معرض الشارقة للكتاب يحتفي بمرور 35 عامًا على انطلاقته

تشارك فيه 1681 دار نشر عربية وأجنبية من 60 دولة

إقبال كبير على المعرض منذ الأيام الأولى
إقبال كبير على المعرض منذ الأيام الأولى
TT

معرض الشارقة للكتاب يحتفي بمرور 35 عامًا على انطلاقته

إقبال كبير على المعرض منذ الأيام الأولى
إقبال كبير على المعرض منذ الأيام الأولى

على مدى الـ34 عامًا الماضية، حرص معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي ينعقد حاليًا، بين 2 و12 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، على أرض المعارض الأكسبو في إمارة الشارقة، على أن يكون متميزًا على صعيد التنظيم والابتكار وتقديم الكلمة المقروءة. والمعرض في الأصل مشروع ذاتي أراد منه حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أن يساهم في خلق مجتمع قارئ، وأن يساهم الكتاب في تنمية الإمارة. وهو يعبّر أيضًا عن الشغف الذي يتميز به حاكم الشارقة، بوصفه كاتبًا ومؤلفًا وباحثًا. ولذلك يحرص على حضور افتتاحه، واللقاء بدور النشر العربية والعالمية.
ومن خلال هذه العناية والاهتمام، أصبح معرض الشارقة من أكثر المعارض حميمية في لقاء الجمهور مع دور النشر التي تتزايد في مشاركتها كل عام، حتى وصل عددها هذا العام إلى نحو 1681 دارًا جاءت من 60 دولة. وفي كل دورة، يفاجئ المعرض الجمهور بتظاهرة أو مشروع جديد من شأنه أن يدعم أنشطة المهرجان. وجديد هذا العام إطلاق جائزة جديدة باسم جائزة الشارقة للترجمة (ترجمان)، وتبلغ قيمتها المادية مليوني درهم، وهي جائزة عالمية في الترجمة والتأليف تهدف إلى تشجيع الترجمات العالمية الراسخة التي تتخذ من المنجز الإنساني الفارق في أبعاده الثقافية والفكرية منطلقات قومية ترتكز عليها في بناء حضارة الإنسان، ومد جسور التواصل بين الشرق والغرب، مع سعيها لدعم النشر الجاد القادر على تأكيد دور الكلمة، وتفعيل الأفكار الخلاقة القادرة على دفع المشهد الثقافي نحو التكامل المأمول.
وكما قال مدير معرض الشارقة أحمد بن ركاض العامري، لـ«الشرق الأوسط»، فإن حاكم الشارقة يؤمن بأن الثقافة هي الوسيلة الوحيدة لمّد الجسور بين الأمم. وقد درجت العادة على أن يوقع حاكم الشارقة كتبه الجديدة في أثناء افتتاح المعرض، ومؤلفه الجديد لهذا العام هو «صراع القوى والتجارة في الخليج: 1620 - 1820».
وفي يوم الافتتاح، تم الإعلان أيضًا عن الفائزين في جائزة «اتصالات» لكتاب الطفل، وحاز كتاب «أريد أن أكون سلحفاة» للكاتبة المصرية أمل فرح على جائزة أفضل نص وغيرها. ويحرص المعرض على أن يكرّم كل عام شخصية من الشخصيات العربية أو العالمية، وكان اختيار هذا العام هو وزير الثقافة اللبناني الأسبق غسان سلامة. كما يسعى المعرض إلى تكريم دور النشر، ومنح الجوائز التي شملت هذا العام جائزة الشارقة للكتاب الإماراتي، وجائزة أفضل كتاب عربي، وجائزة أفضل كتاب أجنبي، وجائزة الشارقة لتكريم دور النشر. وعلى مدى السنوات الـ34 الماضية، حرص معرض الشارقة الدولي للكتاب على أن يكون وجهة متفردة تحتضن القدرات الإبداعية الجماعية، وتتيح مناقشة الأحلام والأفكار والتحديات.
والمعرض زاخر بالفعاليات، ومن أهمها ندوة «الثقافة العربية.. من أين؟ وإلى أين؟» التي نظمتها هيئة الشارقة للكتاب، وشارك فيها كل من: الدكتور صابر عرب، والدكتور غسان سلامة، والدكتور مصطفى الفقي، وأدارها الإعلامي محمد خلف، والتي اتفق المشاركون فيها على أن الثقافة العربية تحتاج إلى المزيد من الدعم، كالذي تقوم به الشارقة بشكل متفرد في الوقت الحاضر، وأنه لا خوف على اللغة العربية باعتبارها هوية ثقافية من تقادم الزمان، وكثرة الآيديولوجيات المحيطة بها سابقًا ولاحقًا، وإنما هناك قلق من الثورة التقنية التي تفرض نفسها. وقد سخر الدكتور مصطفى الفقي من الرأي القائل إن اللغة العربية تقف عائقًا أمام مسيرة التقدم، في حين أنها استطاعت استيعاب جميع الحضارات السابقة، بما فيها الفرعونية والإغريقية واليونانية والرومانية، وواكبت جميع العلوم والمخترعات.
وفي ندوة «الكتابة بين الذهن والروح»، شارك كل من الكاتب الإماراتي علي أبو الريش، والمغربي طارق بكاري، والنيجيري أبو بكر آدم، الذين اتفقوا جميعًا على أن خطاب الروح يأخذ أبعادًا مختلفة، وأن الأدب هو موطن المشاعر. وأدار الندوة محمد ولد سالم. وقد أكد المشاركون على أن الكتابة الأدبية تختلف كثيرًا في أساليبها عن الكتابة العلمية، حيث تهدف الأولى إلى مخاطبة الروح والجماليات، فيما الثانية تقصد العقل. وبناءً على ذلك، اختلفت أساليب الكتابة الأدبية.
وفي ندوة «تاريخ إعارة الكتب»، أكد الدكتور عبد الحكيم الأنيس، الباحث في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، على أن الوصول إلى الكتاب بطريقة مجانية لا يكون إلا بالإعارة، وذلك خلال استعراضه لتاريخ إعارة الكتب، مضيفًا أن الجميع يسعى للحصول على المعرفة التي قد تكون مدفوعة الثمن، أو مجانية، ومؤكدًا أن مبدأ الإعارة قديم جدًا، وكان معروفًا ومنتشرًا لدى الأمم السابقة.
ويتميز المعرض بحضور دور النشر الأجنبية، ومنها دور النشر الهندية، فحجم الجالية الهندية الحالية يقدر بمليوني مقيم يقبلون على شراء كتبهم الآتية من القارة الهندية، وبأسعار رمزية. وقد التقى الجمهور مع المؤلف الهندي هيرانيا جاربام، وقدم س. جوبالا كريشنان محاضرة عن الهنود وشعب الملايا.
وللشعر نصيب كبير يتمثل في الأمسيات الشعرية، ومنها أمسية بعنوان «أجنحة القصيدة» شارك فيها كل من: الشاعر محمد بن عبد الرحمن المقرن (السعودية)، والشاعر علاء جانب من (مصر)، وأدارها الشاعر محمد البريكي. كما أن هناك أمسيات شعرية أخرى: الأولى بعنوان «أطياف»، بحضور الشاعرين سعيد معتوق وأكرم قنبس، وأدارها حمادة عبد اللطيف. والأمسية الثانية بعنوان «جماليات»، وتضم كلاً من الشاعرين جميل داري، وماجد عودة، وأدارتها منى أبو بكر.
وعادة ما تُقام هذه الأمسيات في المقاهي الأدبية المصاحبة للمعرض. ولعل مشاركة مجموعة كبيرة من الكتّاب والأدباء والمثقفين العرب يعطي زخمًا ثقافيًا كبيرًا للمعرض، وقد حضر هذا العام: أحلام مستغانمي، وواسيني الأعرج، ومحمد ربيع، وربعي المدهون الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2016، والقاص محمود شقير، وإبراهيم نصر الله الفائز بجائزة «كتارا 2016»، والشاعر العراقي فاضل السلطاني، ومحمد المقرن، والشيخ ماجد الصباح، وطالب الرفاعي، وشربل داغر، وجورج يرق، وحامد الناظر، وطارق بكاري، ومحمود حسن سالم، وغيرهم.
ولا يخلو المعرض في كل عام من العروض الموسيقية والمسرحية، فقد قدمت هذا العام فرقة «براينت آرت» الصينية عروض «سيرك بكين» المبهرة التي جذبت جمهورًا واسعًا، وخصوصًا من الأطفال، من أجل كسر إيقاع الروتين، من خلال الألعاب التي شارك فيها 12 لاعبًا ولاعبة استطاعوا أن يبرزوا مهاراتهم بألعاب الخفة اليدوية والرشاقة والأكروبات والقفز بطريقة بهلوانية.
ويأخذ المعرض زواره الصغار في رحلة للتعرف على المانجا اليابانية، في رحلة مميزة لإثراء خيال الأطفال، وتنمية إبداعاتهم الفنية، تحت عنوان «كن مبدعًا»، وهي عبارة عن ورشة فنية عن «شخصيات مانجا»، التي قدمتها الفنانة كارين روبيز من المملكة المتحدة. ويتعلم الأطفال المشاركون في الورشة كيفية رسم وجوه مختلفة اعتمادًا على أسلوب فن المانجا، وذلك من خلال مشاهدتهم للقصة، وإعادة رسم الشخصيات، حسب تخيلاتهم لها.
كما قامت الفنانة كارين بقراءة قصة للأطفال من التاريخ الياباني، وطلبت منهم بعد ذلك رسم وجه الشخصية، والأزياء التي ترتديها، ليكون لديهم قدرة على تخيل الأشكال المختلفة، واختيار أسلوبهم الخاص في الرسم، إضافة إلى رسم تعابير الشخصية لتوسيع مداركهم الفكرية.
ومن ضمن الفعاليات، وقعت الكاتبة الإماراتية المتخصصة بأدب الخيال العلمي نورة النومان الجزء الثالث من روايتها «أجوان» الذي يحمل عنوان «سيدونية»، لتستكمل بذلك السلسلة الروائية التي وضعت من خلالها حجر الأساس لأدب الخيال العلمي الإماراتي. وتنوعت فقرات العرض التي قدمها شارع سمسم خلال أكثر من ساعة ونصف الساعة، بعنوان «لنكن أصدقاء»، وهو العرض الأول له في الشرق الأوسط، حول موضوعات تعليمية في قالب غنائي ترفيهي، منها: الصداقة، والتواصل حول العالم، والطعام الصحي، وأهمية تنظيم الوقت لأداء العمل، والتعاون للحصول على النجاح، وغيرها.
والنحت على رصاص الأقلام نوع جديد من الفن يدخل الإمارات تحت أجنحة معرض الشارقة الدولي للكتاب، ليوجه رسائل من القلم إلى الجمهور، تبدأ بالبحث عن حقيقة الأشياء، وتنتهي بطلب المعرفة من الكتب التي سطرتها الأقلام؛ 10 قيم رمزية أطلقها المعرض هذا العام، وأبدعتها أنامل الفنان الروسي سلافت فيداي، فما هذه الرموز، وما الرسائل التي يوجهها المعرض للجمهور؟
إن دور النشر العربية والعالمية حاضرة بقوة هذا العام، وتنتظر تحقيق مبيعات كبيرة كما في السنوات الماضية، ولعل بيانات المبيعات التي تنشرها إدارة المعرض في خاتمة المعرض هي خير دليل على ذلك. ولكن ذلك لا يمنع وجود شكوى من دور النشر العربية من قلة الإقبال على اقتناء الكتاب في زمن انفجار الثورة المعلوماتية وطغيان الكتاب الإلكتروني.



«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد
TT

«سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد

هدى حمد
هدى حمد

صدرت حديثاً عن «منشورات تكوين» في الكويت متوالية قصصية بعنوان «سأقتل كل عصافير الدوري» للكاتبة العُمانيّة هدى حمد. وتأتي هذه المتوالية بعد عدد من الروايات والمجموعات القصصية، منها: «نميمة مالحة» (قصص)، و«ليس بالضبط كما أريد» (قصص)، و«الأشياء ليست في أماكنها» (رواية)، و«الإشارة برتقاليّة الآن» (قصص)، «التي تعدّ السلالم» (رواية)، «سندريلات في مسقط» (رواية)، «أسامينا» (رواية)، و«لا يُذكَرون في مَجاز» (رواية).

في أجواء المجموعة نقرأ:

لم يكن ثمّة ما يُبهجُ قلبي أكثر من الذهاب إلى المصنع المهجور الذي يتوسطُ حلّتنا. هنالك حيث يمكن للخِرق البالية أن تكون حشوة للدُّمى، ولقطع القماش التي خلّفها الخياط «أريان» أن تكون فساتين، وللفتية المُتسخين بالطين أن يكونوا أمراء.

في المصنع المهجور، ينعدمُ إحساسنا بالزمن تماماً، نذوب، إلا أنّ وصول أسرابٍ من عصافير الدوري بشكلٍ متواترٍ لشجر الغاف المحيط بنا، كان علامة جديرة بالانتباه، إذ سرعان ما يعقبُ عودتها صوتُ جدي وهو يرفع آذان المغرب. تلك العصافير الضئيلة، التي يختلطُ لونها بين البني والأبيض والرمادي، تملأ السماء بشقشقاتها الجنائزية، فتعلنُ انتهاء اليوم من دون مفاوضة، أو مساومة، هكذا تتمكن تلك الأجنحة بالغة الرهافة من جلب الظُلمة البائسة دافعة الشمس إلى أفولٍ حزين.

في أيامٍ كثيرة لم أعد أحصيها، تحتدُّ أمّي ويعلو صوتها الغاضب عندما أتأخر: «الغروبُ علامة كافية للعودة إلى البيت»، فأحبسُ نشيجي تحت بطانيتي البنية وأفكر: «ينبغي قتل كلّ عصافير الدوري بدمٍ بارد».

وهدى حمد كاتبة وروائيّة عُمانيّة، وتعمل حالياً رئيسة تحرير مجلة «نزوى» الثقافية.