الوطن كما سنرى.



أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
TT

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)
من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات المتبادلة و«المُتفق على موعدها وأهدافها» بين طهران وتل أبيب، ولتعود مخاطر عمليات تهريب المخدرات والسلاح على الواجهتين الشمالية والشرقية، وتدخل الجبهة الغربية على الحدود مع دولة الاحتلال على خطوط التهريب، لتعويض الفاقد من المواد المخدّرة في أسواق المنطقة.

سارع الأردن لتأمين سلامة أرضه، ومنع اختراق أجوائه، وممارسته لسيادته بعد ليلتين متباعدتين سعت طهران من خلالها إلى «حفظ ماء الوجه بتوجيه صواريخ لم تنجح في الوصول إلى أهدافها داخل إسرائيل». وبالنتيجة، أسقطت الدفاعات الجوية الأردنية صواريخ إيرانية في الصحراء الشرقية وعلى الحدود الشمالية مع سوريا.

وفي حين اعتبرت بعض الجهات أن «الدفاعات الجوية الأردنية انطلقت حماية لإسرائيل»، أكدت عمّان على لسان مصادر مطلعة أن «الضرورة تتطلب اعتراض أي صواريخ عابرة لسماء المملكة، بعيداً عن المواقع الآهلة بالسكان، ومخاطر تسبّبها بخسائر بشرية، أو أضرار مادية». وبالتالي، جاء القرار العسكري محصّناً بأولوية حماية أرواح الأردنيين. وأردفت المصادر من ثم أن «مَن يريد ضرب إسرائيل فأمامه حدود لبنان الجنوبية أو الحدود السورية مع الجولان المحتل»؛ لأن من هناك تكون الصواريخ الإيرانية أقرب لتحقيق أهدافها، بدلاً من إطالة المسافة بمرورها عبر سماء المملكة، واحتمالات سقوطها في مواقع حيوية على الحدود الغربية مع دولة الاحتلال.

في الواقع، تابع المواطنون الأردنيون ليلة الثالث عشر من أبريل (نيسان) وأيضاً في أكتوبر (تشرين الأول)، عرضاً ليلياً بإضاءات الدفاعات الجوية وإسقاطها صواريخ إيرانية عبرت فضاءات الأردن على وقع الكلام عن دعم طهران لغزة ضد العدوان الإسرائيلي، والانتقام لاغتيال إسماعيل هنية، رئيس حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، أثناء زيارته الرسمية للمباركة بفوز الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في انتخابات الرئاسة، وكذلك الانتقام من تصفية قيادات الصفوف المتقدمة في «حزب الله» اللبناني، وعلى رأسهم السيد حسن نصر الله يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي.

وفي المقابل، أمام التقدير العسكري الأردني في أولوية إسقاط الصواريخ الإيرانية أثناء عبورها سماء المملكة ومنع سقوطها بالقرب من مناطق سكنية، أكّدت عمّان، عبر قنوات اتصال أمنية مع إسرائيل، ورسائل أردنية إلى الإدارة الأميركية، تصدّيها لأي هجوم إسرائيلي على طهران قد يستخدم سماءها بذريعة الردّ على ضربات إيرانية محدودة في الداخل الإسرائيلي.

توضيح الموقف الأردني

هنا استعاد جنرالات أردنيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» ذاكرة المفاوضات مع إسرائيل قبل صياغة «قانون معاهدة السلام» المتعارف على تسميته «اتفاق وادي عربة من عام 1994»، ومنها تمسّكهم - آنذاك - بتحديد تل أبيب مدىً جغرافياً للرد على أي هجوم مُحتمل «على أن يضمن ذلك عدم انتهاك الأجواء الأردنية وإسقاط أي أجسام متفجرة داخل حدود المملكة الغربية». ومما سمعناه أن «نبوءة» المفاوضين الأردنيين من قيادات القوات المسلحة، كانت تقرأ مستقبل التطورات في منطقة متخمة باحتمالات الحرب، وموقع الأردن بين «فكي كماشة» بضم «محور الممانعة» من جهة وإسرائيل من الجهة المقابلة. وبناءً عليه؛ اضطر الجيش إلى التعامل مع الصواريخ الإيرانية العابرة التي قد تُسقط داخل الأراضي الأردنية. ومن المعلوم بأن الحدود الغربية مأهولة بالسكان؛ وبذا تبادر دفاعات الجيش الأردني الجوية بالرد على تلك الصواريخ دفعاً لسقوطها في الصحراء الشرقية بعيداً عن السكان، غير أن بعض حطام تلك الصواريخ وقع حقاً في مناطق من العاصمة ومحافظات الوسط، ولقد وثقتها كاميرات الهواتف الذكية فيديوهات، وجرى نشرها على منصات التواصل الاجتماعي.

إيمن الصفدي (رويترز)

نشاط عمّان الدبلوماسي ترك انطباعاً بأن انفتاح الحراك

على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي

لحماية المصالح الأردنية

عبر الأجواء السورية

من ناحية ثانية، وجّهت إسرائيل قبل أسبوع ضربة صاروخية على مواقع عسكرية إيرانية. وأفادت معلومات مؤكدة بأن مسار الرد الإسرائيلي كان عبر الأجواء السورية، بعد نجاح الاختراق الإسرائيلي من ضرب رادارات متقدّمة للدفاعات السورية. ولقد أعادت تل أبيب في هذا المشهد التأكيد على انتهاكاتها المستمرة بحق «دول الجوار»، وأمام صمت دولي ومباركة أميركية بعد توافر معلومات عن مواقع حددتها إسرائيل، ورأى مراقبون أن الرد جاء في سياق «معادلة ميزان القوى» في المنطقة ضمن حدود الحرب المنتظرة أو سياسة صناعة التوتر في المنطقة عبر «حرب استنزاف»، تسبّبت في سقوط آلاف القتلى والجرحى والمفقودين ومئات آلاف النازحين في غزة ومن جنوب لبنان.

زوايا حرجة في العلاقة مع إيران

توازياً مع ما سبق، وفي زيارة مفاجئة حمل وزير الخارجية أيمن الصفدي في الثامن من أغسطس (آب) الماضي رسالة من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، أكد خلالها الصفدي أن الزيارة جاءت «بتكليف من الملك عبد الله الثاني لتلبية الدعوة إلى طهران»، مضيفاً أن هدف الزيارة هو «الدخول في حديث أخوي واضح وصريح حول تجاوز الخلافات ما بين البلدين بصراحة وشفافية، والمضي نحو بناء علاقات طيبة وأخوية قائمة على احترام الآخر، وعدم التدخل في شؤونه، والإسهام في بناء منطقة يعمّها الأمن والسلام».

الزيارة والرسالة شكَّلتا «استدارة» أردنية في علاقتها مع إيران، ليتبعها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة لقاء جمع الملك الأردني وبزشكيان، في الثلث الأخير من سبتمبر الماضي، وهو لقاء بدأ موسّعاً بحضور بعض أركان وفدي البلدين، ثم اقتصر على مباحثات ثنائية لم يحضرها أحد، وظلّت تفاصيل اللقاء محفوظة لدى الزعيمين.

أيضاً، تلك الزيارة فتحت شهية البعض لـ«شيطنة» الموقف الرسمي الأردني واتهام عمّان بنقلها «رسالة تهديد» لطهران برد إسرائيلي حازم. غير أن الوزير الصفدي أكد في تصريحات رسمية مع نظيره الإيراني في حينه «أبلغت معالي الأخ بشكل واضح، لست هنا حاملاً رسالة إلى طهران، ولست هنا لأحمل رسالة لإسرائيل». وتابع أن «رسالة الأردن الوحيدة لإسرائيل أُعلنت في عمّان بشكل واضح وصريح، ومفادها وقف العدوان على غزة، ووقف جرائم الحرب ضد الشعب الفلسطيني، ووقف الخطوات التصعيدية، والذهاب نحو وقف فوري ودائم لإطلاق النار يتيح العمل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل... لن يتحقّق إلا إذا حصل الشعب الفلسطيني على حقوقه كاملة، وفي مقدمها حقه في الحرية والسيادة والكرامة في دولته المستقلة».

في مطلق الأحوال، ما كان المقصود من زيارة الصفدي الإيرانية تأكيد موقف حيال طهران وحلفائها فقط، بل كانت الزيارة في حد ذاتها رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الأردن «يملك خياراته السياسية في الدفاع عن سيادته على أرضه وسمائه، وأن واحداً من الخيارات هو فتح قنوات الاتصال على وسعها مع طهران وأطراف الصراع في المنطقة»، بحسب مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» آنذاك.

استقبال عراقجي وميقاتي

ما يُذكر أنه في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي استقبل الملك عبد الله الثاني في عمَّان، وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، وشدّد على «ضرورة خفض التصعيد بالمنطقة». وحذّر العاهل الأردني من أن «استمرار القتل والتدمير سيبقي المنطقة رهينة العنف وتوسيع الصراع»؛ ما يتطلب «ضرورة وقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان خطوةً أولى نحو التهدئة»، مجدداً التأكيد على أن «بلاده لن تكون ساحة للصراعات الإقليمية».

ثم أنه إذا كان استقبال الوزير الإيراني، الذي زار الأردن ضمن جولة عربية مهماً لعمَّان، فقد سبق هذه الزيارة بيومين وصول رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى العاصمة الأردنية ولقاؤه الملك عبد الله الثاني. وكان في جدول أعمال الزيارة:

- أولوية دعم الجيش اللبناني وسط احتمالات النزول إلى الشارع في ظل مخاوف من احتكاكات محتملة بين ميليشيات حزبية محسوبة على زعماء لبنانيين.

- الحاجة إلى تطبيق القرار الأممي بنشر قوات من الجيش اللبناني في مناطق الجنوب التي تخضع لسيطرة «حزب الله».

- الاستفادة من فرص وقف إطلاق النار عبر هُدن يمكن تمديدها.

واستكمالاً لعقد المباحثات مع «محور الممانعة»؛ طار الوزير أيمن الصفدي إلى دمشق، التي شكَّلت حدودها الجنوبية مع الأردن وعلى مدى أكثر من عقد ونصف العقد، حالة أمنية طارئة للجيش الأردني. ذلك أنه يتعامل باستمرار مع صد محاولات قوافل مهربي المخدّرات وعصابات السلاح لتجاوز الحدود؛ وهو ما استدعى مواجهات مسلحة واشتباكات نهاية العام الماضي أسفرت عن سقوط قتلى وإلقاء القبض على مهرّبين لهم اتصالات مع خلايا داخل المملكة.

الصفدي حمل رسالة شفوية من العاهل الأردني إلى الرئيس السوري بشار الأسد، لكن لم يُكشف عن مضمونها. مع هذا، نشاط عمّان الدبلوماسي على مدى أيام الشهر الماضي، ترك انطباعاً لدى جمهور النخب المحلية، بأن انفتاح الحراك الدبلوماسي الأردني على «محور الممانعة» يأتي من زاوية السعي لحماية المصالح الأردنية في ظل ما تشهده المنطقة من تصعيد عسكري خطير، وموقع المملكة على خطوط النار.

التهريب تهديد أمني

أردنياً، يُعتقد في أوساط الطبقة السياسية المطلعة، أن خطر تهريب المخدرات من الداخل السوري لا يزال يشكل «تحدياً أمنياً» كبيراً؛ الأمر الذي يستدعي إبقاء حالة الطوارئ لدى قوات حرس الحدود على امتداد الحدود الشمالية نحو (370 كلم) بين البلدين، لا سيما في ظل تحوّل مناطق في الجنوب السوري إلى مصانع إنتاج المخدرات، ونقلها من خلال عمليات التهريب إلى أسواق عربية وأجنبية عبر المملكة. ويضاف إلى ذلك النزف الاقتصادي المستمر منذ عام 2012، واستقبال اللاجئين وكُلف إقامتهم، وتراجُع أثر خطط الاستجابة الدولية للتعامل مع الدول المستضيفة للاجئين؛ إذ يستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري، معظمهم يقيمون خارج المخيمات التي خصصت لهم.

أمر آخر، يستحقّ التوقف عنده هو أنه لا يمكن فصل تلك الزيارة عن الملف الأردني الأهم، ألا وهو «الملف الأمني» المباشر. والحال، أنه لطالما بقي الجنوب السوري مسرحاً للميليشيات الإيرانية وغيرها، سيظل القلق الأردني من الخطر الآتي من الشمال، وبالتحديد، ستستمر المخاوف من تسرّب عناصر مسلحة بقصد «المقاومة» في فلسطين وعن طريق عمّان.

وبالفعل، جاء في بيان إن الرئيس الأسد والوزير الصفدي بحثا قضية عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم؛ إذ شدد الأسد على أن «تأمين العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين» هو «أولوية للحكومة السورية» التي أكد أنها قطعت شوطاً مهماً في الإجراءات المساعدة على العودة، خصوصاً في المجالين التشريعي والقانوني.وفي إطار الزيارة، أجرى الصفدي مباحثات موسَّعة مع وزير الخارجية والمغتربين السوري بسام الصباغ، ركّزت على جهود حل الأزمة السورية وقضية اللاجئين، ومكافحة تهريب المخدرات، إضافةً إلى التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة وجهود إنهائه.

الرئيس نجيب ميقاتي (إ.ب.أ)

 

حقائق

زيارة ميقاتي لعمّان... طلبتُ دعم أمن لبنان

فيما يخصُّ العلاقات الأردنية - اللبنانية، طلب الرئيس نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، في عمّان من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دعم الجيش اللبناني بصفته القوة القادرة على التعامل مع احتمال تطور استخدام سلاح ميليشيات حزبية متباينة المواقف والولاءات، مع استمرار القصف الإسرائيلي الليلي على مناطق في الضاحية الجنوبية، وفي جنوب لبنان.وللعلم، يوم 27 سبتمبر (أيلول) الماضي استقبل اللواء يوسف الحنيطي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية، في عمّان، قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون. وفي الواقع لم يخفِ الأردن الرسمي دعمه للجيش اللبناني وأولوية تزويده بكل الاحتياجات بصفته ضمانة لأمن لبنان وحامياً للسلم الأهلي، بينما المواقف بين الأحزاب السياسية والميليشيات المحسوبة عليها. وبموازاة أولوية تزويد الجيش اللبناني بمتطلبات فرض سيطرته لحماية الأمن الداخلي وتنفيذ استحقاق قرارات أممية، أعلنت عمّان أيضاً دعمها لجهود الاستقرار السياسي في لبنان عبر انتخاب رئيس جديد للبلاد، ما من شأنه تخفيف حدة الاحتقان والتوتر، خصوصاً بعد تطورات الأسابيع الأخيرة أمنياً وسياسياً على معادلات الإدارة السياسية للبلاد، وتحريك عمل مؤسسات لبنان الدستورية. وهنا يرى محللون أردنيون أن تراكم الفوضى على حدود المملكة الشمالية مع سوريا والشرقية مع العراق، وحالة اللااستقرار في لبنان التي تفاقمت مع استمرار العدوان الإسرائيلي، وزيادة نشاط خطوط تهريب المخدرات، وضع تجب مواجهته عبر مسارين: الأول، مسار أمني يتطلب رفع درجات التأهب لمنع أي اختراقات إيرانية للأمن الأردني، والثاني مسار سياسي يتعلق بمواصلة الجهود السياسية لاحتواء الخطر الراهن ومحاولة تجاوز أي تصعيد من شأنه دفع المنطقة وجوار الأردن نحو المجهول. ولكن في هذه الأثناء، واضح أن إسرائيل هي الأخرى تبحث عن إزعاج الأردن، بما في ذلك «عزف» حسابات خارجية على منصات التواصل الاجتماعي على وتر الفتنة، وإغراق الرأي العام في جدل الإشاعات وتأجيجها.